9 مصاحف

9 مصاحف روابط 9 مصاحف

الأحد، 10 نوفمبر 2024

ج4وج5وج6.كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري.

 

 

 

 -ج4وج5وج6....

كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري


 

اولا ج4. كتاب : عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري

قال غيره: وقولُ الطَرِمّاح في القِلّة والخُمول:

لو كان يَخْفَى على الرَّحمن خافيةٌ ... من خَلْفِه خَفِيَتْ عنهُ بَنُو أسَدِ

ونحوه قولُ الآخر:

وأنت مَلِيح كلحم الحُوَا ... رِ لا أنت حُلْوٌ ولا أنت مُرّ

وكذلك قولُ جَريرٍ في التَّيم:

وأنّك لو رأيتَ عبيد تَيْم ... وتَيْماً قلتَ أيُّهما العبيدُ

ويُقْضَى الأمرُ حينَ تَغِيبَ تيمٌ ... ولا يُسْتَأذَنُون وهم شُهُودُ

أحسن ما قيل في الهيبة شعراً وأحسن ما قيل في الهيبة:

يُغْضِي حَيَاءً وُيغضى من مَهَابته ... فما يُكًلّمُ إلا حين يبتسِمُ

لمحمد بن أبي حمزة في مصلوب وأغرب ما قيل في مصلوبٍ قولُ محمد بن أبي حَمْزة مَوْلَى الأنصار:

لَعَمْرِي لئن أصبحتَ فوقَ مُشَذبٍ ... طَوِيلٍ تُعَفَيكَ الرياحُ مع القَطْرِ

لقد عِشْتَ مبسوطَ اليدين مُرَزَأً ... وعُوفيتَ عند الموت من ضغطة القبر

وأفْلِتَ من ضِيق التُراب وغَمه ... ولم تَفْقَدِ الدنيا فهل لك من شكر

لأعرابي في مجوسي وأغرب ما قيل في مجوسيٍّ قول أعرابيّ:

شَهِدْتُ عليك بطِيبِ المُشَاش ... وأنَّك بحر جَوادٌ خِضَم

وأنَّك سيدُ أهل الجَحيم ... إذا ما تَرَدَّيْتَ فيمن ظَلَمْ

لإبراهيم بن إسماعيل في دعي ومن أغرب ما قيل في دَعِي قولُ إبراهيم بن إسماعيل البنوي:

لو أنّ مَوْتَى تميم كلّها نْشِرُوا ... وأثبتوك لقيل الأمرُ مصنوعُ

مثل الجديدِ إذا ما زِيدَ في خَلَقٍ ... تَبَين الناسُ أن الثوبَ مرقوعُ

ونحوه قولُ الآخر:

أجارتَنا بَانَ الخَلِيطُ فأَبشِري ... فما العَيْشُ إلا أن يَبِين خليطُ

أعاتبُه في عِرْضِه ليصونَه ... ولا عِلْمَ لي أن الأميرَ لقِيطُ

لدعبل في مالك بن طوق ونحوه قولُ دِعْبِل في مالك بن طَوْق:

الناسُ كلًهُمُ يسعَى لحَاجته ... ما بين ذِي فَرَح منهم ومَهْموم

ومالك ظَل مشغولًا بنِسْبته ... يَرُم منها خَرَاباً غيرَ مَرْموم

يبني بيوتاً خراباً لا أنيسَ بها ... ما بين طَوْقٍ إلى عَمْرو بن كُلْثوم

التلطُّف في الكلام والجواب وحسن التعريض

بين معاوية وعقيل بن أبي طالب حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ترك عَقِيل عليَاً وذهب إلى مُعاوية، فقال معاوية: يا أهل الشأم، ما ظنكم برجلٍ لم يصلُحْ لأخيه. فقال عَقِيل: يا أهل الشأم، إن أخي خيرٌ لنفسه وشر لي، وإن مُعاوية شر لنفسه وخير لي.

قال: وقال مُعاوية يوماً: يا أهل الشأم، إن عمّ هذا أبو لَهَب. فقال عَقيل: يا أهل الشأم، إن عمة هذا حَمَالة الحَطَب. وكانت أمّ جميل امرأة أبي لهب وهي بنت حَرْب.

بين عبيد الله بن زياد وقيس بن عباد وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو هِلاَل عن قَتَادة قال: قال عُبَيد الله ابن زِيَر لقَيس بن عَبّاد: ما تقول فيّ وفي الحسين. فقال: أعفِني أعفاك الله! فقال: لَتَقُولَن. قال: يجيء أبوه يوم القيامة فيشفَعَ له، ويجيء أبوك فيشفَع لك. قال: قد علمتُ غِشّك وخُبْثك، لئن فارقتني يوماً لأضَعَنّ بالأرض أكثَرك شَعْراً.

لميمون بن مهران قيل لمَيْمُون بن مِهْران: كيف رِضَاك عن عبد الأعلى؟ قال: نِعْمَ المرء عمرُو بن ميمون.

بين عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن الزبير مر عمر بن الخطّاب بالصبيان وفيهم عبد الله بن الزبير، ففرّوا ووقف؛ فقال له عمر: ما لك لم تَفِر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أجْرِم فأخافَك، ولم يكن بالطريق ضِيق فأوسعَ لك.

جواب رجل لعبد الله بن طاهر حدّثني الفضلُ بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة قال: قال عبد الله بن طاهر ذاتَ يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطئ فأعاقَبك بكذا " لأمر عظيم " قلت له: أيها الأمير؛ كانت هذه عقوبتَه على الخطأ فما ثوابُه على الإصابة!.

بين قرشي وتغلبي

 

رأى رجل من قريش رجلاً له هيئةٌ رَثَّة، فسأل عنه، فقالوا: مِنْ تَغْلِب. فوقف له وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رِجْلين قَلّما وطئتا البطحاء، فقال له: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة، وهي لي عونك؛ وبطحاء ذي قار ، وأنا أحقُّ بها منك؛ وهذه البطحاء وسواء العاكفُ فيه والبادي.

بين معاوية وعبد الرحمن بن حسان حدثني سَهْل عن الأصمعيّ عن أبي عَمْرو بن العلاء أو غيره: أنّ معاوية عَرَض فرساً على عبد الرحمن بن حَسّان فقال: كيف تراه؟ قال: أراه أجَشَّ هَزيماً.

يريد قول النجاشِيّ:

ونَجَّى ابن حَرْبٍ سابحٌ ذُو علَالةٍ ... أجشُ هَزِيمٌ والرماحُ دَوَانِي

بين أبي بكر وطلحة بن عبيد الله حدّثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو سَلَمة عن حمَاد بن سلمة قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن محمد بن عَبَّاد المخزومي أن قريشاً قالت: قيِّضُوا لأبي بكر رجلاًَ يأخذه. فقيضوا له طَلْحَة بن عُبيد الله، فأتاه وهو في القوم فقال: يا أبا بكر قم إليّ. قال: إلامَ تدعوني؟ قال: أدعوك إلى عبادة اللات والعُزَّى. قال أبو بكر: مَنِ الَّلات. قال: بناتُ اللّه. قال: فمن أمّهم. فسكت طلحة وقال لأصحابه: أجيبوا صاحبَكم. فسكتوا؛ فقال طلحة: قم يا أبا بكر، فإني أشْهد أن لا إلهَ إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسولُ الله. فأخذ أبو بكر بيده فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأسلم.

بين عمر ورجل عن قندابيل حدثني محمد بن عُبَيد عن مُعاوية عن أبي إسحاق عن عًبيد اللّه بن عمر أنّ عمر قال: كل يُخبرنا عن قَنْدَابِيل؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ماؤها وَشَل، وتمرُها دَقَل، ولصها بَطَل؛ إن كان بها الكثيرُ جاعوا، وإن كان بها القليلُ ضاعوا. قال عمر: لا يسألني الله عن أحدٍ بعثته إليها أبداً.

بين مسروق وشريح في مرض زياد حدّثني أبو حاتم قال حدثنا الأصمعيّ قال: مَرِض زِيادٌ فدخل عليه شُرَيْح، فلما خرج بعث إليه مسروقُ بن الأجدع يسأله كيف تركتَ الأمير؟ قال: تركته يأمر ويَنْهَى. فقال مسروق، : إن شُرَيحاً صاحبُ تعريض فسَلُوه. فسألوه، قال: تركته يأمر بالوصيّة وينَهم عن البكاء.

ولابن شريح أيضاً في موت ابنه ومات ابن لشُرَيح ولم يشعرُ به أحدٌ، فغدا عليه قوم يسألون به، وقالوا: كيف أصبح من تَصِل يا أبا أميّة. فقال: الآن سكن عَلَزُه ورجاه أهلُه.

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني بعض الأعراب قال: هَوِيَ رجلٌ امرأة ثم تزوّجها، فأهدَى إليها ثلاثين شاةً وزِقّا من خَمْر، فشرِب الرسولُ في الطريق بعضَ الخمر وذبح شاةً؛ فقالت للرسول لمّا أراد الانصراف: اقرأ على مولاك السلام، وقل له إنّ شهرنا نَقَص يوماً وإن سُحَيْما راعي شائِناً أتانا مرثوماً. فلما أتى مولاه فأخبره ضربه حتى أقرِّ.

لأعرابي خطب إلى قوم ثم كره ذلك حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَطَب أعرابي إلى قوم، فقالوا: ما تبذل مر الصَّدَاق. وارتفع السجْف فرأى شيئاً كَرِهَه، فقال: واللّه ما عندي نَقْد، وأني لأكره أن يكون علي دَيْن.

بين سلم بن قتيبة والشعبي حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال سَلْم بن قُتَيبة للشَّعْبيّ: ما تشتهي؟ قال: أعز مفقود، وأهون موجودة قال: يا غلام اسقه ماء.

بين ابن عون وابن عمه المدائني قال: كان لابن عَوْنٍ ابن عمٍّ يُؤذيه، ولَاحَاه يوماً فقال له ابن عون، لمّا بلغ منه: لتسكتُنّ أو لأشتمِنّ مُسَيْلِمَة. فشهد بعد ذلك عند عُبيد اللهّ بن الحسن، فردّ شهادتَه.

بين المُغيرة بن شعبة ورجل شاوره في امرأة يتزوجها المدائني قال: قال المغيرة بن شعْبة: ما خَدَعني أحدٌ قط غير غلام من بني الحارث بن كعب، فإني ذكرت امرأة منهم، فقال: أيها الأمير! لا خير لك فيها، إني رأيت رجلاًَ قد خلا بها يقبلها. ثم بلغني بعدُ أنه تزوّجها، فأرسلت إليه فقلت: ألم تعلمني أنك رأيت رجلاًَ يقبلها. فقال: بلى! رأيت أباها يقبّلها.

من خطب لبائع سنانير على أنه نخاس دواب قال المدائني: أتى شريحاً القاضيَ قومٌ برجل، فقالوا: إن هذا خَطَب إلينا: فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدوابَّ؛ فلما زوّجناه، فإذا هو يبيع السنانير؛ قال: أفلا قلتم أيَّ الدوابّ تبيع؟ وأجاز ذلك.

ابن شبرمة وسؤال عيسى بن موسى له عن رجل لا يعرفه

 

المدائني قال: دخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شُبْرُمَة، فقال له: أتعرفه؟ وكان رُمِي عنده برِيبة؛ قال: نعم، إنّ له بيتاً وشَرَفاً وقَدَماً، فخلى سبيله فلما خرج قال له أصحابه: أعَرَفته؟ قال: لا، ولكني أعلم أن له بيتَاَ يأوي إليه، وشرفه أذناه ومَنْكِباه، وقَدمه هي قدمه التي يمشي عليها.

للشعبي وقد سُئِل عن رجل المدائني قال: سُئل الشعبيّ عن رجل، فقال: إنه لنافذ الطعْنة، رَكِين القعدة. يعني أنه خَياط، فأتوه فقالوا: غَرَرتنا. فقال: ما فعلت! وإنه لَكَما وصفت.

بين العريان بن الهيثم وابن باقلاني المدائني قال: أتيَ العُرْيانُ بن الهيثم بشابٍّ سَكران، فقال له: من أنت؟ فقال:

أنا ابن الذي لا ينزلً الدهرَ قِدْرُهُ ... وإن نزلتْ يوماً فسوف تعودُ

ترى الناسَ أفواجاً إلى شَوْء نارِه ... فمنهم قِيامٌ حولَها وقُعودُ

فظنّ أنه من بعض أشراف الكوفة فخلاه، ثم ندِم على ألاّ يكون سأله مَنْ هو، فقال لبعض الشُرَط: سَلْ عن هذا. فسأل، فقالوا: هو ابن بَيّاع البَاقِلي.

بين زياد وحارثة بن بدر الغداني دخل حارثةُ بن بحر الغُدَاني على زِياد، وكان حارثة صاحب شرابٍ وبوجهه أثر، فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك؟ فقال حارثة: أصلح الله الأمير، ركِبت فرساً لي أشقر فَحَملني حتى صَدم بي الحائط؛ فقال زياد: أما إنك لو ركبت الأشهب لم يُصبك مكروه: عَنَي زياد اللبنَ، وعني حارثةُ النبيذَ.

لقوم يشربون النبيذ فسقط الذباب في قدح أحدهم قعد قوم على نبيذ فسَقَط ذُباب في قَدَع أحدهم، فقال رجل منهم: غطً التميميّ. فقال آخر: غطَهَ فإن كان تميمياً رسَبَ، وإن كان أزْديَا طَفَا. قال رب المنزل: ما يسرني أنه كان قال بعضكم حرفاً. وإنما عنى أن أزْدَ عُمَان ملاحون.

بين رجل وامرأة كانت تأتيه المدائني قال: رأى رجلِ في يد امرأة كانت تأتيه خاتَمَ ذهب، فقال لها: ادفعي إليّ خاتمك أذكرك به. فقالت: إنه ذهَب، وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود لعلك تعود.

لأبي بكر في النبي صلى الله عليه وسلم حدثني الزياديّ قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صُهَيْب عن أنَس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مُردفاً أبا بكر شيخاً يُعْرَف، ورسول الله شابُّ لا يُعرف، فَيْلقَى الرجلُ أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، مَنْ هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل. فيحسب السامع أنه يهديه الطريق، وإنما يعني سبيلَ الخير.

بين عمر بن هبيرة وهو يساير سنان بن مكمل على بغلة كان سِنَان بن مُكًمل النمير في يُساير ابن هُبَيْرةً يوماً وهو على بغلة، فقال له عمر بن هبيرة: غُض من بغلتك؛ قال: كلا! إنها مكتوبة. أراد ابن هبيرة قول الشاعر:

فغضُ الطَرفَ إنًك من نُمَيْرٍ ... فلا كَعْباً لغتَ ولا كلَابَا

وأراد سنان قولَ الآخَر:

لا تأمَنَن فَزَارياً خَلَوْتَ به ... على قَلُوصك واكتبْها بأسيارِ

بين معاوية والأحنف في الشيء الملفف في البجاد حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال معاوية للأحنف: يا أحنف، ما الشيء الملفف في البِجَاد؟ فقال: هو السخِينة يا أمير المؤمنين. أراد معاوية قول الشاعر:

إذا ما مات مَيتٌ من تميم ... فسرَّك أن يعيش فجيء بزَادِ

بخُبْزٍ أو بتمر أو بسمنٍ ... أو الشي الملًففِ في البِجَادِ

وأراد الأحنف أن قريشاً تُعًير بأكل السخينة.

المدائني قال: سأل الحَرَسِي أبا يوسف القاضي عن السواد؛ فقال: النور في السواد. يعين نور العينين في سواد الناظر.

بين شيطان الطاق وخارجي المدائني قال: لقي شيطانَ الطاق خارجي فقال: ما أفارقك أو تبرأ من عليّ فقال: أنا من علي ومن عثمان بريء. يريد أنه من علي، وبريء من عثمان.

بين عمر ورجل عرضت به امرأته سمع عمر بن الخَطاب امرأةً في الطوَاف تقول:

فمنهنّ من تُسْقَى عذْب مُبَرَّدٍ ... نُقَاخ فتلكم عند ذلك قَرتِ

ومنهن من تُسْقَى أخضَرً آجنٍ ... أجَاج ولولا خَشْيةُ الله فَرتِ

فعلم ما تشكو، فبعث إلى زوجها فوجده متغير الفم، فخيره بين خمسمائة درهم أو جمارية من الفَيْء على أن يطلًقها، فاختار خمسمائة، فأعطاه وطلقها.

 

بين أحمد بن محمد وامرأة في محمد بن زانة حدّثني أحمد بن محمد أبو نصر الكاتب قال: كنت واقفاً بهذا المكان، وأقبلت امرأة من هذه الناحية، وغلامٌ من الناحية الأخرى أبيضُ الوجه رائعه، ونظرت إليه المرأة، فلما التقيا قالت له: ما اسمك يا فتى. قال: محمد. قالت: ابن من. قال: ابن زانة. وتبسم عن ثغر أفلج مختلف قبيح؛ فقالت: واحَرَبَاهُ على ما قال! فقلت لها: قد وقعتُ لك عليها. قالت: من أين قلت: من كنية أبي الخير النصراني كاتب سعيد الحاجب. أراد أن الياء إذا نُقلت عن أبي الخير إلى زانة، صار هذا أبا الخر، وصار هذا ابن زانية.

لابن أبي علقمة في بني ناجية مر ابن أبي عَلْقَمة بمجلس بني ناجية فكَبَا حمارُه لوجهه فضحكوا؛ فقال: ما يضحككم! إنه رَأى وجوه قُرَيش فسَجَد.

للجاحظ في أبى الهذيل يخاطب محمد بن الجهم قال عمرو بن بحر قال أبو الهذيل لمحمد بن الجَهْم وأنا عنده: يا أبا جعفر، إني رجلٌ منخرِق الكفّ لا ألِيق درهماً، ويدي هذه صَنَاعٌ في الكَسْب ولكنها في الإنفاق خَرْقاء، كم من مائة ألف درهمٍ قَسَمتها على الإخوان في مجلس وأبو عثمان يعلم ذلك! أسألُك باللّه يا أبا عثمان، هل تعلم ذلك. قال: يا أبا الهذيل ما أشك فيما تقول. قال: فلم يرضَ أن حَضَرتُ حتى استشهدني، ولم يرض إذ استشهدني حتى استحلفني.

لعلي بن أبي طالب قال المدائنيّ: بعث يزيد بن قَيْس الأرحَبيّ، وكان والياً لعليّ، إلى الحسن والحسين رضي اللّه عنهم بهدايا بعد انصرافه من الولاية وتَرَكَ ابن الحَنَفِيّة، فضرب علي - عليه السلام - على جنب ابن الحنفيّة وقال:

وما شَرُّ الثلاثةِ أمَّ عمرو ... بصاحِبِك الًذي لا تَصْبِحينا

فرجع يزيد إلى منزله وبعث إلى ابن الحنفية بهديّة سنية.

بين أعرابي ورجل في صورة خمسة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثني موسى بن محمد قاضي المدينة، قال: مرّ رجل بأعرابي يوقد في أصل مِيلٍ، فقال: كم على الميل. فقال: لستُ أقرأ، ولكنّ كتابه فيه. قال: وما كتابه. قال: مِحْجَنٌ وحَلْقَةِ سِمْط وثلاثة أطْباء وحَلْقَة مُذَنَبة " يعني صورة خمسة " .

بين سعد بن مالك وعمرو بن مالك بن ضبيعة قال أبو اليقظان: إن عمرو بن مالك بن ضُبَيْعة هو الذي قيل فيه:

لذي الحِلْم قبل اليوم ما تُقْرَعُ العصا ... وما علَمَ الإنسانُ إلّا ليَعْلَما

وذلك أن سعد بن مالك كان عند بعض الملوك، فأراد الملك أن يبعث رائداً يرتاد له منزلاً ينزِله، فبعث بعمرو فأبطأ عليه، فآلى الملك لئن جاء ذامًّا أو حامداً ليقتلنّه؛ فلما جاء عمرو وسَعْد عنده، قال سعد للملك: أتأذَنُ لي فأكلِّمه؟ قال: إذاً أقطع لسانك. قال: فأشير إليه قال: إذاً أقطع يدك. قال: فأومئ إليه. قال: أقطع حِنْوَ عينك. قال: فأقرَعُ له العصا. قال: اقرَعْ. فأخذ العصا فضرب بها عن يمينه ثم ضرب بها عن شماله ثم هَزَّها بين يديه، فلقن عمرو، فقال: أبيْتَ اللَعْنَ! أتيتُك من أرض زائرها واقف، وساكنُها خائف، والشَبْعىَ بها نائمة والمهزولةُ ساهرة جائعة، ولم أر خِصْباً محلاً، ولا جدباً منزلاً.

بين معاوية وعمرو بن العاص لما حُكَم أبو موسى وقَدِمَ ليحكم، دسّ معاويةُ إلى عَمْرو رجلاً ليعلم علمَه وينظر كيف رأيه؛ فأتاه الرجل فكلّمه بما أمره به، فعَضّ عمرو على إبهامه ولم يُجبه، فنَهَض الرجل فأتى مُعاويةَ فأخبره؛ فقال: قاتله اللّه أراد أن يُعلمني أني فَرَرْتُ قارحاً.

بين الحجاج وجبر بن حبيب في رجل سأله عنه الحجاج حدّثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: حدّثنا عيسى بن عمر قال: سأل الحجاج جبر بن حبيب عن رجل، وكره أن يعاقبه إن دلّ عليه، فقال: تركته والله جسداً يُحَرك رأسُه يُصَب في حلقه الماء، والله لئن حُمِلَ على سرير ليكونَنّ عليه عورةً؛ قال: فتركه.

لعلي بن أبي طالب في قتل عثمان رضي الله عنه وتفسير محمد بن سيرين لقول علي

 

حدّثني القاسم بن الحسن عن خالد بن خِدَاش عن حَمّاد عن مُجالد عن عُمَيْر بن روذي قال: خَطَبَنا علي عليه السلام فقال: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا أدخلها ولئن يدخل النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها؛ فقيل له: ما صنعتَ! فَرقتَ الناس! فَخَطَبهم فقال: إنكم قد أكثرِتم في قتل عثمان، ألَا وإن الله قَتَله وأنا معه. قال: فحدثنا خالد عن حَمّاد عن حَبِيب بن الشَهِيد عن محمد بن سِيرِينَ قال: كلمة عربيّه لها وجهان. أي وسيقتلني معه.

بين زياد وشريف من أشراف البصرة كنى عن مسكنه وولده سأل زيادٌ رجلاً بالبصرة: أين منزلك. فقال: وَاسِط. قال: ما لك من الولد؟ قال: تسعة. فلما قام، قيل لزياد: كَذَبك في كل ما سألته، ما له إلا ابن واحد، وإن منزلَه بالبصرة. فلما عاد إليه، قال: ذكرتَ أن لك تسعة من الولد، وأن منزلك بواسط؟ قال: نعم؟ قال: خُبٌرتُ بغير ذلك؛ قال: صَدَقتُ وصَدَقوك، دفنت تسعة بنين فهم لي، ولي اليوم ابن واحد ولست أدري أيكون لي أم لا، وأما منزلي إلى جانب الجبان بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، فأي منزل أوسط منه؛ قال: صدقت.

للمختار الثقفي حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال المختار لجنده: يا شُرْطة الله، ليَخرجَن إلى قريبِ على الكعبة الحرام دابَّةٌ له ستُّ قوائم وله رأسٌ بلا عُنُق، ثم التفت إلى رجل إلى جانب فقاَل: أعني اليَعسوب.

قول إبراهيم إذا لم يعجبه الرجل كان إبراهيم إذا لم يُعجبه الرجل قال: ما هو بأعجب الناس إلي.

قول مسلم بن يسار إذا غضب على البهيمة بلغني عن معاوية بن حَيان عن المبارك بن فَضَالة عن عبد الله بن مسلم بن يَسَار، قال: كان أبي إذا غَضِب على البهيمة، قال: أكلتِ سماً قاضياً.

قول الحسن إذا أخِذ من لحيته شيء حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا أبو قُتَيبة قال: حدثنا أبو المِنهال البَكْرَاويّ قال: كان الحسن إذا أخِذَ من لِحْيته شيء، قال: لا يكن بك السوءُ.

وللحسن أيضاً في الإجابة بآية من آيات القرآن الكريم وقيل للحسن: أتى رجلٌ صاحباً له في منزله وكان يصلي، فقال: أدخل؟ فقال في صلاته: " ادْخُلُوهَا بِسَلاَم آمِنِينَ " فقال: لا بأس.

لمحمد بن علي كان محمد بن عليٍّ إذا رأى مُبتلى أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا، ويقول: سَموهم بالحسن الجميل عباد الله، فتقولون: يا عبد الله بورك فيك.

لعلي بن أبي طالب في أبعد ما بين المشرق والمغرب والسماء والأرض قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: كم بين السماء والأرض. قال: دعوة مستجابة. قيل: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم " يعني للشمس " .

رشْم عمر بن مهران كانَ رشْمُ عمر بن مِهْران الذي يرشم به على طعامه: اللهم احفظه ممن يَخْطَفه.

لرجل من بين أسد وابنته وجماعة من بني فزارة خرج رجل من بين أسَد بإبل له يسقيها، ومعه ابنة له جميلة عاقلة، حتى دفع إلى ماء لبني فَزَارة، فسألهم أن يأذنوا له في سقي إبله؟ فقالوا: على ألا تجأجئ بها، قال: فإذاً لا تشرب شُرْبَ خير. قالوا: إن رَضِيتَ وإلا فانصرفْ. فقالت له الجارية: اشْرُطْ لهم ما طلبوا وأنا أكفيك. فأخذ الدلوَ، وجعلت الجارية ترتجز وتقول:

جاريةٌ شَبتْ شبابَ العُسْلُج ... ذاتُ وِشاحينِ وذاتُ دملُج

وذات ثَغْرٍ أشنب مُفلَّج ... وذات خَلْقٍ مُستتب مُدمج

في أبيات كثيرة، فشربت الإبل حتى رَوِيتْ من غير أن جأجأ بها.

بين أعرابيين تبايعا كبشاً وتبايع أعرابيان على أن يشرب أحدهما لبناً حازراً ولا يتنحنح، فلما شربه وتَقَطّع في حَلْقه؛ قال: كَبْش أملح؛ فقال صاحبه: فَعلَهَا ورب الكعبة! فقال: مَن فعلها فلا أفلح. وكان ما تبايعا عليه كبشا.

جواب أعرابي للأصمعي في شاء قال الأصمعي: قلت لأعرابي معه شَاءٌ: لمن هذه الشّاء؟ فقال: هي للّه عندي.

جواب سعيد بن جبير للحجاج حدثني أبو الخَطّاب قال: حدّثنا أبو داود عن عمَارة بن زاذان قال: حدثنا أبو الصهباء قال: قال الحجّاج لسَعيدِ بن جُبَيْر: اخْتَرْ أيَ قِتْلةٍ شئتَ. فقال له: بل اختر أنت لنفسك، فإن القصاص أمامك.

قول جعفر بن يحيى لهرثمة وقد ولي الحرس مكانه

 

وَليَ هَرْثمةُ الحرسَ مكان جعفر بن يحيى، فقال له جعفر: ما انتقلت عني نعمةٌ صارت إليك.

بين ابن القرية رسول الحجاج إلى هند بنت أسماء في تطليقها، وجواب هند أمر الحجاجُ ابن القِرية أن يأتي هندَ بنت أسماء فيطلقها بكلمتين، ويُمَتَعها بعشرة آلاف درهم؛ فأتاها فقال لها: إن الحجّاج يقول لك: كنتِ فبِنْتِ، وهذه عشرة آلاف مُتْعة لك؛ فقالت: قل له: كنا فما حَمدنا، وبِنّا فما ندمْنَا؛ وهذه العشرة الآلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي.

لابن سفيان بن عُيَيْنة سئل سُفيان بن عُيَيْنة عن قول طاوُس في ذَكَاة السمك أو الجراد. فقال ابنه عنه: ذَكَاتُه جدُه.

ليزيد بن المقنع في بيعة يزيد بن معاوية اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة، فقام رجل من عُذرَة يقال له يزيد بن المقنّع، واخترط من سيفه شبراً، ثم قال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن يَهْلِكْ فهذا، وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: أنت سيد الخطباء.

بين ابن شبرمة وحجازي قال رجل من أهل الحجاز لابن شُبْرُمَة: مِنْ عندنا خَرَجَ العلمُ. قال ابن شبرمة: ثم يَعُدْ إليكم.

بين معاوية وابن عباس قال المدائنيّ: قال معاويةُ لابن عبّاس: أنتم يا بني هاشِم تُصابون في أبصاركم. فقال ابن عباس: وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم.

وقال له معاوية: ما لبينَ الشَبَق في رجالكم؛ فقال: هو في نسائكم أبْيَن.

بين ابن ظبيان التيمي وزُرعة بن ضمرة أبو اليقظان قال: قال ابن ظَبْيان التًيْمي لزُرْعة بن ضَمْرَة: لقد طلبتك يوم الأهواز و ظَفِرتُ بك لقطعت منك طَابِقَاً سُخْنا. قال: أفلا أدلُك على طابق هو أسخن وأحوج إلى القطع؟ قال: بلى! قال: بَظْرٌ بين إسْكَتَيْ أمّك.

بين الحجاج والفضيل بن بزوان أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلي الفُضَيْل بن بَزَوَان العدواني، وكان خيراً من أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك. قال: أوَ يُعفيني الأمير؟ فأبى وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهَرَب، فأخِذَ وأتِيَ به الحجاجُ، فقال: يا عدو الله؛ فقال: لستُ لله ولا للأمير بعدوّ؛ قال: ألم أكرمك! قال: بل أردتَ أن تُهينني. قال: ألم أستعملك! قال: بل أردت أن تستعبدني. قال: " إِنًمَا جَزَاءُ الًذِينَ يُحَارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ " الآية؛ قال: ما استوجب واحدةً منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك. وأمر رجلاً من أهل الشأم أن يضرب عُنقه ما كُتب في زوايا مجلس زياد بالكوفة سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني حجر بن عبد الجبار عن عبد الملك بن عُمَيْر قال: كان في مجلس زياد، الذي يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زوياه كتاب بقلم جليل: " الوالي شديد في غير عنف، لين في غير ضعف؛ الأعْطِية لإبًانِها، والأرزاقُ لأوقاتها؛ البُعُوث لا تجَمَر. المحسن يُجْزَى بإحسانه، والمسيء يُؤْخذ على يديه " كلما رفع رأسه إلى زاوية قرأ ما فيها.

بين الحجاج وأبو الجهم بن كنانة قال سليمان: وحدثنا أبو سفيان الحميري قال: أبْلَى أبو جَهْم بن كِنَانة يوم الراوية، فقال له الحجاج: من أنت؟ قال: أنا أبو جهم بن كنانة. قال له الحجاج: قد زدناك في اسمك ألفاً لاماً فأنت أبو الجهم، وزدنا في عطائك ألفاً.

بين معاوية وشدّاد بن أوس في المفاضلة بين علي ومعاوية العباس بن بَكار عن عُبَيد الله بن عمر الغَسّاني عن الشعبيّ قال: قال مُعاوية لشَدّاد بن أوس: يا شدّاد، أنا أفضل أم علي؟ وأينا أحبُّ إليك؟ فقال: علي أقدمُ هِجْرةً، وأكثرُ مع رسول الله إلى الخير سابقةً، وأشجعُ منك قلباً، وأسلمُ منك نَفْساًة وأما الحبّ فقد مضى عليّ، فأنت اليوم عند الناس أرجى منه.

قول الأحنف لمعاوية في يزيد قال الأحنفُ لمعاوية في كلام: أنت أعلمُنا بيزيد في ليله ونهاره، وسرّه وَعلانيَته، فلا تلقمه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

بين جامع المحاربيّ والحجاج

 

خطب الحجّاجُ فشكا سوءَ طاعة أهل العراق؛ فقال جامع المحاربيّ: أمَا إنهم لو أحبُوك أطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك، فدع ما يباعدهم منك إلى ما يقرِّبهم إليك، والتمس العافيةَ فيمن عونك تُعْطَها ممن فوقك، وليكن إيقاعُك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدِك. فقال الحجاج: واللّه ما أراني أردّ بني اللًكِيعة إلى طاعتي إلا بالسيف. فقال: أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخِيار. قال الحجاج: الخِيَار يومئذ لله، قال: أجل! ولكنك لا تدري لمن يجعله الله. فقال: يا هَنَاهُ، إنك من مُحارب! فقال جامع:

وللحرب سميناً وكنا مُحارباً ... إذا ما القَنَا أمسى من الطعن أحمرا

فقال الحجاج: والله لقد هَمَمتُ أن أخلع لسانك فأضربَ به وجهك. فقال له: يا حجاج إن صَدَقْناك أغضبناك، وإن كَذَبناك أغضبنا الله، فَغَضبُ الأمير أهونُ علينا من غضب الله.

بين شيخ من قضاعة وعجوز ترشده الطريق قال الأصمعي أخبرنا شيخٍ من قضَاعة، قال: ضَلَلْنا مرةً الطريقَ فاسترشدنا عجوز فقالت: استبطِن الواديَ وكن سيلا حتى تبلُغَ.

كتاب معاوية إلى قيس بن سعد وجواب قيس ابن الكلبي قال: كتب معاوية إلى قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت يهودي، إن ظَفِرَ أحبُّ الفريقين إليك عَزَلك واستبدل بك، وإن ظفر أبغضُهما إليك قتلك وزرَ بك، وقد كان أبوك وَتَرَ قوسَه ورمى غَرَضَه، فأكثر الحَز وأخطأ المَفْصِل، فخذلك قومُه، وأعردَ يومُه، ثم مات طريداً بحَوْران؛ والسلام. فكتب إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً وخِرِجت منه طوعاً، لم يقمُ إيمانك ولم يحدُث نِفاقك، وقد كان أبي وَتَر قوسه ورمى غرضه، وشَغب عليه من لم يبلُغ كعبه ولم يشُق غُباره، ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداءُ الدين الني خرجت إليه؟ والسلام.

بين الأعمش وخالد بن صفوان قال يحيى بن سَعِيد الأموي: سمعت الأعمش يقول لخالد بن صَفْوان: شَعَرت أن منزلك لا يُعرف إلا بي حتى يقال عند منزل الأعمش؛ فقال خالد: صدقتَ، مثل حمام عنترة، ويقال وردان وبيطار " حيان " .

بين الربيع وشريك بين يدي المهديّ قال الربيع لِشَريك بين يدي المهديّ: بلغني أنك خُنت أمير المؤمنين. فقال شَرِيك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبُك.

بين عربي ورجل من الموالي قال رجل من العرب: أرِيتُ البارحةَ في منامي كأني دخلت الجنةَ فرأيت جميع ما فيها من القصور، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: للعرب. فقال رجل عنده من الموالي: أصعِدتَ الغرف؟ قال: لا. قال: فتلك لنا.

بين قتيبة بن مسلم وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان وكتب قُتَيبة بن مسلم إلى عُبيد الله بن زياد بن ظَبْيان: أما بعد، فإن عشمشم أعشى الشجر. فكتب إليه ابن ظَبْيَان: من ذلك الشجر كان بَرْبَطُ أبيك. يعني مسلم بن عمرو، وكان مغنيِّاً ليزيد بن معاوية.

بين بحر بن الأحنف وجارية أبيه قال بَحْر بن الأحنف لجارية أبيه زَبْرَاء: يا فاعلة. فقالت: لو كنتُ كما تقول أتيتُ أباك بمثلك.

مثله بين رجل وابنه وقال رجلاً لابنه: يابن الفاعلة. فقال: واللهّ لئن كنتَ صدقتَ ما فعلَتْ حتى وجدَتْك فحلَ سوء.

بين ابنة الخس ورجل أراد امتحان عقلها أتت ابنةُ الخُسّ عُكَاظ، فأتاها رجل يَمتِحن عقلَها ويمتحِن جوابَها، فقال لها: إني أريد أن أسألكِ. قالت: هاتِ. قال: كاد، فقالت: المنتَعِل يكون راكباً. قال: كاد؛ قالت: الفقر يكون كُفْراً. قال: كاد؛ قالت: العَرُوس تكون مَلِكاً. قال: كاد؛ قالت: النَعَامة تكون طائراً. قال: كاد؛ قالت: السرار يكون سَحَراً. ثم قالت للرجل: أسألك. قال: هاتي. قالت: عجبت؛ قال: للسباخ لا ينبت كلؤُها ولا يجف ثراها. قالت: عجبت؛ قال: للحجارة لا يكبَرُ صغيرُها ولا يَهْرَم كبيرُها. قالت: عجبت؛ قال: لشُفْرِك لا يُحْرَك قعرُه ولا يُملأ حفرُه.

المدائي قال: كان عُرَام بن شُتَيْر عند عمر بن هُبَيْرة، فألقى إليه ابن هبيرة خَاتَمه وفصه أخضر، فعقد عرام في الخاتم سَيْراً. أراد عمر قول الشاعر:

لقد زَرِقَتْ عيناك يابن مُكَعْبَرٍ ... كَما كُل ضَبي من القوم أزرقُ

وأراد عُرَام:

لا تأمنن فَزَارِياً خلوتَ به ... على قَلُوصك واكْتُبها بأسيارِ

 

قال جرير للأخطل: أزقتُ نومَك، واستهضمت قومَك؛ قال الأخطل: قد أزقت نومي، ولو نِمتُ كان خيراً لك.

لعمرو بن العاص يخطب بصفين أراد معاويةُ أن يخطُب بصِفَينَ فقال له عمرو بن العاص: دعني أتكلم، فإن أتيتُ على ما تريد وإلا كنتَ من وراء ذلك. فأذِنَ له؛ فتكلم بكلمات، قال: قلموا المُسْتَلْئِمَة وأخرو الحُسر، كونوا مِقص الشارب، أعيرونا أيدِيَكم ساعةً، قد بلغ الحق مَفْصِلَه، إنما هو ظالم أو مظلوم.

بين عبد الملك بن مروان وأعرابي يصف الخمر حدثني ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن التميمي عن عبد الله بن أحمد بن الوَضَّاح، قال: دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان؟ فقال له: يا أعرابي صف الخمر فقال :

شمول إذا شُجت وفي الكأس مُزة ... لها في عِظَام الشاربين دَبيبُ

تُريك القَذَى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قُطُوبُ

فقال: ويحك يا أعرابي! لقد اتهمك عندي حسنُ صفتك لها. قال: يا أمير المؤمنين واتهمك عندي معرفتُك بحسن صفتي لها.

مقطّعات ألفاظ تقع في الكِتاب والكلام

لو أخطأتُ سبيلَ إرشادك، لما أخطأتُ سبيلَ حسن النية فيما بين وبينك.

لو خطر ذلك ببالي من فعلك، ما عرّضتُ سترَ الإخاء للهَتْك بيني وبينك.

قد أحسنت في كذا قديماً. وفعلُك كذا إحدى الحُسْنَيَيْن بل ألطفهما موقعاً.

أنت رجكٌ لسانُك فوق عقلك وذكاؤك فوق حزمك. فقَدِّم على نفسك مَنْ قدمك على اللّه يعلم أنك ما خطرتَ ببالي في وقتٍ من الأوقات إلا مَثَّلَ الذكرُ منك لي محاسنَ تزيدني صبابةً إليك وضَنًّا بك واغتباطا بإخائك.

لعل الأيام أن تُسهِّل لأخيك السبيل إلى ما تقتضيه نفسُك من بِرك ومعَاوضتك ببعض ما سَلَف لك.

ما هذا الغباء العجيب الذي إلى جانبه فِطنةٌ لطيفة.

حكمُ الفَلَتات خِلافُ حكم الإصرار.

من أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يُؤخذ بالعين، كان حَرِياً أن يخطئ في باطن دينه وفيما يؤخذ بالعقل.

ومن أوّل ما أحب أن أوثَرِك به وأقضِيَ فيه واجبَ حقك، تنبيهُكَ على عظيم ما لله عندك، وحَثُّك على الازدياد مما يَزيدك.

من كان بمثل موضعك فجُمِعَ له حمدُ إخوانه ورضا مُعامِليه والاستقصاءُ مع ذلك لمن استكفاه، فقد عَظُمت النعمةُ عليه، ولا أعلم بما أسمع فيك إلا أنك كذلك والحمد للّه.

ما أغنى الفقيرَ عن الحمد، وأحوجَه إلى ما يجد به طعمَ الحمد! قد حَسدك من لا ينام دون الشَفاء، وطلبك من لا يُقصِّر دون الظفر، فاشدُد حَيَازِيمَك وكن على حَذر.

أنت تَتَجَنى على مالك لتُتلفه بأسباب العِلَل، كما يدفع عنِ ماله البخيلُ بوجوه الاعتلال.

أنت طالبُ مَغْنَم، وأنا دافعِ مَغْرَم، فإن كنتَ شاكراً لما مَضى، فاعذرْ فيما بَقي.

مكرُك حاضر، ووفاؤك متأخر.

أنا راضٍ بعفوك، باذل لمجهودي.

نوائب الأيام رمَتْ به ناحيتك؛ وإذا رأيتَه أنبأك ظاهرُه عن باطنه ودعاك إلى محبّته قبوله، وهو في الأدب بحيث المستغنى عن النسب.

قد آن أن تَدَع ما تسمع لما تعلم وإلَّا يكون غيرُك فيما يُبلغك أوثَقَ من نفسك فيما تعرِفه.

هذا فلان قد أتاك على رِقَةٍ من حاله وبُعْدٍ من شُقَّته، فَنَشدْتُك الله أن تقدم شيئاً على تصديق ظنّه وسد خَلّته وبَلِّ ما يَبست هذه النكبةُ من أديمه، فإنه غَذِي نعمةٍ وخدينُ مُروعة.

أنا أسأل اللهّ أن يُنجز لي ما لم تزل الفِرَاسة تَعِدُنِيه فيك.

الحِّريةُ نسبٌ.

فهمت ما اعتذرتَ به في تأخرك، وغضضتَ به منى طَرْفاً طامحاً إليك ونفساً تَوّاقةً إلى قُرْبك.

وَصَلَ كتابك فكان موقعه مَوْقِعَ الروح من البَدَن. فإن أمير المؤمنين يحب ألا يَدَع سبيلاً من سُبُل البر وإن عَفَا ودَثَر إلا أناره وأوضح مَحَجًته، ولا خَلَّة من خلال الخير لا أولَ لها: اهتبل الفرصة في إنشائها، واختيار مَكرمة ابتدائها، لتجِبَ له مساهمةُ الفارِط في أجره ويكونَ أسوةَ الغابر في ثوابه.

لولا وجوبُ تقديم العذر لصاحب السلطان، في الذهول عن مواصلة من يجب عليه مواصلته، بما يستولي عليه من الشغل بعمله، إذاً لكَثُرَ العَتْبُ.

إنك لكل حسن أبليته، ومعروف أسديتَه، وجميل أتيتَه، وبَلَاءٍ كان لك ربيتَه، أهلٌ في الدين والحَسَب القديم.

لك - أعزّك اللهّ - عندي أيادٍ تشفَعُ لي إلى محبّتك، ومعروف يُوجب عليك الرب والإتمام.

 

أفعال الأمير مختارةٌ كالأماني، متصلة عندنا كالأيام؛ ونحن نختار الشكر لكريم فعله ونُواصل الدعاء والذكر مواصلةَ بِره.

أبدأ بذكر يحك التي أجارتني على صرف الزمان، وَوَقَتْنِي نوائب الأيام، وثمرت لي بقية النعمة وصانت وجهي عن استعباد مِنَن الرجال، وبَسَطتْ لي الأملَ في بلوغ ما ناله بك من رفعت خسيستَهَ ونوّهتَ بذكره، وأعانتني على إتباع مذهب الماضين من سلفي في الوفاء لكم، حماية النعمة عليهم بكم عن أيدي غيركم، حتى خَلَصتْ لهم منكم فعَزُوا، ولم يشغَلوا شكرَهم بغيركم حين شكروا، ولم يحتملوا صنيعة لسواكم لما اعتدوا، ولم تتشعبهم الدنيا عنكم اضطُروا.

إنّ اللّه أحلَّك منا أهلَ البيت محلاً نراك به عِوَضاً من الغائب، وخَلَفاً من الهالك، حقك مخصوصاً بضرائنا إذ كنت ولي سَرّائنا، وكنا لك الجوارح نألَمُ لكل ما ألِمَ منها.

نحن نعوذ بالله من سَخَطك، ونستجير به من غَضَبك، ونسألك النظر فيما كتبنا به صادقين، كما سمِعتَ قَصَص الكاذبين، فإنا على سلامةٍ مما رَقًوه.

كتبي - أعزك الله - تأتيك، في الوقت بعد الوقت، على حسب الدواعي، وإن كان حقّك ومني ألا تُغبك، لولا ما أتذكر من زيادتها في شُغلك.

أنت الحامل لكل إخوانه، الناهضُ بأعباء أهل مودته، الصابرُ على ما ناب من حقوقهم.

كنتُ أمس - أكرمك الله - عليلاً، وركبتُ اليوم على ظَلَع ظاهر ورِقَة شديمة، فلما صرفتُ أمرتُ بإغلاق الباب للمتودع، ووافق ذلك من سوء نيتك وإرصادِك صديقَك بما يستدعي عَتْبَك عليه وعتبَه عليك ما وافق.

لا أزال - أبقاك الله - أسأل الكِتابَ إليك في الحاجة، فأتوقف أحياناً توقف المبقي عليك من المؤونة، وأكتب أحياناً كتاب الراجع منك إلى الثقة والمعتمد منك على المقَة، لا أعدمَنا الله دوام عزك، ولا سَلَب الدنيا بَهْجتَها بك، ولا أخلانا من الصّنع لله، على يدك وفي كنفك، فإنا لا نعرِف إلا نعمتك، ولا نجد للحياة طعماً ونَدى إلا في ظِلّك.

إن كان هذا مما ترضاه لي، فلست ألتمس أكثر منه، وقوفاً بنفسي عند الحظ الذي رَضِيتَه أنا واللّه أراك في رتبة المنعم إجلالاً، وبمحل الشقيق من القلب محلةً وإخلاصاً.

أما شكري فمقصورٌ على سالف أياديك، وبه قصور عنه فكيف يتسع لما جَددته!.

للّه عندك نِعَم جِسام تتقاضاك الشكر. وَقَاك الله شرّ نفسك، فإنها أقرب أعدائك إليك.

ولم أزل وجِلاً من حادثة كذا عليك، إذ كان ما ينالك - لا أنالك الله سوءاً - متّصلاً بي ومُدخِلاً الضرر علي في رُكنٍ منك أعتمد عليه، وكَنَفٍ لك اشْتَنْرِي به.

وَصَلَ إليّ كتابٌ منك، فما رأيت كتاباً أسهلَ فنوناً، ولا أملس متوناً، ولا أكثر عيوناً، ولا أحسن مقاطعَ ومطالع، ولا أشد على كل مَفْصل حزَا منه؛ أنجزت فيه عدةَ الرأي وبشرى الفِراسة، وعاد الظن بك يقيناً، والأملُ فيك مبلوغاً.

لا غيّبك الله عن مواطن العز والصنع، وأشهمك إياها بعلو يدك، وهُبوب رِيحك، واستفادة جميع أهلها بزمامِ طاعتك.

قد رميت غرّضَ الحق بسهم الباطل وحللت عِقال الشر.

كنتُ سالماً إن سَلِمتُ من عَتْبك.

أنا أتوسل إليك بحسن ظني بك، وأسألك بحق صبري على ظُلمك لما أسعفتَ بما سألتُك.

ليس ينبغي لك أن تستبطئ فهمي وقد أسأتَ إفهامي.

مَنْ أبعدُ من البُرْءِ من مريضٍ لا يُؤتَى في دائه إلا من جهة دوائه، ولا في علته إلا من قبل حِمْيتَه!.

لستُ في حال يقيم عليها حر أو يرضَى بها كريم، وليس يرضَى بهذا الأمر إلا من ينبغي لك أن ترضَى به.

قد شِخْتُ في ذَرَاك وهَرِمت في ظلّك، فإمّا رددتَ علي شبابي وأعدتَ إلي قوتي، وإما دفعتَ إليّ ما ينوبُ عن الشباب ويجبُرُ الضعف، ولا بدّ من أحدهما، فاختَرْ لنفسك واخرُج إلينا من هذا الدَين؛ فقد أمسكنا عن التقاضي ما أمكن، وصَبَرنا على المواعيد ما صَلَح؛ ودَعْنا من الحَوَالة فإنّ الصنيعةَ لا تتمّ بالحَوالة؛ وإن جاز أن تقيم لنا زعيماً بالنعمة، جاز أن نقيم لك زعيما بالشكر، وإن جاز أن نُؤمّلك ويحقِّق آمالَنا غيرك، جاز أن نشكر غير المُنعم ونأمُل غير المصطنع.

ما أستعظم أن تَسبِقَ إلى حَسَنٍ بل أستعظم أن تُسبَقَ إليك وتُغلَبَ عليه.

لئن كنتَ جاوزتَ بي قَدْري عندك لَمَا بلغتُ بك أملي فيك.

لا يَقبضك عن الأنْس بي تقصيرُك في البِرّ.

 

بلغتني عِلّتك فنالني من ألمها، وغالني مما مسّك فيها حسبُ حقّك وما يخُصّني من كل حالٍ تصرّفت بك.

أعتذر إليك من تأخر كتبي عنك بترامي النُّقلة وتقاذُف الغُرْبة وعدِم الطمأنينة، فإني منذ شارقتُك كما قال القائل:

وكنتً قذَاة الأرض والأرض عينُها ... تُلَجْلج شخصي جانباً بعد جانبِ

إني - أعزَك الله - على تشوّقك متزيد، فما أحاشِي بك أحداً، ولا أقف لك على حسنةٍ بوماً إلا أنسَتْنِيها لك فَضْلةُ غده.

الحمد للّه الني جعل الأمير معقودَ النيّةِ بطاعته، مطويَ القلب على مُناصحته، مشحوذَ السيفِ علىِ عدوّه؛ ثم وَهَب له الظفرَ، ودوّخ له البلاد، وشرّد به العدو، وخصّه بشَرَف الفتوح العِظام شرقاَ وغرباً، وبرّاً وبحراً.

إلى الله أشكو شدّة الوحشة لغَيْبتك، وفَرْطَ الجَزَع من فِراقك، وظلمةَ الأيام بعدك؛ وأقول كما قال حبيب بن أوْس:

بَينَ البَيْنُ فقدَها قلّما تع ... رفُ فقداً للشمس حتَى تَغِيَبا

ورد كتابُك، فيا لَهُ وارداً بالرِّيَ على ذي ظَمَأ! ما أنقعه للغليل، وأعدَلَ شهادتَه لك بكرم العقد، وصدق الود وحُسن المغيب، ورعاية حق التحَرُّم، وبُعدِ الشيمة من شِيَم أهل الزمان إلا من عَصم اللّه، وقليلٌ ما هم، ولله أبواك لقد أوجداك.

قد أجل الله خَطَرَك عن الاعتذار، وأغناك في القول عن الاعتلال، وأوجب علينا أن نقنَعَ بما فعلتَ، ونرضى بما أتيت وَصَلْتَ أو قَطَعت، إذ وَثقنا بحُسن نيّتك ونَقَاء طونتك، وألزِمنا أن نأخذ أنفسَنا لك بما لا نُحمِّلك مثله، ولا نلتمس منك مقابلة به.

ما أخْر كتبي عنك إلا ما أنا عليه من إيثار التخفيف بقطع الكتب، إلا عند حقٍّ يقع فأقضيه، أو نعمةٍ تُحدث فأهنيه بها، والقصدِ للزيادة في البِرّ بالزيادة في الغيب، واستدعاءِ دوام الوِداد بانتهاز فُرَص الوصل.

كتاب المؤلف إلى محمد بن عبد اللّه بن طاهر وكتبتُ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: أمّا شكري للأمير على سالف معروفه فقد غَارَ وأنجد. وأمّا ابتهالي إلى الله في جزائه عني بالحُسْنَى فإخلاص النيّة عند مَظَانّ القَبول. وأمّا أملي فأحياه على بُعد العهد بلاؤه عندي، كان ما تقدّم منه شافعاً في المزيد، وفسحةُ وعدِه إياي عند مفارقتي له، إذ كان مؤذناً بالإنجاز. وأمّا زَلَلي في التأخُّر عما أوجب الله عليّ له، فمقرونٌ بالعقوبة فيما حُرِمته من عز رِياسته، ونَباهة صُحبته، وعلو الدرجة به، وإن كنتُ سائرَ أيام انقطاعي عنه مُعتلقاً بسبب لا خيارَ معه. مكاتبتك - أعزّك اللّه - وأنا مُجاورُك ببلدٍ عون السعي إليك مُجِلاًّ لقدرك مما أكْبِر. لاقِيك بكتابي هذا فلان، وله عليّ حقّان: حقٌّ عمّ المسلمين فلزمني بلزومه لهم، وحق خصّني بالحُرْمة والعِشرا فرأيَكَ في كذا إن سَهُل السبيلُ إلى ذلك ورَحُب، وإن يَعُقْ عائق فلستَ على جميل رأيٍ عندي بمُتَّهَم.

للمتفضِّل أن يُخصّ بفضله من يشاء؛ والله الحمدُ ثم له فيما أعطى، ولا حجّةَ عليه فيما منع مُستعفِي السلطانِ أحدُ ثلاثةٍ: رجلٌ آثر اللَهّ وما عنده، وأسأل اللّه توفيقَه؛ ورجلٌ عَجَز عن عمله فخاف بعجزه عواقبَ تقصيره، وأستعينُ اللّه؛ ورجلٌ سَمَتْ به نفسه عن قليل هو فيه إلى كثير أمّله. وأعوذُ بالله من أن أدَنَس نعمةَ اللّه بك عليّ وعلى سَلَفي قبلي بالتصدَي لمن لا يُشبه دهرُه يومَك، ولا أكثرُ جهده في المعروف أقل عَفْوِك.

كن كيف شئتَ، فإنِّي واحدُ أمري خالصة سَرِيرتي، أرى ببقائك بقاء سُروري، وبتمام النعمة عليك تمامها عندي، فإنه ليس من نعمة يُجددها الله لأمير المؤمنين في نفسه خاصّةً اتصلتْ برعيته عامّة، وشَمِلْت المسلمين كافّة، وعَظُم بلاءُ اللّه عندهم فيها، ووجب عليهم شكره عليها؛ لأن الله جعل بنعمته تمامَ نعمتهم، وبسلامته هدوءَهم واستقامتَهم، وبتدبيره صلاح أمورهم وأمنهم، وبذَبِّه عن دينهم حفظ حريمهم، وبحياطته حَقْن عمائهم وأمْنَ سُبُلهم وبِرِعْيَته اتساقَهم وانتظامَهم؛ فأطال الله بقاء أمير المؤمنين مُؤَيداً بالنصر، مُعَزاً بالتمكين، موصى الطلب بالظفر، ومدّةِ البقاء بالنعيم المقيم.

 

فهمتُ كتابك ولم تَعْدُ في وعدك ووعيدك سبيلَ الراغبِ في رَبّ عارفته، المحامي على سالف بَلَائه، المُؤثْرِ لاستتمام صَنيعته. وإني لأرجو أن أكون على غاية ما عليه ذُو منِيةٍ حسنةٍ شكر مُصطنعه، وعناية بأداء ما يلزَمُه لولي نعمته، ومراقبةٍ لرئيسه في سرٌ أمره وعَلَانِيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثيرِ المنافع مع سَخَطه. وليس مذهبي فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهبَ من يموه بالاحتجاج ويَحتالُ في الاعتذار، ومَنْ تُطْعمه نفسه في سلامة النعمة مع فساد النيِّة، وفي محمود العاقبة مع شَرَهِ النفس، وفي زيادة الحال مع التفريطِ في العمل. ولو كنتُ ممن سوّلتْ له نفسه ذلك سائرَ دهره، لقد وجب إلى أن يَضطرّني إلى النزوع عنه تأديبُك وتقويمك، وإني لمجتهدٌ أن يكون أثرُ فعلي هي المخبر عني عون قولي، وأن يكون ما أمُتّ به إليك ظاهرَ كِفايتي دون ذِمَامي.

لولا ما أنا بسبيله من العمل، وما في الإخلال به من تعريضه للانتشار ودخول الخَلَل، وعلمي بأن طاعةَ السلطان مقرونة بطاعة الأمير، وأنه لا فرقَ عنده بين الجاني على السلطان وعليه، لكنتُ الجوابَ راجلاً معظماً لأمره، مُكبِراً لسُخْطه؛ وإن كان الله قد جعل عند الأمير من إيثار الحق والعمل به، وتقديم الرويّة قبل الإيقاع، والاستئناء بمن وَضَح ذنبه وظهر جُرمه عون من وقعتْ الشبهةُ في أمره، ما أمّنني بادرةَ غَضَبه ونازلَ سَطْوته.

لم أكن أحسِبَني أحًلّ عندك محلَّ مَنْ جَهِل حظًه، وعَدم تمييزَه، وغَبِي عَمّا عليه وعمّا له، إذ توهمتَ عليّ أنّي أبيع خطيراً من رضاك، ونفيساً من رَأيك، وشرفاً باقياً على الأيام بطاعتك، وعُدّةً للنوائب أستظهر بها من نصرتك، بالثمن البخس الحقير من كذا، أو أن أستبدلَ بما أنا ذو فاقة إليه من عز كَنَفك ومنيع فَرَاك، ما قد وهب الله الغنيَ عنده بحمده.

كان ورودك وشخوصُك في وقتين انطويا عني، وكان مُقامك في حالِ شغلٍ منك ومني، ولذلك فقدْتَني في القاضِين لحقك والمثابرين على لقائك.

وَرَدَ كتابك مضمَناً من بِرّك وتَطَوُلك ما حسّن شكري، وأثقل ظهري، وأرْتج عن مضاهاتك بمثله قولي؛ فذكرت به - إذ تحيّرت عون تأمُّله، وضَعُفتُ عن تحمُّله، وعَجَزت عن الشكر عليه عند تمحّله - قولَ القائل:

أنت امرؤ أوليتَني نِعماً ... أوهَتْ قُوَى شكري فقد ضعُفا

لا تُحدِثَنّ إلي عارفةً ... حتّى أقومَ بشكر ما سَلَفا

ألفاظ تقع في كتب الأمانكتاب أمان هذا كتاب من فلان لفلان: إني أمنتُك على عَمك ومالك ومَوَاليك وأتباعك، لك ولهم ذمة الله المُوفَى بها، وعهده المسكونُ إليه، ثم ذمهُ الأنبياء الذين أرسلهم برسالته وأكرمهم بوحيه، ثم ذِمَمُ النجباء من خلائفه: بحقن عمك ومَنْ دخل اسمُه معك في هذا الكتاب، وسلامةِ مالك وأموالهم وكذا وكذاة فاقبلوا معروضه، واسكنوا إلى أمانه، وتعلّقوا بحبل ذمته، فإنه ليس بعد ما وَكد من ذلك مُتَوَثَق لداخِلٍ في أمان إلا وقد اعتلقتم بأوثق عُرَاه، ولجأتم إلى أحرز كهوف والسلام.

وفي كتاب آخر: هذا كتاب من فلان: إن أمير المؤمنين، لِمَا جعل اللّه عليه نيّته في إقالة العاثر واستصلاح الفاسد، رأى أن يتلافاك بعفوه، ويتغمد زَلّاتك برُحْمه، ويبسُط لك الأمانَ على ما خرجتَ إليه من الخلاف والمعصية: على دمك وشعرك وبَشَرك وأهلك وولدك ومالك وعَقَارك؛ فإن أنت أتيتَ وسَمِعت وأطعتَ، فأنت آمن بأمان اللّه على ما أمّنك عليه أمير المؤمنين، ولك بذلك ذمة الله وذمّة رسوله، إلا ما كان من حق قائم بعينه لمسلم أو معاهد، والله بذلك راع وكفيل، وكفى بالله وكيلا.

وفي كتاب آخر: إن فلاناً استوهب أميرَ المؤمنين ذنبَك، وسأله أن يَقبل توبتَك وإنابتك، ويؤمِّنك على دمك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك ومالك وعَقَاراتك، على أن تسمع وتًطيع وتُشايع، وتُوالي أولياءه وتُعادي أعداءه؛ فأجابه أمير المؤمنين إلى ذلك، لرأيه في العفو والصفح وما يحتسب في ذلك من الثواب والأجر، فأنت آمن بأمان الله على كذا لا تُؤخذ بشيء مما سلق من أحداثك، ولا تتبع فيه بمكروه ما أقمتَ على الوفاء ولم تُحدِث حَدَثاً تفسَخ به أمانَك وتجعل به سبيلاً على نفسك والله لك بذلك راع كفيل؛ وكفى به شهيداً.

ألفاظ تقع في كتب العهود

 

أمَرَه بتقوى الله فيما أسْندَ إليه وجعد بسبيله، وأن يُؤْثِرَ الله وطاعتَه آخذاً ومُعطياً، وأعلمه أن اللّه سائِلُه عمّا عَمِل به وجَازِيه عليه، وأنّه خارجٌ من دُنياه خُروجَه من بطن أمه إما مَغْبوطاً محموداً، وإمّا مذموماً مسلوباً. فليعتبر بمَنْ كان قبلَه من الوُلاَة الذينَ وَلُوا مثلَ مَا وَلي، أين صار بهم مَرُّ الليل والنهار، وما انقلبوا به من أعمالهمِ إلى قبورهم! ويتَزوَّد لنفسه الزادَ النافعَ الباقيَ " يَوْمِ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أمَداً بَعِيداً " .

وفي فصل أخر: وقد ولّاك أميرُ المؤمنين ما ولاّك من أمور رعيّته، وأشركك فيما أشركك فيه من أمانته، ثِقةً بك، رجاءً لمتابعتك وإيثارك الحق وأهلَه، ورفضِك الباطلَ وأهلَه؛ وعَهِدَ إليك في ذلك بما إن أخذتَ به أعانك الله وسددك، وإن خالفتَه خَذَلك وعاقبك.

وفي الحج: فإنّ أمير المؤمنين قد اختارك من إقامة الحج لوَفْد اللّه وزَوْر بيته، للأمر العظِيم قدرُه، الشريف منزلتُه، فعليك بتقوى الله؛ وإيثار مُراقبتِه، ولزوم الهُدى المحمودِ والطريقةِ المُثْلَى والسِّيرة الجميلة التي تُشْبِه حالَك.

فصل: فإن اللّه نَزه الإسلام عن كل قبيحة، وأكرمه عن كل رذيلة، ورفعه عن كل دنيّة، وشرفه بكل فضيلة، وجعل سيماء أهلِه الوقارَ والسكينةَ.

فصل: وإن أحقّ الناس بالازدياد في طاعته ومناصحته وأداءِ الأمانة في عمله مَنْ عَظُم حق الأمير عليه في الخاصّة بفضل الصنيعة من الأمير عنده، مع حق الله عليه في العامّة بحقَ الولاية.

فصل: وكنتَ سيفاً من سيوف الله، ويكْلاً من أنكاله لأهل الشقاق، وشَجًى لمن ابتغى غيرَ سبيل المؤمنين، قد أحكمتك التجارِبُ وضَرستك الأمور، وفُرِرْتَ عن الذكاء وحَلَبْتَ الدهرَ أشطُرَه.

فصل: أنت ابن الحرّية والمروّة، ومن لا يلحَقه عارُ أبوة ولا بُنُوة.

فصل: قد التمستُ مواجهتك بشكرك ووصفِ ما أجِن لك وأخلص من وفك وأجِلّ من قدرك وأعتدّ من إحسانك فَلَفتني عن ذلك تَعَذُّر الخَلْوة مع انقباضٍ وحشمة.

فصل: قد أغنى الله بكرمك عن ذَرِيعةٍ إليك؛ وما تُنازِعني نفسي إلى استعانةٍ عليك إلا أبى ذلك حسنُ الظنّ بالله فيك، وتأميلُ نُجْح الرغبةِ إليك دون الشفعاء عندك.

فصل: مثلك تقرّب إلى الله بالتواضُع لنعمته، والإغاثة لمستغيثه، والعائدةِ على راجيه بفضله.

فصل: تَباً لمن يأتي رأيك! وقبحاً لعُزُوب عقلك، وأفن تدبيرك! ما أبعدَ مذهبَك في الخطأ، وأسوأ أثَرِك على السلطان، وأقصَرَ باعَك عن النهوض! جزالة تقدك، ومَهَانةٌ تُضْرِعك وزَهْوٌ يعلُوك، ونحْوة يشمخَ لها عِرْنينك. لقد انصرف رأيُ أمير المؤمنين عنك، ودعوتَ له عَتْبَك، وكشفتَ له عن قِنَاع سترك، واجتررتَ إليك سَخْطته وعَطَفْتَ نحوَك مَوْجِدَته، وكنتَ على نصيبك منه والضنّ بمنزلتك عنده أولى تقدُّماً وأقربَ رُشْداً. واللّه الغني الحميد.

أصناف أصحاب السلطان أصحاب السلطان ثلاثة: رجلٌ يجعل الدنيا نُصْبَ عينه، ينصِب فيها للخاصّة مَكَايد ويرفَع عن مصلحة العامّة همّتِه، يُذهله عن التقوى الهوى، وتُنسيه أيامُ القدرة العثرةَ، حتى تنصرِم مدّتُه وتنقضيَ دولتُه، لم يرتهن بدنياه شُكْراً ولا قَدّم بها إلى مَعَاده ذُخراً. ورجلٌ لا يَحْفِل مع صَلاح الخاصّة ما دخل من الخلل في أمور العامّة، ولا مع وفور حظه ما أدخل النقص في حظ رعيته. ورجل حاول في ولايته إرضاءَ من وَلي له وعليه، وأعانته النيّة وخَذَلته الكفاية. وقد جمع الله لك الثقة والرضا ممن فوقك، والانقيادَ والمحبة ممن عونك، وأعاد إلى الناس بك عهدَ السلف الماضي وعَمَر بك آثارهم، حتى كأنهم بك أحياء لم تحترمهم منية وجميعٌ لم تنصدِعْ بينهم فُرْقة، فليَهْنِئْك أن مَنْ تقدمك من أهل الفضل في السيرة غيرُ متقدم لك، ومن معك مُقَصِّر عنك، ومن دونك مُقتفٍ لأثرك. فلا زالت الأيام لك، ولا زالت النعم عنك، ولا انتقلت عُرَى الأمور وأزِمّتها عن يدك.

فصل: أبَى طبعُ الزمان أن يسمَحَ لنا بك، كما أبى ذلك في مثلك، فلم يزل حض اعْتَرَض بمكروهه دونك، وكم من نعمةٍ ذهلتْ عنها النفس حين أدبرت بخيرك، فإنّ تَعَلُق القلب بك على قَدْرك في مواهب الله وقدرِها عندك.

 

فصل: ولم تأت في جميع ما عدّدتُ من أياديك شيئاً، وإن كان متناهيَاً إلى الغاية، مختاراً كالأمنية، متجاوزاً للاستحقاق، إلا وأنت فوقه والمأمولُ للزيادة فيه.

وفي كتاب: إن كان ما خبّرني به فلان عن هَزْلَ فقد أحوجنا هزلُك إلى الجهد، ووَقَفَنا موقف المعتذرين من غير ذنب، وإن كان عن حقيقةٍ فقد ظهر لنا من ظُلمك وتحريفك ما دلّ على زُهْدك منا في مثل الذي رَغِبنا منك فيه.

فصل في كتاب العيد: كتابي إلى الأمير يوم كذا بعد خروجي فيه ومَنْ قِبَلي من المسلمين إلى المًصَلَى وقضائنا ما أوجب الله علينا من صلاة العيد، ونحن بخير حال اجتمع عليها فريق من المسلمين في عيد من أعيادهم ومَجْمعٍ من مجامعهم؛ وكان مَخْرَجُنا إلى المصلَّى أفضلَ مَخْرجٍ، ومُنصَرَفُنا عنه أفضل مُنصرَف، بما وهب الله من سكون العامة وهدوئها والفتها، واحتشاد الحند والشاكريّة بأحسنِ الزِّيّ والهيئة، وأظهرِ السلاح والعُدّة. فالحمد لله على كذا، وهَنَأ اللّه الأمير كذا.

فصل: القلب قرينُ وَلَهٍ حليفُ حَيْرة، أنظُر بعينٍ كليلةٍ وأحضُر بقلب غائب: إلى ورود كتابك بما تعتزمه. فأما النوم فلو مَثَل لعيني لنفَرَتْ إلفاً للسُّهاد.

فصل في كتاب بَيْعة: فبايِعُوا لأمير المؤمنين ولفلانٍ بعدَه على اسم الله وبركته وصُنعِ اللهّ وحُسن قضائه لدِينه وعِباده، بيعة منبسِطةً لها أكفُّكم، منشرحةً بها صدورُكم، سليمةَ فيها أهواؤكم، شاكرين لله على ما وفّق له أمير المؤمنين.

للأحنف يخاطب معاوية وقد عدّد عليه ذنوباً عدّد معاويةُ على الأحنف ذنوباً؛ فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين! لِمَ ترُدُّ الأمورَ على أعقابها! أما والله إنّ القلوبَ التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، وإن السيوفَ التي قاتلناك بها لعَلَى عَوَاتقنا، ولئن مددْتَ لنا بشبر من غدرٍ، لنمدُّنّ إليك باعاً من أختر ولئن شئت لتستسقينَ كَدرَ قلوبنا بصفو حلمك. قال معاوية: فإني أفعل.

بين سوار ورجل تقدم رجل إلى سوار، وكان سوّار له مُبغضاً، فقال سوار في بعض ما يكلمه به: ابن الإخناء! فقال: ذاك خَصْمي. فقال له الخصمِ: أعدني عليه. فقال له الرجل: خذ له بحقه وخذ لي بحقي. ففهم، وسأله أن يغفر له ما فرَط منه إليه، ففعل.

بين معاوية وخُرَيم بن فاتك الأوزاعي قال: دخل خُرَيْم بن فاتك على معاوية، فنظر إلى ساقَيْه فقال: أفي ساقين، لو كانتا على جاريةٍ عاتق فقال له خرَيم: في مثل عَجِيزتك يا أمير المؤمنين.

الخطبخُطَب النبي صلى الله عليه وسلم

تتْبَعتُ خُطَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ أوائلَ أكثرها: " الحمد نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مُضِل له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له " . ووجدت في بعضها: " أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحدثُّكم على طاعته " .

ووجدت في خطبة له بعد حمد اللّه والثناء عليه: " أيها الناس إن لكم مَعَالِمَ فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نِهايةً فانتهوُا إلي نهايتكم؛ إن المؤمنَ بين مخافتين: بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بَقِي لا يدري ما الله قاضٍ فيه؛ فليأخذِ العبدُ لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكِبَر، ومن الحياة قبل الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مُسْتَعْتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار " .

ووجدتُ كلّ خطبة مفتاحها الحمدً إلا خطبة العيد فإن مفتاحها التكبير. وتكبير الإمام في أن يَنزِل عن المِنْبر أربع عشرة تكبيرة.

خطبة لأبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه

 

حدثني أبو سَهْل قال: حدثني الطًنَافِسي عن محمد بن فُضَيلْ قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن عُكَيْم قال: خطبنا أبو بكر رضي الله عنه فقال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله وحدَه وأن تُثنوا عليه بما هو أهلُه، وتَخْلِطوا الرغبةَ بالرهبة، والإلحافَ بالمسألة؛ فإن اللّه أثنى على زكريا وأهله بيته فقال: " إنهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً " . ثم اعلموا أن الله قد ارتهن بحقِّه أنفسَكم، وأخَذَ على ذلك مواثيقَكم، واشترى منكم القليلَ الفانيَ بالكثير الباقي. هذا كتابُ الله فيكم لا تَفْنَى عجائبُه ولا يُطفأ نورُه، فصدِّقوه وانتصِحُوه واستضِيئوا منه ليوم الظُّلمة. ثم اعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غُيِّبَ علمُه عنكم، فإن استطعتم ألا ينقضَ إلا وأنتم في عملٍ لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا باللّه. فسابقوا في مَهَل؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسُوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالَهم، والوَحَا الوَحَا، والنجاءَ النجاءَ! فإن من ورائكم طالباً حثيثاً مَرّه، سريعاً سيره.

وفي غير هذه الرواية: أين مَنْ تعرِفون من إخوانكم! قد انتهت عنهم الأعمال، ووروا على ما قدموا وحلوا عليهم بالشْقوَة والسّعادة. أينَ الجَبّارون الني بَنَوا المدائنَ وحصَّنوها بالحوائط! قد صاروا تحتَ الصَخْر والآكام.

خطبة لأبي بكر أيضَاً رضي اللّه عنه

رواها إبراهيم بن محمد من ولد أبي زيد القارئ.

حَمِد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن أشْقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك. فرفع الناس رؤوسَهم؛ فقِال: ما لكم يا معشرَ الناس إنكم لطَعانون عَجِلون، إن المَلِك زهده اللّه فيما في يده، ورَغَبه فيما في يديْ غيره، وانتقصه شطرَ أجله، وأشرب قلبَه الإشفاقَ، فهو يحسد على القليل، ويتسخْط الكثير، ويسأم الرخاءَ، وتنقطع عنه لذة البهاء، لا يستعمِل العِبْرة ولا يسكُن إلى الثقة، فهو كالدرهم القسِىّ والسّراب الخادع، جَذْل الظاهر حزين الباطن، فإذا وَجَبَتْ نفسُه ونَضَب عمرُه وضَحَا ظِلُّه، حاسَبَه اللّه فأشدّ حِسابَه وأقل عفَوه ألا إنّ الفقراء هم المرحومون، وخير الملوك من آمن باللّه، وحَكَم بكتاب اللّه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإنكم اليوم على خلافة نبوّة، ومَفْرِق مَحَجّة، وسَتَروْن بَعْدي مُلْكاً عضوضاً، وآفةً شَعَاعاً ودماً مُفَاحاً. فإن كانت للباطل نَزْوَة، ولأهل الحق جَوْلة؛ يعفو لها الأثَر، وتموت السُّنن فالزَمُوا المساجد، واستشِيروا القرآن، والزموا الجماعة. وليكن الإبرامُ بعد التشاوًر، والصفقة بعد طُول التناظُر، أي بلادكم خرسة فإن الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح أدناها.

خطبة أبي بكر رضي اللّه عنه يوم سقيفة بني ساعدة

أراد عُمَر الكلامِ، فقال له أبو بكر: على رِسْلِك. نحنُ المهاجرون أوّلُ الناس إسلاماً، وأوْسَطُهم داراً، وأكرمُهم أحساباً، وأحسنُهم وُجوهاً، وأكثرُ الناس وِلايةً في العرب وأمسُّهم رَحِماً برسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمَنا قبلكم، وقُدِّمْنا في القرآن عليكم، فأنتم إخوانُنا في الدِّين، وشركاؤنا في الفَيْء، وأنصارُنا على العَدُوّ، اويْتُم وواسَيْتُم، فجزاكم اللّه خيراً؛ نحن الأمَراءُ، وأنتم الوزراء لا تَدِينُ العربُ إلا لهذا الحَي من قرَيش، وأنتم محقوقون ألا تَنْفَسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم.

خطبة لأبي بكر رضي اللّه عنه

الهيثم عن مُجالد عن الشِّعْبيّ قال: لما بويع أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، صَعِد المنبرِ فنزل مَرْقاةً من مَقْعَد النبيّ صلى الله عليه وسلم فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني وَليتُ أمرَكُم ولست بخيرِكم، ولكنه نزل القرآن وسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. اعلموا أيها الناس أن أكيس الكَيْس التُقَى، وأن أحمقَ الحُمْق الفُجُور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخُذَ له بحقه، وأضعفَكم عندي القويُ حتى آخذَ منه الحقّ، إنما أنا متبع ولست بمبتدِع، فإن حسنتُ فأعِينوني، وإن زُغْتُ فقوَموني. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

خطبة لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه

قال: ولما وَلي عمر صعِد المنبر وقال:

 

ما كان اللُه ليراني أرى نفسي أهلًا لمجلس أبي بكر، ثم نزل عن مجلسه مَرْقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اقرأوا القرآن تُعْرَفوا به، واعمَلوا به تكونوا من أهله. إنه لم يبلُغ حق ذي حقً أن يُطاعَ في معصيةِ الله. ألا وإني أنزلتُ نفسي من مال الله بمنزلة وَالي اليتيم: إن استغنَيْتُ عَفَفتُ وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف تَقرمَ البَهْمَةِ الأعرابية: القَضْمَ لا الخَضْمَ.

خطبة لعثمان بن عفّان رضي اللّه عنه

قال: ولما وَلي عثمان صعِد المنبر فقال: رحمهما الله، لو جلسا هذا المجلس ما كان بذلك مِن بأس، فجلس على فِرْوة المنبر فرماه الناسُ بأبصارهم، فقال: إن أولَ مركب صعبٌ، وإن مع اليوم أياماً، وما كُنا خُطَباء، وإن نعشْ لكم تأتكم الخطبةُ على وجهها إن شاءً الله تعالى.

خطبة لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه

خطب فقال: أما بعدُ، فإن الدنيا قد أدْبرتْ وآذنتْ بوَدَاع، وإن الآخرةَ قد أقبلتْ فأشرفتْ باطلاع، وإن المضمار اليوم وغدا السباق. ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجَل، فمن قصر في أيام أمله بل حضور أجله فقد خَسِرَ عمله. ألاَ فاعمَلوا لله في الرغْبة كما تعمَلون له في الرهْبَة. ألا وإِنَي لم أرَ كالجنة نامَ طالبُها، ولا كالنار نام هاربُها. ألا وإنه مَن لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقِم به الهُدَى جارَ به الضلال. ألا وإنكم قد أمِرتم بالظعْن، ودُلِلتم على الزاد؛ وإن أخوفَ ما خافُ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأمل.

خطبة عليّ عليه السلام بعد مقتل عثمان رضي اللّه عنه

أيها الناس، كتابَ الله وسنّةَ نبيكم. لا يذعي مدع إلا على نفسه. شُغِلَ مَن الجنة والنارُ أمَامَه. ساعٍ نَجا، وطالب يرجو، ومقَصَر في النار: ثلاثة؛ واثنان: مَلَكٌ طارَ بجَناحَيْه، ونبيّ أخذ اللّه بيديه، لا سادِسَ. هَلَك مَن اقتحم، ورَديَ مَن هوَى. اليمينُ والشِّمالُ مَضَلَّة، والوسْطى الجادَّةُ: مَنْهَج عليه باقي الكتاب وآثارُ النبوّة. إن اللهّ أدّب هذه الأمةً بأدبين: السوطِ والسيفِ فلا هَوَادَةَ فيهما عند الإمام. فاستتِروا ببيوتكم، واصْلحوا ذاتَ بَيِنْكم؛ والتوبة من ورائكم. مَن أبدى صَفْحته للحق هَلَك. قد كانت أمور مِلْتُم عليّ فيها مَيْلَةً لم تكونوا عندي محمودين ولا مًصيبين. واللِّه أن لو أشاءُ أن أقول لقلتُ. عفا الله عمّا سَلَف. انظروا، فإن أنكرتم فأنكِروا. وإن عَرَفتم فارْوُوا. حق وباطل، ولكُل أهل. والله لئن أمِّرَ الباطلُ لَقَدِيماً فعل؛ ولئن أمَرَ الحق لَرب ولعل. ما أدبر شيءٌ فأقبل.

خطبة أيضاً لعليّ رضي اللّه عنه

خطب عليّ حين قُتِلَ عاملُه بالأنْبار فقال في خطبته: يا عَجَباً من جِدَ هؤلاء في باطلهم وفَشَلِكم عن حَقِّكم! فقًبْحاً لكم وتَرَحاً حين صِرت غَرَضاً يُرْمَى، يُغارُ عليكم ولا تُغِيرون، وتُغزَون ولا تَغزون، ويُعصَى اللُه وتَرضون. إن أمرتُكم بالمسير إليهم في الحر قلتم: حَمَارَة القَيْظ، أمهلنا حتى يَنْسلِخَ الحر، وإن أمرتُكم بالمسير إليهم في الشتاء قلتم: أمهِلْنا حتى ينسلِخَ الشتاء هذا أوانُ قر؛ كل هذا فِراراً من الحرّ والقُر، فأنتم والله من السيف أفرّ، يا أشباهَ الرجال ولا رجال! أحلام الأطفال وعقول رَبَّاتِ الحِجَال؛ أفسدتُم علي رأي بالعِصْيان والخِذْلان، حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شُجاعٌ ولكن لا عِلْمَ له بالحرب. لله أبوهم! هل منهم أحدٌ أشدُّ لها مِرَاساً وأطولُ تَجْرِبةً منِّي! لقد نهضت فيها وما بلغتُ العشرين فها أنا الآن قد نيّفتُ على الستين، ولكن لا رأيَ لمن لا يُطاع.

خطبة لمعاوية رحمة اللّه

بلغني عن شُعَيْب بن صَفْوَان قال: خطب معاوية فقال:

 

أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دَهْر عَنُود، وزَمن شديد، يُعَدُّ فيه المحسِنُ مُسيئاً، ويزدادُ الظالمُ فيه عُتُواً، لا ننتفع بما عَلِمنا، ولا نَسأل عما جَهِلْنا، ولا نتخوَّف قارِعةً حتى تَحُل بنا. فالناس أربعة أصناف: منهم مَن لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مَهانةُ نفسِه وكَلال حدَه ونَضِيض وَفْره؛ ومنهم المُصلِت لسيفه والمُجلِب بخيله ورَجْلِه والمُعلِن بشرِّه، قد أشْرَط نفسَه وأوْبق دِينَه لحُطَامٍ يَنتهِزه أو مِقْنَب يقوده أو مِنْبر يَفْرَعُه، ولبئس المَتْجَران تراهما لنفسك ثمناً ومما عند اللّه عِوَضاً. ومنهم مَن يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامَنَ من شخصه وقارَبَ من خَطْوه، وشفَر من ثوبه، وزَخرَفَ نفسَه للأمانة، واتخذ سِتر الله ذَرِيعةً إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضُؤُولةٌ في نفسه وانقطاع من سببه، فقصَر به الحال عن أمله، فتحلى باسم القناعة وتزيّن بِلباس الزُهّاد، وليس من ذاك في مَرَاحٍ ولا مَغذًى. وبقي رجَالٌ غضّ أبصارَهم ذكرُ المَرْجِع، وأراقَ دموعهم خوفُ المَحْشر فهم بين شَرِيد نَاد، وخائفٍ مُنقَمِع، وساكتِ مَكْعُوم، وداعٍ مُخْلِص، ومُوجَع ثَكْلَان، قد أخملْتهم التقيّة، وشَمِلَتْهم الذَلَة، فهم في بَحر أجَاج، أفواهُهم ضامرة، وقلوبُهم ضامرة، وقلوبُهم قَرِحَةٌ، قد وُعِظُوا حتى مَلوا، وقُهِروا حتى ذَلُّوا، وقتِلوا حتى قَلُّوا. فلتكنِ الدنيا في أعينكم أصغرَ من حًثَالة القَرَظ وقُرَاضة الجَلَم، واتعِظُوا بمَن كان قبلكم قبل أن يَتَعِظ بكم مَن بعدكم، وارفضوها ذَميمةً، فإنها قد رَفضتْ مَن كان أشغفَ بها منِكم.

خطبة ليزيد بن معاوية بعد موت معاويةخَطَبَ فقال: إن معاوية كان حَبْلاً من حِبال الله، مده ما شاء أن يَمُده، ثم قطعه حينَ شاء أن يَقطَعه؛ وكان دونَ مَن قَبْله وهو خيرٌ ممن بعده، ولا أزَكًيه عند ربه وقد صار إليه فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبْه فبذنبه. وقد وَليتُ الأمرَ بعده، ولستُ أعتذر من جَهْل ولا أشتغل بطلب علم. وعلى رِسْلكم! إذا كَرِهَ الله أمراً غيّره.

خطبة لعُتْبة بن أبي سُفيان

أبو حاتم عن العُتْبيّ قال: احتبسَتْ كُتُب معاويةَ حتى أرْجَفَ أهلُ مصر بموته ثم ورد كتابه بسلامته، فصعِد عتبةُ المنبر والكتابُ في يده فقال: يا أهل مصرَ! قد طالت معاتبتُنا إياكم بأطراف الرِّماح وظُبَات السيوف حتى صِرْنَا شَجًى في لَهَواتِكم ما تُسِيغُنا حلوقُكم، وأقْذَاءً في أعيُنكم ما تَطْرِف عليها جفونُكم. فحين اشتدت عُرىَ الحق عليكم عَقْداً، واسترختْ عُقْدُ الباطل منكم حَلاً، أرجفتُم بالخليفة وأردتًم توهينَ السلطان وخُضتم الحقَّ إلى الباطل، وأقدمُ عهدكم به حديثَ! فارْبَحُوا أنفسَكم إذ خَسِرْتم دينَكم، فهذا كتابُ أمير المؤمنين بالخَبَر السار عنه والعهدِ القريب منه. واعلموا أن سلطاننا على أبدانكم دون قلوبكم؛ فأصلِحوا لنا ما ظَهَر، نَكِلْكُم إلى الله فيما بَطَن؛ وأظهِرُوا خيراً وإن أسررتُم شراً فإنكم حاصدون ما أنتم زارعون. وعلى الله نتوكل وبه نستعين.

خطبة لعُتْبة أيضاً

وبهذا الإسناد أن عُتبة خطب أهلَ مصر حين هاجوا فقال: يا أهل مصر، خف على ألسنتكم مدحُ الحق ولا تفعلونه، وذمُ الباطل وأنتم تأتُونه كالحِمَار يَحْمِل أسفاراً أثقله حَمْلُها ولم ينفعْه عِلْمها. وإني واللّه لا أداوِي أدواءَكم بالسيف ما اكتفيت السًوْط، ولا أبلغ السوطَ ما كفتني الدرَة، ولا أبطئ عن الأولى إن لم تصلحوا عن الأخرى؛ ناجزاً بناجز، ومَن حذّر كمن بشر فدعوا قال ويقول من قبل أن يقال فعل ويفعل فإن هذا اليوم الذي ليس فيه عِقَاب، ولا بعده عِتَاب.

خطبة لعبد اللّه بن الزُّبَيْر

خطب عبد اللّه بن الزُبير حين قُتِلَ أخوه مُصْعَب فقال:

 

الحمد للّه الذي يُعِز مَن يشاء وُيذِل مَن يشاء. إنه لن يذلّ من كان الحق معه وإن كان فَرْداً، ولن يعزَّ من كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام. أتانا خبرٌ من قِبل العراق أجزَعَنا وأفرَحنا: قتلُ مُصْعَب رحمه الله. فأما الذي أحزنَنَا من ذلك فإن لفراق الحميم لَذْعَةً يَجِدها حميمُه عند المًصيبة به ثم يَرْعَوِي بعدها ذَوُو الرأي إلى جميل الصبرِ وكريم العزاء. وأما الذي أفرحنا من ذلك فعلمُنا أنّ قتله شهادة، وأن ذلك لنا وله الخِيَرَة. ألا إن أهل العراق أهلَ الشَقاق والنِّفاق باعوه بأقلّ ثمن كانوا يأخذونه به. إنا واللّه ما نموت حَبَجاً ولا نموتُ إلا قتلاً، قَعْصاً بالرماح تحتَ ظِلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان والله إنْ قُتِل رجلٌ منهم في جاهليّةٍ ولا إسلام. ألا إنما الدنيا عَارِيةٌ من الملك الأعلى الذي لا يَبِيدُ ذكرُه ولا يَذل سلطانُه، فإن تُقبِل علي لا آخُذْها أخْذَ البَطِر الأشِر، وإن تُدبر عني لا أبْكِ عليها بُكاءَ الخَرِف المُهْتَر. ثم نزل.

خطبة زياد البتراءحدثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ عن أبي بكر بن أبي عاصم ببعضها، وحدثني أبي عن الهيثم بن عَدِي، قال: لما قدم زيادٌ أميراً على البَصْرة فنظر إلى أبياتها، قال: رُبَّ فَرحٍ بإمارتي لن تنفعَه، وكاره لها لن تَضُره؛ فدخل وعليه قَباء أبيض ورِداء صغير، فصعِد المنبر، فخطب الناسَ خطبة بتراء: لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أولَ من خطبها، ثم قال: أما بعد، فقد قال معاوية ما قد علِمتم، وشهِدت الشهودُ بما قد سمِعتم، وإنما كنت امرأً حَفظ الله منه ما ضَيّع الناسُ، ووَصَل ما قطعوا ألا وإنا قد وَلينا ووَليَنَا الوالون، وسسنا وساسنا السائسون، وإنا وجدنا هذا الأمرَ لا يُصلحه إلا شدّةٌ في غير عُنْف، ولينٌ في غير ضعف. وأيم اللهّ ما من كِذْبة أكبرُ شاهداً من كِذْبة إمام على منبر؛ فإذا سمعتموها منّي فاعتمِزُوها فيّ واعلموا أن عندي أمثالَها، وإذا رأيتموني آمر فيكم بالأمر فأنفِذوه على إذلاله. وايم الله إن لي فيكم لصَرْعىَ كثيرة، فليحذَرْ كلّ امرئ منكم أن يكون من صَرْعاي. وايمُ اللّه لآخُذن البريء بالسقيم، والمطيعَ بالعاصي، والمقبلَ بالمدبر، حتى تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى يقولَ القائل: " انْج سعد فقد قُتِل سُعَيْد!. فقال إليه عبد الله بن الأهْتم التميمي، فقال: أيها الأمير، أشهد أنك اوتيتَ الحكمةَ وفصلَ الخطاب. فقال له: كَذَبتَ، ذاك نبيّ الله داود. ثم قام إليه الأحنفُ فقال: إنما المرءْ بجده، والسيف بحَده، والجواد بشده، وقد بلغك جدُك أيها الأمير ما تري وإنما الحمدُ بعد البَلاَء، والثناءُ بعد العطاء، وإنا لا نُثْنِي حتى نَبْتَلي. ثم قام إليه مِرْداس بن أدَيّة، فقال: قد سمِعنا مقالتك أيها الأمير، وإنّ خليلَ الله إبراهيمَ عليه السلام أدىّ عن اللّه في الذي أديتَه، قال اللّه تعالى: " لا تَزِرُ وَازرَةٌ وِزْرَ أخْرَى " وأنت تزعُم أنك تأخُذ البريء بالسقيم، والمطيعَ العاصي، والمقبلَ بالمدبر. فقال له: اسكت، فواللّه ما أجِد إلى ما أريد سبيلاً، إلا أن أخوضَ إليه الباطلَ خوضاً. ثم نزل.

وقال في خطبة له أخرى: حَرامٌ عليّ الطعامُ والشرابُ حتى أسوِّيَها بالأرض هَدْماً وإحراقاً. إيّايَ ودَلَجَ الليل، فإني لا أوتَى بمُدلج إلا سَفَكتً دمه، وإيّايَ ودَعْوَى الجاهليّة، فإني لا أجد أحداً دعَا بها إلا قطعتُ لسانَه. وقد أحدثتم أحداثاً، وأحدثنا لكل ذنبٍ عقوبة؛ فمن غَرق قوماً غَرقته، ومن أحرق قوماً أحرقتُه، ومن نَقَبَ بيتاً نقبتُ عن قلبه، ومَنْ نَبَش قبراً دفنتُه فيه حيًّاً؛ فكُفوا أيديكم وألسنتكم أكُفَ عنكم. وقد كانت بيني وبين أقوام منكم أشياءُ قد جعلتُها دَبْرَ أذني وتحت قَدَمِي، فمن كان محسناً فليزددْ، ومن كان مسيئاً فلينزعْ. إني لو علمتُ أن أحدكم قد قتله السل من بُغْضي لم أكشِف له قِناعاً ولما أهتِكْ له سِتْراً، حتى يُبديَ لي صَفْحتَه، فإذا فعل ذلك لم أناظره؛ فأعينوا على أنفِسكم وأتَنِفوا أمركم.

خطبة للحجاج حين دخل البصرةدخل وهو متقلد سيفاً متنكِّبٌ قوساً عربية، فعلا المنبرَ فقال:

أنا ابن جَلا وطلاع الثنَايَا ... مَتَى أضَع العمامةَ تعرِفُوني

 

إن أمير المؤمنين نَكَبَ عيدانَه بين يديه، فوجدني أمرها عُوداً وأصْلَبَها مَكْسِراً، فوجًهني إليكم. ألا فوالله لأعْصِبَنكم عَصْبَ السلَمة، ولألحُوَنكم لحْوَ العُود، ولأضرِبنكم ضربَ غرائبِ الإبل، حتى تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى يقولَ القائل: " أنْجُ سعدُ فقد قُتِل سعيدا " . ألَا وإياي وهذه السقَفَاءَ والزَّرَافاتِ، فإني لا أوتَى بأحدٍ من الجالسين في زَرَافةٍ إلا ضربتُ عُنُقَه. هكذا حدثنيه أحمد بن سعيد عن أبي عُبَيد في كتاب غَرِيب الحديث. وقال لي غيره: هو إيايَ وهذه الشفَعاءَ والزَّرَافات. وقد فسرتُ الحديثَ في كتابي المؤلَّف في غريب الحديث.

خطبة للحجاج أيضاً

أرْجَف الناس بموت الحجاج، فخطب فقال: إن طائفةً من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نَزَغَ الشيطانُ بينهم، فقالوا: مات الحجاج ومات الحجاج! فَمْهْ! وهل يرجو الحجاج الخيرَ إلا بعد الموت! والله ما يسرني أموتَ وأنٌ لي الدنيا وما فيها! وما رأيت الله رضِيَ بالتخليد إلا لأهوِن خَلْقه عليه إبليس. ولقد دعا اللّه العبدُ الصالحُ فقال: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي " ، فأعطاه ذلك إلا البقاء. فما عسى أن يكون أيها الرجل! وكلكمِ ذلك الرجل!. كأنَي والله بكلَ حي منكم ميتاً، وبكل رطب يابساً أفرُع طُولًا في ذِراع عَرْضاً، وأكلتِ الأرضُ لحمَه ومَضتْ صديدة وانصرف الحبيبُ من ولده يَقْسِم الخبيثَ من ماله؛ إن الذين يعقِلون يعلَمون ما أقول. ثم نزل.

خطبة أخرى للحجّاج حين أراد الحج

خطب فقال: أيها الناس إني أريد الحج، وقد استخلفت عليكم ابني هذا، وأوصيته بخلاف ما أوصَى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، في الأنصار؛ إن رسول الله أوصَى أن يُقبَلَ من مُحسنهم، وأن يُتجاوَز عن مُسيئهم؛ وإني أمرتُه ألّا يقبلَ من محسنكم ولا يتجاوزَ مسيئكم. ألَا وإنكم ستقولون بعدي مقالةً لا يمنعُكم من إظهارها إلا مخافتي، ستقولون بعد لا أحسَنَ الله له الصَحابة! ألاَ وإني مُعجل لكم الجوابَ: لا أحسَنَ الله لكم الخِلاَفة. ثم نزل.

خطبة للحجاج أيضاً

من خطبة للحجاج وقول الحسن فيه خطب فقال في خطبته: سوْطي سيفي، فنِجَادةُ في عُنُقي، وقائمُه في يدي، وذُبَابه قلادة لمن اغتر بي! فقال الحسن: بُؤْساً لهذا! ما أغره بالله!.

بين رجل حلف بالطلاق أن الحجاج في النار وفتوى ابن سيرين وحلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار، ثم أتى امرأتَه فمنعته نفسها فأتى سِيرِين يستفتيه؛ فقال: يابن أخي، امض فكن مع أهلك، فإن الحجاجَ إن لم يكن في النار لم يَضُرك أن تَزنيَ.

خطبة لعمر بن عبد العزيز رحمة اللّه عليه

حدّثني أبو سَهْل عن إسحاق بن سليمان عن شُعَيب بن صَفْوان عن رجل من آل سَعِيد بن العاص، قال: كان آخر خطبةٍ خطب بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنْ حَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم لم تُخْلَقوا عَبَثاً، ولن تُتْركوا سدى، وإنّ لكم مَعاداً يَنزِل الله فيه للحكم فيكم لفصل بينكم، فخاب وخَسِر من خَرَج من رحمة الله وحُرِمِ جنةً عَرْضُها السمواتُ والأرضُ. ألم تعلموا أنه لا يأمَن غداً إلا من حَذِر اليومَ وخاف، وباع نافداً بباقٍ، وقليلاً بكثيرٍ، وخوفاً بأمانٍ؛ ألا ترون أنكم في أسْلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين كذلك، حتى تُرَدّ إلى خير الوارثين! ثم إنكم في كل يوم تُشيِّعون غادياً ورائحاً إلى اللّه قد قَضَى نَحْبَه، حتى تُغيَّبوه في سدْع من الأرض في بطن صَدْعِ غير موَسَّد ولا ممهَّد، قد فارَقَ الأحباب وباشرَ الترابَ وواجه حساَبَ، فهو مرتَهَنٌ بعمله، غني عما ترك فقير إلى ما قدمّ. فاتَقُوا اللهّ قبل انقضاء مَوَاقِيته ونزول الموت بكم! غَنيٌ عما ترك فقير إلى ما قدمّ. فاتَقُوا اللهّ قبل انقضاء مَوَاقِيته ونزول الموت بكم أمَا إني أقول هذا وما أعلم أنّ عند أحدٍ من الذنوب أكثرَ مما عندي، فأستغفر الله وأتوبُ به. ثم رفع طَرَفَ رِدائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.

خطبة لخالد بن عبد اللّه يوم عيد

 

خطب فذكر اللّه وجلالَه ثم قال: كنتَ كذلك ما شئتَ أن تكون، لا يَعلم كيف أنت إلا أنت، ثم ارتأيتَ أن تخلُقَ الخَلْق، فماذا جئتَ به من عجائب صُنْعك، والكبير والصغير من خلقك، والظاهر والباطن من ذرك: من صُنوف أفواجه وأفراعه وأزواجه، كيف أدمجتَ قوائم الذرة والبَعُوضة إلى ما هو أعظمُ من ذلك من الأشباح التي امتزجتْ بالأرواح!.

وخَطَب يوماً فسقطتْ جَرَادةٌ على ثوبه فقال: سبحانَ مَنِ الجرادةُ من خلقه، أدمَجَ قوائمها، وطوّقها جَنَاحها، ووَشى جلدَها، وسَفطها على ما هو أعظمُ منها.

خطبة للحجاجخطب فقال: أيها الناس، احفَظُوا فُروجكم، وخذوا الأنفس بضميرها، فإنها أسوكُ شيء إذا أعْطِيَتْ، وأعصَى شيء إذا سًئلت. وإني رأيت الصبر عن مَحَارِم اللهّ أيسَرَ من الصبر على عذاب اللّه.

خطبة سليمان بن عبد الملكخطب فقال: إن الدارَ دارُ غُرورٍ ومنزلُ باطلٍ، تُضحك باكياً وتُبْكي ضاحكاً، وتُخيف آمناً وتُؤمن خائفاً، وتُفقر مُثرياً وتُثري مُقْتِراً، مَيالةٌ غَرارة لَعّابة بأهلها! عبادَ الله! اتَّخذوا كتاب الله إماماً، وارتضُوا به حَكَماً، واجعلوه لكم قائداً، فإنه ناسخٌ لِمَا كان قبله ولم ينسَخْه كتابٌ بعده. اعلموا عبادَ اللّه أن هذا القران يجلو كَيْدَ الشيطان كما يجلو ضوءُ الصبح إذا تنفّس، ظلامَ الليل إذا عسعس.

خطبة يزيد بن الوليد بعد قتله الوليدحمِد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، والله ما خرجت أشَراً ولا بَطَراً ولَا حِرْصاً على الدنيا ولا رغبةً في الملك، وما بي إطراءُ نفسي، وإني لظَلُومٌ لها إن لم يرحَمْني اللهّ، ولكن خرجت غَضَباً لله ودِينه، داعياً إلى اللّه وإلى سنة نبيه، لَمّا هُدمت معالمُ الهدى، وأطفئ نورُ أهل التقوى، وظَهَر الجبار العَنِيد، المستحِل لكل حُرْمة، والراكبُ لكل بِدْعة، الكافرُ بيوم الحساب، وإنه لابن عَمِّي في النًسَب وكَفِيئي في الحَسَب؛ فلمّا رأيتُ ذلك استخرتُ اللّه في أمره وسألته ألا يَكِلَني إلى نفسي، ودعوتُ إلى ذلك مَنْ أجابني من أهلا وِلايتي، حتى أراح الله. منه العبادَ، وطهّر منه البلاد، بحَوْله وقُوّته لا بحولي وقوتي.

أيها الناس، إنّ لكم! عليّ ألّا أضَعَ حَجَراً على حجر، ولا لَبِنةً على لبنة، ولا أكْرِي نهراً، ولا أكنِزُ مالًا، ولا أعطيه زوجاً ولا وَلَداً، ولا أنقُلُه من بلد إلى بلد حتى أسُد فقرَ ذلك البلد وخَصَاصةَ أهله، فإنْ فَضَلَ فضلٌ نقلتُه إلى البلد الذي يَلِيه. ولا أجَمَركم في بُعُوثكم فأفتنَكم وأفتِنَ أهليكم، ولا أغْلِق بابي دونكم فيأكُلَ قَوِيكم ضعيفكم، ولا أحمِلُ على أهل جِزْيتكم ما أجْليهم به عن بلادهم وأقطَعُ به نَسْلَهم. ولكم علي إدرارُ العَطَاء في كل سنةٍ والرزقِ في كل شهر، حتى يستويَ بكم الحال فيكونَ أفضلُكم كأدناكم. فإن أنا وَفَيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكانفة، وإن لم أفِ لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن تستتيبوني، فإن أنا تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحداً يقوم مَقَامي ممن يُعرف بالصَلاَحُ يعطيكم من نفسه مثلَ الذي أعطيتُكم فأردتم أن تُبايعوه، فأنا أولُ مَنْ بايعه ودَخَل في طاعته. أيها الناس، إنه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق. وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم.

فلما بُويع مَرْوانُ نَبَشَه وصَلَبه. وكانوا يقرأون في الكتب: يا مبذَر الكنوز ويا سجاداً بالأسحار، كانت ولايتُك لهم رحمةً وعليهم حجة، أخذوك فصَلَبوك.

خطبة أبي حمزة الخارجيّ

 

خطب أبو حمزةَ الخارجي بمكة فذكر رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم،، ثم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بما هُمْ أهله، ثم قال: ووَلي عثمانُ فسار سِتَّ سنين بسِيرة صاحبَيْه وكان عونَهما، تم سار في الستّ الأواخر بما أحبط به الأوائل، ثم مضى لسبيله. ووَليَ عليٌ فلم يَبْلُغ من الحق قَصْداً ولم يرفِعْ له مناراً، ثم مضى لسبيله. ثم وَلي معاوية لَعِينُ رسولِ الله وابن لعينه، اتّخذ عبادَ الله خوَلاً، ومالَ الله دوَلاً، ودِينَه دَغَلا، ثم مضى لسبيله، فالعَنُوه لعنه الله. ثم ولي يزيدُ بن معاوية، يزيد الخمور، ويزيد القُرود، ويزيد الفهود، الفاسقُ في بَطْنه والمأبون في فَرْجه. ثم اقتصَّهم خليفةً خليفَةَ. فلما انتهى إلى عمر بن عبد العزيز أعرضَ عن ذكره. ثم ذكر يزيدَ بنَ عبد الملك فقال: يأكلُ الحرامَ، ويلبَس الحُلّة بألف دينار، قد ضُرِبَت فيها الأبشارُ، وهُتِكت الأستار، حَبَابةُ عن يمينه وسَلامة عن يَساره تغنَيانه، حتى إذا أخَذَ الشرابُ فيه كل مَأْخَذٍ قَد ثوبَه ثم التفتَ إلى إحداهما فقال: ألَا أطِير! نعم! طِرْ إلى النار. ثم ذكر أصحابَه فقال: شبابٌ والله مُكتهلون في شَبَابهم، غَضيضةٌ عن الشر أعينُهم، ثَقِيلة عن الباطل أرجلُهم، أنْضاءُ عِبادة، وأطْلاح سَهَر، ينظُرُ اللّه إليهم في جوف الليل مُنْحنِيةً أصلابُهم على أجزاء القرآن، قد أكلت الأرض رُكَبَهم وأيديَهم وجِبَاهَهم، واستقلُوا ذلك في جَنْب الله، حتى إذا رأوُا السهام قد فُوَقَتْ، والرماحَ قد أشْرِعتْ، والسيوفَ قد انتُضِيتْ. وأرْعدت الكتيبةُ بصواعق الموت، مضى الشاب منهم قدماً، حتى اختلفت رجلاه على عُنُق فرسه، وتخضبتْ محاسِنُ وجهه بالدماء، فأسرعت إليه سِباعُ الأرض وانحطَّتْ إليه طيرُ السماء، فكم من عيْنٍ في مِنْقار طائرٍ طالما بَكَى صاحبُها في جوف الليل من خوف اللّه! وكم من كف زَايَلَتْ مِعْصَمَها طالما اعتمَدَ عليها صاحبُها في جوف الليل بالسجود لله! ثم قال: اوه أوّه وبكى ثم نزل.

خطبة لقَطَرِيّ الخارجيّ

ذَكَر فيها الذي قالوا مَنْ أشد منا قوةً، فقال: حُمِلُوا إلى قُبُورهم فلا يُدْعَوْنَ رُكْباناً، وأنْزِلوا فلا يُدعون ضِيفاناً، وجعلوا لهمِ من الضًرِيح أجْناناً، ومن التراب أكفاناً، ومن الرفَ جِيراناً، فهم جِيرةٌ لا يُجيبون داعياَ ولا يَمنعون ضَيماً، إن أخصَبوا لم يفرحوا، أو أقحَطوا لم يَقْنَطوا؛ جميع أوحادٌ، وجِيرةٌ أبعاد، لا يَزُورون ولا يُزارون. فاحذَرُوا ما حَذّركم الله وانتفعوا بمَوَاعظه واعتصِموا بحبله.

وفي خطبة ليوسف بن عمراتقوا الله عبادَ الله! فكم من مُؤَمَل أملاً لا يبلُغه، وجاِمعٍ مالاً لا يأكله، ومانعٍ ما سوف يَتركُه، ولعله من باطل جَمَعَه، ومن حقٍّ مَنَعَه، أصابه حراماً ووَرَّثَه عدواً، إحتمل إصْرَه وباء بوِزْره، ووَرَد على ربّه آَسفاً لاهِفاً، قد خَسِر الدنيا والآخرةَ، ذلك هو الخُسْرانُ المبين.

وفي خطبة للحجاجقال مالك بن دِينار: سمعته على المنبر يقول: امرأً زور عمله امرأً حاسَبَ نفسَه، امرأً فكر فيما يقرؤُه في صحيفته ويراه في مِيزانه، امرأً كان عند هواه زاجراً، وعند هَمَه آمراً، أخذ بعِنَان قلبه كما يأخُذ بخِطام جَمَله، فإن قاده إلى طاعة الله تَبِعه، وإن قاده إلى مَعْصِية الله كفه.

خطبة للمنصورخطب المنصور بمكة فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطانُ الله في أرضه، أسوسُكم بتوفيقه وتَسْديده وتأيِيده وتَبْصيره، وخازنُه على فَيْئه أعمَلُ فيه بمشيئته، وأقْسِمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، قد جَعَلني عليه قُفْلا إذا شاء أن يفتَحَني لإعطائكم وقَسْم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفِلني عليها أقفلني. فارغَبُوا إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الني وهَبَ لكم فيه من فَضْله ما أعلمكم في كتابه، إذ يقول: " اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الِإسْلامَ دِينَاً " أن يُوَفقني للصَّواب والرشاد، ويُلْهِمَني الرأفةَ بكم والإحسانَ إليكم، ويَفْتَحَني لإعطائكم وقَسْم أرزاقكم بالعَدْل عليكم.

خطبة لداود بن عليّ

 

خطب فقال: أحرزَ لسانٌ رأسَه، اتعظ امرؤٌ بغيره، اعتبَرَ عاقل قبل أن يُعْتَبَر به، قأمسكَ الفَضْلَ من قوله وقدّم الفضلَ من عمله. ثم أخذ بقائم سيفه فقال: إن بكم داءً هذا عواؤُه، وأنا زعيمٌ لكم بشِفائه، وما بعد الوعيدِ إلّا الإيقاع.

خطبة لدواد بن عليّ أيضاً

لما قام أبو العبّاس في أول خِلافته على المنبر قام بوجهٍ كورقة المصحف فاستَحْيَا فلم يتكلَّم؛ فنَهَض داودُ بن عليّ حتى صَعِد المنبرة فقال المنصور: فقلت في شيخِنا وكبيرِنا ويدعو إلى نفسه فلا يختلف عليه اثنان، فانتضَيْتً سيفي وغَطيت ثوبي وقلتُ: إن فَعَلَ ناجزتُه، فلما رَقِيَ عَتَباً استقبل الناسَ بوجهه عون أبي العباس، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين يَكْرَه أن يتقدّم قولُه فعلَه، ولأثَر الفِعال عليكم أجْوَر من تَشْقيق المَقَال، وحسبكُم بكتابِ الله مُمْتَثَلاً فيكم، وابن عمّ رسولِ اللهّ خليفةً عليكم. والله قَسَماً بَرا لا أريد إلّا اللَه به ما قام هذا المقامَ أحد بعد رسول الله أحق به من عليّ بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا، فلَيظُنَّ ظانكم وليَهْمِسْ هامسُكم. قال أبو جعفر: ثم نزل وشِمْتُ سيفي.

خطبة لأعرابيّ

أما بعد، فإن الدنيا دارُ بَلَاء والآخرةَ دارُ بقاء، فخُذُوا أيها الناس لمَقَرّكم من مَمَرّكم، ولا تهْتِكوا أستاركم عند من لا يَخْفَى عليه أسراركم، ففي الدنيا أحيِيتم ولغيرها خُلقتم. أقول قولي هذا، والمستَغْفَرُ اللّه، والمدعوُ له الخليفةُ ثم الأميرُ جعفر بن سليمان.

خطبة المأمون يوم الجمعةالحمد لله مستخلِص الحمدِ لنفسه، ومستوجبه على خَلْقه، أحمدُه وأستعينُه وأومن به وأتوكَل عليه، وأشهَدُ إنْ لا إلهَ إلا اللُّه وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُ أرسله بالهُدَى ودِينِ الحق ليُظهِرَه على الدينِ كلَه ولو كَرِهَ المُشركون. أوصِيكم عِبادَ الله بتقوى الله وحدَه، والعمل لما عنده، والتنجُّز لوعده، والخوفِ لوعيده، فإنه لا يسلَم إلا من اتّقاه ورَجَاه، وعَمِل له وأَرْضاه. فاتَّقوا اللّه عبادَ اللّه وبادِرُوا آجالَكم بأعمالكم، وابتاعُوا ما يبقَى به يزولُ عنكم، وترحّلوا فقد جُدً بكم، واستعِدُوا للموت فقد أظلَّكم، وكُونوا قوماً صِيحَ بهم فانتبهُوا، وعلِموا أنّ الدنيا ليسْت لهم بدار فاستَبْدلواة فإنّ الله لم يخلُقْكم عبثاً ولم يترُكْ سُدًى؛ وما بين أحدِكم وبين الجنّة والنار إلا الموتُ أنْ يَنزِلَ به. وإنّ غايةً تنقصُها اللحظة وتَهدِمها الساعةً الواحدةُ لجديرة بقِصَر المُدّة، وإنّ غائباً يحدُوه الجديدانِ الليلُ والنهارُ لحرىِ بسُرعة الأوْبة، وإنّ قادماً يحُلّ بالفوز أو بالشِّقْوة لمستحِق لأفضل العدة، فتَقي عبدٌ ربَّه، ونَصَح نفسَه، وقَدّم توبته، وغَلَب شهوتَه، فإنّ أجلَه مستور عنه، وأملَه خادع له، والشيطان مُوكَّل به يُزَينُ له المعصيةَ ليركبها، وُيمَنِّيه التوبةَ ليُسَوّفها، حتىِ تهجُمَ عليه منيتُه أغفَل ما يكون عنها. فيا لها حسرةً على في غَفْلة: أن يكون عمرُه عليه حُجّةَ، أو تؤدَيهَ أيامُه إلى شْقْوة نسألُ الله يجعلَنا وإيّاكم ممن لا تُبطره نعمة، ولا تُقصَر به عن طاعته غَفْلة، ولا تُحلّ به بعد الموت فَزْعة، إنه سميع الدعاء، وبيده الخيرُ، وإنه فعال لما يُريد.

وفي خطبة المأمون يوم الأضحى بعد التكبير الأوّل

 

إنَ يوصكم هذا يومٌ أبانَ الله فضلَه، وأوجبَ تشريفَه، وعَظّم حُرْمته، ووَفَق له من خَلا صفوتَه، وابتَلَى فيه خليلَه، وفَدَى فيه من الذَبْح نبئه، وجعله خاتمَ الأيام المعْلومات من العَشْر ومتقدَم الأيام المعدودات منِ النفْر؛ يومٌ حرامٌ من أيام عِظام في شهرَ حَرَام، يومُ الحجِّ الأكبر يومٌ دعا اللُّه إلى مَشْهَده، ونزَل القرآنُ بتعظيمه، قال اللهّ جلّ وعزّ: " وَأذِّنْ في الناس بالحج " َ؛ الآيات؛ فتقربوا إلى اللّه في هذا اليوم بذبائحكم، وعَظِّموا شعائرَ الله واجعلوها من طَيبِ أموالَ وبصحّة التقوى من قلوبكم، فإنه يقول: " لَنْ يَنَالَ اللَّه لُحُومُهَا وَلَا دمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التًقْوَى مِنْكُمْ " ، ثم التكبير والتحميد والصلاة على النبي والوصية بالتقوى، ثم قال بعد ذكر الجنة والنار: عَظُمَ قدرُ الدارين وارتفع جزاءُ العملين وطالت مدّة الفريقين الله للّه! فوالله إنه الجِدُ لا اللعِبُ، وإنه الحقُّ لا الكذِب، وما هو إلا الموت والبَعْث والمِيزان والحِساب والقِصَاص والصَراط ثم العقاب والثَواب، فمن نَجَا يومئذٍ فقد فاز، ومن هَوَى يومئذ فقد خاب. الخيرً كلّه الجنّة، والشر كله في النار.

وفي خطبة المأمون يوم الفطر بعد التكبير الأوّل

إنّ يومكم هذا يومُ عِيدٍ وسُنَّة وابتهال ورغبة، يومٌ خَتَم الله به صيامَ شهر رمضان وافتتح به حجَّ بيته الحَرَام، فجعله خاتمةَ الشهر وأوّلَ أيام شهور الحجّ، وجعله مُعقِّباً لمفروض صيامكم ومنتفَل قيامكم، أحل فيه الطعامَ لكم وحَرم فيه الصيامَ عليكم؛ فاطلبوا إلى الله حوائجكَم استغفروه لتفريطكم، فإنه يُقال: لا كبيرَ مع استغفار، ولا صغير مع إصرار. ثم التكبير والتحميد وذكر النبيّ عليه السلام والوصية بالتقوى. ثم قال: فاتقوا الله عبادَ الله وبادروا الأمرَ الذي اعتدَلَ فيه يقينُكم، ولم يتحضِر الشكُ فيه أحداً منكم، وهو الموت المكتوبُ عليكم، فإنه لا تُستقالُ بعده عَثْرةٌ، ولا تُحْظَر قبله توبة. واعلموا أنه لا شيءَ قبله إلا دونَه ولا شيءَ بعده إلا فوقَه. ولا من على جَزَعه وعَلَزه وكُرَبه، ولا يُعين على القبر وظُلْمته وضِيقه ووَحْشته وهَوْل مَطْلَعه ومسألة ملائكته، إلا العملُ الصالحُ الذي أمر اللّه به. فمن زَلَّت عند الموت قَدَمُه، فقد ظهرت ندامتُه، وفاتته استقالتُه، ودعا من الرَّجْعة إلى ما لا يجاب إليه، وبذَلَ من الفِدْية ما لا يُقْبَلُ منه. فالله اللَّه عبادَ اللهّ! وكونوا قوماً سألوا الرَّجْعةَ فأعْطُوها إذ مُنِعَهَا الذين طَلَبوها فإنه ليس يتمنَى متقدون قبلكم إلا هذا المهلَ المبسوطَ لكم. واحذَرُوا ما حذَّركم الله، واتَقوا اليومَ الذي جمَعُكم الله فيه لوَضْع مَوَازينكم، ونَشْر صُحُفكم الحافِظةِ لأعمالكم. فلينظُرْ عبدٌ ما يَضَعُ في زاده مما يثقل به، وما يًمِلُ في صحيفته الحافِظة لما عليه وله؛ فقد حَكَى الله لكم ما قال مفرطون عندها إذ طال إعراضُهم عنها، قال: " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مما فيه " ! الآية. وقال: " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ " . ولستُ أنهاكم عن الدنيا بأعظمَ مما نهتْكم الدنيا عن نفسها، فإنه كل ما لها ينهَى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. وأعظمُ ما رأته أعينكم من عجائبها فمُّ كتاب اللّه لها ونَهْيُ اللّه عنها، فإنه يقول: " فَلَا تَغُرنًكُمُ الحَيَاة الدنْيَا وَلاَ يَغُرنكُمْ بِالله الغَرُورُ " وقال: " إنمَا الْحَيَاةُ الدُنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ " الآية. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلَموا أنّ قوماً من عباد اللهّ أدركتُهم عِصمةُ اللّه فحذِروا مَصَارِعَها، وجانَبُوا خدائعها، وآثروا طاعةَ الله فيها، فأدركوا الجنَّة بما تركوا منها.

كلام مَنْ أرتِجَ عليه

لعيسى بن عمر حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: خَطَب أميرٌ مرّةً فانقطع فخجِل، فبعث إلى قوم من القبائل عابوا ذلك وَلفَهم، وفيهم يَرْبوعِي جَلْد، فقال: اخطُبُوا؛ فقام واحدٌ فمرّ في الخطبًة، حتىٍ إذا بلغ " أما بعد " قال: أما بعد أما بعد، ولم يدرِ ما يقول: ثم قال: فإنّ امرأتي طالق ثلاثا، لم أرِد أن أجمع اليوم فمنْعتني.

 

وخطب آخر، فلما بلغ " أما بعد " بَقِي ونَظرَ فإذا إنسان ينظر إليه، فقال: لعنك الله! تري ما أنا فيه وتَلْمَحني ببصرك أيضاً.

قال: وقال أحدهم: رأيتُ القَرَاقير من السُّفُن تجرِي بيني وبين الناس.

قال: وصَعِد اليربوعيً فخطب فقال: أمّا بعدُ فوالله ما أدرِي ما أقولُ ولا فِيمَ أقمتموني. أقول ماذا. فقال بعضهم: قل في الزيت؛ فقال: الزيتُ مبارك، فكُلُوا منه وادّهِنوا. قال: فهو قولُ الشُطَار اليوم إذا قيل: لم فعلت ذا؟ فقل في شأن الزيت وفي حال الزيت.

ليزيد بن أبي سفيان ولما أتى يزيدُ بن أبي سُفْيان الشأم والياً لأبي بكر رضي الله عنه، خطب فأرتِج عليه، فعاد إلى الحمد لله فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه، فقال: يا أهل الشأْم عسى الله أن يجعل من بعد عسرٍ يُسراً، ومن بعد عِيً بياناً، وأنتم إلى إمامٍ عادل أجوجُ منكم إلى إمام قائل. ثم نزل. فبلغ ذلك عَمرو بن العاص فاستحسنه.

لثابت قطنة بسجستان صعِد ثابتً قُطْنَة منبراً بسِجِسْتان فحمِد الله ثم أرتج عليه، فنزل وهو يقول:

فإلا أكُنْ فيكم خطيباً فإنّني ... بسيفي إذا جَدّ الوَغَي لخَطَيبُ

فقيل له: لو قلتَها على المنبر كنتَ أخطبَ الناس.

لعبد اللّه بن عامر بالبصرة وأرتج على عبد اللهّ بن عامر بالبَصْرة يومَ أضْحَى، فَمكَث ساعةً ثم قال: والله لا أجمَعُ عليكم عِيًّا ولُؤماً، من أخَذَ شاةً من السوق فهي له وثمنُها عليّ.

لخالد بن عبد اللّه القسري وارتج على خالد بن عبد اللّه القَسْرِيّ فقال: إن هذا الكلامَ يجيء أحياناً ويعزُبُ أحياناً، وربما طُلِب فأبَى، وكُوبِرَ فعسا، فالتّأنِّي لمجيّه، أيسرُ من التَّعاطِي لأبيه؛ وقد يَختَلِط من الجريء جَنَانهُ، وينقطع من الذَرِب لسانُه، فلا يُبْطره ذلك ولا يَكْسِره؛ وسأعودُ إن شاء الله.

لمعَن بن زائمة وأرتج على مَعن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال: " فَتَى حُرُوبٍ لا فَتَى مَنَابر " .

لعبد ربه اليشكريّ وكان عبد ربه اليَشْكُريّ عاملاً لعيسى بن موسى على المدائن، فصعِد المنبرَ فحمِد الله وارتج عليه فسكت، ثم قال: والله إني لأكون في بيتي فتجيءُ على لساني ألفُ كلمة، فإذا قمتُ على أعوادكم هذه جاء الشيطانُ فمحاها من صَدْري، ولقد كنتُ وما في الأيّام أحب إلي من يوم الجمعة، فصِرْتُ وما في الأيام يوم أبغضُ إلي من يوم الجمعة، وما ذلك إلاّ لخطبتكم هذه. لروح بن حاتم صَعِدَ رَوْح بن حاتم المنبَر، فلما رأى جَمْعَ الناس حَصِر، فقال: نَكَسوا رؤوسَكم وغُضُوا أبصاركم، فإن أوّلَ مَرْكبٍ صعْب، وإذا يسر اللّه فَتْحَ قُفْل تيسر.

رجل دُعي ليخطب في نكاح فأرتج عليه ودُعِي رجلٌ ليخطب في نكاح فحَصِر، فقال: لَقَنوا موتاكم شهادةَ أنْ لا إلهَ إلا الله. فقالت امرأةٌ حضرتْ: ألهذا دعوناك! أماتك الله!.

لعبيد اللّه بن زياد، ولعبد الملك قال عُبَيد الله بن زِياد: نِعْمَ الشيءُ الإمارةُ لولا قعقعةُ البريد والتشرُف للخُطَب.

قيل لعبد الملك: عَجل عليك الشَّيبُ؛ فقال: كيف لا يُعجل علي وأنا أعرِض عقلي على الناس في كل جمعة مَرةً أو مرتين.

للدندان الهاشمى ووَليَ رجل من بني هاشم يُعْرَف بالدَنْدَان بحر اليمامة، فلما صعِد المنبر أرتج عليه فقال: حيا اللهّ هذه الوجوهَ وجعلني فِداءَها، إنَي قد أمرتُ طائفي بالليل ألا يرى أحداً إلا أتاني به وإن كنت أنا هو ثم نزل.

المنابرقال بعض المفسرين في قول اللّه جل وعزّ " ومَقَامٍ كَرِيم " ؛ إنه المنبر. وقال: الشاعر:

لنا المساجدُ نَبْنِيها ونَعْمُرُها ... وفي المنابر قَعْداتٌ لنا ذُلُلُ

فلا نَقِيلُ عليها حين نركَبُها ... ولا لهنّ لنا من مَعْشرٍ بَدَلُ

وقال الكُمَيْت يذكر بني أمية:

مُصيبٌ على الأعوادِ يومَ ركُوبِهِ ... لِمَا قال فيها مخطئ حين ينزِلُ

يُشَبِّهها الأشباهَ وهي نَصِيبُه ... له مَشْرَب منها حرامٌ ومأكَلُ

وقال بعض المُحْدَثين :

فما مِنبرٌ دنسته باستِ لا أفكل ... بِزَاكٍ ولو طهّرتَه بابن طاهر

للأقيشر ومرّ الأقَيْشِر بمَطَر بن نَاجِية اليربوعي حين غَلَبَ على الكُوفة في أيام الضًحاك بن قيس الشّارِي ومَطَرٌ يخطُبُ، فقال:

 

أبني تَميم ما لمنبر ِمُلْككم ... لا يستمِرّ قعوده يتَمرْمَرُ

إنّ المنابرَ أنكرتْ أشباهَكم ... فادعُوا خُزَيْمةَ يستقِرّ المنبرُ

خلعُوا أمِيرَ المؤمنين وبايَعُوا ... مَطَراً لعمرُك بَيْعةً لا تظهرُ

واستخلفوا مطراً فكان كقائلٍ ... بَدَلٌ لعمرُك من أمَيّة أعورُ

لقتيبة بن مسلم وقد سقط القضيب من يده وهو يخطب خَطَب قُتَيْبة بن مُسْلم على منبر خُرَاسان فسَقَط القضِيبُ من يده، فتفاءل له عدوّه بالشرّ واغتمّ صديقُه، فعَرَف ذلك قُتَيبة فقال: ليس الأمرُ على ما ظَنّ العدوّ وخاف الصديقُ، ولكنه كما قال الشاعر:

فألقتْ عَصَاها واستقرّ بها النَّوَى ... كما قَرّ عَيْناً بالإيابِ المُسافرُ

لواثلة بن خليفة يهجو عبد الملك بن المهلب وقال واثلةُ بن خَلِيفة السًدُوسيّ يهجو عبد الملك بن المُهَلَب:

لقد صَبَرتْ للذُّلِّ أعواد منبرٍ ... تقوم عليها في يديك قضيبُ

بكى المنبرُ الغربيُ إذ قُمْتَ فوقَه ... وكادت مساميرُ الحديد تنوبُ

تم كتاب العلم وهو الكتاب الخامس من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله، ويتلوه في الكتاب السادس كتاب الزهد.

والحمد للهّ رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين.

صورة ما كتبه الناسخ بخطه في آخر النسخة كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

وقال بعضهم: بُنِي الإسلامُ على خمسة: التواضع عند الدولة، والعفو عند القدرة، والسخاء مع القِلّة، والعطيّة من غير مِنّة، والنصيحة للعامّة.

لبعض الشعراء في الصبر وقال بعض الشعراء في الصبر:

وإذا ابتُلِيتَ بمِحْنةَ فالبس لها ... ثوبَ السكوتِ فإن ذلك أسلمُ

لا تشكوَن إلى العباد فإنما ... تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يَرْحَم

للشافعي رضي الله عنه وُيرْوَى للشافعيّ رضي اللّه عنه:

نَعِيبُ زمانَنا والعيبُ فينا ... وما لزماننا عيبٌ سوانا

وقد نهجُو الزمانَ بغير جُرْم ... ولو نطق الزمانُ بنا هجانا

فدُنْيانا التصنُعُ والترائيً ... ونحن به نُخادع من يرانا

وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ ... ويأكلُ بعضُنا بعضاً عِيانا

كتاب الزهد

ما أوحى الله عز وجل إلى أنبيائه عليهم السلاملوهب بن منبه في ما أوحى اللّه تعالى به إلى أرمياء

 

حدثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا خَلَف بن تَميم عن أبي عِصْمة الشاميّ عن ابن أخت وهب بن منبه عن وهب قال: أوحَى الله إلى نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرمِياء حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قُمْ بين ظَهْرانَيْ قومِك فأخبِرهم أن لهم قلوباً ولا يفقهون، وأعيناً ولا يبصرون، أذاناً ولا يسمعون، وأنِّي تذكرتُ صلاحَ آبائهم، فعطفني ذلك على أبنائهم، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعِد أحد ممن عصاني بمعصيتي، وهل شقِي أحدٌ ممن أطاعني بطاعتي؛ إن الدواب تذكُرُ أوطانَها فتنزعُ إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمتُ عليه آباءهم، والتمسوا كرامةَ من غير وجهها. أما أحبارهم فأنكروا حقي؛ وأما قرّاؤهم فعبدوا غيري وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما عُلَمُوا من حكمتي؛ وأما وُلاتهم فكذَبوا علي وكذَبوا رُسُلي، خزنوا المكر في قلوبهم، عودوا الكذبَ ألسنتَهم، وإني أقسم بجلالي وعزتي لاهيّجن عليهم جنوداً لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم؛ ولأبتعِثن فيهم ملِكاً جناراً قاسياً، له عساكر كقِطَع سحاب، ومواكبُ كأمثال العَجَاج، كان خَفَقانَ راياتِه طَيَرانُ النسور، وكأنْ حمل فُرسانه كرّ العِقبان، يعيدون العُمران خراباً، ويتركون القُرى وحشةً. فيا ويلَ إيلياء وَسُكانِها كيف أذلَلهم للقتل، واسلَط عليهم السباء، وأعيدُ بعد لَجَبِ الأعراس صُراخَ الهام، وبعد صهيل الخيل عُواءَ الذئاب، وبعد شُرفات القصور مساكنَ السباع، وبعد ضوءِ السرُج رَهَجَ العَجَاج. ولأبدلنّ رِجالهم بتلاوةِ الكتاب انتهارَ الأرباب، وبالعزّ الذلَّ، وبالنعمةِ العبوديةَ. ولأبدلن نساءهم بالطيبِ التراب وبالمشي على الزرابي الخِبَبَ؛ ولأجعلنً أجسادهم زبلاً للأرض، وعظَامهم ضاحيةً للشمس وفي رواية أخرى: ولأدوسنَّهم بألوان العذاب، حتى لو كان الكائنُ خاتَماً في يميني لوصلتَ الحربُ إليه؛ ثم لآمرنَ السماءَ فلتكوننَ طبَقاً من حديد، والأرضَ فلتكونن سبيكة من نحاس، أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ شيئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم، ثم أحبِسه في زمن الزرع وأرسله في زمن الحِصاد، فإن زرعوا خلال ذلك شيئاً سلطتُ علِيه الآفةَ، فإن خَلص منه شيء نزعتُ منه البركةَ، فإن دعَوْني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطِهم، وإن بكَوْا لم أرحمهم، تضرّعوا صرفت وجهي عنهم.

في ما أوحى الله تعالى به إلى موسى بن منسى بن يوسف حدّثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب: أن الله عزّ وجل أوحى إلى موسى بن مَنسَّى بن يوسف أن قُلْ لقومك: إني بريء ممن سَحَر أو سُحِر له، أو تَكَفَنَ أو تُكُفَنَ له تَطَيرَ أو تُطُيرَ له؛ من آمن بي صادقاً فليتوكل عليّ صادقاً، فكفى بي مثيباًة ومن عدل عنّي، بغيري فإني خير شريك أردّ عليه ما توسّل به إليّ، وأكِلُه إلى من توكل عليه؛ ومن وكَلَته غيري فليستعذَ للفتنة والبلاء.

ما أوحى اللّه به إلى داود عليه السلام وحدّثني بهذا الإسناد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام في الزَّبور: يا عبدي الشكور إني قد وهبتُ لك الزبورَ، وأتبعتُه بنصح منّي من أعين السطور، ومن الوحي المحفوظ المحجوب من وراء الستور، فاعبدْني به في الأيام والليالي والشهور؛ وأحببْني من كل قلبك، وحببْني خَلْقي، وأبغِضْ من عبادي كل منافقٍ جهول. قال: يا ربّ، كيف أَحَببُكَ إلى خلقِك؛ قال: تُذكرهم آلائي.

في ما أنزل على إبراهيم عليه السلام وبهذا الإسناد قال: أنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، وكانت صُحُفه أمثالاً وعِبَراً وتسبيحاً وتمجيداً وتهليلاً، فكان فيها: أيها الملك المسلَّط المغرور المبتلَى، إني لم أبعثك لتردَّ عني دعوةَ المظلوم، فإني لا أرُدّها ولو كانت من كافر.

ما أوحى اللّه تعالى به لشَعْيا

 

وبهذا الإسناد أن الله تعالى قال لِشَعْيا: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما قام شَعْيا أنطق اللُه لسانَه بالوحي، فقال: يا سماءُ اسْتَمِعي، يا أرضُ أنْصِتي، فأنصتت الأرضُ واستمعت السماءُ؛ فقال: إن اللّه يقول لكم: إني استقبلتُ بني إسرائيلَ بالكرامةِ وهم كالغنم الضائعةِ لا راعيَ لها، فآويتُ شاذَّتَها، وجمعتُ ضالَتها، وجبرتُ كسِيرها، وداويتُ مريضَها، وأسمنتُ مهزولَها؛ فبطِرْت فتناطحتْ، فقتل بعضُها بعضاً حتى لم يبقَ منها عظمٌ صحيح يُجبر إليه آخرُ كسيرٌ. إن الحمار مما يتذكر ارِيَّه الذي شَبع عليه فيراجعه، وإنّ الثور مما يتذكر مَرْجَه الذي سَمِنَ فيه فينتابه، وإنّ البعير مما يتذكر وطنَه الذي نُتِج فيه فينرع إليه، وإن هؤلاء القومَ لا يذكرون أنَى جاءهم الخيرُ وهم أهلُ الألباب وأهل العقول، ليسوا بإبلِ ولا بقر ولا حميرٍ. وإني ضاربٌ لهم مثلاً فاسمعوه: قل لهم: كيف تروْن في أرضٍ كانت زماناً من زمانها خربةً مواتاً لا حَرْثَ فيها، وكان لها رب قويٌ حليم، فأقبل عليها بالعِمارة وكرِه أن تخرَبَ أرضُه وهو قويٌ وأن يقال له ضيًع وهو عليم، فأحاط عليها سياجاً وشَيَد فيها قصراً وأنبط فيها نهراً وصنف فيها غِراساً من الزيتون والرُمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار، وولَّى ذلك ذا رأيٍ وهمةٍ حفيظَاَ قوياً أميناً؛ فلما جاء إبَّانُ إثمارها أثمرت خَرًوباُ، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟ قالوا: كنا نقول: بئست الأرض أرضُك، ونشير عليه أن يقلَع سياجها، ويهدِمَ قصرها، ويدفِنَ نهرها، ويحرِق غراسَها حتى تعودَ خربِةً مَواتاً لا عُمرانَ فيها. قال الله تعالى: قل لهم، إن السياجَ ذمتي، وإن القصرَ شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن القيم نبييّ، وإن الغرسَ مثَلٌ لهم، والخروبَ أعمالُهم الخبيثةُ، وإني قد قضيتُ عليهم قضاءَهم على أنفسهم، يتقربون إلي بذبح الغنم والبقر وليس ينالني اللحمُ ولا آكُلُه، ويَدَعون أن يتقربوا إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرَّمتُها ويُشيِّدون لي البيوتَ ويُزَوًقون لي المساجدَة وأي حاجة بي إلى تشييد البيوت ولستُ أسكنُها، وإلى تزويق المساجد ولست أدخلُها؟ إنما أمرتُ برفعها لأذكَرَ فيها وأسَبًحَ، ويُنَجسون أنفسهم وعقولَهم وقلوبهم ويخرًبونها، يقولون: لو كان يقدِرُ على أن يجمعَ ألفتَنا لجمعَها، ولو كان يقدر على أن يُفقه قلوبنا لفقهها. فاعمِدْ إلى عودَين يابسَينِ فاكتب فيهما كتاباً ثمَّ ائتِ ناديَهم أجمعَ ما يكونون، فقل للعودين: إن اللّه يأمركما أن تعودا عُوداَ واحداً؛ فقال لهما ذلك، فاختلطا فصارا عُوداً واحداً، وصار الكتاب في طَرَفَي العودِ كتاباً واحداً: يا معشر القبائل، إن اللّه يقول لكم: إني قدرت على أن أفقَه العيدان اليابسة وعلى أن أؤلِّفَ بينها؛ فكيف لا أقدِرُ على أن أجمعَ ألْفَتكمِ إن شئت! أم كيف لا أقدِر على أن أؤلَف قلوبكم! يقولون: صمنا يُرفَع صيامُنا وصلَّينا فلم تُنوَّرْ صَلاتُنا وزكَينا فلم تَزْك زكاتُنا، ودعَونا بمثل حنين الحمام، و بمثل عُواء الذئاب، في كلّ ذلك لا يُسمعُ منّا ولا يُستجابُ لنا. قال اللّه تبارك وتعالى: " سلهم ذلك وما الذي منعني أن أجيبَهم؟ ألستُ أسْمَعَ السامعين وأبصَر الناظرين وأقرَبَ المجيبين وأرحم الراحمين! ألِأنّ خزائني فَنِيَتْ؟ كيف ويداي مبسوطتان بالخير انفِق كيف أشاء! أم لأن ذاتَ يدي قلتْ. كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا يُغلقها غيري! أم لأن رحمتي ضاقت؟ كيف ورحمتي وسِعتْ كل شيء، وإنما يتراحم بفضلها المتراحمون! أم لأنّ البخل يعتريني. كيف وأنا النفاح بالخيرات أجوَدُ مَن أعطَى وأكرمُ من سُئل! ولكن كيف أرفعُ صيامَهم وهم يَلْبِسونه بقول الزور ويتقوّون عليه بطُعْمة الحرام! كيف أنوِّر صلاتَهم وقلوبهم صاغيَةٌ إلى من يُحَادّني وينتهك محارمي أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قولٌ بألسنتهم والعملُ في ذلك بعيد! أم كيف تزكو صدقاتهم وهي من أموال غيرهم! إنما أجزِي عليها المغصوبين. وإن من علامة رضاي رضا المساكين.

في ما ناجى الله تعالى به موسى عليه السلام

قال وهب: وفيما ناجى الله به موسى عليه السلام: لا تُعْجبكما زينة ولا ما مُتِّعَ به، ولا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترَفين. ولو شئت أن أزيِّنكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تَعجِز عما اوتيتما فعلتُ، ولكنّي أرغب بكما عن ذلك وأزوِيه عنكما؛ وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودُهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيقُ غنَمه عن مراتع الهَلَكَة، وإني لأحميهم عيشَها وسَلوتها كما يُجنَبُ الراعي الشفيقُ إبلَه مباركَ العُر، وما ذاك لهَوَانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفَّراً لم يَكْلِمْه الطمعُ ولم يطبعه الهوى. واعلم أنه لن يتزينُ العبادُ بزينة أبلغَ فيما عندي من الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار عندي، وأنْقَى ما تَزَينَ به العبادُ في عيني عليهم منها، لباسٌ يُعرَفون به من السكينة والخضوع، سيماهم النحولُ والسجود، أولئك أوليائي حقاً. فإذا لقيتَهم فاخفِضْ لهم جناحَك، وذلل لهم قلبك ولسانَك.

وأعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرَّضني لنفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نُصرة أولياء، أفيظنّ الذي يحاربني فيهم أنه يقوم لي! أم يظنّ الذي يعاديني فيهم أنه يعجِزني! أم يظن الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني! كيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكل نصرَهم إلى غيري! ما أوحى الله به إلى موسى عليه السلام بطور سيناء وفي التوراة: أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام بطور سيناء: يا موسى بن عمران صاحب جبل لُبنان، أنت عبدي وأنا إلهك الديان؛ لا تستذلَّ الفقير، ولا تَغبِط الغني بشيء يسير؛ وكن عند ذكري خاشعاً، وعند تلاوة وحيي طَائعاً؛ أسْمِعْني لذاذةَ التوراة بصوتٍ حزين.

ما أوحى الله تعالى به إلى عيسى عليه السلام وفيما أوحى اللّه إلى عيسى عليه السلام: أنزلْني من نفسك كهمِّك، واجعلْني ذخرَك في مَعَادك، وتقرًبْ إلي بالنوافل أدْنِك، وتوكَل عليَّ أكفِك، ولا تَوَلَّ غيري فأخذُلك؛ إصْبر على البلاء، وارضَ بالقضاء، وكن كمسَرّتي فيك، فإنّ مَسرّتي أن أطاعِ، وأحْي ذكري بلسانك، وليكن وُدي في قلبك تيقَظْ لي في ساعات الغفلة؛ وكن راهباً لي وراغباَ إلي. أمِتْ قلبَك بالخشية؛ راع الليلَ لتحري مَسَرّتي، واظمأ لي نهارَك لليوم الذي عندي؛ نافسْ في الخيرات جُهدك. قُمْ في الخليقة بعدلي، واحكم فيهم بنصيحتي، فقد أنزلتُ عليك شفاءَ وساوِس ما في الصدور من مرض الشيطان، وجلاءَ الأبصارِ من غِشاء الكَلال؛ ولا تكن حِلْساً كأنك مقبورٌ وأنت حيّ تتنفَس. إكحَلْ عينيك بمُلمولِ الحزن إذا ضحِك البطّالون. إبكِ على نفسك أيام الحياة بكاءَ مَنْ قد ودّع الأهلَ وقَلَى الدنيا، وتركَ اللذاتِ لأهلها، وارتفعتْ رغبتُه فيما عند إلهه. طوبَى لك إن نالك ما وعدتُ الصابرين تَرجَ من الدنيا يوماً فيوماً، وارضَ بالبُلْغَة، ولْيكفِك منها الخَشِنُ. تذوَّق مذاقةَ ما قد خلا أين طعمُه! وما لم يأت أين لذّتُه! لو رأت عيناك ما أعددتُ لأوليائي لذاب قلبك وزهِقَتْ نفسُك شوقاً إليه.

فيما قال عيسى للحواريين

 

وفيما قال للحواريين: بحقٍّ أقول لكم: إنّ شجر الأرض بمطر السماء تعيش وتزكو، وكذلك القلوب بنور الحكمة تُبصِر وتَهتدي؛ بحق أقول لكم: إنه من ليس عليه دَينٌ أروَحُ وأقل همًّا ممن عليه دين وإن حَسُنَ قضاؤه، وكذلك من لم يعمل الخطيئةَ أروحُ وأقلُّ هَمًّا ممن عمل بها وإن حسُنْت توبتُه. إن الدابة تزداد على كثرة الرياضة خيراً، وقلوبكم لا تزداد على كثرة الموعظة إلا قسوةً. إنّ الجسدَ إذا صلَح كفاه القليل من الطعام، وإنّ القلب إذا صح كفاه القليل من الحكمة. كم مِن سراجٍ قد أطفأته الريحُ، وكم من عابد قد أفسده العُجْب. يا بني إسرائيل، استمعوا قولي فإن مَثَل من يستمع قولي ثم يعمَلُ به مثلُ رجلٍ حكيم أسس بنيانَه على الصفا، فمطرت السماء وسالت الأوديةُ وضربته الرياحُ فثبت بنيانُه ولم يَخِر، وَمَثل الذي يستمع قولي ثم لا يعمَل بهَ مثل رجلٍ سفيهٍ أسَسَ بنيانَه على الرمل، فمطرت السماءُ وسالت الأوديةُ وهاجت الريحً فضربته فسقط بنيانُه. يا بني إسرائيل، ما يُغنِي عن الأعمَى سَعَةُ نورِ الشمس وهو لا يُبصرها! وما يغني عن العالم كثرةُ العلم وهو لا يعمَل به!. بحق أقول لكم: إن قائلَ الحكمة وسامعَها شريكان، وأوْلاهما بها من حقّقها بعمله. بحقٍّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقَطِران في ليلة مظلمةٍ لاستضأتم بنوره ولم يمنعكم منه نتْنُ قَطرَانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمةَ ممن وجدتموها عنده قول عيسى عليه السلام لأصحابه بلغني عن محمد بن فُضَيل عن عمران بن سليم قال: بلغني أنّ عيسى بن مريم قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسَكم على العداوة والبغضاء من الناس؛ إنكم لا تُدرِكون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تُحبون إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنَظْرَة، فإنها تزرع في القلب الشهوةَ. طوبى لمن كان بصرُه في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! بين عيسى عليه السلام وأصحابه قال: وبلغني أن عيسى خرج على أصحابه وعليه جُبًةٌ من صوف وكساءٌ وتبانٌ حافياً مجزوز الرأس والشاربين باكياً شَعِثاً مصفَرً اللون من الجوع يابسَ الشًفتين من العطش، طويلَ شعر الصدر والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل أنا الذي أنزلتُ الدنيا منزلَها، ولا عجَب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا رُوحَ الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء وإدامي الجوعُ، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمرُ، وصِلاتي في الشتاء مشارقُ الشمس وطعامي ما تيسَّر، وفاكهتي ورَيْحاني بُقُولُ الأرض، ولباسي الصوفُ، وشِعَاري الخوف، وجُلَسا الزَمْنى والمساكينُ، أصبحُ ليس لي شيء، وأمْسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس غنيّ مُكْثر فمن أغنى وأربح مني.

وقرأت في بعض الكتب: عبدي! ما يزال مَلَكٌ كريم قد صعِد إليِّ منك بعمل قبيح، أتقرب إليك بالنّعم، وتتمقَّتً إليَّ بالمعاصي خيري إليك نازلٌ، وشرك إليّ صاعدٌ.

وفي التوراة: لعلّكَ يا إسرائيلُ إذا أنت خرجتَ من البرية فدخلتَ الأرضَ المقدسة، أرض بني آبائك إبراهيم وإسحاقَ، فإنها تَفِيضُ بُراً وشعيراً ولبناً وعسلاً، فَورِثتَ بيوتاً بناها غيرُك وعصرتَ كروماً غرسها غيرك، فأكلتَ وشربتَ وتنعَمتَ بشحم لُبابِ القمح، ضربتَ بيدك إلىِ صدرك ورمحتَ كما ترمح الدابّةُ برجليها، وقلتَ: بشدّتي وبقوّتي وبأسي ورِثتُ هذه الأرض وغلَبتُ أهلَها، ونسِيتَ نعمتي عليك! فأقذف الرُّعبَ في صدرك إذا أنت لقِيتَ عدوك، وإذا هبت الريحُ فتقعقعِ لها ورِقُ الشجر انهزمتَ، فأقِل رجالكَ، وأرمَلُ نساءك، وأيتَم أبناءك، وأجعلُ السماءَ عليك نُحاسَاً والأرض حديداً، فلا السماءُ تُمطِر ولا الأرضُ تُنبِت، واقِلُّ لك البركةَ حتى تجتمع نِسوةٌ عَشْرٌ يختبزن في تَنُّورٍ واحدٍ .

لوهب بن منبه بلغني عن عبد الرحمن المحاربيّ عن جعفر بن بُرْقان قال: بلغني عن وهب بن منبه قال: أجُد في الكتاب أنّ قوماً يتديّنون لغير العبادة، ويختِلون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون مُسُوك الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل وأنفُسهم أمرّ من الصبر، ألي يغترُّون! أم إياي يخادعون! أقسمتُ لأبعثن عليهم فتنةً يعود الحليمُ فيها حَيْران.

 

وقرأتُ في الإنجيل: " لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسِدها السوسُ والدودُ وحيث ينقُبُ السراقُ، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم. إنَّ العينَ هي سِراجُ الجسد فإذا كانت عينك صحيحةً فإن جسدَك كلَّه مُضِيء. وإنه لا يستطيع أحد أن يعملَ لربيْن اثنيْن إلا أن يُحب أحدَهُما وُيبغِضَ الآخر، ويُوقِّر أحدهما ويُهينَ الآخرَ، فكذلك لا تستطيعون أن تعمَلوا لله وللمال. ولا يُهمَنًكم ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون، أليست النفسُ أفضل من الطعام، والجسدُ أفضلَ من اللباس انظروا إلى طَير السماءِ فإنهن لا يزرعن ولا يَحصدن ولا يَجمعنَ في الأهْراءِ، وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقُهنَ، أفلستم أفضلَ منهنَّ ! وأيكم الذي إذا جهِد قدر أن يزيدَ في طوله ذراعاً واحداً! فلِمَ تهتمون باللباس؟ اعتبروا بسُوس البرية فإنه لا يعملَ ولا يغزِل، أنا أقول: إن سليمانَ بوقاره لم يستطع أن يلبسَ كواحده منه، فإذا كان اللهّ يُلبِسُ عُشبَ الأرض الذي ينبت اليوم ويُلقَى في النارِ غداً، أفلستم يا قليلي الإيمانِ أفضلَ منه! ولا تهتفُوا فتقولوا: ماذا نأكل وماذا نشربُ وماذا نلبَسُ، فإنه إنما يهتمُّ لذلك ابن الدنيا؛ وإن أباكم الذي في السماء يَعْلم أنَّ ذلك ينبغي لكم، فابدأوا فالتمسوا ملَكوتَ الله وصِدِّيقيّته، فإنكم سوف تُكْفَون. ولا يُهمَنّكم ما في غدٍ، فإن غداً مكتفٍ بهمّه، وحَسْبُ اليوم شرهُ. وكما تَدِينون تُدانون، وبالمكيال الذي تكيلون يُكال لكم. وكيف تُبصِر القذاةَ في عين أخيك ولا تُبصر الساريةَ في عينك! لا تُعطوا الكلاب القُدْسَ، ولا تُلقما لؤلؤكم للخنازير. سَلوا تُعْطواَ وابتغُوا تجِدوا، واستفتحُوا يُفتحْ لكم، وانظروا الذي تُحبُّون أن يَأتِيَ الناسُ إليكم فأتوا إليهم؛ أدخلوا البابَ الضيق، فإن البابَ والطريقَ إلى الهَلَكةِ عَرِيضان، والذين يسلُكونَهما كثيرٌ. وما أضيق البابَ والطريقَ اللذين يُبلَغان إلى الحياةِ! والذين يسلكونَهما قليلٌ " .

بين عيسى عليه السلام ورجل وقال له رجل: أتْبعُك حيث ذهبتَ. فقال له عيسى: للثعالبِ حِجرَةٌ، ولطير السماء كِنَان وليس لابن الإنسانِ مكان يُسنِدُ فيه رأسَه.

وبينه وبين رجل من الحواريين وقال له رجل من الحَوارِيين: أتأذن لي أن أدفِنَ أبي؟ فقال له: دع الموتَى يَدفنون موتاهم واتْبَعْني.

من أقوال عيسى للحواريين وقال للحوارِيين: لا تَتزودوا شيئاً، فإن العائلَ محقوقٌ أن يُطْعَم قُوتَه، وإني أرسلكم كالخِرفان بين الذئاب، فكونوا حُلَماء كالحياتِ وبُلْهاً كالحَمام. وإذا دخلتم البيتَ فسلموا على البيتِ، فإن كان ذلكَ البيت أهلَاَ لسلامكم فليُصِبْهم، وإن لم يكن أهلاً لسلامكم فإنه يرجع إليكم. ومن لم يُؤوِكم ويستمَعْ لقولكم، فإذا خرجتم من قَريته فانفُضُوا الغبارَ عن أرجُلِكم ما ناجى به عُزير ربه حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وَهْب قال: كان فيما ناجَى به عُزَير ربه: " اللهَم فإن لك من كلِّ خَلْقٍ خلفتَه خِيْرَةً اخترتها، وإنك اخترتَ من النابت الحبْلة؛ ومن المواشي الضائنةَ، ومن الطير الحمامةَ، ومن البيوت بيتَ إيلياء، ومن إيلياءَ بيتَ المقدِس، ومن جميع الخلائق آدمَ، ومن وَلَدِ آدمَ نوحاً، ومن وَلَد نوحٍ إبراهيمَ، ومن وَلَد إبراهيمَ إسماعيلَ وإسحاقَ، من وَلَد إسحاقَ إسرائيل؛ اللهمً فأصبحتْ خِيْرَتُك قد تمَت ونفذَتْ في كل ما اخترتَ إلا ما كان من وَلَد خليلك إبراهيم، فإنهم أصبحوا أعبُداً لأهل معصيتك وخَوَلًا لأعدائك، فما الذي سلَط علينا ذلك؟ أمن أجل خطايانا. فالخاطئون ولَدونا، أو من أجل ضعفنا؟ فمن ضعفٍ خلِقْنا. قال: فجاءني الملَكُ فكلمني، فبينما أنا كذلك سمعت صوتاً هالني فنظرت، فإذا امرأةٌ حاسرةٌ عن رأسها، ناشرةٌ شعرَها، شاقَّة جبيْها، تَلطِمُ وجهَها، وتصرُخُ بأعلى صوتِها، وتحثُو الترابَ على رأسها، فأقلبتُ عليها وتركتُ ما كنتُ فيه، فقلتُ لها: ما بالُكِ أيتها المرأةُ وما الذي دهاكِ؟ أخبريني خبرَكِ، فقد أصابت المصائبُ غيرَك.

قالتْ: إليك عنّي أيها الرجلُ، فإن ربّي هو الذي أبكاني، ومصيبتي أعظمُ مما ترى. فقلتُ: فإن في اللهّ عزاءً من كلّ مصيبة، وخَلَفَاً من كلّ هالك، وعوضاً من كل فائتٍ، فإياه استعيني، وإلى نظره لك فانظري.

 

قالت: إني كنتُ امرأة كثيراً مالي، عظيماً شرَفي، وكنت عاقراً لا وَلَدَ لي، وكنتُ عند بعلٍ له نِسوة معي وكلهن وُلدَ له غيري، فملنَ به لحب الولد فصرفَ وجهَه عنّي، فحزنتُ وحزن أهلي وصديقي، فلما رأيت هواني عليه وسقوطَ منزلتي عنده، رغِبتُ إلى ربي ودَعَوْتُه فأجابني، واستوهبتُه غلاماً فوهبه لي، فقرتْ به عيني، وفرح أهلي، وعطَف اللُه به زوجي، وقطعَ عنّي ألسنةَ ضرائري، فربيْتُ غلاماً لم تحمِلْ أنثى مثلَه حُسناً وجمالاً ونضَرة وتماماً، فلما بلَغ أشُده وكمَل به سروري خطبتُ عليه عظيمةَ قومي، وبذلتُ دونه مالي، وخرجتُ من خُلعتي، وجمعت رجالَ قومي، فخرج يَمشي بينهم حتى دخلَ بيتَه، فلما قَعد على سريره، خر منه فاندقت عنقُه فمات ابني وضلَّ عملي وبطَلَ نصيبي وتَلِفَ مالي، فخرجتُ إلى هذه البَريًة أبكيه فيها لا أريدُ أن أرى أثراً من آثاره ولا أحداً من أصحابه، ولن أبرَحَ أبكيه حتَّى ألحقَ به.

قال عُزَيرٌ: اذكري ربك وراجعيه، فقد أصابت المصائبُ غيرَك أما رأيتِ هلاكَ إيلياءَ وهي سيدةُ المدائن وأمُّ القُرَى؟ أوَ ما رأيتِ مصيبة أهلها وهم الرجال؟ قالت: إي رحِمك اللُه! إن هذا ليس لي بعزاء وليستْ لي بشيء منه أسوةٌ، إنما تبكي مدينةً خرِبَتْ، ولو تُعمَرُ عادتْ كما كانت، وإنما تبغِي قوماً وعدَهم الله الكَرَّةَ على عدوهم، وأنا أبكيَ على أمرٍ قد فات، وعلى مُصيبة لا أستقيلُها.

قال عُزَير: فإنه خُلِقَ لما صار إليه، وكل شيء خُلِقَ للدنيا فلا بد أن سيَفْنَى، أمَا رأيتِ مدينتنا أصبحتْ خاويةً على عروشها بعد عِمارتها، وأوحشتْ بعد أنسها وأثاثها؛ أوَ ما رأيت مسجدَنا كيف غُير حسنُه، وهُمَ حِصنُه، وأطفئ نورُه! أوَ ما رأيتِ عزَ أهلها كيف ذَلَّ، وشرفَهم كيف خَمُلَ ومجدَهم كيف سقَط، وفخرَهم كيف بطَل! أو ما رأيتِ كتاب اللّه كيف أحْرِقَ، ووليَ اللّه كيف رُفِعَ، وتابوتَ السكينةِ كيف سُبي! أو ما رأيتِ نساءَ الملوك وبناتِهم في بُطون الأسواقِ حاسرات عن السُوق والوجوه والأشعار! أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النورُ والسكينةُ مقَرَّنِين في الحبال والقِطار! أو ما رأيتِ الأحبارَ والرهبانَ مصفدين في الإسار، أو ما رأيتِ أبناءَ موسى وهارون تُضرب عليهم السهامُ ويقتسمُهم الأشرارُ، وولدانَ الملوك خَدماً للكُفْار؟ أو ما رأيتِ قتلانا لم يوار أحداً منهم قبرٌ، ولم يَعهَدْ أحد منهم إلى ولد، فالحكماء مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء متحيّرون، وأهلُ الرأي مُلْقُون بأيديهم مُستسلِمون.

قال: فبينا أنا أكلَمها غشى وجهَها نورٌ مثلُ شعاع الشمس حال بيني وبين النظر إليها فخمرتُ من شدته وجهي ورددتُ يدي على بصري، ثم كشفتُ وجهي فإذا أنا لا أحِسّها ولا أرى مكانَها، وإذا مدينة قد رُفعتْ لي حصينةٌ بسورها وأبوابها، فلما نظرتُ إلى ذلك خَرَرتُ صَعِقاً؛ فجاءني الملَك فأخذ بضَبْعي ونعشني وقال لي: ما أضعفك يا عُزَيْر! وقد زعمتَ أن بك من القوة ما تخاطبُ به ربك وتُدلِي بالعذر عن الخاطئين من بني إسرائيل.

قال له عُزَيْر: مثل الني رأيتُ وعاينتُ أضعفني وأذهب روحي.

قال الملَك: فإن المرأةَ التي كلمتْك هي المدينة التي تبكي عليها، صورها الله لك في صورة أنثى فكلمتك، فافقَهْ عنها: أما قولها: إنها عُمَرتْ زماناً من دهرها عاقراً لا ولد لها، فكذلك كانت إيلياءُ صعيداً من الأرض خرابَاً لا عُمرانَ فيها أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأمّا قولها: إن اللّه وهب لها غلاماً عند اليأس، فذلك حين أقبل الله عليها بالعُمران فابتعث اللُّه منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما قولها: إنه هلك ولدُها حين كمل فيه سرورُها، فذلك حين غيَّر أهلُها نعَم اللّه وبدّلوها ولم يزدادوا بالنعم عليهم إلا جُرأة على الله وفساداً، فغير اللّه ما بهم وسلّط عليهم عدوَّهم حتى أفناهم، وقد شفَعك اللّه في قومِك وكتابك ومدينتك، وسيُعيدها الله عامرة كما رأيت عليها حيطانُها وأبوابُها، نجيها مساجدُها وأنهارها وأشجارها.

بين إبراهيم عليه السلام وصديق له يُدعى العازر

 

وحدثني بهذا الإسناد قال: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاقَ عليهما السلام ويجعلَه رباناً، أسر ذلك إلى خليلٍ له يقال له: العازر؛ فقال له الصديق: إن الله لا يَبتلي بمثل هذا ملَك، ولكنَّه يريد أن يُجرَبك ويختبرَك، وقد علمتَ أنه لم يبتلِك بهذا ليَفتِنك ولا ليُضلَك ولا ليعنتك ولا لينقُص به بصيرتَك وإيمانَك ويقينَك، ولا يروعنَك هذا ولا تَسُوءنّ باللّه ظنّك، وإنما رَفع ذلك اسمكَ في البلاء على جميع أهل البلاء، حتى كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعَك بقدر لك عليهم في المنازل والدرجات والفضائل؛ فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر إلا فضلُ صبرك، وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلى فضل ثوابك، وليس لأهل البلاء في جسيم شرف البلاء إلا فضلُ شرفك. وليس هذا من وجوه البلاء الذي يبتلي الله به أولياءه، لأن الله أكرمُ في نفسه وأعدلُ في حكمه وأعدل في عبادة من أن يجعل ذبح الولد الطيِّب بيد الوالد النبيّ المصطفَى؛ وأنا أعوذ بالله من أن يكون هذا منّي حتماً على اللّه أو ردّاً لأمره أو سُخْطاً لحكمه على عباده، ولكن هذا الرجاءُ فيه والظن به. فإن عزم ربك على ذلك فكن عبداً أحسن علمه بك ة إني أعلم أنه لم يُعرضك لهذا البلاء العظيم إلا لحُسن علمه بك وبصدقك وبصبرك، ليجعلك لناس إماماً، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.

بين جبريل ويوسف عليهما السلام وحدثني بهذا الإسناد أن يوسف عليه السلام لما لبِث في السجن سبع سنين أرسل الله عز وجل إليه جبريلَ عليه السلامِ بالبشارة بخروجه، فقال له: أتعرفني أيها الصديق؟ قال له يوسف: أرى صورةً طاهرةً وروحاً طيباً لا يشبه أرواح الخاطئين. قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين. قال يوسف: فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين ورأس المقربين. قال جبريل: أوَ لم تعلم أيها الصدّيقُ أن الله يطفَر البيوت بطُهر النبيين، وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرضين، وأنه قد طهّر بك السجنَ وما حوله يابن الطاهرين. قال يوسف: كيف تشبّهني بالصالحين، وتسمّيني بأسماء الصدّيقين، وتُعدّني مع آبائي المخلصين، وأنا أسيرٌ بين هؤلاء المجرمين؟ قال جبريلُ: لم يَكلِم قلبَك الجزعُ، ولم يغير خُلُقَك البلاءُ، ولم يتعاظمك السجنُ ولم تطأ فراش سيّدك، ولم يُنسك بلاءُ الدنيا بلاءَ الآخرة، ولم تُنسك نفسُك أباك ربك ولا أبوك ربَّك؛ وهذا الزمان الذي يفُكُّ الله به عنوّك، ويُعْتِق به رِقك، ويُبيَن للناس فيه حكمتك، ويُصدق رؤياك وُينصفك ممن ظلمك، ويجمع إليك أحبّتك، ويهب لك مُلك مصرَ: يملكك ملوكها ويُعبِّد لك جبابرتها، ويُذلّ لك أعزّتها، ويُصغَر لك عظماءها، ويخدِمُك سُوقتها، ويخوّلك خوَلَها ويرحَم بك مساكينَها، ويُلقيِ لك المودةَ والهيبةَ في قلوبهم، ويجعل لك اليدَ العليا عليهم والأثر الصالحَ فيهم، ويُري فرعون حلْماً يفزَع منه ويأخذه له كربٌ شديد حتى يُسهرَه ويُذهَب نومَه ويعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة ويعلَمك تأويلَه.

وفي بعض الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكنَ معي غداً في حظيرة القُدس فكن في الدنيا وحيداً فريداً مهموماً حزيناً، كالطائر الوحدانيّ يظلُّ بأرض الفلاة ويرِد ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جَنً عليه الليل أوى وحده استيحاشاً من الطير واستئناساً بربه جلّ وعزّ.

الحجاج وصندوق عبد الله بن الزبير لما قُتِلَ عبدُ الله بن الزبَير وجد الحَجاجُ فيما ترك صُندوقاً عليه أقفال حديد، فتعجْب؛ وقال: إنّ في هذا شيئاً. ففتحه فإذا صندوقٌ آخرُ عليه قُفْل ففتحه فإذا سَفَطٌ فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا كان الحديث حَلفاً، والميعادُ خُلْفاً، والمِقْنبُ ألفاً، وكان الولدُ غيظاً، والشتاء قيظاً؛ وغاض الكرامُ غيضاً، وفاض اللئام فيضاً، فأعنزٌ عُفْرٌ، في جبل وَعْر، خير من مُلك بني النضّر. حدثني بذلك كعب الحِبر.

الدعاءللنبي صلى الله عليه وسلم

 

حدثني أبو مسعود الدارمي: قال: حدثنا جريرٌ عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " قال ربكم عزّ وجلّ ثلاثة: واحدةٌ لي، وواحدةٌ لك يا بن آدم، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي فتخلِصُ لي لا تُشرِك بي شيئاً، وأما التي لك فأحوجُ ما تكون إلى عملك أوفيكه، وأمما التي بيني وبينك فمنك الدعاءُ وعلي الإجابة " .

ما يفتتح به النبي صلى الله عليه وسلم صلاته في قيام الليل حدّثني عَبْدةُ بن عبد اللّه قال: أخبرنا زيد بن الحُبَاب قال: حدثنا معاوية قال: حدثني أزهرُ ابن سعيد عن عاصم بن حميد قال: سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها، ما كان يفتتح به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم به صلاتَه في قيام الليل؟ قالت: كان يُكبر عَشْراً ويحمَدُ عشرا ويسبح عشراً ويهلَل عشراً ويستغفرُ الله عشراً، وثم يقول: " اللهم اغفرْ لي واهدني وارزقني وعافني " ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة.

للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا الخُفَافُ عن أبي الوَرْقاء عن عبد الله بن أبي أوفَى قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: " أصبحنا وأصبح الملكُ والكبرياءُ والعظمةُ والخَلقُ والأمرُ والليلُ والنهارُ وما يسكن فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك له. اللهم اجعل أوّلَ هذا النهار صلاحاً وأوسطه فلاحاً وآخرَه نجاحاً. اللهم إني أسألك خيرَ الدنيا وخير الآخرة يا أرحمَ الراحمين " .

دعاء الاستسقاء للحسين حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا حسين بن عليّ الجُعْفِيِ عن إسرائيلي عن الحسين أنه كان إذا استسقى قال: " اللهم اسقنا سُقْيا واسعةً وادعةً عامةً نافعةَ غيرَ ضارة تعم بها حاضرَنا وبادينَا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللهم اجعله رزقَ إيمانٍ وعطاءَ إيمانٍ إن عطاءك لم يكن محظوراً. اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبِتْ فيها زينتها ومرعاها " .

دعاء الاستسقاء للعباس روى الكلبيّ عن أبي صالح أن العباس قال: يوم استسقى عمر رضي اللّه عنه: " اللهم إنه لم ينزلْ بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبةٍ، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا الغيث،. فأرخت السماءُ شابيب مثلَ الجبال بديمةٍ مُطبِقَةٍ.

دعاء عمر بن عبد العزيز عشية عرفة بعرفة وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك قال: سمعت عمر بن عبد العزيز عشية عرفه بعرفة وهو يقول: " اللهم زِدْ في إحسان محسنهم، وراجعْ بمسيئهم إلى التوبة، وحُطْ من ورائهم بالرحمة " .

دعوات النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من مجلس حدّثنا حسين بن حسين قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن أيوب عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عبد اللّه بن عمر قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء الدعوات: لا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهونُ به علينا مصيباتُ الدنيا ومَتِّعنا بأسماعنا، أبصارنا، واجعل ذلك الوارثَ منا، وانصرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلَط علينا من لا يرحمنا " .

لشدّاد بن أوس ثم للنبي صلى الله عليه وسلم بلغني عن يونس عن الأوزاعيّ عن حسّانَ بن عُطَيًة قال: كان شدّاد بن أوس في سفر، فنزلنا منزلاً فقال لغلامه: ائتِنا بالسفرة نَعبث بها، فأنكرت منه، فقال: ما تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطِمها وأزّمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عني، واحفظوا عني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كنز الناسُ الذهبَ والفضّة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر والعزيمةَ في الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسنَ عبادتك أسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، أستغفرك لِما تعلم، إنك أنت علام الغيوب " .

من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم

 

بلغني عن الوليد بن مسلم قال: حدّثنا أبو سلمة الحوسيّ عن سالم بن عبد الله قال: كان من دعاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارزقني عينين هطّالتين تبكيان بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دماً والأضراس جمراً " .

حدّثني أبو سفيان الغَنْوِيّ قال: حدثنا عمر بن عِمران قال: حدّثني الحارث بن عِنبة عن العلاء بن كثير عن أبي الأسقع: أنه كان يحفظ من دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يا موضعَ كلّ شكوى ويا شاهدَ كلّ نَجْوَى بكل سبيل أنت مقيم تَرَى ولا تُرَى وأنت بالمنظَر الأعلى " .

دعاء عيسى عليه السلام للمرض والعميان والمجانين حدّثنا عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزِّمْنَى والعميان والمجانين وغيرهم: " اللهم أنت إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض لا إله فيهما غيرُك، وأنت جبار مَنْ في السماء وجبار مَنْ في الأرض لا جبارَ فيهما غيرك، وأنت حَكَمُ مَنْ في السماء وحَكَمُ مَنْ في الأرض لا حَكَمَ فيهما غيرُك، وأنت ملِك منْ في السماء وملِك مَنْ في الأرض لا ملِك فيهما غيرك؛ قُدرتُك في الأرض كقدرتِك في السماء، وسلطانُك في الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك الكريم ووجهِك المنير إمُلكِك القديم، إنك على كلّ شيء قدير،. قال وهب: هذا يُقرأ للفزع على المجنون ويُكتب له ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن اللهّ أيّ ذلك شاء فعل.

من دعاء المسيح حين أخذه اليهود وحدّثني أيضاً بهذا الإسناد قال: كان من دعاء المسِيح حين أخذه اليهود ليصْلُبوه بزعمهم فرفعه الله إليك: " اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في دنوّك، الرفيع على كل شيء خَلْقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحَسِرَت الأبصار دون النظر إليك وعَشِيَتْ دونك وشمخ بك العلوّ في النور؛ أنت الذي جَلّيت الظُّلَمَ بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك مقدر الأمور بحكمتك، مبتدِعَ الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقتَ سبعاً في الهواء بكلماتك، مستوِياتِ الطباق مذعِناتٍ لطاعتك، سَمَا بهنّ العلوّ بسلطانك فَأجبْنَ وهنّ دخان من خوفك، فأتَيْنَ طائعاتٍ بأمرك، فيهن ملائكتك يسبّحون قدسَك بتقديسك وجعلتَ فيهنّ نوراً يجلو الظلام، وضياءً أضوا من شمس النهار، وجعلتَ فيهنّ مصابيحَ يُهتد بها في ظُلمات البحر والبر ورجوماً للشياطين، فتباركتَ اللهم في مفطور سمواتك، وفيها دَحَوت من أرضك، ودَحوتها على الماء، فأذللت لها الماء المتظاهر فذل لطاعتك وأذعن لأمرك وخضع لقوتك أمواجِ البحار، ففجّرتَ فيها بعد البحار الأنهارَ، وبعد الأنهار العيونَ الغِزار والينابيعَ؛ ثم أخرجت منها الأشجارَ بالثمار، ثم جعلتَ على ظهرها الجبالَ أوتاداً فأطاعتا أطوادُها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفةَ قدرتك ومن يُنعَتُ نعتك. تُنزِل الغيث وتُنشِئ السحابَ، وتفُك الرقابَ وتَقْضِي الحقّ وأنت خير الفاصلين. لا إله إلا أنت سبحانك أمرتَ أن يستغفرك كلُّ خاطئ. لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك العلماء الأكياس. أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذِكرُه، ولا كان لك شركاءُ يقضون معك فندعو ونَدَعُك، ولا أعانك أحدٌ على خَلْقِك فنشك فيك. أشهدُ أنك أحد صمدٌ لم تلِد ولم يكن لك كفواً أحدٌ، ولم تتخذ صاحبةً ولا ولدا. اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجا " .

قال وهب: وهذا الدعاء عُوذَةٌ للشقيقة وغيرها من قولك: " أشهد أنك لستَ بإله استحدثناه، إلى آخره " .

لابن عباس في كيفية الدعاء حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا سفيان بن عُيَينة عن ابن عباس قال: " الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى، والدعاء هكذا، وأشار براحتيه إلى السماء، والابتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه ظهورُهما إلى وجهه " .

دعاء داود في الليل حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: كان داود إذا دعا في جوف الليل قال: " اللهم نامتِ العيونً وغارتِ النجومُ وأنت حيّ قيّوم اغفر لي ذنبي العظيم إنك عظيم. وإنما يغفر العظيمَ العظيمُ، إليك رفعتُ رأسي عامرَ السماء نظرَ العبيد إلى أربابها. اللهمّ تساقطت القُرَى وأبطِل ذكرُها وأنت دائبٌ الدهرَ مُعد كرسيَّ القضاء " .

من تحميد داود

 

قال: وكان من تحميده: " الحمد للّه عدد قطَر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعددَ ما في البرّ والبحر. والحمد للّه عددَ أنفاس الخَلْق ولَفْظهم وطَرْفهم وظِلالهم، وعددَ ما عن أيْمانِهم وشمائِلهم، وعددَ ما قهره ملكُه، ووسِعه حِفظُه، وأحاطت به قُدرته، وأحصاه علمُه. والحمد للّه عددَ ما تجري به الرياحُ، وتحمله السحابُ، وعددَ ما يختلِف به الليلُ والنهارُ، وتسير به الشمسُ والقمرُ والنجومُ. والحمدُ للّه عددَ كل شيء أدركه بصرُه، ونفذَ فيه علمًه، وبلغ فيه لطفًه. والحمد للّه الذي أدعوه فيُجِيبُني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني. والحمد للّه الذي أسأله فيعطيني، وإن كنتُ بخيلاً حين يَستقرِضًني. والحمد لله الذي أستعفِيه فيُعافيني، وإن كنتُ متعرضاً لما يُهلِكني. والحمد للّه الذي حَلُم في الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا ذنبَ لي، ولو يؤاخِذُني لم يظلِمني سيدي. والحمد للّه الذي أرجوه أيامَ حياتي، وهو ذُخْرِي في آخرتي، ولو رَجوتُ غيره لانقطع رجائي. والحمد لله الذي تُمسِي أبواب الملوك مغلقةً دوني، وبابُه مفتوح لكل ما شئتُ من حاجاتي بغير شفيع فيقضيها لي. والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتى، وأضعُ عنده سرّي في أي ساعة شئتُ من ساعاتي. والحمد لله الذي تحبب إليَّ وهو عني غَنِي، فربّي أحمدُ شيء عنده وأحقُه بحمده " .

دعاء يوسف عليه السلام وكان من دعاء يوسفَ: " يا عُدَتي عند كربتي، ويا صاحبي في وَحْدَتي، ويا غِياثي عند شدتي، ومَفزَعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعتْ حيلتي، إلهي وإله آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، اجعل لي فرجاً ومخرجاً واقض حاجتي!.

دعاء بكّاء بني إسرائيل وكان بَكاء بني إسرائيل يقول: " اللهم لا تؤدبْني بعقوبتك، ولا تمكُرْ بي في حيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي فاغفِرْ، ويسير عملي فتقبل، كما شئتَ تكون مشيئتك، وإذا عزمتَ يمضي عزمُك؛ فلا الذي أحسنَ استغنى عنك وعن عَونك، ولا الذي أساء استبد بشيء يخرُج به من قُدرتِك؛ فكيف لي بالنجاة ولا توجدُ إلا من قِبَلِك! إلهُ الأنبياء وولي الأنبياء، وبديعُ مرتبة الكرامة، جديد لا يبلى، حفيظٌ لا يَنْسَى؛ دائمٌ لا يبيد، حي يموت، يقظانُ لا ينام؛ بك عرفتُك، وبك اهتديتُ إليك، ولولا أنت لم أعْرِ ما أنتَ؛ فتباركت وتعاليتَ " .

للنبي صلى الله عليه وسلم قال الأزديّ: حدَثتُ عن محمّد بن النضر الحارثي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من يقطع الشهادةَ عليهم فأنا منه بريءٌ إنّ الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة وقال: " من عَلّم آيةً! كتاب اللّه أو كلمةً من سنّة في دين الله حثا الله له من الثواب حثواً " .

قال: وقال الأوزاعيّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم إني أسألك التوفيق لمحَابِّك الأعمال وحسن الظن بك وصحة التوكل عليك " .

لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد سمع رجَلاً يدعو عند الكعبة محمد بن بشر العَبْدِي قال: حدثنا بعض أشياخنا قال: اعتمر علي عليه السلام ورجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلِطه المسائل ولا يبرمه إلحاحُ الملحين؛ أذقْني بَرْدَ عفوك وحلاوةَ مغفرتك. فقال علي: والذي نفسي بيده لو قلتها وعليك ملءُ السموات والأرَضين ذنوباً لغُفِر لك.

دعاء أعرابي عند الملتزم دعا أعرابي عند الملتزَم فقال: اللهم إن لك علي حقوقاً فتصدَقْ بها علي، وللناس تَبِعاتٍ فتحملها عني، وقد أوجبتَ لكل ضيف قِرى، وأنا ضيفُك فاجعلْ قِراي الليلة الجنةَ.

مثله لآخر وقال آخر: اللهم إليك خرجِتُ، وما عندك طلبتُ، فلا تحرمني خيرَ ما عندك لشرّ ما عندي. اللهم وإن كنتَ لم ترحم نصَبي وتَعَبي فلا تحرمني أجرَ المصابِ على مصيبته.

من كتاب لشيخ للمؤلف

 

وقرأتُ في كتابٍ لشيخ لنا: اللهمّ إنه من تهيأ و تعبأ، وأعد واستعدّ لوِفَادة مخلوقٍ رَجاءَ رفدِه وطَلَبَ نَيلِه، فإن تهيّئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي لك رجاءَ رِفدك وطلبَ نائلك الذي لا خطَر ولا مِثلَ. اللهمّ إني لم آتَك بعمل صالح قدّمتُه، ولا شفاعةِ مخلوقٍ رجوته، أتيتك مُقِرا بالظُلم والإساءةِ على نفسي، أتيتُك بأنّي لا حجةَ لي، أرجو عظيمَ عفوك الذي عدتَ به علي الخَطّائين، ثم لم يمنعك عكوفُهم على عظيم الجُرم أن جُدتَ لهم بالمغفرة. فيا مَنْ رحمته واسعةٌ، وفضلُه عظيم اغفر الذنبَ العظيم.

للفضل بن عيسى الرقاشي ابن عائشة قال: قال الفضل بن عيسى الرٌقاشِي: اللهم لا تُدخِلنا النارَ بعد إذ أسكنتَ قلوبَنا توحيدَك؛ وإني لأرجو ألا تفعلَ، ولئن فعلتَ لتجمعنَ بيننا وبين قوم عاديناهم فيك.

لأبي حازم بلغني عن ابن عيَيْنةَ عن أبي حازم قال: لأنا مِنْ أن أمنَع الدعاءَ أخوفُ منّي من أن أمنَع الإجابةَ.

لبعض الشعراء في وصف دعوة أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة:

وسارية لم تَسْرِ في الأرض تبتغي ... مَحَلاً ولم يقطع بها البيد قاطعُ

سَرتْ حيث لم تَسْرِ الركابُ ولم تُنَخْ ... لِورْد ولم يَقصُصْ لها القيْدَ مانعُ

تَحل وراءَ الليل والليلُ ساقط ... بأوراقه فيه سميرٌ وهاجعُ

تَفَتَحُ أبوابُ السماء ودونَها ... إذا قَرَع الأبوابَ منهن قارعُ

إذا أوفدتْ لم يروُرِ اللُه وفدَها ... على أهلها والله راءٍ وسامع

وإني لأرجو اللَه حتى كأنني ... أرى بجميل الظنَ ما الله صانع

وقال آخر:

وإني لأدعو الله والأمرُ ضيَق ... علي فما ينفك أن يتفرًجا

ورُث فتى سُدًتْ عليه وجوهُهُ ... أصاب له في دعوةِ الله مَخرجا

ونحوه:

إذا تضايقَ أمرٌ فانتظر فرجاً ... فأضيقُ الأمر أدناه من الفرج

كتاب رجل من العرب لآخر أخذ له مالاً أخِذَ لرجلٍ من العرب مالٌ فكتبَ إلى آخِذه: يا هذا، إن الرجلَ ينام علىِ الثكْل، ولا ينام على الحَرَبِ؛ فإمّا رددتَه، وإما عرضتُ اسمَك على الله تعالى كل يوم وليلةٍ خمْسَ مراتٍ رد بكر بن عبد اللّه على رجل طلب منه أن يدعو له قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكَى أبي فكتب إلىِ بكر بن عبد الله يسأله أن يدعُوَ فكتب إليه بكر: يحقّ لمن عمِل ذنباً لا عُذر له فيه، وتوقَع موتاً لا بد له منه، أن يكون وجلاً مشفِقاً، سأدعو لك، ولستُ أرجو أن يُستجابَ لي بقوة في عملٍ، ولا براءةٍ من ذنبٍ، والسلام لإبراهيم بن أدهم خَلَفُ بنُ تميم عن عبد الجبّار بن كُلَيب قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عَرض لنا السبعُ: قولوا: اللهم احرُسْنا بعينك التي لا تنامُ، واجعلنا في كَنَفك الذي لا يُرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا نَهلِكُ وأنت رجاؤنا. قال خَلف: فما زلتُ أقولُها مذ سمعتُها، فما عَرض لي قط لِصٌ ولا غيرُهُ.

لأعرابي في الاستغفار قال أعرابيّ: من أقام بأرضنا فليُكثر من الاستغفار، فإنْ مع الاستغفار القُطَارَ .

كلمات عبر بهنّ العلاء بن الحضرمي البحر إلى أهل دارين بلغني عن موسى بن مسعود النًهْدي عن سفيان الثوري عن قُدامة بن حَمَاطَة الضَبيّ عن خالد بن مِنْجاب عن زياد بن حُدَير الأسديّ أن العلاء بنَ الحضرَميّ عبرَ إلى أهل دَارِينَ البحر بهذه الكلمات: يا حليمُ يا حكيمُ يا عليُ يا عظيمُ.

دعاء لقضاء الحاجة حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن هشام الدَّسْتَوَائيّ عن حمّاد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجةَ صلَى ركعتين ثم قال: اللهم إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرُك بقُدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتملِك ولا أملِك، وتعلَمُ ولا أعلَمُ، إن كان هذا الأمرُ الذي أريده - وتسميّه - خيراً لي في دِيني وخيراً لي في معيشتي وخيراً لي فيما أبتغي فيه الخِيَرَةَ فيَسرْه لي وباركْ لي فيه، وإن كان شرَاً لي في دِيني شرّاً لي في معيشتي وشرّاً لي فيما أبتغي فيه الخيرَ فاصرفه عنّي، ويسَرْ لي الخيرَ حيث كان ثم رضَني به.

من دعاء لبعض الصالحين

 

ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم إنًي أستغفرك من كل ذنبِ قَوِيَ عليه بدني بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطتُ إليه بسَعَة رزقك، واحتجَبتُ فيه عن الناس بسَتْرك، اتّكَلْتُ فيه على أنَاتِكَ وحِلْمك، وعولتُ فيه على كريم عفوك.

الأوزاعي في دعاء الأوزاعيّ قال: مَن قال: " اللهمّ إني أستغفرك لمَا تبتً إليك منه ثم عدتُ فيه، وأستغفِرُك مَا وعدتُك من نفسي وأخلفتُك، وأستغفرك لمَا أردتُ به وجهَك فخالَطَه ما ليس لكَ، وأستغفرك للنًعم التي أنعمتَ بها عليّ فتقويْتُ بها على معصيتك، وأستغفرك لكل ذنبٍ أذنبتُه أو معصيةٍ ارتكبتها " غفر الله له ولو كانت ذنوبُه عَدَدَ ورق الشجر، ورمل عالج، وقَطْرِ السماء.

دعاء مطرف وكان مُطَرِّف يقول: اللهمّ إني أعوذً بك من شر السلطان، ومن شرّ ما تجرِي به أقلامُهم وأعوذ بك أن أقولَ قولًا حقّاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، وأعوذ بك أن أتزيًن للناس بشي يَشينُني، وأعوذ بك أن أكونَ عِبرةً لأحدٍ من خَلْقك، وأعوذ بك أن يكونَ أحدٌ من خَلْقك أسعد بما علّمتَني منّي، وأعوذ بك أن أستغيثَ بمعصيةٍ لك من ضُر يُصيبني.

بين مالك بن دينار وقوماً سألوه أن يدعو الله للاستسقاء الأزديّ عن عبد الواحد بن زيد قال: شهدتُ مالكَ بن دينار يوماً وقيل له: يا أبا يحيى ادعُ اللَه أن يَسقيَنَا. قال: تستبطِؤون المطرَ! قالوا: نعم قال: إنني والله أستبطئُ الحجارَة.

لعطاء السُلمي قال أبو كعب: سمعتُ عطاءً السُلَمِيّ يقول: اللهم ارحَمْ غُرْبتي في الدنيا، ومَصرعي عند الموت ووحدتي في القبور، ومُقامي بين يديك.

في أن اللّه تعالى قسمَ الأخلاق على العباد كما قسم الأرزاق حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا زُهير عن زُبيد اليامي عن مُرةَ عن عبد الله قال: إن الله تعالى قسمَ بينكم أخلاقَكم كما قسمَ بينكم أرزاقَكم، إن الله يُؤتِي المالَ مَنْ يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمانَ إلا من يُحِب. فمن ضن بالمال أن يُنفقه، وهاب العدوً أن يُجاهده، والليلَ أن يكابدهَ فليُكثِرْ من سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر " .

ومن جامِع الدعاء: اللهمّ أغنني بالعِلْم، وزيني بالحِلْم، وجفَلني بالعافية، وأكرمني بالتقوى.

من دعاء أبي المجيب وكان من دعاء أبي المجيب: اللهم لا تَكِلْنا إلى أنفسنا فنعجِز، ولا إلى الناس فنَضِيعَ، اللهمّ اجعلْ خيرَ عملي ما قاربَ أجلي.

من دعاء عمرو بن عبيد ومن دعاء عمرو بن عبيد: اللهم أغنِني بالافتقار إليك، ولا تُغنِني بالاستغناء عنك.

لابن عون فيما كانوا يستحبون من الدعاء ابن عائشة عن سلام بن أبي مُطِيع قال: سمعت ابن عون يقول: كانوا يَستحبون من الدعاء: اللهم عبدُك وابن عبدك وابن أمَتِك لعبيدك وإمائك، أنا الذليلُ ولا أنتصر، وأنا الظالم ولا أغتفر، عملتُ سوءا وظلمتُ نفسي وإلّا تغفر لي وترحمْني أكنْ من الخاسرين. فما أتمها ابن عون حتى أجهشَ بالبكاء .

من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اجعلْني لك شَكاراً، لك ذَكّاراً، لك رهاباً، لك مطيعاً، إليك مُخبِتاً، لك أواهاً مُنيباً، رب تَقبلْ توبتي واغسِلْ حَوْبتي وأجبْ دعوتي وثبت حجتي واهدِ قلبي وسددْ لساني " .

المناجاةدعاء لبعضهم حدثني عبد الله بن هارون عن سُلَيم بن منصور عن أبيه قال: كنتُ بالكوفة فخرجتُ في بعض الليل لحاجة وأنا أظنُ أني قد أصبحتُ فإذا علي ليلٌ فمِلْتُ إلى بعض أبوابها أنتظر الصبحَ فسمعتُ من وراء الباب كلامَ رجلٍ وهو يقول: فوعزتك وجَلالِك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتَكَ، وما عَصَيتُك إذ عصيتُك وأنا بنَكالِكَ جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظركَ مُستخِفٌ، ولكن سولتْ لي نفسي، وأعانني على ذلك شِقْوَتي، وغرني سَتْرُك المرْخَى علي، فعصيتُك بجهل وخالفتُك بجهل، فالآنَ من عذابك مَنْ يستنقِذُني وبحبل مَنْ أعتصمُ إن قطعتَ حبلَك عني، فوا سوأتاه من الوقوف بين يديك غدا! إذا قيل للمِخفَين: جُوزُوا، وللمثْقِلين: حُطُوا؛ أفمع المثقلين أحُط أم مع المخفَين أجُوز! ويلي! كلمّا كَبِرتْ سِني كَثُرتْ ذنوبي؛ ويليِ! كُلما طال عمري كثُرت مَعاصِي فمِنْ كَمْ أتوبُ! وفي كم أعودُ! أما آن لي أن أستحييَ من رَبيَ!.

 

من مناجاة داود عليه السلام بلغني عن الوليد بن مُسلم عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان داودُ النبي عليه السلامُ يقول في مناجاته: سبحانكَ إلهي! إذا ذكرتُ خطيئتي ضاقت علي الأرضُ برُحْبها، وإذا ذكرت رحمتَك ارتد إلي رُوحي، سبحانك إلهي! أتيتُ أطباءَ عبادك ليُداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يَدُلُني.

لداود الطائي حدّثني بعضُ أشياخنا قال: كان داودُ الطائي يقول: همك عطًلَ علي الهمومَ، وحالف بيني وبين السُّهادِ، وشدّةُ الشفَق من لقائك أوبقَ عليَّ الشهواتِ، ومنعني اللذْاتِ، فأنا في طلبك أيها الكريمُ مطلوبٌ.

لضيغم وقال: تعبدَ ضيغم قائماً حتى اقعِدَ، وقاعداً حتى استلقَى، ومُستلقياً حتى أفحم؛ فلما جَهِد رفع بصرَه إلى السماء وقال: سبحانك، عجباً للخليقة كيف أرادتْ بك بدَلاً! وسبحانك عجباً للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذكر غيرك! وعجباً للخليقة كيف أنسَتْ بسواك.

لامرأة من التابعين عُتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك، ما أضيقَ الطريقَ على من لم تكن دليلَه، سبحانك ما أوحشَ الطريقَ على لم تكن أنيسَه.

مناجاة عروة بن الزبير أبو الحسن قال: كان عُروة بن الزُبير يقول في مناجاته بعد أن قُطِعتْ رجلُه ومات ابنُه: كانوا أربعةً، يعني بنيه، فأخذتَ واحداً وأبقيتَ ثلاثةً، وكن أربعاً يعني يديْه ورِجليه؛ فأخذتَ واحدةً وأبقيتَ ثلاثاً،. لَيْمُنُكَ لئن كنتَ أخذتَ لقد أبقيتَ، ولئن كنتَ ابتليتَ عافيتَ.

بين يونس وجبريل عليهما السلام وأعبد أهل الأرض وفي حديث بني إسرائيل أن يونُس عليه السلامُ قال: لجبريلَ عليه السلام: دُلني على أعبِد أهل الأرض. فدلَه على رجل قد قَطَع الجُذامُ يديه ورِجليْه، وذهب ببصرَه، فسمِعه يقول: متّعتَني ما شئتَ، وسلبتَني حين شئتَ، وأبقيتَ لي فيك الأملَ يا بارُ يا وَصُولً.

من دعاء لبعض الصالحين ومن دعاء بعض الصالحين: اللهمّ اقطع حوائجي من الدنيا بالشوق إلى لقائك، واجعل قُرَّةَ عيني في عبادتك، وارزقني غَم خوفِ الوعيدِ، وشوقَ رجاءِ الموعود، الَلهمّ إنك تعلم ما يصلِحُني في دنياي وآخرتي فكن بي حفِيًّا.

باب البكاءبين النبي صلى الله عليه وسلم وفتى من الأنصار حدّثني أبو مسعود الدارِميّ قال: حدثني جدّي عن أنَس بن مالك قال: جاء فتًى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أمي تُكثر البكاءَ وأخاف على بصرها أن يذهب، فلو أتيتَها فوعَظتَها! فذهب معه فدخل فقال لها في ذلك؛ فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ إلى الجنة، أيُبدلني الله خيراً منه. قال: " نعم " . قالت: فإن ذهب بصري في الدنيا ثم صرت إلى النار، أفيُعِيد الله بصري؟ فقال النبيّ عليه السلام للفتى: لا إن أمّك صِدَيقةٌ " .

لثابت بن سعيد في ثلاث أعين لا تمسها النار حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن ثابت بن سعيد قال: ثلاث أعينٍ لا تمسها النار؛ عين حرَسَتْ في سبيل اللّه؛ وعينٌ سهِرتْ في كتاب الله، وعينٌ بكتْ في سواد الليل من خشية الله.

لأبي إبراهيم أبو حاتم عن العُتبي قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: لا يكون البكاءُ إلا من فضل فإذا اشتد الحزنُ ذهب البكاء وأنشد:

فلئن بكيناه يَحِقُّ لنا ... ولئن تركنا ذاك للكِبر

فلمثله جرت العيونُ دَماً ... ولمثله جمَدتْ فلم تَجرِ

عن عَمْرو بن العاص في يحيى بن زكريا

 

بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج، فنظر إلى عبادِ بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى متهجِّديهم، أو قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا: يا يحيى هلمَّ فلنلعبْ قال: إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى: " وآتيناه الحكمَ صبيّا " فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدُمه نهاراً ويَصيحُ فيه ليلاً، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه الخوفُ فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين نزلا من جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ قدميه في الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول: وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى أعلَم أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصاً كان معهما من شَعير، ويشربَ من الماء ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل: " وَبَراً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَباراً عَصِيًا " ورده أبواه إلى بيت المقدس فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه: يا يحيى " لو أذنتَ لي لاتخذتُ لك لبداً لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين " . قال: أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها، فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على ذراعَيْ أمَهِ قال: اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين.

ليزيد الرقاشيّ بلَغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخَمِيسيّ قال: كان يزيدُ الرقاشي يقول: ويحك يا يزيدُ! مَن يصومُ عنك! مَن يصلَي عنك! ومن ذا يترضَى لك ربك من بعدك! ثم يقول: يا معشر مَنِ الموت موعده، والقْبرُ بيتُه ألا تبكون! قال: فكان يبكي حتى تسقطَ أشفارُ عينيه.

للنبي صلى الله عليه وسلم في البكاء من خشية الله بلَغني عن محمد بن فُضَيل عن العَلاء بن المسيًب عن الحَسن قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَا منْ قطرةٍ أحب إلى الله مِنْ قطرةِ دمٍ في سبيله وقطرةِ دمعٍ في جوف الليل من خشيته، وما من جرْعةٍ أحبُّ إلى الله من جَرْعةِ مصيبة مُوجِعة ردّها بصبرٍ وحسُن عزاؤه، وجرعةِ غيظٍ كظَم عليها " .

لمعتمر بن سليمان عن رجل في بكاء ابن عباس مُعتَمِر بن سليمان عن رجلٍ قال: كان في وجنتَي ابن عباس خطَّان من أثر الدموع.

بين سيار بن جعفر ومحمد بن واسع حدثني محمدُ بن داود عن سعيد بن نُصَيْر قال: حدثنا سَنار عن جعفرٍ قال: كنتُ إذا أحسستُ من قلبي بقسوة أتيتُ محمدَ بن واسعٍ فنظرتُ إليه نظرةً؛ قال: وكنت إذا رأيت وجهَه حسبتُه وجهَ ثَكلَى.

وكان يقال: أخوك مَنْ وعَظَك برؤيته قبلَ أن يعظَك بكلامه.

تكلم الحسَن يوماً حتى أبكَى مَن حولَه فقال: عَجيج كعجيج النساء ولا عزم، وخدعةٌ كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عِشاءً يبكون.

لمالك بن دينار وقد فقد مصحفه في مجلسه أبو عاصم قال: فقَدَ مالكُ بن دينار مصحفَه في مجلسه؛ فنظر إليهم كلَهم يبكون؛ فقال كلُّكم يبكي فمن سرَق المصحف؟ لعبد العزيز بن مرزوق قال عبد العزيز بن مرزوق: الكمد أبقَى للحزن. وكانت له شُعَيرات في مُقدمَّ صُدْغه فإذا رق نتفها أو مدَها إلى فوق فتقلصَ دمعُه.

لغالب بن عبيد اللّه قيل لغالب بن عبيد الله: إنا نخاف على عينك العمى من طول البكاء. فقال: هُوَ لها شفاعة.

لبعض الشعراء في البكاء قال بعض الشعراء:

سأبكيك حتى تُنْفِدَ العينُ ماءَها ... ويَشفِيَ مني الدمعُ ما أتوجعً

مثله لبعض الكتاب وقال بعض الكتابِ في مثله:

إبك فمن أنفع ما في البكا ... أنّه للأحزان تسهيلُ

وهو إذا أنت تأملتَه ... حُزْنٌ على الخدّين محلول

لعفيرة العابدة في البكاء

 

قيل لعُفَيْرةَ العابدة: ألا تسأمين من طول البكاء؛ فبكت ثم قالت: كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن يكونَ له فيه من دائه شفاء!.

بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني قال ابن أبي الحوَارِي: رأيت أبا سليمان الدارانيّ يبكي، فقلت له: ما يُبكيك؟ فقال: إنما أبكِي لذلك الغم الذي ليس فيه فرحٌ، وذلك الأمدِ الذي ليس له انقطاعٌ.

بين بعضهم وراهب بدير حرملة قال بعضهم: أتيتُ الشأمَ، فمررتُ بدير حَرْمَلَة، وبه راهبٌ كأن عينيْه عِدْلاً مَزادٍ؛ فقلتُ: ما يُبكيك. فقال: يا مسلمً، أبكِي على ما فرطتُ فيه من عمري، وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يَتبيَّنْ فيه عملي. قال: ثم مررتُ بعد ذلك فسألتُ عنه؛ فقالوا: أسلمَ وغَزَا فقُتِل في بلاد الروم.

ليزيد الرقاشي أشعث قال: دخلتُ على يزيد الرقَاشيّ فقال لي: يا أشعثُ، تعالَ حتى نبكيَ على الماء البارد في يوم الظمأ. ثم قال: والهفاه! سبقني العابدون وقُطِعَ بي. وكان قد صام ثلاثين أو أربعين سنة.

بين زيد الحميري وثوبان الراهب زيد الحميريّ قال: قلتُ لثوبانَ الراهب: أخبرني عن لُبْس النصارى هذا السوادَ، ما المعنى فيه؟ قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب. قال فقلتُ: وكلّكم معشرَ الرهبان قد أصيبَ بمصيبة؟ فقال: يرحمك الله! وأيّ مصيبةٍ أعظمُ من مصائب الذنوب على أهلها! قال زيد: فلا أذكر قولَه ذلك إلا أبكاني.

أيضاً بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحوَاريّ قال: دخلت على أبي سليمان وهو يبكي، فقلت: ما يُبكيك. قال: يا أحمد، إنه إذا جَن الليلُ وهدأت العيونُ وأنسَ كلُ خليلَ بخليله، فرَشَ أهلُ المحبة أقدَامهم، وجرت دموعُهم على خدودهم يُسمع لها وقعٌ على أقدامهم، وقد أشرف الجليلُ عليهم فقال: بعيني مَنْ تلذَذَ بكلامي واستراح إليَّ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم! هل أخبركم أحدٌ أن حبيباً بعذَبُ أحباءَه! أم كيف أبيتُ قوماً، وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملقونني! فبي حلفتُ أن أكشفَ هم يومَ القيامة عن وجهي ينظرون إلي.

للخنساء في بكائها على أخيها صخر قالت خنساء: كنتُ أبكي لصخر من القتال، فأنا أبكي له اليوم من النار.

بين عمر بن ذر وأبيه قال عمر بن ذَرٍّ لأبيه: يا أبتِ، ما لَكَ إذا تكلمت أبكيتَ النساَ، وإذا تكلّمَ غيرُك يُبكهم؟ فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المسأجرَة.

بعض ما أوحى به اللّه تعالى إلى نبي من أنبيائه وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه: هبْ لي من قلبك الخشوعَ، ومن بَدَنك الخضوعَ، ومن عينك الدموعَ، وادعُني، فإني قريب.

لعمر وكان عمر يقول: استغزروا العيون بالتذكر.

التهجدللنبي صلى الله عليه وسلم حدثنا حسين بن حسن المَرْوَزي قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك قال: أخبرني مَعْمرَ والأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كَثِير عن أبي سلَمة عن أبي زَمَعة بن كعب الأسلميّ قال: كنت أتيتُ عند حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعُ، إذا قام من الليل: " سبحانَ الله رب العالمين " الهَوِي من الليل، ثم يقول: " سبحانَ اللِه وبحمده " الهَوِيً.

حدثنا حسين قال: حدثنا سفيان بن عُيَينة عن زياد بن عِلاَقَة قال: سمعتُ المُغيرةَ بن شعْبة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توزمت قدَماه فقيل: يا رسول الله، قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؛ قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً " .

حدّثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حمّاد بن سلَمة عن ثابت البُنَاني عن مُطَرف بن عبد الله عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل.

ليزيد الرقاشي بلغني عن رَبَاح عن معْتمِر عن رجل قد سمّاه قال: قال يزيد الرًقَاشيٌ: إذا أنا نمتُ ثم استيقظتُ ثم نمتُ فلا نامت عينايَ، وعلى الماءِ الباردِ السلامُ. يعني بالنهار.

بين عمر وعبيدة بن هلال الثقفي وروى جَرير عن عطاء بن السائب قال: قال عبيدة بن هلال الثَّقفي: لا يشهد عليّ ليل بنومٍ ولا شمسٌ بإفطارٍ. فبلغ ذلك عمرَ فأقسم عليه ليُفطرن العيدين.

قول عبيدة بن هلال لأهله

 

وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال: كان يقول لأهله: يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ، الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى.

لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء.

قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا بفضل نعيمكم.

للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن: ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؛ فقال: إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.

لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهمً اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك. وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛ فيقول بعضُهم لبعض: إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة.

لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: " عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السرَى " .

بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفُضَيل بن عياض بيدي ثم قال: يا حسين، يقول الله: كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه! هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة وكلَموني على الحضور.

لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنَّا نعازي عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ نادانا ونحنُ في فِسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على صلاتِهِ.

لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال: صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال: واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأى أحداً يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثاً غُبْراً صُفْراً، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين. يريد أنهم يستقلّون ذلك.

لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال: إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض.

لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى قال: كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض.

لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو الربيع الزَّهْراني قال: حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى الضوءَ بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو كان هذا فضلاً لأوثر أهلُ بدر.

الموتبين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال: نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال: ما تنظُر يا محمد؟ قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من لونك. فقال: أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على وجنتيّ، وسال منخراي صديداً ودوداً، لكنتَ أشد نَكرَة.

لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي: دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول:

 

عَدِمتُ الحياةَ ولا نلتها ... إذا كنت في القبر قد ألحدوكا

وكيف أذوق لذيذ الكرى ... وأنت بيمناك قد وسّدوكا

قال الأزديّ: بلغني أن داود الطائيّ مر بامرأة تبكي عند قبرٍ وهي تقول: يا أخاه! شعري:

بأيَ خديك تبدي البِلى ... وأيُ عينيك إذاً سالا

شعر لمالك بن دينار وقد أتى القبور حدّثني محمد بن مرزوق قال: حدّثنا محمد بن نصر المعلم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال:

أتيت القبورَ فناديتُه ... ن أين المعظَّم والمحتقَرْ

وأين المدلُ بسلطانه ... وأين المزكَى إذا ما افتخَرْ

قال: فنوديتُ من بينها ولا أرى أحداً:

تفانَوْا جميعاً فما مُخبِرٌ ... وماتوا جميعاً وماتَ الخبَرْ

تروحُ وتغدو بناتُ الثرى ... وتُمْحَى محاسنُ تلك الصُّوَرْ

فيا سائلي عن أناس مَضَوْا ... أمَالك فيما ترى مُعتبَرْ

قال: فرجعت وأنا أبكي.

شعر على قبر بالشام بلغني أنه قرئ على قبرٍ بالشام:

باتوا على قُلَل الأجبال تحرُسُهم ... غُلْبُ الرجال فلم تنفعهم القُلَلُ

واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من معاقلهم ... فأسكِنوا حُفْرهًّ يا بئس ما نزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما دُفنوا ... أين الأسرةُ والتيجانُ والحُلَلً

أين الوجوهُ التي كانت مُحخبةً ... من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ

فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساء لهم ... تلك الوجوهُ عليها الدودُ تقتتلُ

قد طال ما أكلوا دهراً وما نَعِموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكِلُوا

وقال آخر:

ربَّ قوم عَبَروا من عيشهم ... في نعيم وسرور وغَدَقْ

سكتَ الدهرُ زمانا عنهُمُ ... ثم أبكاهم دماً حين نَطَقْ

بين النعمان وعدي بن يزيد نزل النُعمان ومعه عِدي بن زيد في ظل شجرةٍ عظيمةٍ ليَلْهُوَا، فقال له عدي بن زيد: أتدري ما تقولُ هذه الشجرةُ. قال: لا؛ قال تقول:

رب شَرْب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماءِ الزلازل

ثم أضحًوْا لَعب الدهرُ بهم ... وكذاك الدهرُ حالاً بعد حال

لإبراهيم بن مهدي وقال إبراهيم بن المهدي:

بالله ربك كم بيتٍ مررتَ به ... قد كان يُعْمَر باللذات والطربِ

طارتْ عُقابُ المنايا في سقائفه ... فصار من بعدها للويل والحربِ

شعر للخليل بن أحمد الفراهيدي أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي:

كن كيف شئتَ فقَصرُك الموتُ ... لا مَزْحَلٌ عنه ولا فَوْت

بينا غِنَى بيِتِ وبهجتُه ... زال الغنَى وتقوَضَ البيتُ

شعر لمالك بن دينار وقد كان يخرج إلى القبور كل خميس حدّثني يزداد بن أسد عن الطَّنَافسيّ قال: حدّثنا أبو محمد قال: كان مالك بن دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حِمار قوطرانيّ؛ ويقول:

ألا حَي القبورَ ومن بِهِنَّهْ ... وجوه في القبورِ أحِبُّهنَهْ

فلو أنّ القبور سمعنَ صوتي ... إذاً لأجبنني من وجدِهِنَهْ

ولكنّ القبورَ صمتنَ عني ... فابْتُ بحسرةٍ من عندِهِنَهْ

ثم يبكي ونبكي.

بين معاوية بن أي سفيان وعُبَيْد بن شرية الجُرْهميّ قال معاوية بن أبي سفيان لعُبَيد بن شرية الجُرْهُميّ: أخبِرْني بأعجبِ شيءٍ رأيتَه الجاهليَّة. فقال: إني نزلتُ بحي من قُضاعة فخرجوا بجنازةِ رجل من عُفرَة يقال له حُريث وخرجتُ معهم، حتى إذا وارَوْه في حفرته انتبذتُ جانباً عن القوم وعيناي تذْرِفان ثم تمثلت بأبياتِ شعرٍ كنتُ أرويها قبل ذلك بزمانٍ طويلٍ:

تجري أمور ولا تَدْرِي: أوائلُها ... خَيْرٌ لنفسك أم ما فيه تأخير

فاستقدرِ الله خيراً وارضَيَنَ به ... فبينما العسرُ إذ دارت مياسر

وبينما المرءُ في الأحياءِ مغتبطاً ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

 

يبكي الغريبُ عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور

قال: وإلى جانبي رجلٌ يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبدَ الله، هل لك علم بقائل الأبيات. قلتُ: لا والله؛ إلا أني أرويها منذُ زمانٍ . فقال: والذي تحلِفُ به إن قائلَها لصاحبنا الذي دفنَّاه آنفاً، وهذا الذي ترى ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه وصفتَ. فعجبتُ لما ذكره في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني جنازته، فقلت: " إنً البلاء موكُل بالقول " فذهبتْ مثلاً.

لأعرابي فيما هو خير من الحياة وشر من الموت قال أعرابي: خيرٌ من الحياة ما إذا فقدتَه أبغضتَ لفقده الحياةَ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت.

شعر لأبي زبيد ولأبي العتاهية وقال أبو زُبَيد:

يملِكُ المرءُ بالرجاءِ وُيضحي ... غَرَضا للمنون نَصْبَ العودِ

كلّ يومٍ ترميه منها برَشْقٍ ... فمصيبٌ أو صاف غير بعيد

وقال أبو العتاهية:

وَعَظَتْك أحداث صُمُتْ ... وَنَعَتْك أزمنة خُفُتْ

وتكلَّمتْ عن أوجهٍ ... تَبلى وعن صور شُتُتْ

وأرتك قبرَكَ في القبو ... رِ وأنت حي لم تمًتْ

لأعرابي وقال أعرابي: أبْعدَ سفر أولُ مَنْقَلةٍ منه الموتُ.

وقيل لأعرابيّ: مات فلانٌ أصح ما كان. فقال: أوَ صحيحٌ مَن الموتُ في عُنقِه! وقال بعض المحدَثين:

اسمعْ فقد أسمعك الصوتُ ... إن لم تبادر فهو الفوت

بل كُلْ إذا شئت وعِشْ ناعما ... آخرُ هذا كلَه الموتُ

ما كان يقوله صالح المرّي في قصصه وكان صالح المرّي يقول في قَصَصه:

مؤمِّل دنيا لتبقَى له ... فماتَ المؤفَلُ قبل الأمَلْ

وباتَ يُروِّي أصولَ الفَسيل ... فعاش الفسيلُ ومات الرجُلْ

لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:

كم رأينا من أناس هلكوا ... وبكَى أحبَابُهم ثم بُكُوا

تركوا الدنيا لمن بعدهُمُ ... ودُفُم لو قدموا ما تركوا

كم رأينا من ملوكٍ سوقةَ ... ورأينا سُوقةً قد مَلَكوا

قَلَب الدهرُ عليهم وَرِكا ... فاستداروا حيث دار الفلَكُ

بيتان كانا على جدار من جُدر القسطنطينية حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدارٍ من جُحُر كنيسة القسطنطينية ما اختلف الليلُ والنهار ولا دارتْ نجومُ السماء في الفلَكِ إلا بنقل السلطانَ عن مَلكٍ كان يحدث الدنيا إلى مَلِكِ وقال آخر:

ما أنزل الموتَ حق منزلِهِ ... من عَدً يوماً لم يأتِ من أجَلِهْ

والصدق والصّبرُ يبلُغان بمن ... كانا قرينيْه منتهَى أملِهْ

عليك صدق اللسان مجتهدا ... فإنّ جُل الهلاك في زللِهْ

للطرماح وقال الطِّرماح:

فيا ربّ لا تجعلْ وفاتيِ إن أتت ... على شَرجَع يُعْلَى بدُكنِ المطارف

ولكن أجِزْ يومي شهيداً وعُصْبةً ... يصابون في فجٍّ من الأرض خائف

عصائبُ من شتَّى يؤلفُ بينهم ... هُدى الله نزَّالون عند المواقف

إذا فارقوا دنياهُم فارقوا الأذى ... هُدى الله نزَّالون عند المواقف

فأقتل قَعْصاً ثم يُرمَى بأعظمي ... كضِغْثِ الخَلاَ بين الرياح العواصِف

ويصبِح لحمي بطنَ طير مقيلة ... دُوينَ السماء في نسورٍ عوائِف

لنوح عليه السلام وقد بنى بيتاً من خص وُهَيب بن الوَرْد قال: اتّخذ نوح بيتاً من خُصٍّ، فقيل له لو بنيت بيتاً. فقال: هذا لمن يموت كثيرٌ.

لأبي الدرداء إذا رأى جنازة، وشعر للبيد بلغني عن إسماعيل بن عَيّاش عن شُرحَبيْل بن مسلم أن أبا الدَرداء كان إذا رأى جنازةً قال: إغْدِي فإنّا رائحون، أو قال: روحي فإنا غادون. وهذا مثل قول لبيد:

وإنا وإخواناً لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجرِ

لهلال بن إساف بلغني عن وَكِيع عن شَريك عن منصور عن هلال بن إِساف قال: ما من مولود يولد إلا وفي سرّته من تربة الأرض التي يموت فيها.

 

أول شعر قيل في ذم الدنيا قال الأصمعي: أوّل شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خَذّاق:

هل للفتى من بناتِ الدهر من راقي ... أم هل له من حِمَام الموت من واقي

قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَثٍ ... وألبسوني ثياباً غيرَ أخلاقِ

وطيَّبوني وقالوا أيّما رجلٍ ... وأدرجوني كأنّي طي مخراقِ

هوَن عليك ولا تُولَع بإشفاقِ ... فإنما مالُنا للوارث الباقي

بين النبي صلى الله عليه وسلم ورجل لا يحب الموت محمد بن فُضَيل عن عُبيد الله بن عُمَير قال: جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال: يا نبيً الله، ما لي لا أحبُّ الموت؟ فقال له: " هل لك مال؟ " قال: نعم. قال: " قدمه بين يديك " .

قال: لا أطيق ذلك. قال: فقال النبي عليه السلام: " إنّ المرءَ مع ماله إن قدمه أحبَّ أن يَلْحق به وإن أخَّره أحب أن يتخلَف معه " .

للربيع بن خيثم في مرضه المحاربيّ عن عبد الملك بن عُمَير قال: قيل للربيع بن خيْثم في مرضه: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: أنظِروني؛ ثم فكر فقال: " وعادٍ وثَمُودَ وأصحابَ الرَسَ وقُرُوناً بينَ ذلكَ كثيراً " قد كانت فيهمِ أطباءُ، فما أرى المداوى بَقِي ولا المداوَى؛ هلك الناعتُ والمنعوتُ له، لا تدعوا لي طبيباً.

شعر كان يتمثل به عمر بن عبد العزيز دائماً إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال: كان عمر بن عبد العزيز ليس له هِجيرَى إلا أن يقول:

تُسَر بما يَبلَى وتفرَحُ بالمنى ... كما اغترّ باللذاتِ في النوم حالمُ

نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغَفْلةٌ ... وليلُك نومٌ والردىَ لك لازمُ

وسعيُك فيما سوف تكره غبهُ ... كذلك في الدنيا تعيشُ البهائمُ

كم من مستقبل يوماً ليس بمستكمله، ومنتظِرٍ غدا ليس من أجله، لو رأيتم الأجل ومسيرَه، لأبغضتم الأمل وغرورَه.

لا يلبث القُرنَاء أن يتفرّقوا ... ليل يَكُرّ عليهمُ ونهارُا

لأبي هريرة يحيى بن آدم عن عبد اللّه بن المبارك عن عبد الوهاب بن وَرْد عن سالم بن بَشير بن حَجَل عن أبي هريرة: أنه بكى في مرضه فقال: أمَا إني لا أبكي على دنياكم ولكني أبكي على بُعْدِ سفري وقلّة زادي، وأني أمسيتُ في صُعودٍ مهبِطُه على جنةٍ أو نار، ولا أدري على أيّهما يؤخذ بي.

لمعاذ لما احتُضِر أبو جَنَاب قال: لما احتُضِر معاذٌ قال لجاريته: ويحكِ! هل أصبحنا؟ قالت: لا؛ ثم تركها ساعةً ثم قال لهًا: أنظُرِي! فقالت: نعم؛ فقال: أعوذ باللّه من صباح إلى النار ثم قال: مرحباً بالموت، مرحبا بزائر جاء على فاقةٍ، لا أفلَح مَنْ نَدِم! اللهمّ إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاءَ في الدنيا لكَرْي الأنهارِ ولا لغرس الأشجارِ، ولكن كنت أحب البقاءَ لمكابدة الليل الطويل ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمةِ العلماء بالرُّكَبِ في حلَق الذَكر.

لعمرو بن العاص عند احتضاره أبو اليَقْظان قال: لما احتُضِر عمرُو بن العاص جعل يده في موضع الغُل من عنقه ثم قال: اللهم إنك أمرتَنا ففَرّطْنا، ونهيتنا فركِبنا، اللهم إنه لا يَسعُنا إلا رحمتُك؛ فلم يزل ذلك هِجيراه حتى قُبضَ.

لأزاذمرد في احتضاره وقد سُئِل عن حاله قيل لأزاذمَرْد بن الهِرْبذ حيني احتًضِر: ما حالُك؟ فقال: ما حال من يريد سفراً بعيداً بلا زاد، وينزلُ حفرةً من الأرض مُوحِشة بلا مؤنس، ويَقْدَمُ على ملكٍ جبّارٍ قد قَدم إليه العذرَ بلا حُجةٍ.

لأمية بن أبي الصلت عند وفاته حدثني عَبدةُ الصفارُ قال: حدّثني العَلاء بن الفضل قال: حدّثني محمد بن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعتُ أميةَ بن أبي الصلْت عند وفاته وأغميَ عليه طويلاً ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت وقال: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما، لا عشيرتي تَحمِيني، إلا مالي يَفدِيني. ثم أغميَ عليه طويلاً ثم أفاق فقال:

كل عيش وإن تطاولَ دهراً ... صائرٌ مرة إلى أن يزولا

ليتني كنتُ قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعَى الوُعُولا

ثم فاضت نفسُه.

للمنصور عند موته

 

الحكَم بن عثمان قال: قال المنصور عند موته: اللهمّ إن كنتَ تعلمَ أني قد ارتكبتُ لأمورَ العظامَ جُرأة منّي عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتُك في أحب الأشياء إليك شهادةِ أن لا له إلا أنت، مَنًا مِنْك لا مَنُّا عليك.

وكان سببُ إحرامه من الخضراء أنه كان يوماً نائماً، فأتاه آتٍ في منامه فقال:

كأنّي بهذا القصر قد بادَ أهلُه ... وعُرِّيَ منه أهلُه ومنازلُه

وصار عميدُ القوم من بعد نعمةٍ ... إلى جَدَثٍ تُبنَى عليه جنادله

فلم يبق إلا رسمهُ وحديثُه ... تُبَكِّي عليه مُعْوِلاتٍ حلائله

فاستيقظ مرعوباً ثم نام فأتاه الآتي فقال:

أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت ... سنُوكَ وأمرُ الله لا بد واقع

فهل كاهن أعددتَه أو منجم ... أبا جعفرٍ عنك المنيةَ دافع

فقال: يا ربيع آئْتِني بطَهوري. فقام واغتسل وصلَى ولبى وتجهًز للحج، فلما صار في الثلث الأؤل اشتدت علتُه، فجعل يقول: يا ربيع ألقِني في حرم اللّه، فمات ببئر ميمون.

فيمن يذهله احتضاره عن قول: لا إله إلا اللّه حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير عن العباس بن طالب قال: قال الربيع بزة: كنتُ بالشامٍ فسمعتُ رجلاً وهو في الموت يقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني.

ورأيت رجلاً بالأهواز قيل له: قل لا إلهَ إلا الله؛ فقال: ده يا ذده وده وداوزده . وقيل لرجل بالبصر: قل لا إله إلا الله، فقال:

يارب قائلة يوماً وقد لَغِبتْ ... كيف الطريقُ إلى حمفَام مِنجاب

لأبي معمر فى تلقين الميت حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن معمر عن أبيه قال: لقَن ميتَك، فإذا قالها فدعه يتكلم بغيرها من أمر الدنيا ولا تُضجِرْه.

وصية والد مالك بن ضيغم لبنيه قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا تُوصي قال: بلى، أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: " يَا بَنِيً إنً الله اصطَفَى لَكُمُ الدينَ فَلاَ تَمُوتن إلا وأنتُمْ مسْلِمُونَ " وأوصيكم بصلة الرحم وحسنِ الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين.

بين عمر بن عبد العزيز وابنه وقال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تَجدك. قال: في الموت؛ قال: لأن تكونَ في ميزاني أحبّ إلي من أن أكون في ميزانك. قال: وأنا والله لأن يكون ما تُحبّ أحبّ إليَّ من أن يكون ما أحِبّ.

لسيبويه النحويّ في احتضاره احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطَرت قَطرةٌ من دموع أخيه على خدّه، فأفاق من غشيته وقال:

أخيينْ كنّا فرّق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا!

وصية هَرِم بن حبان أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: قيل لهَرِم بن حبئان: أوص؛ فقال: قد صدَقَتني نفسي في الحياة، ما لي شيء أوصِي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل.

قال الشاعر:

ما ارتدّ طرفُ امرىء بلحظته ... إلا وشيء يموتُ من جسدهْ

وقال آخر:

المرء يشقَى بما يسعَى لوارثه ... والقبرُ وارثُ ما يسعى له الرجُلُ

وصية الربيع بن خيثم حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيّان التيميّ عن أبيه قال: أوصَى الربيعُ بن خيثم وأشهدَ على نفسه وكفَى بالله شهيداً وجازياً لعباده الصالحين ومُثيباً: إني رضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وأوصِي نفسي ومن أطاعني أن يعبُدَ اللّه في العابدين ويحمده فيٍ الحامدين وينصحَ لجماعة المسلمين؛ وأوصَى أهله: ألًا تُشعِروا بي أحداً وسُلُوني إلى ربّي سَلاً.

لعمر بن ذرّ عند موت ابنه ذز حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال: سمعتُ عمر بن جرير المهاجري يقول: لما مات ذرّ بن عمر بن ذر قال لأصحابه: الآن يضيع الشيخ لأنه كان به بارّاً؛ فسمعها الشيخُ فقال: أنَى

 

أضيعُ والله حيّ لا يموت! فلما واراه الترابَ وقف على قبره وقال: رحمك الله يا ذراً ماعلينا بعدك من خصاصةٍ وما بنا إلى أحدٍ مع الله حاجةٌ، وما يسرُّني أنَي كنت المقدمَ قبلَك، ولولا هولُ المطًلَع لتمنيّتُ أن أكون مكانَك، لقد شغلني الحزنُ لك عن الحزن عليك، فيا ليت شعري ماذا قلتَ وما قيل لك! ثم رفع رأسَه إلى السماء فقال: اللهمّ إنّي قد وهبتُ حقَي في بيني وبينه له، فهبْ حقَك فيما بينك وبينه له. ثم قال عند انصرافه: مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك.

لعائشة رضي اللّه عنها في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولها أيضاً على قبر أبيها حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا شُرَيح بن النّعمان عن عبد العزيز بن أبي سَلمة الماجِشُون عن عبد الواحد بن أبي عَوْن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: " تُوِّفي رسولُ الله؛ فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضَها، إشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العربُ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغَنَائها في الإسلام وكانت مع هذا تقول: " من رأى عمرَ بن الخطاب عرفَ أنه خُلِقَ غَنَاءً للإسلام، كان والله أحوزِيّاً نسيجَ وحده، قد أعد للأمور أقرانَها " .

وقالت عند قبره: " رحِمك الله يا أبتِ! لقد قمتَ بالدين حين وهى شَعْبهُ وتفاقم صَدْعه؛ ورجفت جوانبُه؛ إنقبضتَ مما أصغَوْا إليه، وشمرت فيما وَنُوا فيه واستخففتَ من دنياك استوطنوا وصغَّرتَ منها ما عظموا ورعَيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا عِنان الأمن واقتَدت مطي الحذر، ولم تهضِم دينك ولم تَشِنْ غدَك ففاز عند المساهمة قِدْحُك وخفً مما استوزروا ظهرُك " .

وقالت أيضاً عند قبره: " نَضر اللّه وجهك يا أبتِ! فلقد كنتَ للدنيا مُذُلاً بإدبارِك عنها وللآخرة مِعزاً بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُزْؤك وأكبرَ المصائب فقدُك إنّ كتابَ الله ليَعِدُ بجميل العزاءه عند أحسنِ العِوَض منك، فأنا أتنَجَز من الله مَوعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضُه منك بالاستغفار لك؛ عليك سلامُ الله ورحمتُه، توديعَ غير قاليةٍ لحياتك ولا زاريةٍ على القضاء فيك " .

للحسين بن علي على قبر أخيه الحسن قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن: " رحِمك الله أبا محمد! إن كنتَ لَتُباصِرُ الحق مَظَانًه، وتؤلِر اللّه عند تداحُض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليلَ مَعاظم الدنيا بعينِ لها حاقرة، وتُفيضُ عليها يداً طاهرةَ الأطرافِ نقيةَ الأسرةِ، وتردَعُ بادرةَ غربِ أعدائك بأَيسرٍ المؤونة عليك؛ ولا غَروَ وأنت ابن سلالة النبوة ورضيعُ لِبان الحكمةِ، فإلي رَوْح ورَيحانٍ وجنةِ نعيم؛ أعظمَ الله لنا ولكم الأجرَ عليه، ووهبَ لنا ولكم النبوةَ وحُسْنَ الأسَى عنه " .

تأبين ابن السماك لداود الطائي

 

حدثني عبد الرحمن بن الحسين السعيديّ عن محمد بن مُصْعَب: أن ابن السفَاك قال يوم مات داودُ الطائيّ في كلام له: إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين يديه من آخرته، فأعشَى بصرُ القلب بصرَ العين، فكًان كأنه لا ينظر إلى ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجَبون وهو منكم يعجَب، فلما رآكم راغبين مذهولين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولَكم وأماتت بحتها قلوبَكم استوحش منكم، فكنتُ إذا نظرتُ إليه نظرت إلى، حي وسطَ أمواتٍ. يا داود ما أعجب شأنك بين أهل زمانك؛ أهَنت نفسَك وإنما تريد إكرامَها، وأتعبتهِا وإنما تريد راحتَها، أخشنتَ المطعمَ وإنما تريد طِيبَه وأخشنتَ الملبسَ وإنما تريد لِينَه، ثم أمتَ نفسَك قبل أن تموتَ، وقبَرتَها قبلَ أن تُقبَر، وعذَبتها ولما تُعذب، وأغنيتها عن الدنيا لكيلا تُذكَر، رغبتْ نفسُك عن الدنيا فلم ترها لك قدراً إلى الآخرة، فما أظنُّك إلا وقد ظَفِرت بما طالبت؛ كان سيماك في سرك ولم يكن سيماك في علانيتك، تفقًهتَ في دينك وتركت الناس يُغَنُّون، وسمعتَ الحديثَ وتركتهم يُحدَثُون، وخَرِسْتَ عن القول وتركتهم ينطقون، لا تَحسُد الأخيارَ، ولا تعيبُ الأشرارَ، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية؛ آنسُ ما تكون إذا كنتَ بالله خالياً، وأوحشُ ما تكون آنسُ ما يكون الناس؛ فمن سمِع بمثلك وصبرَ صبرَك وعزَم عزمَك! لا أحسَبُك إلا وقد أتعبت العابدين بعدَك، سجنتَ نفسَك في بيتك فلا مُحدَثَ لك ولا جليسَ معك ولا فراشَ تحتك ولا سترَعلى بابك ولا قلةَ يُبَرْد فيها ماؤك ولا صحفةَ يكون فيها غَداؤك وعَشاؤك، مِطْهَرَتُك قلبُك وقَصْعتُك تَوْرُك. داود ما كنتَ تشتهي من الماء باردَه ولا من الطعام طيبَهُ ولا من اللباس ليِّنَه، بلى! ولكن زَهِدتَ فيه لما بين يديك، فما أصغرَ ما بذلت وما أحقرَ ما تركتَ في جنب ما أملتَ، فلما مِتَّ شَهَرَك ربك بموتك، وألبسَك رداءَ عصلك وأكثرَ تبعَك، فلو رأيتَ من حضَرك عرفتَ أنّ ربَّك قد أكرمك وشرفك، فَلْتتكلّم اليوم عشيرتُك بكلِّ ألسنتها، فقد أوضحَ ربك فضلَها بك، ووالله لو لم يَدْعُ عبداً إلى خيرٍ بعمله إلا حُسْنُ هذا النَشرِ من كثرة هذا التَبَع، لقد كان حقيقاً بالاجتهاد والجهد لمن لا يُضيع مُطيعاً ولا ينسى صنيعاً شاكراً ومُثيباً.

لمحمد بن سليمان عند قبر ابنه وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال: اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه، فحقق رجائي وآمن خوفي.

لمالك بن أنس عند قبر ابنه مات ابن لأنَس بن مالك فقال أنَسٌ عند قبره: اللهم عبدُك وولدُ عبدك وقد رُدَّ إليك فارأفْ به وارحمْه، وجافِ الأرضَ عن بدنه، وافتح أبوابَ السماء لرُوحه وتقبلْه بقبولٍ حسنِ. ثم رجع فأكلَ وشربَ وادهن وأصاب من أهله.

شعر لجرير يرثي امرأته وقال جرير في امرأته:

لا يلبَث القُرنَاءُ أن يتفرّقوا ... ليل يَكُرُ عليهم ونهارُ

صلّى الملائكةُ الذين تُخِيرُوا ... والطيِّبون عليكِ والأبرارُ

أعرابية ترثي ابنها وقفتْ أعرابيّة على قبر ابنها فقالت: والله ما كان مالُك لعِرسِك، ولا همُّك لنفسك، وما كنتَ إلا كما قال القائل:

رحيبُ النراع بالتي لا تَشِينُه ... وإن كانت الفحشاءُ ضَاقَ بها ذَرْعا

شعر لعديّ بن زيد كان سفيان بن عيينة يستحسنه حدثني محمد بن داود عن الصَلْت بن مسعود قال: كان سفيان بن عُيَينة يستحسن شعر عدي بن زيد:

أين أهلُ الديار من قوم نوحٍ ... ثم عادٌ من بعدهم وثمودُ

بينما هم على الأسرة والأن ... ماط أفضت إلى التراب الخدودُ

ثم لم ينقَض الحديثُ ولكن ... بعد ذا الوعدُ كلُه والوعيدُ

وأطباءُ بعدَهم لحِقوهمٍ ... ضل عنهم سَعُوطهم واللًدُود

وصحيحٌ أضحى يعود مريضاً ... وهو أدنى للموتِ ممن يعودُ

أخذه عليّ بن الجهم فقال:

كم من عليل قد تخَطاه الردى ... فنجا ومات طبيبُه والعُوَّدُ

لربعي بن حراش

 

حدثني عَبْدة بن عبد الله قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الملك بن عُمَير عن ربْعِي بن حِراش قال: أتيتُ أهلي فقيل لي: مات أخوك. فوجدتُ أخي مُسَجًى عليه بثوب، فأنا عند رأسه أترحَم عليه وأدعو له إذ كَشَفَ الثوبَ عن وجهه فقال: السلام عليكم. فقلنا: وعليكَ السلام، سبحان الله! بعد الموت! فقال: إني تُلُقَيتُ برَوْح ورَيْحان وربً غيرِ غضبان، وكساني باباً من سندسٍ وإسْتَبرَق، وإني وجدتُ الأمرَ أيسرَ مما تظنون ولا تتكِلوا؛ إني استأذنت ربيِّ أن أخبركم وأبشّرَكم، إحملوني إلى رسول الله، فقد عُهِد إليّ ألَّا أبْرَحَ حتى ألقاه ثم طَفِيء.

لمطرف عن أهل القبور حدثني أبو سهل عن عليّ بن محمد عن إسحاق بن منصور عن عمارة بن زاذان عن ثابت أن مُطرفاً كان يبدو على دابته بين المقام فأغفى فإذا أهلُ القبور جلوس على شِفَاه قبورهم يقولون: هذا مُطَرفٌ يروح إلى الجُمعة. قلتُ: هل تعرفون يومَ الجمعة. قالوا: نعم، وما تقول الطيرُ في جوف السماء، يقولون: سلام، يومٌ صالحٌ.

عن جابر في عين أبي زياد التي حفرها معاوية حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سُفيان بن عُيَينة عن أبي الربير عن جابر قال: لما أراد معاوية أن تَجرِيَ العينُ التي حفرها - قال سفيان: تُسفَى عينَ أبي زياد - نادوْا بالمدينة: من كان له قتيل فليأتِ قتيلَه. قال جابر: فأتيناهم فأخرجناهم رِطَباً يتثَنون، وأصابت المِسحَاة رِجْلَ رجلٍ منهم فانفَطَرتْ دماً. قال أبو سعيد الخدري: لا يُنكِرُ بعدَ هذا مُنكِر أبداً.

في أن أهل القبور يتوكفون الأخبار حدّثني محمد بن عُبيد قال: حدثنا ابن عُيينة عن عمرو بن دينار عن عُبَيد بن عُمَير قال: أهلُ القبور يتوَكَفُون الأخبارَ فإذا أتاهم الميت سألوه: ما فعل فلانٌ؟ فيقول: ألم يأتكم! فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، سُلِكَ به غيرُ سبيلنا.

للربيع بن صبيح وحميد الطويل في ثابت البناني بعد موته حدثني عبد الرحمن العَبْدي عن جعفر بن أبي جعفر قال: حدثنا أبو جعفر السائح عن الربيع بن صَبِيح قال: شهِدتُ ثابتاً البُنَاني يوم مات وشهده أهلُ البَصرة، فدخلتُ قبرَه أنا وحُميدَ الطويلُ وأبو جعفر حسن مما يلي رأسَه فلما ذهبتُ أسَوَي عليه اللَبِنةَ سقطَتْ من يدي فلم أرَ في اللحد أحداً، وأصغى إليً حُميدٌ أن اختُطِفَ صاحبُنا وضجً الناسُ فسوينا على اللحد وحثونا الترابَ؛ فلبم يكن لحُميدٍ هِمًةٌ حتى أتى سليمان بن عليّ وهو أميرٌ على البَصرة فأخبره، فقال: ما ينكَرُ لله قدرة! إلا أني انكِر أن يكون أحد من أهل زماننا يُفْعَلُ هذا به، فهل علم به أحد سواك قال: نعم، الربيع بن صَبيح وحَسَن؛ قال: عَدْلان مَرْضِيان، فبعثَ أمناءَ جيرانه فنبشوا عنه فلم يجدوه في قبره.

لأعرابية تدعى أم غسان المكفوفة وحدثني أيضاً عن أعرابيّة كان يُقال لها أم غَسّان مكفوفةٍ وكانت تعيشُ بمِغزَلها وتقول: الحمدُ للة على ما قضى وارتضَى. رضيتُ من الله ما رضِيَ لي، وأستعينُ اللهّ على بيتٍ ضيق الفِناء قليلِ الكِوَاءِ وأستعين الله على ما يُطالعَ من نواحيه.

وماتت جارةٌ لها فقيل لها: ما فعلتْ جارتك؟ فقالت:

تقَسّم جاراتُها بيتَها ... وصارت إلى بيتها الأتلد

وقالت يوماً: إن تقبل الله مني صلاةً لم يعذَبْني. فقيل لها: كيف ذلك؟ قالت: لأنّ الله وجل لايثني في رحمتِه وحلمِهِ.

قال: وكنتُ سمعتُ حديثَ معاذ " من كُتِبَتْ له حسنةٌ دخلَ الجنّةَ، ولم أعر ما تفسيره حتى سمعت أمّ غسانَ تقول هذا، فعرفت تأويلَه.

الكِبَر والمشيب

للنبى صلى الله عليه وسلم حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن عبد الجليل بن عطية عن شَهْر بن حَوْشَب عن عمرو بن عَنْبَسَة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ شابَ شَيبةً في الإسلام كانت له نوراً يومَ القيامة ما لم يَخضبْها أو يَنتِفْها " .

في الكِبَر أبو حاتم عن الأصمعي عن شيخ من بني فَزارة قال: مررتُ بالبادية وإذا شيخٌ قاعد على شفِيرِ قبرٍ، وإذا في القبور رجالٌ كأنهم الرماحُ يدفِنُون رجُلاً والشيخُ يقول:

احثُوا على الدَيسَم من بَرْد الثرى ... قِدْماً أبَى ربك إلا ما تَرَى

فقلت له: مَن الميتُ؟ فقال: إبني. فقلت له: مَن الذين يَدفِنونه؟ قال: بنوه.

 

بين يونس بن حبيب ورجل حدثنا أبو عبد الرحمن قال: دخل يونس بن حبيب المسجدَ يُهادى بين اثنين من الكبر فقال له رجلٌ كان يَتَّهِمه على مودّته: بلغتَ ما أرى يا أبا عبد الرحمن! قال: هو ما تَرَى فلا بَلَغْتَه. ونحوه قولُ الشاعر:

يا عائبَ الشيبِ لا بَلَغْتَه

من الزبور ويقال في الزبور: " من بلغ السبعينَ اشتكَى من غير عِلة " .

لمحمد بن حسان النبطي وقال محمد بن حسّان النبطِي: لا تسأل نفسَك العامَ ما أعطتك في العام الماضي.

لضرار بن عمرو الضبّيّ رأى ضرار بن عمرو الضبيّ له ثلاثةَ عشر ذكراً قد بلغوا فقال: من سرّه بنوه ساءته نفسه شعر لابن أبي فنن قال ابن أبي فَنَنٍ:

من عاش أخلقت الأيام جِدّتَه ... وخانه الثِّقتانِ السمعُ والبصرُ

قالت عَهِدتُك مجنوناً فقلت لها ... إن الشبابَ جنونٌ برؤه الكِبَرُ

لشيخ معمّر أبوعبيدة قال: قيل لشيخ: ما بَقِي منك؟ قال: يسبِقُني مَنْ بين يدَي، ويُدرِكني خلفي، وأنسى الحديثَ، وأذكر القديمَ، وأنعُسُ في الملا، وأسهَرُ في الخلا، وإذا قمتُ قربت الأرضُ منّي، وإذا قعدتُ تباعدتْ عني.

لشاعر في الكِبر قال الشاعر:

قالت عَهِدتك مجنوناً فقلتُ لها ... إن الشبابَ جنون برؤه الكِبرُ

بين عبد الملك بن مروان والعريان بن الهيثم

قال عبد الملك بن مروان للعُريان بن الهَيثم: كيف تَجدك؟ قال: أجِدُني قد ابيض مني ما كنتُ أحب أن يسود، واسودّ منّي ما كنتُ أحبّ أن يبيَضّ واشتدّ منّي ما أحب أن يلين ولان ما أحِبّ أن يشتد وقال :

سَلْنِي أنَبئْكَ بآياتِ الكِبَرْ ... نومُ العِشاء وسُعَال بالسحرْ

وقِلّةُ النوم إذا الليلُ اعتكَرْ ... وقِفةُ الطعم إذا الزادً حضَرْ

وسرعةُ الطرفِ وتَحميجُ النظر ... وتركًكَ الحسناءَ في قُبْل الطهُرْ

والناس يَبْلَون كما تَبلَى الشَّجَرْ

شعر لحميد بن ثور، وغيره وقال حميد بن ثور:

أرى بصري قد رابني بعد صحّة ... وحَسْبُك داءً أن تصِح وتَسلما

وقال الكميتُ:

لا تَغبط المرءَ أن يُقالَ له ... أمسى فلانٌ لِسِنَه حَكَما

إن سرهَ طولُ عمره فلقد أضحَى ... على الوجه طولُ ما سَلما

للنًمر بن تَوْلب:

يَود الفتى طولَ السلامة والغنَى ... فكيف تُرى طولَ السلامةِ يَفعَلُ

وقال آخر:

كانت قناتي لا تَلينُ لغامز ... فألانها الإصباحُ والإمساءُ

ودعوتُ ربي بالسلامة جاهداً ... ليُصِحنِي فإذا السّلامةُ داءُ

وقال أبو العتاهية:

أسرعَ في نقص امرىءٍ تمامُهُ

وقال عبد الحميد الكاتب:

ترحل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآئِل

فلهفي من الخلَف النازل ... ولهفي على السلف الراحل

أبكَي على ذا وأبكي لذا ... بكاءَ المولًهة الثاكل

تُبَكَي من ابن لها قاطعٍ ... وتَبْكي على ابن لها واصل

تقضت غَواياتُ لسُكر الصبا ... وردً التَقَى عَنَدَ الباطل

كتاب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم وشعر للحجاج بن يوسف التيمي محمد بن سلاّم الجُمحِيّ عن عبد القاهر بن السري قال: كتب الحجاج إلى قتيبة مسلم: إني نظرتُ في سنَك فوجدتُك لِدَتي وقد بلغت الخمسين وإن امرأً سار إلى خمسين عاماً لقريب منه. فسمع به الحجاج بن يوسف التيمي فقال:

إذا كانت السبعون سِنك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيبُ

وإن امرأً قد سار سبعين حِجة ... إلى منهل من وِرْده لقريبُ

إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل ... خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ

إذا ما انقضى القَرْن الذي أنت منهُم ... وخُلفتَ في قَرْنٍ فأنت غريبُ

شعرللبيد وقال لبيد:

أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزومُ العصا تُحنَى عليها الأصابعُ

أخبر أخبارَ القرونِ التي مضت ... أدِب كأني كلما قمتُ راكعُ

مثله لآخر وقال آخر في مثله:

 

حنتني حانيات الدهر حتْى ... كأني خَاتِلٌ يدنو لصيد

لرجل من الحكماء وشعر لبعضهم وقيل لرجل مِن الحكماء: ما لك تُدْمِنُ إمساكَ العصا ولستَ بكبيرٍ ولا مريض. فقال: لأذكرَ أني مسافر.

قال الشاعر:

حملتُ العصا لا الضعفُ أوجبَ حملَها ... علي ولا أني تحنيتُ مِن كِبَرْ

ولكنني ألزمتُ نفسيَ حملها ... لأعلِمَها أن المقيمَ على سَفَرْ

بين شيخ من العرب وغلام ومرَّ شيخ من العرب بغلامٍ فقال له الغلام: أحْصَدْتَ يا عمّاه فقال: يا بنيّ وتُحتَصَدون .

موعظة للحسن قال الحسنُ في موعظة له: يا معشر الشيوخ، الزرعُ إذا بلغ ما يُصنَع به. قالوا: يُحصد.

يا معشر الشباب كم من زرع لم يبلغ أدركته آفةٌ. قال الشاعر:

الدّهر أبلاني وما أبليتُه ... والدهرُ غيّرني وما يَتَغيرُ

والدّهر قيّدني بخيطٍ مبرَمٍ ... فمشيتُ فيه وكلّ يومٍ يَقصُرً

لعمارة بن عقيل وقال عُمَارة بن عَقِيل:

وأدركتُ مِلءَ الأرض ناساً فأصبحوا ... كأهل الديار قوَضوا فتحمًلوا

وما نحن إلا رُفقةَ قد ترحَلت ... وأخرَى تُقَضَي حاجَها وتَرَحَلً

لأعرابي يذكر الشيب ذكر أعرابي الشيبَ فقال: واللّه لقد كنتُ انكر الشعرةَ البيضاء فقد صرتُ أنكر السوداء، فيا خير بَدَلٍ ويا شرَّ مبدول.

لبعض الشعراء في الشيب وقال بعض الشعراء:

شاب رأسي وما رأيتُ مشيبَ ال ... رأس إلا من فضل شَيب الفؤادِ

وكذاك القلوب في كل بؤسٍ ... ونعيمٍ طلائعُ الأجسادِ

طال إنكاريَ البياضَ فإن عُم ... رت شيئاً أنكرتُ لونَ السوادِ

لإياس بن قتادة في الشيب رأى إياس بن قَتادة شَعرة بيضاءَ في لحيته، فقال: أرى الموتَ يطلبني وأراني لا أفوته، أعِوذ بك يا ربّ من فُجَاءاتِ الأمور، يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته.

أقوال في الشيب قال قيس بن عاصم: الشيب خِطام المنية.

قال آخر: الشيبُ بريدُ الحِمام.

قال آخر: الشيب تَوْأم الموت.

قال آخر: الشيب تاريخ الموت.

قال آخر: الشيب أوّل مراحل الموت.

قال آخر: الشَّيب تمهيد الحمام.

قال آخر: الشيب عنوان الكِبَر.

قال عَبِيدُ بن الأبرص:

والشَّيْبُ شينٌ لمن يشيب

ويقال: شَيْب الشَعرَ موتُ الشَّعَر، وموتُ الشعَرِ عِلَّةُ موتِ البشر.

قال الشاعر:

وكان الشباب الغضُ لي فيه لذةٌ ... فوقَّرني عنه المشيبُ وأدبا

فسَقْياً ورَعياً للشبابِ الذي مضى ... وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحبَا

وقال أعرابي - ويقال هي لأبي دُلَفَ:

في كل يوم من الأيام نابتةٌ ... كأنما نبتَتْ فيه على بَصَري

لئن قَرَضتكِ بالمقراض عن بصري ... لما قرضتُكِ عن همَي ولا فِكَري

وقال أعرابيّ:

أرَى الشيبَ مذ جاوزتُ خمسين دائباً ... يَدِت دبيبَ الصبح في غَسَق الظلَمْ

هو السم إلا أنه غيرُ مُؤلمٍ ... ولم أر مثلَ الشيب سُماً بلا ألَمْ

وقال آخر:

قَصَرالحوادِثُ خطوَه فتدانَى ... وحَنَيْنَ صدرَ قَناتِه فتحَانَى

صحِبَ الزمانَ على اختلاف فُنُونه ... فأراه منه شِدة ولَيَانَا

ما بالُ شيخٍ قدتخدد لحمُه ... أنضَى ثلاثَ عمائم ألوانَا

سوداءَ داجية وسَحقَ مُفَوفٍ ... وأجد أخرى بعد ذاك هِجَانَا

ثم المماتُ وراء ذلك كلَهِ ... وكأنما يُعْنَى بذاك سِوانَا

وقال آخر يذكر الشبابَ:

لما مضى ظاعِناً عنا فودعنا ... وكان كالميْتِ لم يترك له عَقِبَا

عُدنا إلى حالة لا نستطيعُ لها ... وصلَ الغَوانِي وعابَ الشيبَ مَنْ لَعِبا

شعر لمحمود الوراق وقال محمود الوراق:

بكيتُ لقُرب الأجلْ ... وبُعْدِ فوات الأملْ

ووافدِ شيب طرا ... بعُقْب شباب رَحَلْ

شبَاب كأن لم يكن ... وشيب كأن لًم يَزَلْ

 

طَوَاكَ بشيرُ البقا ... وجاء بشيرُ الأجَلْ

طَوَى صاحب صاحباً ... كذاك انتقال الدوَلْ

لأبي الأسود يذم الشباب وقال أبو الأسود يذم الشبابَ:

غدا منك أسبابُ الشبابِ فأسرعا ... وكان كجارٍ بان يوماً فودعَا

فقلت له فاذهَبْ ذميماً فليتَنِي ... قتلتُك عِلماً قبل أن تتصدعَا

جنيتَ علي الذنبَ ثم خذلتَني ... عليه فبئسَ الخلتانِ هُمَا معَا

وكنتَ سَراباً ما ضَحَا إذ تركتَني ... رَهِينةَ ما أجني من الشر أجمعَا

وقال آخر:

استنكرتْ شيبي فقلتُ لها ... ليس المشيب بناقص عُمْرِي

وتَنفَسَتْ بي هِمة وصلَتْ ... أملي بكل رفيعةِ الذَكر

لعمر بن الخطاب في الخضاب روى عبد الله بن حَفْص الطاحِي عن زكريا بن يحيى بن نافع الأزدي عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اخْضِبُوا بالسواد، فإنه أنْسٌ للنساء وهَيبةٌ للعدو.

شعر لعمر بن المبارك الخزاعي قال عمرُ بن المبارك الخزاعي:

مَنْ لاِذنِي بمَلام ... ولكَفي بمُدَام

عَقَّ عظمُ الجْهل مني ... وانثنَى شَن عُرَامي

وتمشى الفَذ من شَي ... بي إلى الشَيب التؤام

نَظْمَكَ الذر إلى الدرة ... في سِلكِ النَظاَم

شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهيةِ:

نعَى لك ظل الشبابِ المشيب ... ونادتْك باسم سِواك الخطُوبُ

فكن مُستعداً لداعي المنون ... فكل الذنىِ هو أت قَرِيبُ

وقبلكَ داوَى المريضَ الطبيبُ ... فعاشَ المريضُ ومات الطبيبُ

يَخافُ على نفسه مَنْ يتوبُ ... فكيف ترى حال مَن لا يتوبُ

ليونس بن حبيب محمد بن سلام قال: سمعتُ يونسَ بن حبيب يقول: لا يأمنُ مَنْ قطع في خمسةِ دراهم خيرَ عُضوٍ منك أن يكون عقابه هكذا غداً.

الدنياللنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني أبو مسعود الدارمي قال: حدّثنيِ جدّي خِراش عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أصبحت الدنيا همه وسدمه نزَع اللهّ الغِنَى من قلبه، وصير الفقَر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتبَ له، ومن أصبحتِ الآخرةُ همَّه وسدمه نزعَ اللُه الفقرَ من قلبه وصَير الغِنَى بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغِمة " .

بين النبي صلى الله عليه وسلم والضحّاك بن سفيان حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا أبو الربيع عن حمّاد عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للضحّاك بن سفيان: " ما طعَامكَ " ؟ قال: اللحمُ واللبنُ. قال: " ثم يصير إلىِ ماذا " . قال: ثم يصيرُ إلى ما قد عَلمتَ. قال: " فإنّ اللهّ ضربَ ما يخرجُ من ابن آدم مثلاَ للدنيا " .

لبشير بن كعب في الدنيا قال: وكان بشيرُ بنُ كعبٍ يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه: انطلقوا حتى أرِيَكم الدنيا. فيجيءُ فيقفُ بهم على السُّوقِ، وهي يومئذ مَزْبَلَةٌ، فيقول: أنظروا إلى عَسَلهم وسَمْنِهم وإلى دجَاجهم وبطهم صار إلى ما تَروْن.

للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القُزويني عن عمرو بن أبي قيس عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قول اللّه: " فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يهِديَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَم " فقال: " إذا دخل النورُ القلبَ وانفسحَ شُرِح لذلك الصدرُ " ، قالوا: يا نبيّ الله هل لذلكَ آَيةٌ يُعرَفُ بها؟ قال: " نعم الإنابَةُ إلى دار الخلود والتَجافِي عن دار الغرور والاستعدادُ للموت قبل نُزول الموتِ " .

لوهب بن منبه

 

بلغني عن العُتبي عن حبيب العَدوي عن وهب بن منبه قال: رأينا ورقةً يَهفُو بها الريحُ تأرسلْنا بعضَ الفِتيانِ فأتانا لها فإذا فيها: الدنيا دار لا يُسلَمُ منها إلا فيها، ما أخذَ أهلُها منها لها خرجوا منه ثم حُوسِبوا به، وما أخَذَ منها أهلُها لغيرها خرجوا منه ثم أقاموا فيه، وكأن قوماً من أهل الدنيا ليسوا من أهلها،، هم فيها كمن ليس فيها، عمِلوا بما يُبصِرون وبادَرُوا ما يحذَرون، تتقلّبُ أجسادُهم بين ظهَرانَيْ أهل الدنيا، وتتقلّبُ قلوبهم بين ظهرانَيْ أهل الآخرة، يَروْن الناس يُعظّمون وفاةَ أجسامهم وهم أشدُ تعظيماً لموت قلوب أحيائهم. فسألت عن الكلام فلم أجد يعرفه.

للمسيح عليه السلام وقال المسيح عليه السلام: الدنيا قنطرةٌ فاعبُرُوها ولا تعمُرُوها.

ما أوحى به اللّه تعالى إلى الدنيا وفي بعض الكتب: أن اللّه تعالى أوحى إلى الدنيا: " مَنْ خَدمَني فاخدُمِيه، ومَنْ خَدَمك فاستخْدِميه.

لبعض العابدين يذكر الدنيا قال بعضُ العابدين يَذكُر الدنيا:

لقد غَرت الدنيا رجالاً فأصبحوا ... بمنزلةٍ ما بعدها مُتحَوًلُ

فساخِطُ أمرٍ لا يُبَدَلُ غيرَه ... وراض بأمرٍ غيرَه سَيُبدَل

وبالغُ أمرٍ كان يأمُلُ دونه ... ومختَلَجٌ من دون ما كان يأمُلُ

وقال آخرُ يذكر الدنيا:

حُتوفُها رَصَد وعيشُها رَنق ... وكَرُّها نَكدٌ ومُلْكُهَا عُوَلُ

وقال آخر:

نراعُ لذكر الموت ساعةَ ذكره ... وتَعْتَرِض الدنيا فنلهو ونلعبُ

ونحن بنو الدنيا خُلِقنا لغيرها ... وما كنتَ منه فهو شيء مُحبًبُ

ليحيى بن خالد وقال يحيى بن خالد: دخلنا في الدنيا دُخولاً أخرجَنَا منها.

لعلي بن أبي طالب في يصف الدنيا ذم رجلٌ الدنيا عند على بن أبى طالب رضى الله عنه، فقال علي عليه السلام: الدنيا دار صِدقٍ لمن صَدّقها، ودارُ نَجاة لمن فَهِم عنها، ودارُ غِنًى لمن تَزود منها، مَهْبِطُ وحي الله، ومصلَى ملائكته، ومَسجِدُ أنبيائه، ومَتْجَرُ أوليائه، رَبِحُوا منها الرحمَةَ واحْتسَبُوا فيها الجنةَ؛ فمن ذا يذمها وقد آذَنَتْ ببينها ونادَتْ بفِراقها وشَبهَتْ بسرُورها السّرورَ وببلائها البلاءَ ترغيباً وترهيباً؛ فيا أيها الذامُّ الدنيا المعلّلُ نفسَه، متى خَدَعَتْك الدنيا أم متى استذمت إليكَ! أبمصارع آبائك في البِلَى! أم بمضاجع أمهاتك في الثرى! كم مَرضتَ بيديك، وعًللتَ بكفّيك، تطلبُ له لشفاء، وتستوصفُ له الأطباءَ، غداة لا يُغني عنه دواؤك، ولا ينفعك بكاؤك.

شعر لإبراهيم بن أدهم العجلي كان إبراهيم بن أدهم العِجلي يقول:

نُرَقَع دنيانا بتَمزِيق ديننا ... فلا ديننا يبقَى ولا ما نُرَقَعُ

لأبي حازم في الدنيا قال أبو حازم: وما الدنيا! أما ما مضى فحُلْمٌ وأما ما بقي فَأمانيٌ.

لسفيان فيما أوحى به الله لنبي من أنبيائه قال سفيانُ: أوحى اللّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء " اتخِذِ الدنيا ظِئْراً والآخرَة أماً " .

للشعبي قال الشعبيّ: ما أعلمُ لنا وللدنيا مَثلاً إلا ما قال كُثَيِّرٌ:

أسيئي بنا أو أحسِني لا مَلُومَة ... لَدَيْنَا ولا مَقليةٌ إن تَقلًتِ

لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد الله: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفئ النارَ بالتِّبْنِ.

لابن مسعود قال ابن مسعود: الدنيا كلّها غمومٌ، فما كان فيها مِن سرورٍ فهو ربح.

لمحمد بن الحنفية قال محمد بن الحنفية: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسُه هانت عليه الدنيا.

في الدنيا والآخرة وقال بعضُ الحكماء: مَثَلُ الدنيا والآخرةِ مَثَلُ رجل له ضَرتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.

قال سفيان: ترك لكم الملوكُ الحكمةَ فَاترُكوا لهم الدنيا.

وقال آخر: إن الدنيا قد استودَقَتْ وأنعظَ الناسُ.

قال وُهَيبُ بن الورد: مَنْ أرادَ الدنيا فَلْيتهيأ للذل.

قيل لمحمد بن واسع: إنك لَترضَى بالدون؛ فقال: إنما رِضيَ بالدُونِ مَنْ رضي بالدنيا.

قيل لعليّ بن الحسين: مَنْ أعظمُ الناس خَطَراً. فقال: مَنْ لم ير الدنيا خطَراً لنفسه.

 

كان يقال: لأنْ تُطلَبَ الدنيا بأقبح ما تُطلَبُ به الدنيا أحسنُ مِنْ أن تُطلَبَ بأحسنِ ما تُطلَبُ به الآخرة.

قالتِ امرأةٌ لبعلها ورأته مهموماً: مم هَمكَ؟ أبالدنيا فقد فرغ الله منها أم بالاخرة فزادك الله هماً.

للمسيح في حب الدنيا الثوري قال: قال المسيحُ: حبُ الدنيا أصلُ كلً خطيئةٍ والمالُ فيها داءٌ كثير؛ قيل: ما داؤه؟ قال: لا يَسلمُ صاحبه من الفخر والكبر؛ قيل: وإن سَلم؟ قال: يَشْغَلُه إصلاحُه عن ذكر الله.

لبأي الدرداء يخاطب أهل حمص بلغني عن محمد بن فُضَيل قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: يا أهل حِمْصَ، ما لي أراكم تجمعونَ كثيراً، وتبنُونَ شَديداً، وتأمُلُون بعيداً إن مَنْ قبلكم جمعوا كثيراً وبَنَوْا شديداً وأمَلوا بعيداً فصار جمعهم بُوراً وصارتْ مساكنُهم قبوراً وأملُهم غُروراً. وفي رواية أخرى: يا أهل دمشق، ما لكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأمُلُون ما لا تدركون! ألا إن عاداً وثمودَ كانوا قد ملأوا ما بين بُصَرى وعَدَن أموالاً وأولاداً ونَعَماً، فمنْ يَشتَرِي مِني ما تركوا بدرهمين! لعبد الواحد بن الخطاب بلغني عن داود بن المحبر عن عبد الواحد بن الخطّاب قال: أقبلنَا قافلين من بلاد الروم نُريدُ البصرةَ، حتى إذا كنا بين الرصَافة وحمص سمعنا صائحاً يصيحً من بين تلك الرمال - سَمِعته الاذانُ ولم تَرَهُ العيون - يقول: يا مستورُ يا محفوظُ! أعْقِلْ في سِتْر مَنْ أنتَ! فإن كنتَ لا تعقِلُ مَنْ أنتَ فيِ ستْره فاتقِ الدنيا فإنها حِمَى الله؛ فإن كنتَ لا تعقِلُ كيف تتًقِيها فَصَيرْها شوكاً ثم انظر أين تضعُ قدميكَ منها.

للمأمون وشعر لأبي النواس في الدنيا قال المأمون: لو سُئِلَت الدنيا عن نفسها ما أحسَنَتْ أن تصفَ نفسَها صِفَةَ أبي نُواسٍ في هذا البيت:

إذا اختَبَر الدنيا لَبِيب تكشَّفَتْ ... له عن عَدو في ثياب صَدِيقِ

للمسيح عليه السلام قال المسيحُ عليه السلام: أنا الذي كَفَفتُ الدنيا على وجهها، فليسَتْ لي زوجة تموتُ ولا بيتٌ يَخرَبُ.

شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:

يا مَنْ ترفَّعَ للدُنيا وزِينتها ... ليس الترفُّع رفعَ الطين بالطينِ

إذا أردت شريفَ الناس كُلَهِم ... فانظُر إلى مَلِكٍ في زِيَ مِسكينِ

شعر لآخر في الدنيا وقال آخر وذكر الدنيا:

إذا تَم أمر دنا نقصُه ... توَقَعْ زوالاً إذا قيل تَم

وقال آخر:

لا تَبْكِ للدنيا ولا أهلِها ... وابِك ليوم تسكُنُ الحافرهْ

وابْكِ إذا صِيحَ بأهل الثرى ... فاجتمَعوا فيً ساحة الساهِرَهْ

ويلك يا دنيا لقد قصرت ... آمال من يسكنك الآخرة

مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك

مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهديّ

 

قام فقال: إنه لما سَهُلَ علينا ما توعَرَ علىِ غيرنا من الوصول إليك، قُمنا مَقَامَ الأداء عنهم وعن رسول اللة صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا من فريضةِ الأمر والنهي عند انقطاع عُذر الكِتمان ولا سَيما حين اتسَمْتَ بِمَيسَم التواضع ووَعَدتَ الله وحَمَلَةَ كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنَا وإياكَ مَشْهد من مشاهد التمحيص لِيُتَمَ مُؤَدينا على موعود الأداء وقابِلُنَا على موعود القبول، أو يَزيدنا تَمحِيصُ الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويُحَلَينا حِليةَ الكذابين، فقد كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولون: مَنْ حجب اللُه عنه العلم عذبه على الجهل، وأشَدُّ منه عذاباً مَنْ أقبل إليه العلمُ وأدبرَ عنه، ومن أهدى الله إليه علماً فلم يعمَل به فقد رَغِبَ عن هديه الله وقصَر بها، فأقبل ما أهدَى الله إليكَ من ألسنتنا قبولَ تحقيقٍ وعمل لا قبولَ سمعةٍ ورياءٍ فإنه لا يعلَمك منَا إعلامٌ لما تَجهَلُ أو مواطأةٌ على ما تعلمُ أو تذكيرٌ من غفلةَ؛ فقد وطًنَ اللّه عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات وتحصيناً من التمادي ودلالةً على المخرَج فقال: " وإما يَنْزَغنك مِن الشَيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللّه " فأطْلِع الله على قلبكَ بما يُنَوٌرهُ من إيثار الحق ومًنَابذةِ الأهواء. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مقام رجل من الزهّاد بين يدي المنصور

 

بينما المنصورُ يطوفُ ليلاً إذ سمع قائلاً يقول: اللَهم إني أشكو إليكَ ظهورٍ البغي والفساد في الأرض وما يحولُ بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصورُ فجلس ناحية من المسجد وأرسل إلى الرجل يدعوه، فصلى الرجلُ ركعتين واستلَم الركنَ وأقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصورُ: ما الذي سمعتُكَ تذكُر من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بينِ الحق وأهله من الطمع؟ فوالله لقد حَشَوْتَ مَسَامِعي ما أرمَضَنِي، قال: يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتُك بالأمور من أصولها، وإلا احتجزتُ منكَ واقتصرتُ على نفسي ففيها لي شاغِل. فقال: أنتَ آمنُ على نفسك فقل فقال: إن النبي دخله الطمعُ حتى حال بينه وبين ما ظهر من البغي والفساد لأنتَ. قال: ويحك وكيف يدخلُني الطمعُ والصفراءُ والببضاءُ في قبضتي والحلو والحامض عندي! قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلكَ! إن الله تبارك وتعالى استرعاك المسلمينَ وأموالَهم فأغفلتَ أمورهم واهتممتَ بجمع أموالِهم، وجعلتَ بينك وبينهم حجاباً من الجص والآجُر وأبواباً من الحديد وحَجَبَةً معهم السلاحُ ثم سجنتَ نفسَكَ فيها عنهم، وبعثتَ عُمَالَكَ في جباية الأموال وجمعها وقويتَهم بالرجال والسلاح والكراع، وأمرتَ بألا يدخُلَ عليك من الناس إلا فلانٌ وفلان نفر سميتَهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع العاري ولا الضعيفِ الفقير، ولا أحدٌ إلا وله في هذا المال حق، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتَهم لنفسك وآثرتَهم على رعيتكَ وأمرتَ ألا يُحجَبُوا عنك، تَجْبي الأموال وتجمعها ولا تَقسِمُها قالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا نخونه وقد سجن لنا نفسَه! فَأتمروا بألا يصلَ إليك مِنْ علم أخبار الناس شيء؛ إلا ما أرادوا، ولا يخرجَ لك عاملٌ فيخالفَ أمرَهُم إلا قصبوه عندك ونَفَوْه حتى تسقطَ منزلتُه ويَصْغُر َقدرُه، فلما انتشر ذلكَ عنكَ وعهم، أعظمَهُم الناسُ وهابوهم، فكان أولَ مَنْ صانعَهم عُمالُكَ بالهدايا والأموال لِيَقْوَوْا بها على ظلم رعيتكَ، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلمَ من دونهم، فامتلأت بلادُ الله بالطمع بغياً وفساداً، وصار هؤلاء القوم شُركاءك في سلطانك وأنت غافل، فإن جاء مُتظلم حِيلَ بينه وبين دخول مدينتك؛ فإن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك قد نهيتَ عن ذلكَ، وأوقفت للناس رجلاً ينظر في مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل فبلَغَ بطانَتَكَ خبرُه سألوا صاحبَ المظالم ألا يرفعَ مَظْلِمَتَه إليك، فإن المتظلَم منه له بهم حُرمة، فأجابهم خوفاً منهم؛ فلا يزال المظلومُ يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه، فإذا اجهِدَ واحرجَ وظَهَرْتَ، صَرَخ بين يديك، فضُرِبَ ضَرْباً مُبَرّحاً، ليكون نكالاً لغيره، وأنت تَنظر فلا تُنكِر، فما بقاءُ الإسلام على هذا! وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصَين فقدِمتها مرةً وقد أصِيبَ مَلِكُها بسمعه، فبكى يوماً بكاءً شديداً فحثه جلساؤه على الصبر فقال: أمَا إني لست أبكي للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرُخُ ولا أسمعُ صوتَه؛ ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادُوا في الناس ألاً يلبَسَ ثوباً أحمرَ إلا متظلمٌ، ثم كان يركب الفيل طرفَيْ نهاره، وينظر هل يرى مظلوماً. فهذا يا أمير المؤمنين مُشركٌ بالله غلبتْ رأفتُه بالمشركين شُحَ

 

نفسه وأنت مؤمنٌ بالله من أهل بيت نبيه لا تغلب رأفتكَ بالمسلمين على شح نفسك! فإن كنت إنما تجمع المال لولدك، فقد أراك الله عِبَراً في الطفل يسقط من بطن أمه وما له على الأرض مال، وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزالُ الله يلطُفُ بذلك الطفل حتى تعظُمَ رغبةُ الناس إليه، ولست بالذي تُعطي بل الله يعطي من يشاء ما يشاء، وإن قلت إنما أجمع المال لتَشديد السلطان فقد أراك الله عِبَراً في بني أميةَ: ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وأعدوا من الرجال والسلاح والكُرَاع حتى أراد الله بكم ما أراد، وإن قلتَ إنما أجمع المالَ لطلب غايةٍ هي أجسمُ من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنتَ فيه إلا منزلةٌ لا تدرك، إلا بخلاف ما أنتَ عليه يا أميرَ المؤمنين؛ هل تُعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال المنصور: لا. قال: فكيف تصنع بالملكِ الذي خولك مُلكَ الدنيا وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل! ولكنَ بالخلود في العذاب الأليم، قد رأى ما قد عقِدَ قلبك وعَمِلته جوارحُك ونظر إليه بصرُك واجترحته يداكَ ومشت إليه رجلاك، هل يغني عنك ما شَحَحْتَ عليه من مُلك الدنيا إِذا انتزعَه من يدك ودعاكَ إلى الحساب. فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم أخْلَقْ! ويحكَ! فكيف أحتال لنفسي قال: يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاماً يفزعون إليهم في دينهم ويرضَوْن بهم فاجعلهم بطانَتك رشدوكَ، وشاورْهم في أمرك يُسددوك. قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني. قال: خافوا أن تحمِلَهم على طريقتك ولكن إفتَحْ بابكَ وسَفَل حجابَك وانصُرِ المظلومَ واقمَعْ الظالمَ وخذ الفيء والصدقاتِ مما حل وطابَ واقسِمه بالحق والعدل على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويُسْعِدوك على صلاح الأمة.

وجاء المؤذَنون فسلموا عليه فصلى وعاد إلى مجلسه وطُلِبَ الرجلُ فلم يوجَدْ.

مقام آخر والمنصور يخطبخَطبَ المنصورُ فحمِد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أن أشهد أن لا إله إلا الله وثَبَ رجل من أقصى المسجد فقال: أذَكرك مَنْ تذكرُ. فقال المنصور: سمعاً لمن فَهِم عن الله وذكرَ به وأعوذ بالله أن أكون جباراً عصياً وأن تأخذني العزة بالإثم لقد ضَلَلْتُ إذاً وما أنا من المهتدين، وأنتَ واللِه أيها القائل ما أردتَ بها الله ولكن حاولتَ أن يقال: قام فقال فعوقب فصَبَر، وأهوِنْ بقائلها لو هَمَمْت، فاهتَبِلها ويلكَ إذ عفوتُ، وإياكم معشرَ الناس وأختَها؛ فإن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا انبثتْ فردوا الأمر إلى أهله يُصْحِرُوه كما أورعوه. ثم رجع إلى خطبته فقال: وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.

مقام عَمْرو بن عُبَيد بين يدي المنصور

قال للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتَرِ نفسك ببعضها، واذكر ليلةً تَمَخضُ عن يوم لا ليلةَ بعده. فوجَمَ أبو جعفر من قوله؛ فقال له الربيع: يا عَمْرو غمَمْت أمير المؤمنين.

فقال عَمْرو: إن هذا صَحِبك عشرين سنة لم يَرَ لك عليه أن يَنْصحَكَ يوماً واحداً وما عَمِلَ وراءَ ذلك بشيء من كتاب الله ولا سنة نبيه. قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلتُ لكَ: خاتمي في يدك فتعالَ وأصحابك فاكفِنِي. قال عَمْرو: ادعُنا بعدلك تسْخُ أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف مَظلِمةٍ ارددْ منها شيئاً نعْلَمْ أنك صادق.

مقام أعرابيّ بين يدي سليمان

قام فقال: إني مُكَلمكَ يا أميرَ المؤمنين بكلام فيه بعضُ الغِلظةِ فاحتَمِلْهُ إن كرهتَه، فإن وراءه ما تُحبه إن قلتَه. قال: هاتِ يا أعرابيٌ. قال: فإني سأطلِقُ لساني بما خَرِسَتْ عنه الألسُنُ، عِظَتكَ تأديةً لِحق الله وحق إمامتك، إنه قد اكتنفَكَ رجال أساءوا الاختيارَ لأنفسهم، فابتاعوا دنياكَ بدينهم ورِضَاكَ بسخط ربهم، خافوكَ في الله ولم يخافوا الله فيكَ، فهم حَرْبٌ للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمَنْهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا الأمانة تضييعاً والأمة عسفاً وخسفاً، وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترَحْتَ، فلا تُصْلِحْ دنياهم بفساد آخرتكَ، فإن أعظم الناس غَبْناً مَنْ باع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سلَلتَ لسانكَ، وهو أقطعُ سيفيكَ. فقال: أجلْ، لكَ لا عليكَ.

مقام أعرابيّ بين يدي هشام

 

قال: أتتْ على الناس سِنُون، أما الأولى فَلَحَتِ اللحمَ، وأما الثانية فأكلتِ الشحْم، وأما الثالثة فهاضَتِ العظمَ، وعندكم فضولُ أموال، فإن كانت لله فاقسِموها بين عباده، وإن كانت لهم ففيمَ تُحظَرُ عنهم! وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم بها فإن الله يَجْزِي المتصدقين؛ فأمر هشام بمال فقُسِم بين الناس وأمرَ للأعرابي بمال، فقال: أكل المسلمين له مثل هذا؟ قالوا: لا ولا يقوم ذلك بيتُ مال المسلمين؛ قال: فلا حاجةَ لي فيما يبعثُ لائمةَ على الناس على أمير المؤمنين.

مقام الأوزاعيّ بين يدي المنصور

ذكره عبدُ الله بن المبارك عن رجل من أهل الشأم قال: دخلتُ عليه فقال: ما الذي بَطأ بك عني؟ قلتُ: يا أميرَ المؤمنين وما الذي تريد مني؟ فقال: الاقتباسُ منك. قلتُ: انظر ما تقول، فإن مكحولاً حدًثني عن عطية بن بَشيرٍ أنّ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ بلَغه عن اللّه نصيحةٌ في دينه فهي رحمة من الله سِيقَتْ إليه، فإن قَبِلَها من الله بشكرٍ وإلا كانتْ حُجّةً من الله عليه، ليزداد إثماً، وليَزْدادَ الله عليه غضباً، وإن بلغه شيء من الحق فرضِيَ فله الرضا، وإن سَخِط فله السخط، ومن كرهَه فقد كره الله، لأن الله هو الحق المبين " ، فلا تجهَلَن.

قال: وكيف أجهل؟ قال: تسمع ولا تعمل بما تسمَعُ.

قال الأوزاعي: فسل علي الربيعُ السيفَ وقال: تقول لأمير المؤمنين هذا! فانتهرَه المنصور وقال: أمسِكْ. ثم كلمه الأوزاعي، وكان في كلامه أن قال: إنك قد أصبحت من هذهِ الخلافة بالذي أصبحت به، والله سَائَلُكَ عن صغيرها وكبيرها وفتيلها ونقيرها، ولقد حدثني عُروةُ بن رُوَيْم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما مِنْ راعٍ يبيتُ غاشّاً لِرعيته إلا حًرّمَ الله عليه رائحةَ الجنةِ " فحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظراً، ولمَا استطاع من عَوراتهم ساتِراً، وبالقِسط فيما بينهم قائماً، لا يتخوْف محسنُهم منه رهَقاً ولا مسيئهم عدواناً؛ فقد كانت بيد رسول الله؛ جرب يستَاكُ بها ويردعُ عنه المنافقينَ، فأتاه جبريلُ فقال: " يا محمدُ ما هذه الجريدةُ بيدكَ! إقذِفْها تملأ قلوبَهم رُعباً!. فكيف مَنْ سفكَ دماءهم وشَققَ أبشارهم وأنهبَ أموالهم! يا أمير المؤمنين إنْ المغفورَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القِصاص من نفسه بخدش خدشه أعرابياً يتعمده، فهبط جبريل فقال: " يا محمد إن الله لم يبعَثْكَ جباراً تكسِرُ قرونَ أمَتك " . واعلم كل ما في يدك لا يعدِلُ ضربةً منِ شراب الجنة ولا ثمرةً من ثمارها؛ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لَقَاب قوس أحدكم من الجنة أو قُذَة خيْرٌ له من الدنيا بأسرها " . إن الدنيا تنقطِعُ ويزولُ نعيمها، ولو بقي الملكُ لمن قبلكَ لم يصِل إليكَ. يا أمير المؤمنين، ولو أنّ ثوباً من ثيابَ أهل النار عُلًقَ بين السماء والأرض لأذاهم فكيف مَنْ يتَقمصُه! ولو أن ذَنُوباً من صديد أهل النار صُبَّ على ماء الأرض لآجنَه فكيف بمن يتجرعهُ، ولو أنَ حَلقةً من سلاسل جهنم وُضِعَتْ على جبل لذاب فكيف مَنْ سُلِكَ فيها ويُرَدُّ فضلُها على عاتقه! وقد قال عمر بن الخطاب: " لا يُقَوَم أمرَ الناس لا حَصيفُ العقدة، بعيدُ الغِرة، لا يَطَّلِعُ الناسُ منه على عَورةٍ، ولا يُحنِقُ في الحق على برةٍ، ولا تأخُذُهُ في الله لومةُ لائم " .

واعلم أن السلطان أربعة: أمير يَظْلِفُ نفسَه وعمفالَه، فذلك له أجرُ المجاهد في سبيل الله وصلاتُه سبعونَ ألفَ صلاةٍ ويدُ الله بالرحمة على رأسه تُرفرفُ؛ وأمير رتَعَ ورتَع عُمَالُه، فذاك حمِلُ أثقالَه وأثقالاً مع أثقاله؛ وأمير يَظلِف نَفسَه ويرتَعُ عُمَّالُه، فذاكَ الذي باع آخرتَه بدنيا غيره؛ وأمير يرتَعُ ويَظْلِفُ عُمالَهُ، فذاكَ شر الأكياس.

واعلم يا أمير المؤمنين أنك قد ابتُلِيتَ بأمر عظيم عُرِضَ على السَّمواتِ والأرض والجِبال فأبينَ أن يحملنه وأشفَقَن منه؛ وقد جاء عن جَدَكَ في تفسير قول اللّه عز وجل: الا يُغَادِرُ صغِيرَة ولا كَبِيرَة إلا أحصاها " أنْ الصغيرة التبسمُ، والكبيرةَ الضحكُ.

 

وقال: فما ظنكم بالكلام وما عملته الأيدي! فاعيذك بالله أن يُخيل إليك أن قرابتك برسول اللّه صلى الله عليه وسلم تنفع مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا صفية عمة محمد ويا فاطمة بنت محمد استوهبا أنفسكما من الله إني لا أغني عنكما من الله شيئاً " . وكان جدك الأكبر سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إمارةً؛ فقال: " أي عمٌ نفسٌ تُحِييها خيرٌ لك من إمارة لا تُحصِيها " ، نظراً لعمه وشفقة عليه أن يليَ فيجورَعن سنته جناحَ بعوضة، فلا يستطيعَ له نفعاً ولا عنه دفعاً. هذه نصيحتي إن قبلتَها فلنفسك عملتَ، وإن رددتها فنفسك بَخسْتَ، واللّه الموفق للخير والمعينُ عليه.

قالى: بلى! نقبلها ونشكرُ عليها، وبالله نستعينُ.

مقام خالد بن صفوان بين يدي هشامقال خالد: وفدتُ عليه فوجدته قد بدأ يشربُ الدهنَ، وذلك في عام باكرَ وَسْمِيُّه وتتابعَ وليه وأخفت الأرضُ زُخرُفَها، فهي كالزرابىً المبثوثة والقُبَاطي المنشورة، وثراها كالكافور لو وُضِعَتْ به بَضْعة لم تُتَرّبْ، وقد ضُربتْ له سرادقاتُ حِبَرٍ بعث بها إليه يوسفُ بن عمر من اليمن تتلألأ كالعقْيان، فأرسل إليَ فدخلت عليه، ولم أزل واقفاً، ثم نظر إليئ كالمستنطِق لي؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، أتم الله عليك نعمه ودفع عنك نقمه؛ هذا مَقامٌ زَيَّنَ الله به ذكر وأطاب به نَشْري، إذ أراني وجه أمير المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئاً هو أفضل من أنت أنبه أمير المؤمنين لفضل نعمة الله عليه ليحمَدَ الله على ما أعطاه، ولا شيء أحضرُ من حديث سلف لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدّثته به. قال: هات.

قلتُ: كان رجلِ من ملوك الأعاجم جُمِعَ له فَتاءُ السن وصِحةُ الطباع وسَعَةُ المُلك وكثرة المال، وذلك بالخَوَرْنق، فأشرف يوماً فنظر ما حوله فقال لمن حضره: هل علمتم أحداً أوتي مثل الذي أوتيتُ؛ فقال رجل من بقايا حَمَلة الحجة: إن أذِنت لي تكلمت. فقال: قل. فقال: أرأيت ما جُمِعَ لك، أشيء هو لك لم يزل ولا يزولُ، أم هو شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إلي وكذلك يَزُولُ عنك؟ قال: لا! بل شيء كان لمن قبلي فزال عنه وصار إلي وكذلك يزول عني قال: فسُرِرتَ بشيءِ تذهب لذته وتبقى تَبِعَتُه، تكون فيه قليلاً وتُرْتَهن به طويلاً؛ فبكى وقال: أين المهربُ؟ قال: إلى أحد أمرين: إما أن تُقيمَ في مُلككَ فتعملَ فيه بطاعة ربكَ، وإما أن تُلقي عليك أمساحاً ثم تلحق بجبل تعبد فيه ربكَ حتى يأتي عليك أجلُكَ؛ قال: فما لي إذا فعلت ذلك؟ قال: حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا يبلى؛ فأتى جبلاً فكان فيه حتى مات. وأنشد قول عدي بن زيد:

وتَفَكَرْ رَب الخوَرْنَقِ إذ أص ... بحَ يوماً وللهُدَى تَفْكِيرُ

سَره حالُه وكثرةُ ما يم ... لكُ والبحرُ مُعْرِضا والسدِيرُ

فارعَوَى قلبُه فقال وما غب ... طةُ حي إلى الممات يصيرُ

فبكى هشام وقامِ ودخل؛ فقال لي حاجبه: لقد كسبت نفسَك شراً، دعاك أمير المؤمنين لِتحدثه وتُلهِيَه وقد عرَفت علتَه فما زِدْتَ على أن نَعيتَ إليه نَفْسَه. فأقمتُ أياماً أتوقًعُ الشر، ثم أتاني حاجبُه فقال: قد أمر لك بجائزةٍ وأذِنَ لك في الانصراف.

مقام محمد بن كعب القرظيّ بين يدي عمر بن عبد العزيز

قال: إنما الدنيا سُوقٌ من الأسواق، فمنها خرج الناسُ بما ينفعهم وبما يضرهم، وكم قومٍ قد غرهم مثلُ الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموتُ فاستوعبَهم فخرجوا من الدنيا مُرمِلينَ لم يأخذوا لِما أحبوا من الآخرة عدَةً ولا لما كرهوا جُنَةً، واقتسم ما جمعوا من لم يحمَدْهم وصاروا إلى من لا يعذِرُهم. فانظر الذي تُحب أن يكون معك إذا قدِمْتَ، فقدَمه بين يديك حتى تخرجَ إليه؛ وانظر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمْتَ، فابتغ به البدَل حيث يجوز البدلُ، ولا تذهَبنَ إلى سِلْعَةٍ قد بارت على غيرك ترجو جوازَها عنك. يا أمير المؤمنين، إفتح الأبوابَ، وسهَل الحجابَ، وانصُر المظلومَ.

مقام الحسن عند عمر بن هُبَيرة

 

كتبَ ابن هُبَيرة إلى الحسن وابن سِيرين والشعبيْ فقُدِم بهم عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يكتب إلي في الأمر، إن فعلته خفتُ على ديني، وإن لم أفعله خفتُ على نفسي. فقال له ابن سيرين والشعبيّ قَولاً رَقَّقا فيه، وقال له الحسن: يا بن هبيرة، إن الله يمنعُك من يزيدَ، وإن يزيد لا يمنعُكَ من الله. يا بن هبيرة، خَفِ الله في يزيد ولا تخفْ يزيدَ في الله. يا بن هبيرة، إنه يُوشِكُ أن يبعثَ الله إليك مَلَكاً فيُنزلَكَ عن سريرك إلى سَعَةِ قصرك، ثم يخرجك عن سعةِ قصرك إلى ضِيقِ قبرك، ثم لا يُنْجِيك إلا عملُكَ. يا بن هبيرة إنه لاطاعة لمخلوق فِي معصية الخالق. فأمر له بأربعة آلاف درهم وأمر لابن سيرين والشعبي بألفين فقالا: رَققْنا فَرَقَقَ لنا.

باب من المواعظكلام للحَسن

قال في كلام له: أمتكُم آخرُ الأمم وأنتم آخرُ أمتكم، وقد أسْرعَ بخياركم فماذا تنتظرون! المعاينة؟ فكأن قد. هيهات هيهات! ذهبت الدنيا لحال بمالها، وبقيت الأعمالُ أطواقاً في أعناق بني آدم؛ فيا لها موعظةً لو وافقَتْ من القوب حياةً؛ إنه والله لا أمةَ بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتابَ بعد كتابكم، أنتم تسُوقون الناسَ والساعةُ تسوقكم؛ وإنما يُنتظَر بأولكم أن يلحَقَ آخِركم. مَنْ رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد رآه غادياً رائحاً لم يضح لَبِنة على لَبِنة ولا قصبة على قصبة، رُفِع له علمٌ فشمرَ إليه؛ فالوَحا الوَحا، والنجاءُ النجاء. علام تعرجون؟ أسرعَ بخياركم وأنتم كل يوم تَرذلون. لقد صحبتُ أقواماً كانت صحبتهم قَرةَ العين وجَلَاءَ الصدور، وكانوا من حسناتهم أًن تُردً عليهم أشفقَ منكم من سيئاتكم أن تُعذًبوا عليها، وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهدَ منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيساً، ولا أرى أنيساً، ذهب الناسُ، وبقِيتُ في النَسناس، لو تكاشفتم ما تدافنتم؛ تَهَاديتُم الأطباقَ ولم تَهادَوُا النصائحَ. يابن آدم، إن دين اللّه ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقَر في القلوب وصَدَقته الأعمالُ.

كلام لبعض الزهادلا تغترّنَ بطول السلامة مِع تضييع الشكر، ولا تُعْمِلنَ نعمةَ الله في معصيته، فإن أقل ما يَجِبُ لمهدِيها ألا تجعلَها ذريعةَ إلى مخالفته. واستَدْع شاردَ النّعم بالتوبةِ، واستد!م الراهنَ بكرم الجِوَارِ، واستفتِح بابَ المزيد بحُسن التوكل. أو ما عَلِمْتَ أن المستشعرَ لذُل الخطيئة المخرجَ نفسَه من كُلَف الطاعة نَطِفُ الثَّناءِ، زَمِرُ المروءةِ، قَصيُ المجلس، لا يشاور وهو ذو بَزلَاءَ، ولا يُصَدَرُ وهو جميل الرُّوَاءِ، غامضُ الشخص ضئيلُ الصوتِ نَزْرُ الكلام يتوقع الإسكاتَ عند كلّ كلمةٍ، وهو يَرى فضلَ مزيته وصريحَ لبهِ وحسنَ تَفضِيلِه، ولكن قَطعه سوء ما جنى على نفسه، ولو لم تَطلِعْ عليه عيونُ الخليقة لهجسَت العقولُ بإدهانه. وكيف يمتيع سُقوط القدرِ وظَنَ المتفرس مَنْ عُريَ مِن حِلْية التقوى وسُلِبَ طبائعَ الهُدَى! ولو لم يَتَغَش ثوب سريرته وقبيحَ ما أجنَ من مخالفة ربه لقطعه العلمُ بقبيح ما قارفَ عن اقتدار ذَوِي الطهارة الكلام وإدلال أهل البراءة في النديّ.

كلام لغَيْلان

 

إن التراجعَ في المواعظ يُوشِكُ أن يُذْهِبَ يومَها ويأتي يومُ الصاخة، كلُّ الخلقِ يومئذ مُصِيخ يستمعُ ما يُقالُ له ويُقضَى عليه، وخَشَعَت الأصْواتُ للرحمن فلا تسمَع إلا هَمساً. فاصمُت اليوم عما يُصْمِتكَ يومئذ، وتَعَلَمْ ذلك حتى تعلَمَه، وابتغِه حتى تَجده، وبادِرْ قبل أن تفجأكَ دعوةُ الموت، فإنها عَنيفة إلا بِمَنْ رحم الله، فيُقْحِمكَ في دار تسمعُ فيها الأصوات بالحسرة والويل والثبور، ثم لا يُقالُون ولا يُستعتَبونَ. إني رأيتُ قلوب العِباد في الدنيا تخشع لأيسر من هذا وتَقسُو عند هذا، فانظُر إلى نفسك أعبدُ الله أنت أم عَدوُه، فيا رُبً مُتعبّد بلسانه، مُعادٍ له بفعله ذلول في الإنسياق إلى عذاب السعير في أمنية أضغاثِ أحلام يَعبرها بالأمانِي والطنون. فاعرِف نفسَكَ وسَلْ عنها الكتابَ المنيرَ، سؤال من يُحِب أن يعلم، وَعلمَ من يُحبّ أن يعمَلَ، فإن الرب جلّ ثناؤه لا يعذِر بالتعذير والتغرير، ولكن يعذِرُ بالجِد والتشمير. إكْتس نصيحتي، فإنها كُسوَةُ تقوَى ودليلٌ على مفاتح الخير، ولا تكن كعلماء زمن الهَرْج إن وُعِظُوا أنِفُوا، وإن وَعَظُوا عَنُفُوا. واللهّ المستعان.

كتاب رجل إلى بعض الزّهاد

كتب إليه: إنّ لي نفساً تُحِبُّ الدَّعةَ، وقلباً يألف اللذاتِ، وهمةً تَسْتثقِلُ الطاعةَ، وقد وهَّمتُ نفسي الآفات، وحَذَّرتُ قلبي الموت، وزجرتُ هِمَتي عن التقصير؛ فلم أرضَ ما رجع إليَّ منهن، فاهدِ لي - رحمك الله - ما أستعينُ به على ما شكوتُ إليك؛ فقد خفتُ الموت قبلَ الاستعداد.

فكتب إليه: كثر تعجّبي من قلبَ يألَفُ الذنبَ، ونفسٍ تطمئنُ إلى البقاء، والساعاتُ تَنقُلُنا والأيامُ تَطوِي أعمارَناة فكيف يألفُ قلبٌ ما لا ثباتَ له، وكيف تنام عينٌ لا تحرِي لعلها لا تطرِفُ بعد رَقدَتها إلا بين يدي اللّه! والسلام.

وكتب رجل من العبّاد إلى صديق له

إني لمّا رأيتُ الناسَ في اليقين متفقين، وفي العمل متفاوتين، ورأيت الحجةَ واجبة، فلم أر في يقينٍ قَصَرَ بصاحبه عن عملٍ حجةٍ، ولا في عملٍ كان بغيرِ يقينٍ منفعةً؛ ورأيتُ من تقصيرِ أنفسنا في السعي لمرجوّ ما وُعِدَتْ والهرَبِ من مَخُوف ما حُذَرَتْ، حتى أسلمها ذلك إلى أن ضَعُفَتْ منها النيةُ وقلّ التحفّظُ واستولى عليها السَّقَط والإغفالُ واشتعَلَتْ منها الشهوةُ، ودعاها ذلك إلى التمرّغ في فضائح اللّذاتِ، وهي تعلم أن عاقبتَها الندمُ، وثمرتَها العقوبة، ومصيرَها إلى النار إن لم يعفً اللُّه - عجبتُ لعمل امرئٍ كيف لا يشبِهُ يقينَه، ولعلم موقنٍ كيف لا يرتبط رجاءه وخوفه على ربه، حتى لا يتكون الرغبة منه إلا إليه والرهبة منه إلا له. وزادني عجباً أنّني رأيت طالب الدنيا أجدَّ من طالب الآخرة، وخائفَها أتعبَ من خائف الآخرةِ، وهو يعلم يقيناً أنه رُب مطلوبٍ في الدنيا قد صار حين نيلَ حتفاً لطالبه، وأنه رُبَّ مَخُوفٍ فيها قد لَحِقَ كَرْهاً بالهارب منه فصار حظاً له، وأن المطلوبَ إليه من أهلها ضعيفٌ عن نفسه محتاجٌ إلى ربه مَملوكٌ عليه مالُه مخزونةٌ عنه قدرتُه. واعلم أن جِمَاعَ ما يسعى له الطالبُ وَيهرُبُ منه الهاربُ أمران: أحدهما أجلُه، والآخر رزقُه، وكلاهما بعينه شاهد على أنه لا يملِكُه إلا الذي خلقه. فلم أدْر حين صار هذا اليقينِ في موضع الإيمان يقيناً لا شك فيه، كيف صار في موضع العمل شبيهاَ بالشك الذي لا يقينَ فيه! وكيف، حين اختُلِفَ في أمر الآخرة، لم يُخْتَلْف في أمر الدنيا، فيكون خائفُ الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه صبراً له على تجشم المكروه، وتجرّعاً منه لغُصَص الغيظ، واحتمالاً منه لفادح النّصَب، وعملأ له بالسخرة، وتحفظاً من أن يُضمِرَ له على غش أو يَهًم له بخلاف، ولو فعل ذلك ما علمه منه حتى يَظهَرَ له بقولٍ أو فعل؛ ولو علمه ما

 

قَدَر له على قطع أجل لم يَفْنَ ورزقٍ لم ينفَد؛ فإن ابتُلِيَ بالسخَطِ من سلطانه فكيف حزنه ووحشتُه، وإن أنِسَ منه رِضاً عنه فكيف سُرورُه واختيالُه؛ة فإن قارفَ ذنباً إليه فكيف تضعضه واستخذاؤه، فإن ندبه لأمر فكيف خِفَّته ونشاطه! وإن نهاه عنه فكيف حَذرُه واتّعاظُه وهو يعلم أن خالِقَه ورازقَه يعلَمُ سِرَّه وجهرَه، ويراه في متقلبه ومثواه، ويُعاينُه في فضائحه وعورته، فلم يَزعْهُ عنها حياء منه ولا تقيةٌ له، قد أمره فلم يأتمر، وزجَره فلم يزدجر، وحَذَره فلم يحذر؛ ووعده فلم يرغَبْ، وأعطاه فلم يشكر، وستره فلم يزددْ بالستر إلا تعرضا للفضائح، وكفاه فلم يقنع بالكفاية، وضَمِنَ له في رزقه ما هو في طَلَبِه مُشيحٌ، ويقَّظَه من أجله لما هو عنه لاه وفرغه من العمل لما هو عنه بغيره مشغول؛ فسبحان من وَسِعَ ذلك حلمه وتغمده من عباده عفوة؛ ولو شاء ما فعلوه؛ ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسْألُونَ.

 

فأجابه: إني رأيتُ اللّه تبارك وتعالى جعلَ اليقينَ بأعظم المواضع في أمر الدنيا والدين، فهو غايةُ العالم وبصرِ البصير وفهم السامع، ليس كسائر الأشياء التي تدخلها الشبهاتُ ويَجرحها الإغفال ويشوبها الوَهْنُ؛ وذلك أن اللّه تعالى جعل مَغرِسَه القلبَ؛ وأغصانه العملَ، وثمرته الثوابَ. وإنما جَعَلَ القلبَ لليقين مَغرِساً، لأنه جعل الخمسَ الجوالب لعلم الأشياء كلّها إلى القلب: السمعَ والبصرَ والمجسةَ والمَذَاقَةَ والاسترواحَ. فإذا صارت الأشياء إليه ميز بينها العقل ثم صارت بأجمعها إلى اليقين، فكان هو المثبتَ لها والموجه كلّ واحدٍ منهن جهتَها. ولولا معرفة القلب بالعقل الذي جعله الله لذلك، لم يفرُقْ سمعٌ بين صوتينِ مختلفينِ، ولا بصر بين صورتين متقاربتين، ولا مجسة بين شيئين غير متشابهين. ولليقين بعد ذلك منزلة يُعرَفُ بها الضارّ والنافع في العاقبة عند اللّه تعالى. فلما صار اليقينِ في التشبيه كالشجرة النابتة في القلب أغصانُها العملُ وثمرتها الثوابُ، أخبر ذلك أنه قد تكون الشجرة نابتة الأصل بلا أغصان كما يكون اليقين نابتاً بلا عمل، وأنه كما لا تكون الأغصان نابتة بلا أصل، فكذلك لا يكون العمل نافعاً إلا بيقين؛ وكما أنه لا تُخلِفً الثمرةُ في الطيب والكثرةِ إذا كان الأصل نابتاً والأغصان ملتفَة، فكذلك يكون الثواب لمن صح يقينه وحَسُنَ عمله. وقد تعرِض للأعمال عوارضُ من العِلل: منهنّ الأملُ المثبطُ، والنفسُ الأمارةُ بالسوء، والهوى المزين للباطل، والشيطانُ الجاري من ابن آدم مجرَى الدم، يضررن بالعمل والثواب، ولا يبلغِ ضررُهن اليقين، فيكون ذلك كبعض ما يَعرِضُ للشجرة من عوارض الأفات فَتذْوِي أغصانها وتنثًر ورقَها وتَمنع ثمرتَها والأصل ثابت؛ فإذا تجلّت الآفةُ عادت إلى حال صلاحها. فماذا يُعجبك من عمل امرئ لا يشبه يقينه، وأن يقينَه لا يرتبط رجاءه وخوفه على ربه. فإنما العجب من خلاف ذلك؛ ولَعَمْري لو أشبهَ عملُ امرئ يقينَه فكان في خوفه ورجائه كالمعايِن لِمَا يُعايِنه بقلبه من الوقوف بين يدي الله والنظر إلى ما وعَد وأوعَدَ، لكان ما يعتلج على قلبه من خطرات الخوف شاغلاً له عن الرجاء، حتىِ يأتَي على نفسه أوّلَ لحظة ينظر بها إلى النار خوفاً لها أو إلى الجنة أسفاً عليها إذا حُرِمَها، وإذاَ لكان الموقن بالبعث بقلبه كالمعاين له يوم القيامة وكيف يستطيع من كان كذلك أن يعقلَ فضلاً عن أن يعملَ! وأما قولك: " كيف لم يكن خائف الآخرة لربّه كخائف الدنيا لسلطانه " ، فإن الله عزّ وجل خلق الإنسان ضعيفاً وجعله عجولاً، فهو لضعفه موكًل بخوف الأقرب فالأقرب مما يكره، وهو بعجلته موكل بحبّ الأعجل فالأعجل مما يشتهي؛ وزاده حِرصاً على المخلِص من المكروه وطلباً للمحبوب حاجتُه إلى الاستمتاع بمتاع الدنيا الذي لولا ما طُبعَ عليه القلبُ من حبه وسَهُل على المخلوقين من طلبه، لما انتفع بالدنيا مُنتفع ولا عاض فيها عائشٌ. ومع ذلك إن مكاره الدنيا ومحابها عند ابن آدم على وجهين، أما المكروه فيقول فيه: عسى أن أكون ابتليتُ به لذنبِ سلف منْي، وأما المحبوب فيقول فيه: عسى أن أكون رُزِقتُه بحسنةٍ كانت مني فهو ثواب عُجلَ، وهو مع هذا يعلم أن حلومَ المخلوقين إلى الضيق، وأن قلوبَ أكثر مُسَلطِيهم إلى القسوة، وأن العيبَ عنهم مستور، فليس يلتمس ملتمسهم إلا علمَ الظاهر ولا يضع إلا به، ولا يلتفتُ من امرئ إلى صلاح سريرته عون صلاح علانيته. ومن طباع الإنسان اللؤمُ، فليس يَرضَى إذا خِيفَ إلا بأن يُذِلّ، ولا إذا رُجِيَ إلا بأن يُتعِبَ، ولا إذا غَضِبَ إلا بأن يُخضَعَ له، ولا إذا أمرَ إلا بأن يُنفًذَ أمرُه، ولا ينتفع المتشفعُ بإحسانه عنده إذا أساء ولا المطيعُ بكثرة طاعته في المعصية الواحدة إذا عصى، ولا يرَى الثوابَ لازماً له ولا العقابَ محجوراً عليه، فإن عاقب لم يَستَبْقِ، وإن غَضِبَ لم يتَثبتْ، وإن أساء لم يَعتذِر، وإن أذنبَ إليه مذنب لم يَغفرة واللطيفُ الخبير يعلمُ السريرةَ فيغفِرُ بها العلانيةَ، ويمحو بالحسنة عشراً من السيئات، ويصفحُ بتوبةِ الساعة عن ذنوب مائة عام، إن دُعِيَ أجاب، وإن اسْتُغفِر غَفَر، وإن اطيعَ شكر، وإن عُصِيَ عَفَا، ؤمِن وراءِ عبده بعد هذا كله ثلاث: رحمتُه التى وسعت كلً شيء، وشهادةُ الحق التي لا يزكو إلا بها عمل

 

وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مثبَتٌ لليقين باسطٌ للأمل مُثبطٌ عن العمل إلا مَنْ شاء الله وقليل ما همْ. فلا تَحمِل نَطَفَ عملك على صحة يقينك فتُوهِنَ إيمانَك، ولا تُرخَصْ لنفسك في مُقارفة الذنوب، فيكون يقينُك خصماً لك وحُجّةً عليك؛ وكَذّب أملَك وجاهِد شهوتَك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك المعتونانِ على هَلكتكَ. وأسأل الله الغنيمة لنا ولك.عة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مثبَتٌ لليقين باسطٌ للأمل مُثبطٌ عن العمل إلا مَنْ شاء الله وقليل ما همْ. فلا تَحمِل نَطَفَ عملك على صحة يقينك فتُوهِنَ إيمانَك، ولا تُرخَصْ لنفسك في مُقارفة الذنوب، فيكون يقينُك خصماً لك وحُجّةً عليك؛ وكَذّب أملَك وجاهِد شهوتَك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك المعتونانِ على هَلكتكَ. وأسأل الله الغنيمة لنا ولك.

موعظة مستعملةوكيع عن مِسْعَر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير ِيكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: مَن عَمِلَ لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن أصلحَ ما بينه وبين الله أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرتَه أصلح الله له علانيتَه.

موعظة لعمرو بن عتبةالعتبيّ عن أبيه عن أبي خالد عن أبيه عن عمرو بن عتبة قال: كان أبونا لا يرفعُ المواعظَ عن أسماعنا، فأراد مرة سفراً فقال: يا بَنِي تألَفُوا النعم بحسن مُجاوَرِتها، والتمِسُوا المزيدَ فيها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوسَ أقبلُ شيء لما أعطيت وأعْطى شيءٍ لما سئِلَتْ، فاحمِلوها على مطيَّةٍ لا تُبطِئ إذا رُكِبَتْ، ولا تُسَبق وإن تُقُدمت، عليها نجا مَنْ هرب من النار! وأدرك مَنْ سابقَ إلى الجنة؛ فقال الأصاغرُ: يا أبانا ما هذه المطيةً؟ قال: التوبة.

صفات الزهَّاد

لعيسى عليه السلام حدثني عبد الرحمن العبدي عن يحيى بن سعد السعديّ قال: سأل الحواريّون عيسى عليه السلام فقالوا: يا رُوحَ الله مَنْ أولياءُ اللّه. قال: هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناسُ إلى ظاهرها، وإلى آجل الدنيا حين نظر الناسُ عاجلها، فأماتوا منها ما خَشُوا أن يُميتَهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركُهُم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وفرحُهم بما أصابوا منها حزناً، فما عارضهم من نائلها رفضوه وما عارضهم من رفيعها بغير الحق وضَعوه، فهم أعداء ما سالمَ الناسُ وسِلْمُ ما عادَوْا، خَلُقَت الدنيا عندهم فليسَ يعمرونها، وماتت في قُلوبهم فليس يُحبونَها، يهدمُونها ويبنون بها آخرتهم، ويبيعونها ويشترون بها ما يبقى لهم؟ ونظروا إلى أهلها صَرْعَى قد خلت منهم المَثُلاتُ فأحيَوْا ذكر الموت وأماتوا ذكرَ الحياة، بهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وبهم علِمَ الكتاب وبه عَمِلوا، لا يرون نائلاً ما نالوا، ولا أمناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يحذرون.

بين عمر بن عبد العزيز وشاب زاهد في الدنيا وحدثني أيضاً عن أنس بن مصلح عن أبي سعيد المصّيصي: إن قوماً دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرض، فإذا فيهم شاب ذابلٌ ناحلٌ، فقال له عمر: يا فَتَى ما الذي بلغ بك ما أرَى؟ قال: يا أميرَ المؤمنين أمراض وأسقام. فقال عمر: لتَصْدُقَننَّي؛ قال: يا أمير المؤمنين ذقتُ حلاوة الدنيا فوجدتُها مرة فصغُر في عيني زهرتها وحلاوتُها، واستوى عندي حجرُها وذهبُها، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وإلى الناس يُساقُون إلى الجنة وإلى النار، فأظمأت لذلك نهاري وأسهرت له ليلي، وقليلٌ حقير كل ما أنا فيه في جنب ثواب الله وجنب عقابه.

للنيي صلى الله عليه وسلم بلغني عن إسحاق بن سليمان عن أخيه عن الفياض عن زبيد اليامي عن معاذ بن جبل: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ الله يحب الأخفياءَ الأتقياءَ الأبرياءَ الذي إذا غابوا لم يُفتَقدوا، وإذا حَضَرُوا لم يُعرفوا، قلوبُهم مصابيحُ الهدى يخرجون من كل غبراء مُظلِمَة " .

لعلي عليه السلام في التعلُم وعن وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفَى بن دلهم قال:

 

قال علي عليه السلام: تعلّموا العلمَ تُعرَفُوا به واعمَلُوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان يُنكِر فيه الحق تِسعةُ أعشِرَائهم لا ينجو فيه إلا كل نُوَمَةٍ، يعني الميتَ الذكر، أولئك أئمة الهدى ومصابيحُ العلم ليسوا بالعُجْل المذايِيع البُذُرِ.

لعلي أيضاً في الدنيا والأخرة وقال علي عليه السلام أيضاً: إن الدنيا قد ارتحلت مُدبِرةً وإنّ الآخرةَ قد ارتحلَتْ مُقْبِلةٍ، ولكل واحدة منهما بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألَا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً والترابَ فِرَاشاً والماء طِيباً. ألَا مَن اشتاق إلى الجنة سَلَا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجَع عن الحُرمات، ومَنْ زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات أي إن لله عباداً كمن رأى أهلَ الجنة في الجنة مخلَّدين وأهلِ النار في النار مُعَذّبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسُهم عفيفة، وحوائجهم خَفِيفة، صبَرُوا أياماً قليلةً لعقبى راحة طويلة؛ إما بالليل فصافّو أقدامِهم، تجري دموعُهم على خدودهم، يجأرًون إلى اللّه: ربنا ربنا يطلبُون فَكَاكَ رِقَابهم؛ وأما بالنهار فحلماءُ عُلمَاءُ برَرةٌ أتقياء كأنهم القِدَاحُ ينظُر إليهمُ الناظر فيقول: مَرْضَى، وما بالقوم من مَرَضٍ، ويقول: خُولِطُوا، ولقد خالط القومَ أمرٌ عظيم.

لعون بن عبدالله بن عتبة حدّثنا إسحاق المعروفُ بابن رَاهَوَيْهِ أن عون بن عبد اللّه بن عتبة كان يقول: يا بُني كن كمن نأى به عمن نأى عنه يقينٌ ونزاهة، ودنُوُّه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس نأيه تكبراً عظمة، ولا دنوه بِخَدْع ولا خِلَابَةٍ، يَقتدي بمن قبله، وهو إمامُ من بعده، لا يعجل فيمن رابه ويعفو إذا تبين له، ينقص في الذي له ويزيد في الذي عليه، لا يعزُبُ حِلمُه ولا يحضُرُ جهله؛ الخير منه مأمول والشرّ منه مأمون، إن رُجِيَ خاف ما يقولونَ واستغفرَ لما لا يعلمون، إن عصته نفسُه فيما كرِهَتْ لم يُطِعها فيما أحبت، يَصْمُتُ ليسلَمَ ويخلو ليغنَم وينطِقُ ليفْهَمَ وُيخالطُ لِيعلم. ولا تكن يا بُنيّ ممن يُعْجَبُ باليقين من نفسه فيما ذهبَ وينسَى اليقينَ فيما رجا وطلبَ، يقول فيما ذهب: لو قدر شيء كان، ويقول فيما بقي: ابتغ أيها الإنسانُ؛ تغلبه نفسُه على ما يظنّ يغلبُها على ما يستيقِنُ، طال عليه الأملُ ففترَ، وطال عليه الأمدُ فاغترّ؟ واعذِرَ إليه فيما عمر وليس فيما عُمَر بمعذِر، عُفَر فيما يتذكر فيه من تذكّر، فهو من الذنب والنعمة مُوقَر، إن أعطي لم يشكر، وإن مُنِعَ لم يَعذِرْ، يُحب الصالحينَ ولا يعمل عملَهم ويُبغِضُ المسيئين وهو أحدُهم؛ يرجو الأجرَ في البغض على ظنه ولا يخشَى اليقينَ من نفسه، يخشى الخلقَ في ربه ولايخشى الرب في خلقه، يَعوذ بالله ممن هو فوقه، ولا يريد أن يُعيذَ الله منه مَنْ هو تحته، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ويرجو لنفسه بأيسرَ من عمله، يُبصر العورةَ من غيره ويُغفِلُها من نفسه وإن صلى اعترض، وإن ركع رَبض، وإن سجد نَقَر، وإن جَلس شَعَرَ، وإن سألَ ألحفَ، وإن سئل سَوَّفَ، وإن حَدّثَ أخلفَ، وإن وُعِظَ كَلَح، وإن مُدِحَ فَرِحَ، يَحسُدُ أن يُفْضَلَ، ويزهَدُ أن يَفضُل، إن أفِيضَ في الخير بَرِمَ وضَعُفَ واستسلَم وقال: الصمتُ حُكْم، وهذا ما ليس لي به عِلم؛ وإن أفِيضَ في الشرّ قال: يُحسَبُ بي عِيُّ، فتكلّم يجمَع بين الأراوِي والنعام وبين الخال والعمّ ولاءَمَ ما لا يتلاءم؛ يتعلًم للرياء، ويتفقَّه للرياء، ويبادر ما يفنَى، ويُواكِلُ ما يبقى.

للحسن بن علي حدثني محمد بن داود عن أبي شُرَيح الخُوَارَزْمِي قال: سمعت أبا الرّبيع الأعرج عمرو بن سليمان يقول:

 

قال الحسنُ بن علي: ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني، وكان رأسً ما عَظُم به في عيني صِغَرَ الدنيا في عينه. كان خارجاً من سلطانِ بطنه فلا يتَشَهَى ما لا يحلّ ولا يكنِزُ إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يَمُد يداً إلا على ثقةٍ لمنفعة، كان لا يتشَكَى ولا يتبرَّمُ، كان أكثرَ دهرِه صامتاً، فإذا قال بَذَ القائلين، كان ضعيفاً مستضعَفاً فإذا جاء الجِد فهو الليث عادياً، كان إذا جامع العلماء على أن يسمع أحرصَ منه على أن يقولَ، كان إذا غُلِبَ على الكلام لم يُغلَب على السكوت، كان لا يقول ما يفعل ويفعلَ ما لا يقول، كان إذا عَرَض له أمران لا يدري أيّهما أقربُ إلى الحق نَظَر أقرَبهما من هواه فخالفه، كان لا يلومُ أحداً على ما قد يَقَع العذرُ في مثله. زادني غيره: كان لا يقول حتى يرى قاضياً عَدْلاً وشهوداً عدولاً.

من كلام علي بن أبي طالب لكُميل بن زياد وفي كلام علي رضي اللّه عنه لكُمَيْل حين ذكر حُجَجَ اللهّ في الأرض فقال: هَجَم بهم لعلمُ على حقائق الأمور، فباشروا رَوْحَ اليقين، واستلانوا ما استَوْعر المُتْرَفُون، وأنِسوا بما ستَوْحش منه الجاهلون، وصَحِبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلّقة بالمَحَلّ الأعلى؛ هاه سوقاً إلى رؤيتهم.

بين رجل ويونس بن عبيد في الحَسَن بن علي قال رجل ليونس بن عُبَيد: تَعْلم أحداً يعمل بعمل الحسن. قال: والله ما أعرِف أحداً يقول بقوله فكيف يعمل بعمله! قيل: فصِفْه لنا. قال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دَفْن حَمِيه وإذا جلس فكأنه أسيرٌ أمِر بضَرْب عُنُقه، وإذا ذُكِرت النارُ فكأنها لم تُخْلَق إلّا له.

لشقيق بن سلمة عن قرّاء زمانه حدّثنا حسين بن حسن المَرْوَزيّ قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا مَعْمَر الأعمش عن شقيق بن سَلَمة قال: ما مَثَلُ قُرّاء هذا الزمان إلا كمثل غنم ضوائنَ ذاتِ صوف عجافٍ أكلتْ من الحَمْض وشَرِبت من الماء حتى انتفخت خواصرها، فمرّتْ برجل فأعجبته؛ْ فقام إليه فعَبَط منها شاةً فإذا هي لا تُنْقى، ثم عبط أخرى فإذا هي كذلك، فقال: افٍّ لك؛ سائر اليوم.

للحسن حدّثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن المختار الحسن قال: إذا شئتَ لَقِيتَه أبيضَ بضاً حديد النظر مَيتَ القلب والعمل، أنت أبصرً به نفسه؛ تَرَى أبداناً ولا قلوب، وتسمع الصوتَ ولا أنس، أخصبُ ألسَنةٍ وأجدبُ قلوب.

لسفيان في الزهد حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن وكيع قال: قال سُفْيان: الزهدُ في الدنيا قصرِ الأمل، ليس بأكل الغَلِيظ ولا لُبْس الغَلِيظ.

مثله في الزهد ليوسف بن أسباط قال: وقال يوسف بن أسباط: لو أنّ رجلاً في ترك الدنيا مثلُ أبي ذرّ وأبي الدَرْداء وسَلْمان، ما قلنا له: إنك زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا على ترك الحلال المَحْض، والحلال المحض لا نعرِفه اليوم، وإنما اللنيا حلالٌ وحرامٌ وشُبُهات؟ فالحلالُ حسابٌ، والحرام عذاد والشبهات عتاث ث فأنزِل الدنيا منزلةَ المَيْتة خُذْ منها ما يُقِيمك، فإن كان ذلك حلالاً كنت زاهداً فيها، وإن كان حراماً لم تكن أخذتَ منها إلا ما يُقِيمك كما يأخذ المضطر من الميتة، وإن كان عتابٌ كان العتابُ يسيراً.

ولبعضهم في الزهد ومثله قولُ بعضهم: ليس الزهد بترك كلّ الدنيا، ولكن الزهدَ التهاونُ بها وأخذُ البلاغ منها. قال اللّه تعالى: " وَشَرَوْة بِثَمَنٍ بَخْسٍ درَاهِمَ مَعْدُودةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزاهِدِينَ " ، فأخبر أنهم زَهدوا فيه وقد أخذوا له ثمناً.

قال أبو سليمان الدارانيّ: الرضا عن الله والرحمةُ للخَلْق درجةُ المرسَلين، وما تعرف الملائكةُ المقرّبون حدّ الرضا. وقال: أرجو أن أكون قد نِلتُ من الرضا طَرَفاً، لو أنه تبارك وتعالى أدخلني النار كنتُ بذلك راضياً. قال: وليس الحمد له أن تحمدَه بلسانك وقلبُك مُقتصِرٌ على المصيبة، ولكن هو أن تحمده بلسانك وقلبُك مسلّمٌ راضٍ.

بين ابن أي الحواري وأي سليمان الداراني

 

وقال ابن أبي الحَوَاريّ: قلت لأبي سليمان: بلغني في قول اللّه تعالى: " إلاَ مَنْ أتَى الله بِقَلْب سَلِيمٍ " أنه الذي يلقَى ربَّه وليس فيه أحدٌ غيرُه، فبكى وقال: ما سمعتُ مذ ثلاثين سنة أحسًنَ من هذا. وقال: كل قلب فيه شِرْكٌ فهو ساقط. قال: وما في الأرض أحد أجِدُ له محبةً ولكن رحمة. وقال: ينبغي للخوف أن يكون أغلبَ على الرجاء، فإذا غَلَب الرجاءُ على الخوف فَسَد القلبُ.

للفضيل بن عياض في أصل الزهد وقال الفُضَيْل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله.

الحسين بن علي عن عبد الملك بن أبجر: أن رجلًا يُكنى أبا سعيد كان يقول: والله ما رأيتُ قُراءَ زمان قط أغلظَ رقاباً ولا أدق ثِياباً ولا آكلَ لمُخ العيش منكم.

لمطرف أبو أسامة عن حمّاد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال: قال مطرف: انظروا قوماً إذا ذُكِرُوا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وقوماً إذا ذُكِرُوا ذُكروا بالفُجور فلا تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وبين هؤلاء.

وصية ابن محيريز لرجل أوصى ابن مُحَيْرِيز رجلاً فقال: إن استطعتَ أن تعرِف ولا تُعْرَف وتَسأل ولا تُسْأل وتمشي ولا يُمْشَى إليك، فافعل.

لأيوب قال أيّوب: ما أحبَّ اللهّ عبداً إلا أحب ألاَ يُشْعَر به.

بين أبي عائذ الأزدي وشريح بن عبيد إسحاق بن سليمان عن جرير بن عثمان قال: جاء شُرَيح بن عبيد إلى أبي عائد الأزْدي فقال: يا أبا عبد اللهّ، لو أحييتَ سنةً قد تركها الناس: إرخاءَ طَرَف العِمامة من الجانب الأيسر! قال: يا بن أخي، ما كان أحسنها! تركها الناس فتركناها، ما أحِب أن أعرَفَ في خيرٍ ولا شرّ.

كلام من كلام الزهّاد

بين عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ورجل حدثنا حسين بن حسن المروزيّ قال: حدٌ ثنا عبد اللّه بن المبارك قال: أخبرنا عبدالله بن عبد العزيز قال: قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لرجل: يا فلانُ، هل أنت على حالٍ أنت فيها مستعد للموت؟ قال: لا. قال: فهل أنت مُجمع على التحول إلى حال ترضى بها؟ قال: ما شَخَصتْ نفسي لذلك. قال: فهل بعد الموت دار فيها مُسْتعتَبٌ؟ قال: لا. قال: فهل تأمن الموت أن يأتيَك؟ قال: لا. قال: فهل رضيَ بمثل هذا الحال عاقل! لأبي الدرداء حدثنا حسين قال: حدّثنا عبد اللّه بن مبارك قال: حدثني غير واحد عن مُعاوية بن قُرة قال: قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموتُ يطلبه، وغافلٌ وليس بمغفول عنه، وضاحكٌ ملءَ فيه ولا يدرِي أراض الله عنه أم ساخطٌ عليه. وأبكاني فِراق الأحبة: محمدَ وحِزْبه، وهَوْلُ المُطلَع، والوقوفُ بين يدي الله يوم تبدو السرائر، ثم لاأدري إلى الجنة أو إلى النار.

لعبد اللّه بن ثعلبة الحنفي كان عبد الله بن ثعلبة الحنفيّ يقول: تضحَكُ ولعل أكفانَك قد خرجتْ من القَصار.

للفضيل بن عياض، وللسري قال: وقال الفُضَيل: أصلُ الزهد الرضا عن الله وقال: ألا تراه كيف يَزْوِيها عنه ويُمَرْمِرُها عليه بالعُرْي مرَةً وبالجُوع مرة وبالحاجة مرة، كما تصنع الوالدةُ الشفيقةُ بولدها: تسقيه مرّةً صَبِراً ومرة حُضَضاً، وإنما تريد بذلك ما هو خير له.

وقال السريّ: ليس من أعلام الحبّ أن تحب ما يُبْغضه حبيبُك. أوحى اللّه تعالى إلى بعض الأنبياء: أما زهدُك في الدنيا فتَعجلك الراحةَ لنفسك، وأما انقطاعُك إليّ فتعززك بي، ولكن هل عاديتَ لي عدوّاً أو واليتَ لي وليّاً.

لمالك بن دينار عن حبر من أحبار بني إسرائيل قال مالك بن دينار: بلغنَا أن حِبْراً من أحبار بني إسرائيل كان يغشاه الرجال والنساء، فغَمَز بعضُ بنيه النساء فرآهم فقال: مَهْلاً يا بنيّ مهلاً! قال: فسَقَط عن سريره فانقطع نُخَاعه وأسقطت امرأتُه وقُتِل بنوه في الجيوش. وقيل له: ما يكونُ من جنسك حبر أبداً، ما كان غضبُك لي إلا أن قلتَ يا بنيْ مَهْلاً يا بنيّ مهلاً.

لإبراهيم بن أدهم، ولابن الحارث وغيرهما ضَمْرة بن ربيعة قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: إرضَ بالله صاحباً ودعَ الناس جانباً.

كان بِشْر بن الحارث يقول: أربعة رفعهم الله بغير كبيرِ عملٍ في الظاهر إلا بِطِيب المَطْعم: إبراهيم بن أدهم، وسالمٍ الخواص، ووُهَيْب المكَي، ويوسف بن أسباط.

 

وحدثني أبو حاتم أو غيره عن العُتْبي قال: سمعت ابن عُيَينة يقول: أربع ليس عليك في واحدةٍ منهنّ حسابٌ : سَدُ الجَوْعة، وبَرْدُ العَطْشة، وستر العورة، والاستكنان؛ ثم تلا: " إنّ لَكَ ألَّا تَجُوعَ فِيِهَا وَلَا تَعْرَى وَأنك لاَ تَظْمَأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى " .

بلغني عن يَعْلى عن سُفْيان: قال علي عليه السلام لرجل: كيف أنتم؟ قال: نرجو ونخاف؛ قال: من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هَرَب منه، ما أعري ما خوفُ رجل عَرَضت له فلم يَدَعْها لما يخاف! وما أعري ما رجاءُ رجل نزل به بلاءٌ فلم يصبر عليه لما يرجو.

بلغني عن عيسى بن يونس عن الأوزاعيّ عن مكحول قال: إن كان الفضلُ في الجماعة فإن السلامةَ في العزلة. وبلغ الفُضَيلَ هذا فقال: سمعتم كلاماً أحسن منه! بين ابن المبارك ومحمد بن النضر الحارثي قال ابن المبارك: رَكِبتُ مع محمد بن النَّضْر الحارثيّ السفينةَ فقلتُ: بأي شيء أستخرج منه الكلام؟ فقلت: ما تقول في الصوم في السفر؟ فقال: إنما هي المبادَرة، فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشَعبي.

لأي حازم الزاهد حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعي قال: قيل لأبي حازم: ما مالُك. فقال: الثقة بما في يد الله واليأسُ مما في أيدي الناس.

وقال أبو حازم: إنه ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهلٌ قبلكم، فآثِرْ نفسك أيها المرء بالنصيحة على ولدك، واعلم أنك إنما تُخلف مالك في يد أحد رجلين: عامل فيه بمعصية الله فتشقَى بما جمعتَ له، وعامل فيه بطاعة الله فتسعَدَ بما شَقِيتَ له؛ فارجُ لمن قدمتَ منهم رحمة اللّه، وثقْ لمن خَلفتَ منهم برزق الله.

وقال أبو حازم: إن كنت إنما تريد من الدنيا ما يَكفيك ففي أدناها ما يكفيك، وإن كنت لا ترضَى منها بما يكفيك فليس فيها شيء يُغنيك.

ونظر أبو حازم إلى الفاكهة في السوق فقال: موعدُك الجنة.

ومرّ بالجزارين فقال له رجل منهم: يا أبا حازم، هذا سمينٌ فاشتر منه؛ قال: ليس عندي ثمنه؛ قال: أنا أنظرُك؛ ففكر ساعة ثم قال: أنا أنظرُ نفسي.

قال سُفيان: حَلَف أبو حازم لجلسائه: إني لأرضى أن يتقي أحدُكم على دِينهَ كما يتقي على نَعْله.

للنيي صلى الله عليه وسلم حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن عبدالله بن سعيد ابن أبي هند عن أبيه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " الصحّةُ والفَرَاغُ نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس " .

للحسن حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو ربيعة فَهْد بن عَوْن عن حمّاد بن سلَمة عن يعقوب قال: سمعتُ الحسن يقول: ابن آدم، إنما أنت عدَدٌ، فإذا مضى يوم فقد مضى بعضُك.

للنبي صلى الله عليه وسلم وروى عبد الله بن بكر بن حبيب السَّهمي عن الحسن بن ذَكْوان رَفَعَ الحديثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " أوصاني ربّي بتسع خِصالٍ وإني مُوصِيكم بها: بالإخلاص في السرّ والعَلَانية، والعَذْل في الرضا والغَضَب، والقَصْد في الفقر والغنَى، وأن أعفوَ عمّن ظَلَمني، وأصِلَ مَنْ قطعني، واعطي مَنْ حَرَمني، وأن يكون صَمْتي تَفَكُّراً، ومَنْطِقي ذِكْراً، ونَظَري عبراً.

لابن عمر مسلم بن إبراهيم عن حمّاد بن سَلَمة عن حُمَيد قال: كان ابن عمر يقول: البِر شيء هَيِّن: وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليّن.

لمالك جعفر بن سليمان قال: سمعت مالكاً يقول: اتّقُوا السّحّارة، فإنها تسحَرُ قلوبَ العلماء.

قال: وسمعته يقول: وَعِدتُ أنّ رزقي في حَصَاة أمصّها حتى أموت، ولقد اختلفتُ إلى الخَلاَء حتى استحيَيْتُ من ربي.

لأسد بن موسى في الجوع بِشْر بن مُصلِح عن أبي سعيد المصيصي عن أسد بن موسى قال: في الجوعُ ثلاثَ خلال: حياةُ القلب، ومَذلَة النفس، وُيورث العقلَ الدقيق السماوي.

في سلوك الحسن إذا عاد مريضاً أو شيع جنازة سالم بن سالم البَلخيّ عن السريّ بن يحيى قال: كان الحسن إذا عاد مريضاً لم ننتفع به يوماً وليلة، وإذا شيع جنازةً لم ينتفع به أهلُه ووَلده وإخوانُه ثلاثاً.

بين إبراهيم بن أدهم ورجل

 

خَلَف بن تميم قال: قال رجل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق، احبّ أن تقبَلَ مني هذه الجُبّة كُسوةً. قال إبراهيم: إن كنتَ غنيّاً قَبِلتُها منك، وإن كنتَ فقيراً لم أقبَلْها. قابل: فإني غني؛ قال: كم عندك؟ قال: ألفان. قال: فيَسُرُّك أن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال: أنت فقير؛ لا أقبَلها.

للفُضَيْل في مرضه قال عًبَيد اللّه بن عمر: دخلت أنا ويحيى بن سليمان على الفُضَيل نعودُه؛ فقال: زَوجك وخوّلك وصَرَف وجوهَ الناس إليك وأنت تشغلك عنه مَنْ أنت وما أنت! ثم شَهَق شَهقةً، وأضجعه رجل كان عنده وغَطّى عليه ثوباً وهو لا يعقل، ونزلنا.

لأبي حازم بكار بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدالله بن مسلم قال: قال أبو حازم: السّرُ أملكُ بالعَلَانِيَة من العَلاَنية بالسر، والفعلُ أملكُ بالقول من القول بالفعل، فإذا كنتَ في زمانٍ يُرْضَى فيه من الفعل بالقول ومن العمل بالعلم، فأنت في شرَ زمان وشرّ أناس.

بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحواري قال: ذكرتُ لأبي سليمان امرأتي والشغلَ بها، فقال: إنْ علم الله قلبك أنك تُريد الفراغَ له فرّغك، وإن كنت إنما تريد الراحة منها لتستبدل بها، فهذه حماقة قال: ورأيته حين أراد الإحرام فلم يلبث حتى سِرْنا ملياً وأخفه كالغَشْي وجعل رأسَهُ عند ركبتيه فجعل مَحْمِله يِخِفّ ومَحْمِلي يثقُلُ حتى سرنا هَوِيَاً، ثم أفاق فقال: يا أحمد، بَلَغني أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام " يا موسى مًرْ ظَلَمةَ بني إسرائيل أن يُقلوا من ذكري، أذكُر مَنْ ذَكَرني منهم بلعنة حتى يسكت " . ويحك يا أحمد بلغني أنه من حج من غير حله ثم لبى، قال له تبارك وتعالى: " لا لبيكَ ولا سَعْدَيْكَ حتى تردّ ما في يديك؛ فما يؤمِّننا أن يقال لنا ذلك.

قال: وقال أبوِ سليمان: يجيببك وأنت في شيء من الخير فيُشير لك إلى شيء من الخير دونه ليَرْبح عليك شَعِيرةَ؛ يعني إبليسَ " .

للمسيح عليه السلام قال المسيح لأصحابه: بحق أقول لكم، إن مَنْ طلب الفردوسَ فخبزُ الشعير له والنوم في المزابل مع الكلاب كثير.

لمكحول مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن حمزة عن داود بن أبي هند عن مكحول قال: كنا أجنّةً في بطون أمهاتنا فسَقَط من سَقَط وكنا فيمن بَقِي، ثم كنا مَرَاضع فَهَلك منا من هلك وبَقِي من بقي، وكنا أيفاعاً، وذكر مثل ذلك، ثم صِرنا شبّاناً، وذكر مثل ذلك، ثم صرنا شيوخاً لا أبا لك فما ننتظر وما نريد! وهل بَقِيت حالةٌ ننتقل إليها.

قال: وقال مكحول: الجنين في بطن أمّه لا يطلُب ولا يحزَن ولا يغتم، فيأتيه الله برزقه من قِبَل سُرّته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثَم لا تَحيض الحامل، فإذا سقط استهَل استهلالة إنكاراً لمكانه، وقُطِعت سُرّته وحوؤل الله رزقه إلى ثدي أمه ثم حوله إلى الشيء يُصْنع له ويَتناوله بكفّه، حتى إذا اشتدّ وعقل قال: أين لي بالرزق! يا ويحك! أنت في بطن أمك وفي حِجْرها تُرْزَق حتى إذا عَقَلتَ وشَبَبت قلتَ: هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق! ثم قرأ " يَعْلَمُ ما تَحْمِل كُلُّ أنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَام وَمَا تَزْدَادُ " .

لمحمد بن النضر الحارثي عبد الملك بن عبد العزيز قال: كان محمد بن النضْر الحارثيّ إذا لم يكن في صلاة استقبل القِبْلَة، فقَعَدنا إليه بعد العصر فقال: بلغني أنه مَنْ قال: لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، ألفَ مرةٍ في دُبُر صلاة العصر، رُفِع له عملُ نَبيٍ؛ ثم قال: قد أكثرت الكلام.

لداود، ومثله بين هشام بن عبد الملك وسالم وقال سعيد بن عمر الكِنْدي دخل رجلٌ على دَاود وهو يأكل خبزاً يابساً قد بلّه في الماء بمِلْح جَرِيش، فقال له: كيف تشتهي هذا! قال: أدعُه حتى أشتهيه.

ونحو هذا قول هشام بن عبد الملك لسالم: ما أدمك؟ْ، قال: الزيت ة قال: أما تَأجِمه.

قال: إذا أجَمتُه تركته حتى أشتهيه.

قال: وكان ماء داود في دَنَ مُقير في الصيف والشتاء، فقال له بعض أصحابه: لو بردتَ الماء فقال داود: إذا أصبْتَ في مثل هذا اليوم ماءً بارداً فمتى تُحِبّ الموت! لمحمد بن واسع سعيد بن عمرو عن رجل قال: قال محمد بن واسع: لو كان للذنوب رِيحٌ ما جلس إلي منكم اثنان.

 

وقال محمد بن واسع: لا يطيبُ المَالُ إلا من أربع: سهم في فَيْء المسلمين، أو عطيّة عن ظَهْر يدٍ، أو إرثٍ بكتاب الله، أو تجارة من حلال؛ ولا يًقْتل مسلم إلا بهذه الخِصَال: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قَتَل فيُقْتل، أو حارب الله ورسولَه وقَطَع الطريقَ.

لثابت البُناني قال سليمان بن المُغِيرة سمعت ثابتَاَ يقول: واللّه لَحْملُ الكَارَات أهونً من العبادة. قال: ولا يُسَمَى الرجلُ عابداً وإن كانت فيه خَصْلة من كلّ خيرٍ حتى يكون فيه الصومُ والصلاةُ، فإنهما من لحمه ودمه.

عيسى بن عقبة أبو نعيم عن الأعمش عن يزيد بن حَيان قال: كان عيسى بن عُقْبة يسجد حتى إن العصافير ليَقَعن على ظَهْره وينزِلْن، ما يَحْسَبْنَه إلّا جِرْمَ حائط.

للفضيل وقد شكا إليه أهل مكة القحط حدثني محمد بن داود عن عبد الصمد بن يزيد قال: شكا أهل مكة إلى الفُضَيل القَحْطَ؛ فقال: أمدبراً غير الله تريدون! قال: وسمعته يقول: استخيروا الله و لا تَخَيروا عليه، فكم من عبد تخير لنفسه أمراً كان هلاكه فيه! اما رأيتموه سأل ربّه طَرَسُوسَ فأعطِيَها فا " سِرَ فصار نَصْرانياً.

لوكيع في أبي يونس وحدّثني أيضاً عن سعيد بن نصير قال: قال وكيع: أبو يونس، ومن أبو يونس! بَكَى حتى عَمِي، وطاف حتى أقْعِد، وصلى حتى حَدِب.

لبهز بن حكيم في وفاة زُرارة حدثني محمد بن عبيد قال: محمد بن عبد اللّه الأنصاريّ عن بَهزْ بن حكيم قال: صلى بنا زُرَارةُ بن أوفى الغَداةَ، فقرأ الإمامُ " فَإذَا نُقِرَ في النًاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئذٍ يَوْمٌ عَسِير عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ " ، فخر مَغْشِيّاً عليه، فحملناه ميَتّاً.

لعمر بن عبد العزيز في الصلاة والصوم والصدقة ابن أبي الحَوَاري قال: سمعتُ عمر بن عبد العزيز قول: الصلاةُ تبلَغك نصفَ الطريق، والصومُ يبلّغك بابَ الملك، والصَّدَقةُ تُدْخِلك عليه.

لأبي حنيفة عن أيوب ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوبَ فقال: رحمه الله - ثلاثاً - لقد قَدِم المدينةَ مرة وأنا بها، فقلت: لأقعُدنّ له، لعلي أتعلق عليه بسَقْطة، فقام من القبر مَقاماً ما ذكرتُه قط إلا اقشعرّ جِلْدي.

بين الحجاج وأعرابي روى ابن عيّاش عن سعيد بن أبي عَرُوبَةَ قال: حجّ الحجاج فنزل بعضَ المِياه ودعاء بالغَدَاء، فقال لحاجبه: انظر من يَتَغدى معي وأسألُه عن بعض الأمر؛ فنظر الحاجبُ فإذا هو بأعرابيٍّ بين شَمْلتين من شَعَرٍ نائم، فضربه برجليه وقال: ائت الأميرَ فأتاه؛ فقال له الحجاج: اغسِلْ يدك وتَغَذَ معي. قال: إنه دعاني مَنْ هو خيرٌ منك فأجبته؛ فقال له الحجاج: من الذي دعاك؟. قال: اللهّ تعالى دعاني إلى الصوم فصُمت. قال: في هذا اليوم الحارّ! قال: نعم صُمتُ ليوم أحرَّ منه؛ قال: فأفطِر وتصوم غداً؛ قال: إن ضمنتَ لي البقاءَ إلى غد؛ قال: ليس ذاك إلي؛ قال:ً فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه! قال: إنه طعامٌ طيب؛ قال: إنك لم تُطَيبه ولا الخبًاز، ولكن طيّبته العافية.

لأعرابي أعتق جارية لوجه الله تعالى ونحو هذا حدّث الأصمعي عن شَبيب بن شيبة قال: كنا في طريق مكة فجاء أعرابيٌّ في يوم صائفٍ شديدِ الحرّ ومعه جاريةٌ سوداء وصحيفة، فقال: أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا: لو دخلتَ وأصبتَ من الطعام! قال: إني صائم؛ قلنا: في الحر وشدته وجَفَاء البادية! فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، ولا أحِبّ أن أغْبَنَ أيامي. ثم نبذ إلينا الصحيفة، وقال: أكتب ولا تزيدن على ما أقول حرفاً: هذا ما أعتق عبدُ اللّه بن عقيل الكلابي، أعتق جاريةً له سوداءَ يقال لها لؤلؤة، ابتغاءَ وجه الله تعالى وجوازِ العَقَبة، وإنه لا سبيلَ له عليها إلا سبيلَ الوَلَاء، المِنةُ لله عليها وعليه واحدة.

قال الأصمعي: فحدثت بها الرشيدَ، فأمر أن يُعتَقَ عنه ألفُ نَسَمةٍ أو مائةُ نسمة، ويُكتَبَ لهم هذا الكتاب.

لخالد بن صفوان قال خالد بن صَفْوان: بِتُ أتَمَنّى ليلتي كلها، فكَبَستُ البحر الأخضرَ بالذهب الأحمر، فإذا الذي يَكفيني من ذاك رغيفان وكُوزان وطِمْران! بين رجل وآخر من ولد معاوية رأى رجل رجلاً من وَلَد مُعاوية يعمَل على بعيرٍ له، فقال: هذا بعد ما كنتم فيه من الدنيا فقال: رحمك الله، ما فَقَدْنا إلا الفضولَ.

 

لبعض العباد في علامة التوبة سمعتُ بعضَ العباد يقول: علامةُ التَوبة الخروجُ من الجهل، والندَمُ على الذنب، والتَجافي عن الشهوة، واعتقادُ مَقْتِ نفسك المسؤَلة، وإخراجُ المَظلمة، وإصلاحُ الكَسْرة، وتركُ الكذب وقطعُ الغِيبة، والانتهاءُ عن خِدْن السوْء.

بين زاهدين لَقِي زاهد زاهداً فقال له: يا أخي، إني لأحبّك في اللّه؛ قال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتَني في الله. قال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك، لكان لي فيما أعلم من نفسي شُغْل عن بُغْضك.

للثوري كان الثًوريّ مستخفيّاً بالبَصْرة، فورد عليه كتاب من أهله، وفيه: " قد بَلَغ بنا الجَهْد إلى أن نأخُذَ النَّوَى فنرُضَّه ثم نخلِطَه مع التبن فنأكلَه!. فحرّك ذلك من قلبه، ورَمَى بالكتاب إلى أخ له؛ فقرأه فدمَعتْ عينُه، ثم قال: يا أبا عبد الله.، لو أنك حدّثتَ الناس اتسَعت واتسع هؤلاء؛ فأطرق مَلياً ثم رفع رأسَه وقال: اسمعْ حديثاً أحدثكَ به ثم لا أكلَمك بعده سنة: رُئيَ نُورٌ في الجنة تَجدد فقيل: ما هذا النور. فقيل: حَوْراءُ ضَحِكتْ في وجه زوجها فبعدَتْ ثناياها، فَتَرى لي أن أغرر بتلك وأصيرَ إلى ما تقول.

بين قوم مسافرين وراهب أراد قوم سفراً فحادوا عن الطريق وانتَهْوا إلى راهبٍ منفردٍ في ناحية، فنادوْه فأشرف عليهم، فقالوا: إنا قد ضَلَلْنا فكيف الطريقُ؟ قال لهم: هاهنا. وأومأ إلى السماء، فعلِموا الذي أراد، قالوا: إنا سائلوك، أفتُجِيبنا أنت. قال: سَلوا ولا تُكثروا، فإنّ النهار لن يرجِع والعمرَ لن يعود والطالبَ حثيثٌ في طلبه ذو اجتهاد؛ قالوا: ما الخلقُ عليه غداً عند مليكهم. فقال: على نِيّاتهم. فقالوا: فإلامَ الموئلُ؟ قال: إلى المُقَدَم، قالوا: أوصِنا. قال: تَزَودوا على قدر سفركم، فإنّ خيرَ الزاد ما بَلَّغَ المَحل. ثم أرشدهم إلى المَحَجًة وانقمع.

بين راهب ورجل طلب منه أن يعظه وقال آخر: قلت لراهب: عِظْني عِظَةً نافعة؛ فقال: جميعُ المواعظ منتظمةٌ في حرف واحدة قلت: ما هو. قال: تُجمِعُ على طاعته، فإذا أنت قد حَويتَ المواعظ والأذكار.

لأعرابي معه ماضية الأصمعيّ: قيل لأعرابيٍّ معه ماشية: لمن هذه الماشية؟ قال: لله عندي.

لابن السماك كان ابن السماك يقول في كلامه: لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم، أمّا تستحيُون من اللّه من طوال ما لا تستحيُون! لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العَمَل، فإنْ قَصَر بكم ضعفٌ فكُفُوا عن المعاصي.

لمالك بن دينار كان مالك بن دينار يقول في قَصَصه: ما أشَدً فِطَام الكبير وُينشد:

وتَرُوضُ عِرْسَك بعد ما هَرِمَتْ ... ومن العَناءِ رياضةُ الهَرِم

شعر لأعرابي تاب عن سرقة الإبل كان أعرابي يسرِق الإبلَ يُسَمَى يزيدَ، ثم تاب وقال:

ألَا قُلْ لرُعْيان المَخَائِض أهملُوا ... فقد تاب مما تعلمون يزيد

وإنً امرأً ينجو من النار بعد ما ... تَزَود من أعمالها لسعيدُ

شعر لنصيح الأسدي وقال نصيح الأسديّ:

كفى نَطَفاً بالمرء يا أم صالح ... ركوبُ المعاصي عامداً واحتقارها

ولخالد بن معدان كان خالد بن معدان يقول:

إذا أنتَ لم تزرَعْ وأبصرتَ حاصداً ... ندمتَ على التفريطِ في زمن

لمنصور بن عمار قال منصور بن عَمّار: ما أرى إساءةً تبهبُرُ عن عفو الله فلا تأيَس، وربما أخذ اللّه على الصغير فلا تأمن.

للنبي صلى الله عليه وسلم ورَوى وَكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن عُتَيبة بن سِمْعان عن مُسَيْكَة عن عائشة رضي الله عنها أنها أتتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم بصَحْفة فيها خبزُ شعيرٍ وقطعةٌ من الكَرِش، فقالت: يا رسول الله، ذَبَحنا اليوم شاةً فما أمسكنا منها إلا هذا؛ قال: " بل كلها أمسكتم إلا هذا " . استقبل عامرَ بن عبد قيس رجل في يوم حَلْبة، فقال: من سَبَق يا شيخ. فقال: المقربون.

وأتي به عثمان وأقعِد في دهليزه، فلما خرج رأى شيخاً يطا في عباءة، فأنكر مكانه، فقال أعرابي: أين ربُّك؟ قال: بالمِرْصاد.

بين سليمان بن عبد الملك وأبي حازم

 

قال سليمان بن عبد الملك لأبي خازم: ما بالُنا نَكرَه الموت؟ قال: لأنكم عَمّرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العُمْران إلى الخراب.

للحسن قال الحسن: نِعَمُ الله أكثرُ من أن تُشْكَر إلا ما أعانَ عليه، وذنوبُ ابن آدم أكثرُ من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.

وقال الحسن: تنفق دِينَك في شَهْوتك سَرَفاً، وتمنَعُ في حق الله درهما، ستعلَم بالُكَعُ.

للمسيح عليه السلام خرج المسيح من بيت مُومسةٍ، فقيل له: يا رُوح الله، ما تصنَع عند هذه. فقال: إنما يأتي الطبيبُ إلى المَرْضى.

ومر بقوم شَتَموه فقال خيراً، ومر بآخرين شتمون فقال خيراً؛ة فقال رجل من الحوارِيين: كلما زادوك شراً زِدت خيراً، كأنك تُغْريهم بنفسك! فقال: كل إنسان يُعطِي مما عنده.

بين أبي حازم وسليمان بن عبد الملك أخبر أبو حازم سليمانَ بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين؛ فقال سليمانُ: فأين رحمةُ اللّه؟ قال: قريبٌ من المحسنين.

بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز قال عمرُ بن عبد العزيز لمحمد بن كعب: عِظْني؛ فقال: لا أرضَى نفسي لك، إني لأصلي بين الغني والفقير، فأمِيل على الفقير واوسَع للغني.

نظرت امرأة إلى أخرى وحولَها عشرة من وَلَدها كأنهم الصقور، فقالت: لقد وَلَدَتْ أمّكم حزناً طويلاً.

بين فتى يحتضر ووالديه احتُضِر فتًى كان فيه زهوٌ، فَرفَع رأسَه فإذا أبواه يَبكيان، فقال لهما: ما يُبكيكما؟ قالا: الخوفُ عليك لإسرافك على نفسك؛ فقال: لا تَبْكيا، فواللّه ما يَسُرُّني أن الذي بيد الله من الرحمة بأيديكما.

لعلي بن أبي طالب قال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهَه: يا بن آدم لا تحمِلْ همً يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، فإنْ يكُ من أجلك يأتِ فيه رزقُك، واعلم أنك لا تكسِبُ من المال شيئاً فوق قُوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك.

شعر للنابغة قال النابغةُ في نحوه:

ولست بحابس لغدٍ طعاماً ... جذار غدٍ لكل غدٍ طعام

بين حذيفة وسلمان تذاكر حُذَيْفة وسَلْمان أمرَ الدنيا، فقال سَلْمان: ومن أعجب ما تذاكَرْنا صعودُ غُنَيماتْ الغامدي سريرَ كِسْرَى، وكان أعرابي من غامدٍ يَرْعَى شُويهاتٍ له، فإذا كان الليلُ صَيرها إلى عرصة إيوان كسرى، وفي العرصه سريرُ رُخامٍ كان يجلِس عليه كسرى، فتَصْعَد غُنَيمات الغامدي ذلك السرير.

بين أبي حازم والشيطان دخل أبو حازم المسجدَ فوَسْوَس إليه الشيطانُ: إنك قد أحدثتَ بعد وُضُوئك. فقال: وقد بَلَغ هذا من نصحك.

للزبير قال الزبير: يكفينا من خضمكم القضم، ومن نَضَكم العَنَقُ.

بين أم الدرداء ورجل قال رجل لأم الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قَسْوةً شديدة وأملاً بعيداً، قالت: إِطًلع في القبور واشهَدِ الموتى.

للربيع بين خيثم قيل للربيع بن خَيْثَم: لو أرحتَ نفسكَ! قال: راحتَها أريد.

لبعض الصالحين قال رجل من الصالحين: لو أنزل الله كتاباً أنه معذَب رجلاً واحداً لخِفتُ أن أكونَه، أو أنه راحم واحداً لرجوتُ أن أكونه، أو أنه مُعَذَبي لا محالةَ ما ازددتُ إلا اجتهاداً لئلا أرجِعَ على نفسي بلائمة.

لعوف بن أى جميله أثنى قومٌ على عوف بن أبي جِميلة، فقال لهم: دَعُونا من الثناء، وأمِدُونا بالدعاء.

لبعض العباد في صفة شر الناس قيل لبعض العُباد: ضنْ شَر الناس، قال: من لا يُبالي أن يراه الناسُ مسيئاً.

للمِسور بن مخرمة قال المِسور بن مَخْرَمة: لقد وارت الأرضُ أقواماً لو رأوني معكم لاستحييتُ منهم.

لعلي بن أبي طالب قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: عجبتُ لمن يَهْلِك والنجاة معه. قيل: وما هي. قال: الاستغفار.

بين سفيان الثوري وفتى يجالسه كان فتًى يُجالس سُفْيان الثوريَ ولا يتكلمّ، وكان سفيان يحب أن يتكلم ليسمع كلامه، فمرّ به يوماً فقال: له: يا فتى، إن مَنْ كان قبلَنا مروا على خيل وبَقِينا على حمير دَبِرة. فقال الفتى: يا أبا عبد الله، إنْ كنّا على الطريق فما أسرعَ لحُوقَنا بالقوم! للحسن قال الحسن: إن خَفَق النعالُ خلف الرجال قلّ ما تَلْبَث الحمْقى.

 

وذُكِر عنده الذين يلبَسون الصوفَ، فقال: ما لهم تفاقدوا! - ثلاثاً - أكَنُوا الكِبْرَ في قلوبهم وأظهروا التواضُعَ في لباسهم، والله لأحدُهم أشدُّ عُجْباً بِكسائه من صاحب المِطرفَ بمطرفه. ودخل عليه رجلٌ فوجد عنده ريح قدْرٍ طَيبة، فقال: يا أبا سعيد، إنّ قدْرَك لطيبة؛ قال: نعم لا رغيفي مالك وصحناه فرقد.

بين أيوب وأبي قلابة وقد هرب من تولي القضاء طُلِب أبو قِلَابة للقضاء فلَحِق بالشام هَرَباً، فأقام حيناً ثم قَدِم البَصْرة؛ قال أيوب: فقلت له: لو أنك وَليتَ القضاءَ وعَدَلتَ بين الناس رَجَوتُ لك في ذلك أجراً؛ قال لي: يا أيوب، إذا وَقَع السابح في البحر فكم عسى أن يَسْبَح! بين أبي حازم وامرأة قالت امرأة أبي حازم يوماً له: يا أبا حازم، هذا الشتاء قد هَجَم ولا بدّ لنا مما يُصلحنا فيه. فذكرتِ الثيابَ والطعامَ والحَطَب؛ فقال: من هذا كله بُدٌ، ولكن خُذي ما لا بدّ منه: الموتَ ثم البعثَ ثم الوقوفَ بين يَدَي الله تعالى ثم الجنةَ أو النارَ.

شعر لأبي العتاهية قال أبو العَتَاهِية:

أطع اللّه بجُهْدِكْ ... عامداً أو دون جهدكْ

أعطِ مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدِكْ

وقال أيضاً:

أرى اناساً بأدنى الذَين قد قَنِعوا ... ولا أراهم رَضُوا في العيش بالدون

فاستغْنِ بالدِّين عن دُنيا الملوكِ كما اس ... تغنى الملوكً بدنياهم عن الدين

شعر لمحمد بن حازم وقال محمد بن حازم:

ما الفقرُ عارٌ ولا الغِنَى شرفُ ... ولا سَخَاء في طاعةٍ سَرَفُ

ما لَكَ إلا شيءٌ تُقَدَمُه ... وكل شيء أخّرتَه تَلَفُ

تَرْكُكَ مالاً لوارثٍ يته ... ناه وتَصْلَى بحرّه أسَفُ

لأبي العتاهية وقال أبو العَتَاهِيَة:

ألا إنما التَقْوى هي العِزُ والكَرَمْ ... وحبُّكَ للدنيا هو الذُّلُّ والندم

وليس على عبِدِ تقي نقيصة ... إذا صحَحَ التقوى وإن حَاكَ أو حجم

لعلي بن الحسين قال عليّ بن الحسين: الرضا بمكروه القضاء أرفعُ درجات اليقين.

لابن سيرين قيل لابن سيرين: ما أشَدَ الورَعَ! قال: ما أيسَرَه! إذا شككتَ في شيء فدَعه بين حذيفة ورجل يخشى أن يكون منافقاً قال رجل لحُذيْفة: أخشى أن أكونَ منافقاً. فقال: لو كنتَ مُنافقاً لم تخشَ.

شعر لمحمود الوراق وقال محمود الوراق:

يا ناظراً يرنُو بعينَيْ راقدٍ ... ومُشاهِداً للأمر غيرَ مشاهدِ

تصل الذنوبَ إلى الذنوبِ وترتجي ... دَرَكَ الجِنَانِ بها وفوزَ العابِد

ونسيت أن الله أخرج آدماً ... منها إلى الدنيا بذنبٍ واحدِ

لوضْاح اليمن وقال وَضَاخ اليمن:

مَا لكَ وَضاحُ دائمَ الغَزَل ... ألستَ تخشَى تقارُبَ الأجل

يا موتُ ما إن تزالُ معترضاً ... لآمل دون منتهى الأمل

تنال كَفّاك كل مُسْهِلة ... وحُوت بحرٍ ومَعْقِلَ الوَعِل

صل لذي العرِش واتّخِذْ قَدَماً ... تُنجْيك بعد العشثَار والزلَل

ليوسف عليه السلام قيل ليوسف عليه السلام: ما لك تجوع وأنت على خزائن الأرض. قال: أخاف أن أشبَع فأنسَى الجائعَ.

شعر لأمية بن أبي الصلت وقال أمية بن أبي الصَلْت:

هما طريقان فائز دخلَ ال ... جنّة حفْتْ به حدائقُها

وفِرقة في الجحيم مَعْ فرَقٍ الشي ... طان يَشقَى بها مُرَافقُها

تعرِف هذا القلوب حقا إذا ... همت بخير فما عوائقُها

وصدّها للشقاء عن طلب ال ... جنة دنيا والله ماحِقُها

عبدٌ دعا نفسَهُ فعاتبها ... يعلم أن البصيرَ رامقُها

اقترب الوعد والقلوبُ إلى الل ... هو وحب الحياة سائقُها

ما رغبةُ النفس في البقاء وأن ... تحيا قليلاً والموتُ لاحقُها

أمَامها قائدٌ إليه ويح ... دوها حثيثاً إليه سائقها

 

قد أيقنت أنها تصير كما ... كان يراها بالأمِس خالقها

وأن ما جَمًعتْ وأعجبها ... من عيشةٍ مُرةٍ مُفارقها

مَنح لم يمُتْ عَبْطةً يمت هَرَماً ... للموتِ كأس والمرءُ ذائقها

لبعض الزهاد قال بعض الزهاد: إن صفاء الزهد في الدنيا وكمالَه ألا تأخذ من الدنيا شيئاً ولا تتركه إلا الله، فإذا كنت كذلك كان أخْذُكَ تركاً ومعاملتُك لله فيها رِبحاً، وإن صفاء الرغبة في الدنيا وكمالَها تأخذ منها شيئاً ولا تتركه إلا لها، فإذا كنت كذلك كان تركُكَ أخذاً وفوتُ ما فات عليك منها حي لرجل حبسه بعض الملوك ثم غفل عنه حَبَس بعضُ الملوك رجلاً ثم غَفَل عنه إلى أن مَضَى عليه زمان؛ فقال للموكَل به: قل له: إن كل يوم يمضِي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمرُ قريبٌ، والحَكَمُ الله عز وجل. والسلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الإخوان

الحث على اتخاذ الإخوان واختيارهملبعض الأدباء ينصح ابنه ويحثه على اتخاذ الأصدقاء حدثنا سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا العجليّ قال بعض الأدباء لابنه: يا بنيّ، إذا دخلت المصر فاستكثر من الصديق فأما العدو فلا يهمنّك؛ وإياك والخطب فإنها مشوار كثير العثار.

نصيحة النبي داود لابنه سليمان عليهما السلام قال: وبلغني عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير: أن داود النبي عليه السلام قال لابنه سليمان عليه السلام: " يا بنيّ، لا تستبدلنّ بأخٍ لك قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك، ولا تستقلّنّ أن يكون لك عدوٌ واحدٌ، ولا تستكثرنّ أن يكون لك ألف صديق " لبعضهم في طلب الإخوان وعدم التفريط بهم وكان يقال: أعجز الناس من فرّط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.

في الأثر وفي الحديث المرفوع: " المرء كثيرٌ بأخيه " شعر لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابيّ:

لعمرك ما مال الفتى بذخيرةٍ ... ولكنّ إخوان الثقات الذخائر

لأبي الجراح العقيلي في الاستكثار من الإخوان قال أبو الجرّاح العقيلي: وجدت أعراض الدّنيا وذخائرها بعرض المتالف إلا ذخيرة الأدب وعقيلة الخلّة، فاستكثروا من الإخوان واستعصموا بعرا الأدب وكان يقال: الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال شعر لبعضهم قال الشاعر:

إذا لم يكن للقوم عزّ ولم يكن ... لهم رجلٌ عند الإمام مكين

فكانوا كأيدٍ أوهن اللّه بطشها ... ترى أشملاً ليست لهنّ يمين

لأيوب السختياني قال أيوب السّختياني: إذا بلغني موت أخٍ فكأنما سقط عضوٌ مني.

شعر للقطامي، ولغيره وقال القطامي:

وإذا يصيبك والحوادث جمةٌ حدثٌ حداك إلى أخيك الأوثق

وقال آخر::

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح

وإنّ ابن عمّ المرء فاعلم جناحه ... مهل ينهض البازي بغير جناح

وقال الثّقفيّ:

من كان ذا عضدٍ يدرك ظلامته ... إنّ الذليل الذي ليست له عضد

تنبو يداه إذا ما قلّ ناصره ... ويأنف الضّيم إن أثري له عدد

وقال آخر:

وبغضاء التقّي أقلّ ضيراً ... وأسلم من مودّة ذي الفسوق

ولن تنفكّ تحسد أو تعادى ... فأكثر ما استطعت من الصّديق

كتاب الفضل بن سيار إلى الفضل بن سهل شعراً وكتب الفضل بن سيّار إلى الفضل بن سهل:

يا أبا العباس إنّي ناصحٌ ... لك والنصح لذي الودّ كبير

لا تعدنّ ليوم صالح ... إنّ إخوانك في الخير كثير

وليكن للشرّ ما أعددتهم ... إنّ يوم الشرّ صعبٌ قمطرير

هذه السّوق التي آملها ... يا أبا العباس والعمر قصير

للمأمون في طبقات الإخوان قال المأمون: الإخوان ثلاث طبقات: طبقةٌ كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقةٌ كالدواء لا يحتاج إليه إلا أحياناً، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً للحسن بن علي في الاختلاف إلى المسجد

 

قال: حدثني سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سعيد بن طريف عن عمير بن المأمون قال: سمعت الحسن بن عليّ يقول: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني خصال: آيةً محكمةً، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدلّه على هدىً أو تردعه عن ردىً، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً.

أقوال في الصاحب قال: وحدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: كان يقال: الصاحب رقعةٌ في قميص الرجل، فلينظر أحدكم بم يرقع قميصه.

وحدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه أنه قال: كان يقال: ما وجدنا شيئاً أبلغ في خير أو شرّ من صاحب.

وحدثني الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: حدثنا سليمان بن المغيرة قال: قال يونس: اثنان ما في الأرض أقلّ منهما ولا يزدادان إلا قلّةً: درهمٌ يوضع في حقٍّ، وأخٌ يسكن إليه في اللّه علقمة بن لبيد ينصح ابنه وحدّثني شيخ لنا عن محمد بن مناذر عن سفيان بن عيينة قال: قال: علقمة بن لبيد العطارديّ لابنه: يا بنيّ، إذا نزغتك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فأصحب منهم من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصةٌ مانك؛ وإن قلت صدّق قولك ، وإن صلت شدّ صولك؛ وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها؛ وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمّات آساك؛ من لا يأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق؛ وإن حاول حويلاً آمرك، وإن تنازعتما منفساً آثرك.

القرظي لعمر بن العزيز قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: إنّ فيك جهلاً، فداو بعض ما فيك ببعضٍ، وآخ من الإخوان من كان ذا مغلاةٍ في الدّين ونّيةٍ في الحق، ولا تؤاخ منهم من تكون منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا قضى حاجته منك ذهب ما بينك وبينه. وإذا غرست غراساً من المعروف فلا تبقيّن أن تحسن تربيته.

للأحنف بن قيس في خير الإخوان وقال الأحنف بن قيس: خير الإخوان من استغنيت عنه لم يزدك في المودّة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن عثرت عضدك، وإن احتجت إلى مؤونته رفدك.

وقال الشاعر:

إنّ أخاك الصّدق من لم يخدعك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك

ومن إذا ريب زمانٍ صدعك ... شتت شمل نفسه ليجمعك

وإن رآك ظالماً سعى معك

شعر لحجيّة بن المضرّب وقال حجية بن المضّرب:

أخوك الذي إن تدعه لملمةٍ ... يجبك وإن تغضب إلى السّيف يغضب

وكتب رجلٌ إلى صديق له: أنت كما قال أعشى بأهلة:

من ليس في خيره منّ فيفسده ... على الصّديق ولا في صفوه كدر

وليس فيه إذا استنظرته عجلٌ ... وليس فيهأذا ياسرته عسر

لعلي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه وقال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه:

أخوك الذي إن أحوجتك ملمةٌ ... من الدّهر لم يبرح لها الدّهر واجما

وليس أخوك الحقّ من إن تشعّبت ... عليك أمورٌ ظلّ يلحاك لائما

وقال آخر:

إذا كان إخوان الرجال حرارةً ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب

لنا جانبٌ منه دميثٌ وجانبٌ ... إذا رامه الأعداء مركبه صعب

وتأخذه عند المكارم هزّةٌ ... كما اهتزّ تحت البارح الغصن الرطب

وقال آخر:

أبكي أخاً يتلقّاني بنائله ... قبل السؤال ويلقى السّيف من دوني

إنّ المنايا أصابتني مصائبها ... فاستعجلت بأخٍ قد كان يكفيني

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: رأس الموّدة الإسترسال لأكثم بن صيفيّ وقال أكثم بن صيفيّ: من تراخى تألف، ومن تشدّد نفرّ، والشرف التغافل.

لحاتم في العاقل وقال حاتم: العاقل فطنٌ مغافلٌ.

من كتاب الهند في علامة الصديق، وشعر للعتابي في ذلك وقرأت في كتاب للهند: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً ولعدوّ صديق عدواً.

قال العتابي في ذلك:

تودّ عدوّي ثم تزعم أنّني ... صديقك، إن الرأي عنك لعازب

وليس أخي من ودّني رأي عينه ... ولكن أخي من صدّقته المغايب

لبزر جمهر قيل لبزر جمهر: أخوك أحبّ إليك من صديقك؟ قال: إنما أحبّ أخي إذا كان صديقاً.

لبعضهم

 

********************************************

 

ج5.كتاب : عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري

 

 

وقال بعضهم: إن أحب إخواني إليّ، من كثرت أياديه عليّ.

شعر لرجل في أخٍ له وقال رجل في أخٍ له:

وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم لها وأقعد لا أقوم

وقال آخر:

أخٌ طالما سرّني ذكره ... فأصبحت أشجى لدى ذكره

وقد كنت أغدو إلى قصره ... فأصبحت أغدو إلى قبره

وكنت أراني غنيّاً به ... عن الناس لو مدّ في عمره

إذا جئته طالباً حاجةً ... فأمري يجوز على أمره

أعرابي يصف رجلاً وصف أعرابي رجلاً قال: كان واللّه يتحسّى مرار الإخوان ويسقيهم عذبه.

وقال أعرابي:

أخٌ لك ما تراه الدّهر إلا ... على العلاّت بسّاماً جوادا

سألناه الجزيل فما تلكّا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا

فأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا

مراراً لا أعود إليه إلاّ ... تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا

المودّة بالتّشاكل

لعبد اللّه بن عباس بلغني عن ابن عيينة أته قال: قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف يكفر، ولم ير كتقارب القلوب.

بين العرجيّ ورجل قال رجل للعرجيّ: جئتك أخطب إليك مودّتك. فقال: لا حاجة بك إلى الخطبة، قد جاءتك زناً فهو ألذّ وأحلى.

شعر للكميت بن معروف، وللطائي وقال الكميت بن معروف:

ما أنا بالنّكس الدّنئ ولا الذي ... إذا صدّ عنه ذو المودّة يقرب

ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهبٌ عني فلي عنه مذهب

ألا إنّ خير الودّ ودّ تطوّعت ... به النفس لا ودّ أتى وهو متعبٌ

وقال الطائي:

ذو الودّ وذو القربى بمنزلةٍ ... وإخواتي أسوةٌ عندي وإخواني

عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرّقوا في الأرض جيراني

أرواحنا في مكانٍ واحدٍ وغدت ... أبداننا بشآمٍ أو خراسان

شعر عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز وقال عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز:

ابن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحباً ... كمثلك إني مبتغٍ صاحباً مثلي

عزيزٌ إخائي، لا ينال مودّتي ... من القوم إلا مسلمٌ كاملٌ العقل

وما يلبث الإخوان أن يتفرّقوا ... إذا لم يؤلّف روح شكل إلى شكل

وقال الطائي:

ولن تنظم العقد الكعاب لزينةٍ ... كما ينظم الشمل الشتيت الشمائل

كتاب كاتب لصديق له كتب بعض الكتّاب إلى صديق له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمودٍ على الانقياد لك بغير زمامٍ، لأن النفس يتبع بعضها بعضاً.

أبو الدرداء لسلمان قال: حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا يزيد بن خلف عن يعقوب بن كعب عن بقيّة عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي عبيدٍ قال: كتب أبو الدّرداء إلى سلمان: إن تكن الدار من الدار بعيدةً فإنّ الرّوح من الرّوح قريبٌ، وطير السماء على إلفه من الأرض يقع.

شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:

يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه

وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه

وللشكل على الشكل ... مقاييسٌ وأشباه

وفي العين غنيً للعي ... ن أن تنطق أفواه

للمساحقي وقال المساحقي:

يزهّدني في ودّك ابن مساحق ... مودّتك الأرذال دون ذوي الفضل

وأنّ شرار الناس سادوا خيارهم ... زمانك، إنّ الرّذل للزّمن الرّذل

باب المحبةللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المحبة قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب، وكان أدرك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبّه " لمجاهد

 

وحدّثني محمد بن داود عن أبي الرّبيع عن حمّاد بن زيد عن ليث عن مجاهد قال: ثلاثٌ يصفين لك ودّ أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه. وثلاثٌ من العيّ: أن تعيب على الناس ما تأتي، وأن ترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك.

وكان يقال: لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً. أي لا تسرف في حبك وبغضك.

للحسن في الإعتدال في الحب ونحوه قول الحسن: أحبّوا هوناً فإنّ أقواماً في حبّ قوم فهلكوا.

وكان يقال: من وجد دون أخيه ستراً فلا يهتكه.

شعر لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا

بين عمر بن الخطاب وطليحة الأسدي قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لطليحة الأسديّ: قتلت عكّاشة بن محصنٍ! لا يحبّك قلبي! قال: فمعاشرةً جميلةً يا أمير المؤمنين، فإنّ الناس يتعاشرون على البغضاء.

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد أيامك - التي حسنت بك كأنها أعيادٌ، وفصرت بك حتى كأنها ساعات - يفوت الصفات؛ ومما جدّد الشوق وكثّر دواعيه تصاقب الدار، وقرب الجوار؛ تمم اللّه لنا النعمة المتجدّدة فيك بالنظر إلى الغرّة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها.

للحسن قال الحسن: المؤمن لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحبّ.

في بعض الكتب في شفاعة المحبة وقرأت في بعض الكتب: إنه ليبلغ من حس شفاعة المحبة أنّ الحبيب يسيء فيظنّ به الغلط ويذنب فيحتجّ له بالدّالّة، وذنبه لا يحتمل التأويل ولا مخرج له في جواز العقول. وفيه: كلّ ذنبٍ إذا شئت أن تنساه نسيته وإن شئت أن تذكره ذكرته، فليس بمخوفٍ. وليس الصغير من الذنب ما صغّره الحبّ، وإنما الصغير ما صغّره العدل. وليس الذنب إلا ما " لا " يصلح معه القلب ولا يزال حاضراً الدهر، وإلا ما كان من نتاج الؤم ومن نصيب المعاندة، فأما ما كان من غير ذلك فإنّ الغفران يتغمّده والحرمة تشفع فيه.

من كتاب رجل إلى صديق له، وشعر معقل لمخارق وكتب رجل إلى صديق له في فصل من كتاب: لساني رطب بذكرك، ومكانك من قلبي معمورٌ بمحبّتك. ونحوه قول معقل أخي أبي دلف لمخارقٍ :

لعمري لئن قرّت بقربك أعينٌ ... لقد سخنت بالبين منك عيونٌ

فسر وأقم وقفٌ عليك مّودتي ... مكانك من قلبي عليك مصونٌ

بين شبيب بن شيبة ورجل ذكر أنه يحبه وقال رجل لشبيب بن شيبة: واللّه أحبّك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي بجارٍ ولا أخٍ ولا قرابة! يريد أن الحسد موكّلٌ بالأدنى فالأدنى.

مثله بين شهر بن حوشب ورجل قال رجل لشهر بن حوشبٍ: إني لأحبّك. قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب اللّه ووزيرك على دين اللّه ومؤونتي على غيرك! شعر لبشار، ولغيره قال بشارٌ:

هل تعلمين وراء الحبّ مزلةً ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني

وقال غيره:

أحبّك حبّين لي واحدٌ ... وحبّ لأنك أهلٌ لذاكا

فأمّا الذي أنت أهلٌ له ... فحسنٌ فضلت به من سواكا

وأما الذي في ضمير الحشا ... فلست أرى الحسن حتى أراكا

وليسلي المنّ في واحدٍ ... ولكن لك المنّ في ذا وذاكا

وقال المسيّب بن علسٍ:

وعين السّخط تبصر كلّ عيبٍ ... وعين أخي الرّضا عن ذاك تعمي

لعبد اللّه بن معاوية ونحوه لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

فلست براءٍ ذي الودّ كلّه ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

وعين الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

بين بعض الخلفاء ورجل وقال بعض الخلفاء لرجل: إني لأبغضك. قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من فقد الحبّ المرأة، ولكن عدلٌ وإنصافٌ.

لشريح وقال شريحٌ:

خذي العفو منّي تستديمي موّدتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

فإني رأيت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب

لأعرابي في التشاكل وقال أعرابيّ: إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، ولا يظهر الودّ السليم إلا من القلب المستقيم.

 

وقال آخر: من جمع لك مع المودّة الصادقة رأياً حازماً، فاجمع له مع المحبة الخلصة طاعةً لازمةً.

للخليل بن أحمد قال اليزيديّ: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعداً على طنفسةٍ، فأوسع لي فكرهت التضييق عليه؛ فقال: إنه لا يضيق سمّ الخياط على متحابّين ولا تسع الدنيا متباغضين.

مدح أبو زبيد للوليد بن عقبة وقال أبو زبيد للوليد بن عقبة:

من يخنك الصفاء أو يتبدّل ... أو يزل مثلما تزول الظلال

فاعلمن أنني أخوك أخو العه ... د حياتي حتى تزول الجبال

ليس بخلٌ عليك منّي بمالٍ ... أبداً ما استقلّ سيفاً حمالٌ

فلك النصر باللسان وبالكفّ ... إذا كان لليدين مصال

كلّ شيءٍ يحتال فيه الرجال ... غير أن ليس للمنايا احتيال

شعر للمنخل اليشكري وقال للمنخّل اليشكري:

وأحبّها وتحبّني ... ويحبّ ناقتها بعيري

لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: واللّه لكأنّ القلوب والألسن ريضت له، فما تعقد إلا على ودّه، ولا تنطق إلا بحمده.

لعبد اللّه بن الزبير قال عبد اللّه بن الزّبير ذات يوم: وللّه لوودت أنّ لي بكلّ عشرةٍ من أهل العراق رجلاً من أهل الشأم صرف الدينار بالدرهم. فقال أبو حاضرٍ: مثلنا ومثلك كما قال الأعشي:

علّقتها عرضاً وعلّقت رجلاً ... غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل

أحبّك أهل العراق وأحببت أهل الشّأم وأحبّ أهل الشأم عبد الملك بن مروان.

بين عمر وأبي مريم السّلولي وقال عمر لأبي مريم السّلولي: واللّه لا أحبّك حتى تحبّ الأرض الدّم. قال: فتمنعني لذلك حقّاً؟ قال: لا.قال: فلا ضير.

أيضاً بين عمر ورجل همّ بطلاق امرأته وقال عمر أيضاً لرجل همّ بطلاق امرأته: لم تطلقها؟ قال: لا أحبّها. قال: أوكل البيوت بنيت على الحب وأين الرعاية والتذّمم شعر لأعرابي في الحب قال أعرابي:

أحبّك حبّاً لو بليت ببعضه ... أصابك من وجدٍ عليّ جنون

لطيفٌ مع الأحشاء أما نهاره ... فسبتٌ وأما ليله فأنين

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: اللّه يعلم أنني أحبّك لنفسك فوق محبّتي إياك لنفسي، ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعليّ، لآثرت المروءة وحسن الأحدوثة بإيثار حظّك على حظّي؛ وإني أحبّ وأبغض لك، وأوالي وأعادي فيك.

لبعضهم وقال بعضهم: هوّن فقد يفرط الحبّ فيقتل ويفرط الغمّ فيقتل ويفرط السّرور فيقتل؛ وينفتح القلب للسرور، ويضيق وينضمّ للحزن والحبّ.

أقوال في العشق وقالوا: العشق اسم لما فضل عن المحبة وقال بعضهم: العشق مرض قلبٍ ضعف.

وقال بعض الشعراء:

فتمّ على معشوقةٍ لا يزيدها ... إليه بلاء السّوء إلا تحبّبا

ما يجب للصديق على صديقهللنبي صلى اللّه عليه وسلم فيما يجب للمسلم على أخيه المسلم حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن ابن اسحاق عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " للمسلم على المسلم خصالٌ ستٌ: يسّلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشتمّه إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحضر جنازته إذا مات، ويحبّ له ما يحبّ لنفسه " قال: حدثني شبابة قال: حدثنا القاسم بن الحاكم عن إسماعيل بن عيّاشٍ عن هشامٍ بن عروةٍ عن أبيه عن عائشةٍ رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن كان مظلوماً فخذ له بحقه، وإن كان ظالماً فخذ له من نفسه " لمعاذ بن جبل وحدثني القومسيّ قال: حدثنا أبو بكر الطبريّ عن عبد اللّه بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن بكير قال: قال معاذ بن جبل: إذا آخيت أخاً فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوّاً فيخبرك بما ليس فيه فيفرّق بينكما.

شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولبٍ في هذا المعنى:

جزى اللّه عنّا حمزة بنة نوفلٍ ... جزاء مغلٍ بالأمانة كاذب

بما سألت عنّي الوشاة ليكذبوا ... عليّ وقد واليتها في النوائب

لابن سيرين

 

قال: وحدثني محمد بن داود " قال " : حدثني سعيد بن منصور عن جرير عن عبد الحميد عن عنبسة قال: قال ابن سيرين: لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملنّ كتاباً إلى أمير حتى تعلم ما فيه.

وكان يقال: يستحسن الصّبر عن كلّ أحدٍ إلا عن الصديق.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

إذا ضيّفت أمراً ضاق جدّا ... وإن هوّنت ما قد عزّ هانا

فلا تهلك بشيء فات يأساً ... فكم أمراً تصعّب ثم لانا

سأصبر عن رفيقي إن جفاني ... على كلّ الأذى إلا الهوانا

لابن المقفع وقال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامةّ بشرك وتحيّتك، ولعدوّك عدلك، وضنّ بدينك وعرضك عن كلّ أحدٍ.

لخالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة لما ولي قضاء البصرة قال أبو اليقطان: ولي خالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة قضاء البصرة فجعل يحابي؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: وما خير رجلٍ لا يقطع لأخيه قطعةً من دينه.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا: وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عجوزٍ، فقال: " إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان " .

لابراهيم النخعي فال إبراهيم النّخعيّ: إنّ المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب العقور فكيف عند الكريم الحسيب وقال الخليل بن أحمد:

وفّيت كلّ صديقٍ ودّني ثمناً ... إلا المؤمّل دولاتي وأيامي

ولعمربن أبي ربيعة في مساعدة الصديق وقال عمر بن أبي ربيعة في مساعدة الصديق:

وخلّ كنت عين النّصح منه ... إذا نظرت ومستمعاً سميعاً

أطاف بغيةٍ فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمراً شنيعاً

أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناها جميعاً

لبعض الكوفيين وقال بعض الكوفيين:

فإن يشرب أبو فرّوخ أشرب ... وإن كانت معتّقة عقاراً

وإن يأكل أبو فرّوخ آكل ... وإن كانت خنانيصاً صغاراً

قول أعرابي لأخٍ له وقال رجل من الأعراب لأخٍ له: أما واللّه ربّ يومٍ كتنّور الطّاهي رقّاصٍ بشرارة، قد رميت بنفسي في أجيج لهيبه فأحتمل منه ما أكره لما تحبّ شعر لابن الأعرابي، ولكثير وغيرهما وأنشد ابن الأعرابي:

أغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق

وقال كثّير:

ومن لا يغمّض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

ومن يتتبّع جاهداً كلّ عثرةٍ ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب

وقال آخر:

إذا ما صديقي رابني سوء فعله ... ولم يك عمّا ساءني بمفيق

صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق

ومن المشهور في هذا قول النابغة:

ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه ... على شعثٍ أيّ الرجال المهذّب

وكان يقال: من لك بأخيك كلّه وأنشدني الرّياشي:

إقبل أخاك ببعضه ... قد يقبل المعروف نزرا

وأقبل أخاك فإنه ... إنساء عصراً سرّ عصرا

ونحوه قول الآخر:

أخٌ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألواناً عليّ خطوبها

إذا عبت منه خلّةً فهجرته ... دعتني إليه خلّةٌ لا أعيبها

شعر لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

اصبر إذا عضّك الزمان،ومن ... أصبر عند الزمان من رجله

ولا تهن للصّديق تكرمه ... نفسك حتى تعدّ من خوله

يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله

ولست مستبقياً أخاً لك لا ... تصفح عما يكون من زلله

ليس الفتى بالذي يحول عن ال ... عهد ويؤتي الصديق من قبله

لخالد بن صفوان في أحب إخوانه إليه وقيل لخالد بن صفوان: أيّ إخوانك أحبّ إليك؟ قال: الذي يغفر زللي، ويقبل عللي ويسدّ خللي.

لبشار وقال بشار:

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

شعر الخريمي لأبي دلف وقال الخريمي لأبي دلف:

تملك إن كنت ذا إربةٍ ... من العالمين لشيخ وصيف

 

الإنصاف في المودّة

كان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له.

شعر لجرير، وغيره، في معنى هذا العنوان وقال جرير:

وإنّي لأستحي أخي أن ترى له ... عليّ من الحق الذي لا يرى ليا

وله أيضاً:

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركب حدّ السبف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل

ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك، فأنظر أيّ كف تبدّل

وقال آخر:

يا ضمر أخبرني ولست بمخبري ... وأخوك نافعك الذي لا يكذب

هل في القضيّة أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب

وإذا الشدائد بالشدائد مرّةً ... أشجينكم فأنا المحبّ الأقرب

عجباً لتلك قضيّة وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب

ولما لكم طيب البلاد ورعيها ... ولي الثّماد ورعيهن المجدب

وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

هذا لعمركم ااصّغار بعينه ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب

وقال ابن عيينة: سئل علي كرم اللّه وجهه عن قول اللّه تعالى: " إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان " فقال: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضّل.

وقال الشاعر:

صبغت أميّة في الدماء رماحنا ... وطوت أميّة دوننا دنياها

ويقال: من سنّ سنّةً فليرض أن يحكم عليه بها، ومن سأل مسألة فليرض بأن يعطى بقدر بذله.

وقال أبوالعتاهية:

إذا ما لم يكن لك حسن فهمٍ ... أسأت إجابة وأسأت سمعا

ولست الدّهر متّسعاً بفضلٍ ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا

وقال حمّاد عجرد:

ليت شعري أيّ حكم ... قد أراكم تحكمونا

أن تكونوا غير معط ... ين وأنتم تأخذونا

وقال آخر:

إذا كنت تأتي المرء تعرف حقّه ... ويجهل منك الحقّ فالترك أجمل

وفي العيس منجاةٌ وفي الهجر راحةٌ ... وفي الأرض عمّن لا يؤاتيك مرحل

وقال بشار:

إن كنت حاولت هواناً فما ... هنت وما في الهون من مقام

في الناس أبدال ولي مرحلٌ ... عن منزلٍ ناءٍ ومرعىً وخام

لا نائلٌ منك ولا موعدٌ ... ولا رسولٌ فعليك السلام

وقال آخر:

له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل

وقد كان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لغيره وهو الرسول

لأكثم بن صيفي وشعر لدعبل وقال أكثم بن صيفيّ: أحقّ من يشركك في النّعم شركاؤك في الكارة. أخذه دعبلٌ فقال:

وإنّ أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن آساك في الحزن

إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن

لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابيّ:

فإن آثرت بالودّ أهل بلادها ... على نازحٍ من أهلها لا ألومها

فلا يستوي من لا ترى غير لمّةٍ ... ومن هو ثاوٍ عندها لا يرميها

قول رجل لبعض السلطان وقال رجلٍ لبعض السلطان: أحقّ الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه، وأولاهم بالإنصاف من بسطت القدرة بين يديه؛ فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما عليك من الحق.

شعر المستهل بن الكميت لبني العباس قال المستهلّ بن الكميت لبني العباس:

إذا نحن خفنا في زمان عدوّكم ... وخفناكم إنّ البلاء لراكد

مداراة الناس وحسن الخلق والجواربين رجل ووهب بن منّبه في معنى هذا العنوان قال: حدّثنا الحسين بن الحسن " قال " : حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن وهيب قال: جاء رجل إلى وهب بن منّبه فقال: إنّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألاّ أخالطهم. فقال له وهبٌ: لا تفعل، فإنه لا بدّ للناس منك ولا بدّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعاً، وأعمى بصيراً، وسكوتاً نطوقاً.

العبد اللّه بن عمرو بن العاص

 

قال: وحدّثنا حسين بن الحسن قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن موسى بن عليّ بن رباح قال: سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أربع خلالٍ إن أعطيتهنّ فلا يضرّك ما عدل به من الدّنيا: حسن خليقةٍ، وعفاف طعمةٍ، وصدق حديثٍ، وحفظ أمانةٍ.

لعبد اللّه بن مسعود قال: وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد اللّه بن باباه قال: قال عبد اللّه بن مسعود: خلطوا الناس وزايلوهم.

نصيحة صعصعة بن صوحان لابن أخيه عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال: قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه: إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنّه.

للمسيح عليه السلام قال المسيح صلّى اللّه عليه: " كن وسطاً وامش جانباً " لأبي الدرداء وروي أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهريّة قال: قال أبو الدّرداء: إنّا لنكشر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم.

بين عمر رضي اللّه عنه ولبيدة العجلي ودخل لبيدة العجليّ على عمر رضي اللّه عنه، فقال له عمر: أقتلت زيداً؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلاً يسمّى زيداً، فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه اللّه بيدي ولم يهنّي به ثم لم ير من عمر بعد ذلك مكروهاً.

بين محمد بن أبي الفضل الهاشمي وأبيه قال محمد بن أبي الفضل الهاشميّ: قلت لأبي: لم تجلس إلى فلانٍ وقد عرفت عداوته؟ فقال: أخبي ناراً وأقدح عن ودّ.

شعر للمهاجر بن عبد اللّه الكلابي وقال المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ:

وإنّي لأقصي المرء من غير بغضةٍ ... وأدني أخا البغضاء منّي على عمد

ليحدث ودّاً بعد بغضاء أو أرى ... له مصرعاً يردي به اللّه من يردي

بين عقال بن شبة ولأبيه وقال عقال بن شبّة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغلٍ فحيّاه أبي وألطفه؛ فلمّا مضى قلت: أبعد ما قال لنا ما قال! قال: يا بنيّ، أفأوسّع جرحي! لابن الحنفية قال ابن الحنفيّة: قد يدفع باحتمال مكروهٍ ما هو أعظم منه.

للحسن في حسن السؤال، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة.

لابن الشهاب مدح ابن شهابٍ شاعرٌ فأعطاه، وقال: من ابتغى الخير اتّقى الشرّ.

في الأثر وفي الحديث المرفوع: " أوّل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن " وقال: إنّ حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الإعمار.

وقال: من حسّن اللّه خلقه وخلقه كان من أهل الجنة.

لبعض الشعراء قال الشاعر:

فتىً إذا نبّهته لم يغضب ... أبيض بسّامٌ وإن لم يعجب

موكّل النفس بحفظ الغيّب ... أقصى رفيقته له كالأجنب

من كتاب العجم وقرأت في كتب العجم: حسن الخلق خير قرينٍ، والأدب خير ميراثٍ، والتوفيق خير قائدٍ.

لعائشة رضي اللّه عنها في الأنصار وقالت عائشة رضي اللّه عنها: ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألاّ تنزل من أبويها.

لجعفر بن محمد في حسن الجوار وصدقة السر وقال جعفر بن محمد: حسن الجوار عمارة للدار، وصدقة السرّ مثراةٌ للمال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص وقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: ثلاثةٌ من قريش أحسنها أخلاقاً وأصبحها وجوهاً وأشدّها حياءً، إن حدّثوك لم يكذبوك، وإن حدّثتهم بحقً أو باطل لم يكذّبوك: أبو بكر الصدّيق، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهم.

شعر ليزيد بن الطثرية وقال يزيد بن الطثرية:

وأبيض مثل السيف خادم رفقةٍ ... أشمّ ترى سرباله قد تقدّدا

كريم على علاّته لو تسّبه ... لفدّاك رسلاً لا تراه مربدّاً

يجيب بلبيه إذا ما دعوته ... ويحسب ما يدعي له الدهر أرشدا

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من تزوّد خمساً بلّغته وآنسته: كفّ الأذى، وحسن الخلق ومجانبة الرّيب والنبّل في العمل، وحسن الأدب شعر للمرّار ولغيره، في مداراة القرابة وقال المرّار في مداراة القرابة:

ألا أنّما المولى كعظمٍ جبرته ... فلا يخرق المولى ولا جابر العظم

وقال آخر في مداراة الناس:

وأنزلني طول النّوى دار غربةٍ ... إذا شئت لاقيت آمراًر لا أشاكله

 

فحامقته حتى يقال سجيّةً ... ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقله

وقال بشارٌ:

خليليّ إنّ العسر سوف يفيق ... وإنّ يساراً في غدٍ لخليق

وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق

التلاقي والزيارةللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا الفضل بن دكينٍ عن طلحة بن عمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " زر غباً تزدد حباً " لجعفر بن سليمان في حبيب بن سويد وقال الأصمعيّ: دخل حبيب بن سويد على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر: حبيب بن سويد وادّ الصّديق، حسن الثناء، يكره الزيادة المملّة، والقعدة المنسية.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثّقة: الزيادة في الرّحل، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم.

شعر للطائي وقال الطائي

وحظّك لقيةٌ في كل عامٍ ... موافقةً على ظهر الطريق

للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن عاد مريضاً أو زار أخاً قال: أخبرنا اسحاق بن إبراهيم الصّواف عن موسى بن يعقوب السّدوسيّ عن أبي السّنان عن عثمان بن أبي سودة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من عاد مريضاً أو زار أخاً ناداه منادٍ من السماء: أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلاً " من كتاب رجل إلى صديق له كتب رجل إلى صديق له: مثلنا، أعزّك اللّه، في قرب تجاورنا وبعد تزاورنا ما قال الأول:

ما أقرب الدار والجوار وما ... أبعد مع قربنا تلاقينا

وكلّ غفلةً منك محتملةٌ، وكل جفوةٍ مغفورةٌ، للشّغف بك، والثّقة بحسن نيّتك، وسآخذ بقول أبي قيس:

ويكرمها جارتها فيزرنها ... وتعتلّ عت إتيانهنّ فتعذر

شعر لأعرابية وقالت أعرابية:

فلا تحمدوني في الزيادة إنّني ... أزوركم إذ لم أجد متعلّلاً

كتاب رجل إلى صديق له يستزيره وكتب رجل إلى صديق له يستزيره: طال العهد بالإجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي، وقد جعلك اللّه للسّرور نظاماً، وللأنس تماماً، وجعل المشاهد موحشةً إذ خلت منك.

شعر لسهل بن هارون وقال سهل بن هارون:

وما العيش إلا أن تطول بنائل ... وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي

لبشار وقال بشار:

تسقط الطير حيث تلتقط الح ... بّ وتغشي منازل الكرماء

بين صديقين قال رجل لصديق له: قد تصدّيت للقائك غير مرّة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر: كلّ برّ تأتيه فأنت تأتي عليه.

شعر لابن الأعرابي، ولغيره قال ابن الأعرابي:

وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم ... لترجعني يوماً عليك الرواجع

وقال آخر:

رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفرٍ يسري به وهو لا يدري

تثاقلت ألا عن يدٍ أستفيدها ... وزورة ذي ودٍّ أشدّ به أزري

وقال آخر:

أزور محمداً وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور

فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير

لسفيان بن عيينة كان سفيان بن عيينة يقول: لا تعفّروا الأقدام إلا أقدارها؛ وأنشد:

نضع الزيارة حيث لا يزري بنا ... شرف الملوك ولا تخيب الزّوّر

وكان يقال: امش ميلاً وعد مريضاً، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة أميال وزر أخاً في اللّه.

لبعض المحدثين:

إذا شئت أن تقلى فزر متتابعاً ... وإن شئت أن تزداد حبّاً فزر غبّا

وقال آخر:

أقلل زيارتك الصّدي ... ق يراك كالثوب استجدّه

إنّ الصديق يملّه ... ألاّ يزال يراك عنده

قول رجل لصديق عنده قال رجل لصديق له: ما أخلو وإن كان اللقاء قليلاً من سؤالٍ أو مطلعةٍ لك، فقلبي يقوم مقام العيان.

وقال آخر لصديق له: قد جمعتنا وإياك أحوالٌ لا يزري بها بعد اللقاء ولا يخلّ بها تنازح الديار. وقال آخر: لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرّض به قبل معرفة العين للجفوة، لم أتوقّف على مطلعةٍ حتى أصير إليك.

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

وما لي وجهٌ في اللئام ولا يدٌ ... ولكنّ وجهي في الكرام عريض

 

أصحّ إذا لاقيتهم وكأنّني ... إذا أنا لاقيت اللئام مريض

لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:

أبلغ أخاً ما تولى اللّه صحبتنا ... أنّي وإن كنت لا ألقاه ألقاه

وأن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه

اللّه يعلم أني لست أذكره ... وكيف أذكره إذ لست أنساه

المعاتبة والتجنّي

لأبي الدرداء في معاتبة الأخ قال: حدّثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر قال: قال أبو الدّرداء: معاتبة الأخ خيرٌ من فقده، ومن لك بأخيك كلّه!.

وكان يقال: التجنّي وافد الصّرم.

بعض ما جاء في الإنجيل وقرأت في الإنجيل: إن ظلمت أخوك فأذهب فعاتبه فيما بينك وبينه، فأن أطاعك فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فأستتبع رجلاً أو رجلين يشهدان ذلك الكلام، فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة، فإن لم يستمع من أهل البيعة فليكن عندك كصاحب المكس.

شعر لابن أبي فنن وقال ابن أبي فنن:

إذا كنت تغضب من غير ذنبٍ ... وتعتب من غير جرمٍ عليّا

طلبت رضاك فإن عزّني ... عددتك ميتاً وإن كنت حيّا

قنعت وإن كنت ذا حاجةٍ ... فأصبحت من أكثر الناس شيّا

فلا تعجبنّ بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديّا

ولأبي نهشل يعاتب صديقه وقال أبو نهشل يعاتب صديقاً له:

عدلت عن الرّحاب إلى المضيق ... وزرت البيت من غير الطريق

وتظلم عند طاعتك الموالي ... وليس الظلم من فعل الصديق

تجود بفضل عدلك للأقاصي ... وتمنعه من الخلّ الشفيق

أمّا والراقصات بذات عرق ... وربّ البيت والركن الوثيق

لقد أطلقت لي تهماً أراها ... ستحملني على مضض العقوق

ولآخر وقال آخر:

فدع العتاب فربّ ش ... رّ هاج أوّله العتاب

للجعدي وقال الجعدي:

وكان الخليل إذا رابني ... فعاتبته ثم لم يعتب

هواي له وهوى قلبه ... سواي وما ذاك بالأصوب

فإني جريء على صرمه ... إذا ما القرينة لم تصحب

لرجل يعاتب صديقه قال رجلٌ لصديق له يعلتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا أستبطئك إلاّ لك، ولا أستزيدك إلا بك، فأنا منتظرٌ واحدة من اثنتين: عتبي تكون منك،أو عقبي الغنى عنك.

وقال آخر: قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفحٌ لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجرٌ لا وصل بعده.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

ولا خير في قربي لغيرك نفعها ... ولا في صديق لا تزال تعاتبه

يخونك ذو القربى مراراً وربّما ... وفي لك عند الجهد من لا تناسبه

لأوس بن حجر وقال آخر وهو أوس بن حجر:

وقد أعتب ابن العمّ إن كان ظالماً ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجل إلى صديق له: الحال بيننا تحتمل الدّالّة، وتوجب الأنس والثّقة، وتبسط اللسان بالاستزادة. وكتب رجل آخر إلى صديق له: قد جعلك اللّه ممن يحتمل الدّالّة الكبيرة لذي الحرمة اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحميّة.

من أقوال العرب لمن عوتب فلم يعتب والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب: " لك العتبى بأن لا رضيت " مثله شعر لبشر بن أبي خازم ونحوه قول بشر بن أبي خازم:

غضبت تميمٌ أن تقتل عامرٌ ... يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم

قول أوس بن حارثة لابنه وقال أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب وهذا نحو قول الآخر: ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك بين إياس بن معاوية وشيخ أعرابي

 

وقال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلّما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخٌ من الحيّ، فقال لهما الشيخ: أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجنّي، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة. فقلت للشيخ: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلّونه فقلت له: ما أفادك الدّهر؟ قال: العلم به. قلت: فماذا رأيت أحمد؟ قال: أن يبقى المرء أحدوثةً حسنة بعده. قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك الشيخ وصلّيت عليه.

وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودّتك من عارض يغيرّه وعتابٍ يقدح فيه، وأؤمّل نائياً من رأيك يغني عن اقتضائك.

من كتاب العتابي وقرأت في كتاب العتابي: تأّنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقّبنا انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلظ فيك، فها نحن قد عرفناك حقّ معرفتك في تعدّيك لطويل حقّ من غلظ في اختيارك.

وقال الشاعر:

فأيّهما يا ليل إن تفعلي بنا ... فآخر مهجورٍ وأول معتب

كتاب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب: يجب على المرؤوس إذا تجاوز به الرئيس حقّ مرتبته بعلمه، وكان تفضيله إنما وقع له بخفته على القلب ومحلّه من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محامياً على محلّه، وإلا فلن يؤمن عليه. معنى بيت شريح:

فإني رأيت الحبّ في الصّدر والأذى ... إذا اجتمعنا لم يلبث الحبّ يذهب

باب الوداعللنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان قال: حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا ودع رجلاً: " أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك وآخر عمرك " قال: وحدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن أبي كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أريد سفراً غداً. فقال: " في حفظ اللّه وكنفه زوّدك اللّه التقوى وغفر ذنبك ووجهّك للخير حيث كنت " للحسن يودع رجلاً المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودّع رجلاً وعيناه تهملان وهو يقول:

وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزيئة مالٍ أو فراق حبيب

شعر لرجل ودّع صديقاً قال: وودّع رجلٌ صديقاً له وهو يقول:

وداعك مثل وداع الربيع ... وفقدك مثل افتقاد الندّيم

عليك السلام فكم من وفاءٍ ... نفارقه منك أو من كرم

وقال الطائي:

بيّن البين فقدها، قلّما تع ... رف فقداً للشمس حتى تغيبا

وقال جرير:

يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذّل

لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

أو كنت أرهب وشك بينٍ عاجلٍ ... لقنعت أو لسألت ما لم يسأل

بين الواثق وبكر المازني وبلغني عن بكر المازنيّ أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي: ما أسمك؟ فقلت: بكّر. قال: من خلّفت ورائك؟ قلت: بنيّة. قال: ما قلت عند وداعك؟ قلت: قالت:

إذا غبت عنّا وخلّفتنا ... فإنا سواءٌ ومن قد يتم

أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم

أبانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منّا الرّحم

قال: فما قلت لها أنت؟ قال: قلت ما قال جرير:

ثقي باللّه ليس له شريكٌ ... ومن عند الخليفة بالنّجاح

شعر لعبد لبني عقيل بعدما باعوه كان ابني عقيلٍ عبدٌ رضيعٌ بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه شعراً:

أشوقاً ولمّا يمض بي غير ليلةٍ ... فكيف إذا سار المطيّ بنا شهراً

لمسلم بن الوليد، وغيره، في الوداع وقال مسلم بن الوليد:

وإنّي وإسماعيل عند وداعه ... لكالغمد يوم الرّوع زايله النّصل

فإن أغش قوماً بعدهم وأزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل

 

وقال آخر عند توديعه:

عجبت لتطويح النّوى من نحبّه ... وتدنو بمن لا يستلذّ له قرب

وقال آخر:

مالت تودّعني والقلب يغلبها ... كما يميل نسيم الريح بالغصن

ثم استمرت وقالت وهي باكيةٌ ... يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن

قول رجل لآخر ودّعه وقال آخر لرجل ودّعه: بقي علينا أن نكفّ من غرب الشّؤون، ونستعين على فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسنٌ ناطقة، وعيونٌ رامقة.

شعر للبحتري وقال البحتري:

اللّه جارك في انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك

لا تعذلنّي في مسي ... ري يوم سرت ولم ألاقك

إنّي خشيت موافقاً ... للبين تفسح غرب ماقك

وعلمت ما يلقلا المودّ ... ع عند ضمّك واعتناقك

فتركت ذاك تعمّداً ... وخرجت أهرب من فراقك

الهداياللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المصافحة والهدية قال: حدّثنا يزيد بن عمرو قال:حدّثنا عمير بن عمران قال: حدّثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب غلّ الصدور، وتهادوا فإنّ الهديّة تذهب بالسّخيمة " .

وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضّل عن يونس عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لو أهديت لي ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت " .

وفي حديث آخر: " تهادوا تحابّوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسلّ سخيمة القلب " .

لابن عمر في الهدايا قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: سمعت نافعاً يحدّث قال: كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة.

بين عمرو بن عبيد اللّه والحارث بن عبد اللّه وروى الزّبير بن بكّار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد اللّه بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كلّ يوم بقربةٍ من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى عمروٌ أهله " فقال " : لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يردّه علينا. وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا. فلما راح الحارث بعمرو قال: يا هذا لا تجمعنّ علينا الهجر وحبس اللبن فقال: أمّا إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري. فحملها من ردم بني جمح إلى أجياد.

للنضر بن الحارث وقد بعث بهدية إلى صديق له وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبّادان بنعلين مخصوفتين وكتب إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنىً، ولكنّي أحببت أن تعلم أنك مني على ذكرٍ.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

إنّ الهديّة حلوةٌ ... كالسّحر تجتلب القلوبا

تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيّره قريبا

وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد نفرته حبيبا

بين صديقين أهدى أحدهما للآخر عبداً أسود أهدى رجلّ إلى صديق له عبداً أسود، فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عدداً أقلّ من واحد أو لوناً شرّاً من الأسود لبعثت به إليّ.

وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد؟ قال: خبيثٌ قليل. قيل: وكيف؟ فقال: لا أقلّ من واحد ولا أخبث من بنت.

جواب أمير لرجل أهدى له هدية أهدى رجلٌ إلى بعض الأمراء هديةً، فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع ورددتها بالأبقاء.

لابن عباس في الهدية وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هديّة وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛ فأهدى إليه صديقٌ ثياباً من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل: ألم تخبرنا أنّ من أهديت له هديّة وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها! فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا.

لخلف الأحمر وقال خلفٌ الأحمر:

أتاني أخٌ من غيبةٍ كان غابها ... وكنت إذا ماغاب أنشده ركبا

فجاء بمعروفٍ كثيرٍ فدسّه ... كما دسّ راعي السّوء في حضنه الوطبا

فقلت له هل جئتني بهديّةٍ ... فقال بنفسي قلت أتحف بها الكلبا

هي النفس لا أرثي لها " من " بليّةٍ ... ولا أتمنى أن رأيت لها قربا

 

أهدي رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هديّة من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم.

بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وحدّثنا أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمّها أم حفص عن صفيّة بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعيّة قالت: قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: ما جزاء الغنيّ من الفقير؟ قال: " النصيحة والدعاء " . قلت: يكره ردّ اللّطف؟ قال: " ما أقبحه، لو أهديت إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحبّ ويذهب بغوائل القلوب " .

ليزيد بن عمر بن هبيرة وقد أهديت إليه هدايا وحدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال: حدّثني خلاّد بن يزيد الباهليّ قال: أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فضفّت بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضراً:

كأنّ شماميس في بيعةٍ ... تسبّح في بعض عيداتها

وقد حضرت رسل المهرجا ... ن وصفّوا كريم هديّاتها

علوت برأسي فوق الرؤوس ... فأشخصته فوق هاماتها

لأكسب صاحبتي صحفةً ... تغيظ بها بعض جارتها

فأمر له بجامٍ من ذهب، ثم أقبل يفرّق بين جلسائه تلك الهدايا، وينشد:

لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلةٌ ... فليس ينقصها التبذير والسّرف

فإن تولّت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

بين رجل من أصحاب السلطان وبعض العمال كتب رجلٌ من أصحاب السلطان إلى بعض العمال يستهديه مهارةً من ناحية عمله. فكتب إليه العامل: أمّا المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون بها مهور العقائل؛ وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق، إن شاء اللّه.

لبعضهم في الهدية وقال بعضهم: الهديّة إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت ودّقت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع لها وأنجع.

لأبي السمط وكتب أبو السمط:

بدولة جعفرٍ حسن الزمان ... لنا بك كلّ يوم مهرجان

ليوم المهرجان بك اختيالٌ ... وإشراقٌ ونورٌ يستبان

جعلت هديّتي لك فيه وشياً ... وخير الوشي ما نسج اللسان

بين قتادة وحسام بن مصك أهدى حسام بن مصكّ إلى قتادة نعلاً رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال: إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديّته.

وقال الشاعر:

سقى حجّاجنا نوء الثريّا ... على ما كان من بخلٍ ومطل

هم جمعوا النعال وأحرزوها ... وسدّوا دونها باباً بقفل

فإن أهديت فاكهةً وجدياً ... وعشر دجاج بعثوا بنعل

ومسواكين طولهما ذراعٌ ... وعشرٍ من رديء المقل حسل

فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعلٍ فدقّ اللّه رجلي

أناس تائهون لهم رواءٌ ... تغيم سماؤهم من غير وبل

إذا انتسبوا ففرعٌ من قريش ... ولكنّ الفعال فعال عكل

لرجل أهدى هدية لصديقه كتب رجل إلى صديقه له: لولا أنّ البضاعة قصّرت بي عن بلوغ الهمة لأتبعت المسابقين إلى برّك. وكرهت أن تطوي صحيفة البرّ، وليس لي فيها ذكر، فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب أشنان.

شعر للطائي وقد أهدى للحسن بن وهب قلماً أهدي للطائيّ إلى الحسن بن وهب قلماً وكتب إليه:

قد بعثنا إليك أكرمك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول

لا تقسه إلى ندى كفّك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل

واغتفر قلّة الهديّة منّي ... إنّ جهد المقلّ غير قليل

مثله من أبي العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد أرسل إليه نعلاً وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعلٍ وكتب معها:

نعلٌ بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدمٌ إلى المجد

لو كان يمكن أن أشرّكها ... جلدي جعلت شراكها خدّي

لبعض الشعراء، وللمهدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك:

أو ما رأيت الورد أتحفنا به ... إتحاف من خطر الصديق بباله

 

لو كان يهدي لامريءٍ ما لا يرى ... يهدي لعظم فراقه وزياله

لرددت تحفته عليه وإن علت ... عن ذاك واستهديت بعض خصاله

وقال المهديّ:

تفّاحةٌ من عند تفّاحةٍ ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد

واللّه ما أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرّقاد

كتاب بعض العمال إلى صديق له قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفّحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى الّادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء، وإن قصّرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملكٌ لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئاً منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودّتي فوجدتهما خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هدّيتي لم أجدّد لهذا اليوم برّاً ولا لطفاً. ولم أقس منزلةً من شكري بمنزلةٍ من نعمتك إلا كان الشكر مقصّراً عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك سبيلاً ألتمس بها برّاً أعتدّ به أو لطفاً أتوصّل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني إليه، فجعلت الأعتراف بالتقصير عن حقّك هديّهً إليك؛ وقد قلت في ذلك:

إن أهد نفسي فهي من ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله

معاوية بن أبي سفيان وقريش لما قدم معاوية المدينة منصرفاً من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزّبير وعبد اللّه بن صفوان بن أميّة بهدايا من كسىً وطيبٍ وصلاتٍ من المال ثم قال لرسله: ليحفظ كلّ رجلٍ منكم ما يرى ويسمع من الردّ. فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم. قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين قال: أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئاً من الطّيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائباً. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن وأما عبد اللّه بن جعفر فبقول: يا بديح! اقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي وأما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب، فإن بقي شىء ادّخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته: خذوا من الرسول معاوية ما بعث به، وصله اللّه وجزاه خيراً؛ لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحدٍ ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلّي أن أعود بها على ابن هند يوماً ما. وأما عبد اللّه بن صفوان فيقول: قليلٌ من كثير وما كل رجلٍ من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال معاوية فقال معاوية: أنا ابن هند! أعلم بقريش من قريش.

بين يونس بن عبيد وابن سيرين قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية فسمعته يقول: قولوا له: إني نائم يريد: سأنام؛ فقلت: معي خبيص؛ فقال: مكانك حتى أخرج إليك.

بين رجل وأبي الدرداء قال رجل لأبي الدّرداء: إن فلاناً يقرئك السلام؛ فقال: هديةٌ حسنة ومحمل خفيف.

لرجل بعث بهدية إلى جارية وبعث رجل إلى جارية ييقال لها " راح " براحٍ وكتب إليها:

قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك

قد شربناك فأشربي ... وبعثنا إليك بك

شعر لعبيد بن الأخطل إلى رجل أهدى له شاة مهزولة أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاةً مهزولة فكتب إليه عبيد:

وهبت لنا يا أخا منقرٍ ... وعجل وأكرمها أوّلا

عجوزاً أضرّ بها دهرها ... وأنزلها الذّلّ دار البلى

سلوحاً حسبت بأن الرّعاء ... سقوها الغريقون والحنظلا

وأجدب من ثور زرّاعةٍ ... أصاب على جوعه سنبلا

وأزهد من جيفةٍ لم تدع ... لها الشمس من مفصلٍ مفصلا

فأهوت يميني إلى جنبها ... فخلت حراقيفها جندلا

وأهوت يساري لعرقوبها ... فخلت عراقيبها مغزلا

فقلت أبيع فلا مشرباً ... تؤدي إليّ ولا مأكلا

أم أجعل من جلدها حنبلاً ... فأقذر بحنبلها حنبلا

 

إذا هي مرّت على مجلس ... من العجب كبّر أو هلّلا

رأو آية خلفها سائقٍ ... يحثّ وإن هرولت هرولا

فكنت أمرت بها ضخمةً ... بشحم ولحمٍ قد اسستكملا

ولكنّ روحاً عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا

فعضّ الذي خانني حاجتي ... بإست آمه بظرها الأغرلا

فلولا مكانك خضّبتها ... وعلّقت في جيدها جلجلا

فجاءت لكيما حالها ... فتعلم أني بها مبتلي

سألتك لحماً لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيّلا

فخذها وأنت بها محسنٌ ... وما زلت بي محسناً مجملا

لدعبل وقد أهدي له بأضحيّة وبعث رجل إلى دعبل بأضحيّة، فكتب إليه:

بعثت إليّ بأضحيّةٍ ... وكنت حريّاً بأن تفعلا

ولكنها خرجت غثةً ... كأنك أرعيتها حرملا

فإن قبل اللّه قربانها ... فسبحان ربّك ما أعدلا

لرجل سئل عن ثمن النعال بمكة قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النّعال بمكة؟ قال: أثمان الجداء بالعراق.

شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:

جزى اللّه من أهدى التّرنج تحيةً ... ومنّ بما يهوى عليه وعجّلا

أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحّلا

ولو أنه أهدى إليّ وصاله ... لكان إلى قلبي ألذّ وأوصلا

شعر لرجل إلى صديق له شرب دواء وكتب رجل إلى صديق له شرب دواءً:

تأنق في الهديّة كلّ قومٍ ... إليك غداة شربك للدواء

فلمّا أن هممت به مدلاّ ... لموضع حرمتي بك والإخاء

رأيت كثير ما أهدي قليلاً ... لعبدك فاقتصرت على الدّعاء

وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودّة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبرّ والملاطفة

العيادةللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدثنا يزيد بن عمرو قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا شريك عن أبي نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من الأنصار من رمدٍ كان بعينه.

ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: " ثلاثة لا يعادون صاحب الدّمل والرمد والضرس " عيادة أبو الدرداء لجارٍ له نصراني وحدثني القاسم بن الحست عن ابن الأصفهاني عن إسماعيل بن عيّاش عن أرطأة بن المنذر: أن أبا الدرداء عاد جاراً له نصرانياً.

للشعبي في عيادة الحمقى " النوكي " قال الشعبي: عيادة النّوكي أشدّ على المريض من وجعه.

بين بكر بن عبد اللّه وقوم عادوه فأطالوا عنده شيبان عن أبي هديّة عن أبي هلال قال: قال بكر بن عبد اللّه لقوم عادوه فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار.

مثله لعليل أطال عنده عوّاده عاد قومٌ عليلاً فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم في الدار حقُ فخذوه وانصرفوا.

بين رقبة ورجل عاده فنعى رجالاً عاد رجل رقبة، فنعى رجالاً اعتلّوا مثل علّته، فقال له رقبة: إذا دخلت على مريضٍ فلاتنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا.

لأعرابي يعود أعرابياً عاد أعرابيّ أعرايباً فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق واللّه عليّ الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا تحملان؛ أتيتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فأشممها واذكر نجداً، فهو الشفاء بإذن اللّه.

شعر لكثير قال كثير:

ألا تلك عزّة قد أقبلت ... تقلّب للبين طرفاً غضيضا

تقول مرضت وما عدتنا ... فقلت لها لا أطيق النهوضا

كلانا مريضان في بلدةٍ ... وكيف يعود مريضٌ مريضا

وقال آخر:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر

لبشار وقال بشار:

لو كانت الفدية مقبولةً ... لقلت بي لا بك حمّاكا

شعر إلى عليل وكتب آخر إلى عليل:

نبئت أنّك معتلٌّ فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كلّ محذور

 

يا ليت علّته بي غير أنّ له ... أجر العليل وأنّي غير مأجور

وكتب آخر إلى عليل:

أقول بحقٍّ واجبٍ لك لازمٍ ... وإخلاص شكرٍ لا يغيّره الدهر

بي السوء والمكروه لا بك كلّما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر

وقال آخر في مثله:

فأن تك حمّى الغبّ شفّك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر

وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بي الشكوى وكان لك الأجر

في الأثر وفي الحديث المرفوع " حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا البلايا بالدعاء " وفي حديث آخر أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: " من أصبح منكم صائماً؟ " . قال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازةً؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن فيكم تصدّق بصدقة؟ " قال عمر: أنا. فقال صلى اللّه عليه وسلم: " وجبت وجبت وجبت " .

وفي حديث آخر: أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: " إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه أو يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة " .

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

إن كنت في ترك العيادة تاركاً ... حظّي فإني في الدعاء لجاهد

فلربما ترك العيادة مشفقٌ ... وأتي على غلٍ الضمير الحاسد

للعتبي عن أبيه أبو حاتم قال: حدّثنا العتبيّ عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم عوفي ولم يحدث خيراً ولم يكفّ عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضاً وقالت: إن فلاناً داويناه فلم ينفعه الدواء.

لمعاوية وقد أصيب بلقوة وقال أبو حاتم: حدّثنا القحذميّ قال: أطلع معاوية في بئر بالأبواء فأصابته لقوة، فاعتمّ بعمامةٍ سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتبٌ ليعتب، وإما معاقب بذنب، أو مبتلّي ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاؤون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض منّي فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني. وإني وإن كنت عاتباً على خاصّ منكم فإني حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم. وقد أصبت ترون، فرحم اللّه امرأً دعا لي بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.

بين أبي عمرو بن العلاء ورجل من أصحابه أراد مساهرته مرض أبو عمرو بن العلاء مرضةً، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ فقال: ما يبطىء بك؟ قال: أريد أن أساهرك. قال: أنت معافىً وأنا مبتليً، فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل اللّه أن يسوق إلى أهل العاقية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر.

لأعرابي اشتكى فجعل الناس يعودونه وأكثروا عليه حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت؟ فلما أكثروا عليه قال: كما قلت لصاحبك.

مثله لرجل من أهل المدينة كتب قصته في رقعة قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصّته في رقعةٍ، فكان إذا دخل عليه " عائد " وسأله دفع إليه الرقعة.

لرجل محدود من أهل السواد الهيثم بن عديّ قال: كان رجل من أهل السّواد محدوداً لا يقصد في شيء إلا انصرف عنه، فغاب مرّةً فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله وما كان فيه، وكان فيه برمٌ، فأخذ رقعةً فكتب فيها:

وما زلت أقطع عرض الفلاة ... من المشرقين إلى المغربين

وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً ... وأستمطر الجدي والفرقدين

وأطوي وأنشر ثوب الهموم ... إلى أن رجعت بخفّي حنين

فقيراً وقيراً أخا عسرةٍ ... بعيداً من الخير صفر اليدين

كئيب الصّديق بهيج العدوّ ... طويل الشّقا زاني الوالدين

وطرحها في مجلسه، فكلّ من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة لنبطي وقع في موضع عال وقوم يسألونه كيف وقع

 

قال: حدّثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيّاً وقع من موضع عالٍ، فدخلوا يسألونه: كيف وقعت؟ فلما أكثروا عليه أخذ جرّةً وألقاها من يده وقال: هكذا وقعت.

لرجل أحدب وقع في بئر فصار آدراً أبو الخطاب قال: كان عندنا رجلٌ أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شرّ من الذي ذهب.

شعر ليحيى بن نوفل الحميري في سقوط ابن شبرمة القاضي عن دابته المدائنيّ قال: سقط ابن شبرمة القاضي عن دابّته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن نوفل الحميريّ عليه فقال:

أقول غداة أتاني الخبير ... فدسّ أحاديثه الهينمة

لك الويل من مخبرٍ ما تقول؟ ... أبن لي وعدّ عن الجمجمة

فقال خرجت وقاضي القضا ... ة مثقلةٌ رجله مؤلمة

فقلت وضاقت عليّ البلاد ... وخفت المجلّلة المعظمة

فغزوان حرّ وأمّ الوليد ... إن اللّه عافى أبا شبرمة

جزاءً لمعروفه عندنا، ... وما عتق عبدٍ له أو أمه؟

قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا أبا معمر، من غزوان وأم الوليد؟ فضحك وقال: أو ما تعرفهما؟ هما سنّوران في البيت.

لأبي الدقيش وقد سئل عن حاله في مرضه قال: حدّثنا الرّياشي عن أبي زيد قال: دخلنا على أبي الدّقيش وهو شاكٍ، فقلنا له: كيف تجدك؟ قال: أجدني أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، ولقد أصبحت في شرّ زمانٍ وشرّ أناسٍ: من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد.

مثله لعمرو بن العاص، وغيره قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرةً: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي، فما بقاء الشيخ على هذا!.

سئل عليلٌ عن حاله فقال: أنا مبلٌّ غير مستقلّ، ومتماثلٌ غير متحامل.

وقيل لآخر: كيف تجدك؟ قال: أجدني لم أرض حياتي لموتي.

وقيل لرجل من المعجم: ما حالك؟ قال: ما حال من يريد سفراً طويلاً بلا زادٍ! وينزل منزلاً موحشاً بلا أنيس! ويقدم على جبّار قد قدّم العذر بلا حجّة!.

قيل لعكرمة: كيف حالك؟ قال: بشرٍّ، أصبحت أجرب مبسوراً.

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قيل لشيخ من العبّاد: كيف أنت، وكيف أحوالك؟ فقال: ما كلّها كما أشتهي.

قيل لآخر: ما تشتكي؟ قال: تمام العدّة وانقضاء المدّة.

لأبي الدرداء في مرضه وبلغني عن معاوية بن قرّة قال: مرض أبو الدّرداء، فعاده صديقٌ له فقال: أيّ شيء تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فأيّ شيء تشتهي؟ قال: الجنة. قال: فندعوا لك بالطيب؟ قال: هو أمرضني.

سئل رجلٌ عن حاله فقال:

كنا إذا نحن أردنا لم نجد ... حتى إذا نحن وجدنا لم نرد

بين معاوية ومصقلة بن هبيرة أرجف الناس بعلّة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال: يا مصقل:

أبقي الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم

قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من المظالم

فقال مصقلة: أمّا قول أمير المؤمنين: " أبقي الحوادث من خليلك " ، فقد أبقى اللّه منك جبلاً راسياً وكلأً مرعيّاً لصديقك وسمّاً ناقعاً لعدوّك. وأما قولك: " قد رامني الأقوام قبلك " ، فمن ذا يرومك أو يظلمك! فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيّدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم. فأعطاه معاوية فخرج؛ فسئل عنه فقال: واللّه لغمزني غمزةً كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه مريضاً.

بين كثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان وقال المدائنيّ: دخل كثيّر عزّة على عبد الملك بن مروان، فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أنّ سرورك لا يتمّ بأن تسلم وأسقم لدعوت اللّه أن يصرف ما بك إليّ، ولكن أسأل اللّه لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة. فضحك وأمر له بمال؛ فقال:

ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التّشكّي كان بالعواد

لو كان يقبل فديةٌ لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي

لآخر وقال آخر:

لا تشكون دهراً صححت به ... إنّ لبغني في صحة الجسم

هبك الخليفة، كنت منتفعاً ... بلذاذة الدنيا مع السّقم؟

بين المسور وابن عباس

 

إعتلّ المسور فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا عباس هلاّ ساعةً غير هذه! قال ابن عباس: إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها الحقّ أشقّها عليّ.

كتاب رجل إلى صديق له يعتذر لتخلّفه عن عيادته وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت؟ بنفسي أنت! وكيف كنت؟ لازلت! وكيف قوتك ونشاطك؟ لا عدمته ما ولا عدمنا هما منك، وأعادك اللّه إلى أحسن ما عوّدك! لولا عوائق يوجب العذر بها تفضّلك لم أدع تعرّف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وأنقع للغليل وأشدّ تسكيناً للاعج الشوق.

تهنئة بالعافية واعتذار عن عدم العيادة وقرأت فصلاً في كتاب: لئن تخلّفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلّة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصاً عن خبرك في ممساك ومصبحك وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك، وزاد في ألمها ألمك، ومن تتّصل بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئاً بالعافية مخبراً بالعذر، معفيّاً من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالاً.

شعر لعبد بني الحسحاس وقال عبد بني الحسحاس:

تجمّعن من شتّى ثلاث وأربعٌ ... وواحدةٌ حتى بلغن ثمانيا

سليمى وسلمى والرّباب وزينبٌ ... وهندٌ ودعدٌ والمنى وقطاميا

وأقبلن من بعض الخيام يعدنني ... ألا إنّ بعض العائدات دوائيا

شعر لعبد اللّه بن مصعب الزبيري " عائد الكلب " وقال عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ:

ما لي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود

فسمّي " عائد الكلب " ، وولده الآن يسمّون " بني عائد الكلب "

التعازي وما يتمثّل به فيها

لابن جريح يعزّي عبد الوهاب الثقفي حدّثني محمد بن داود عن غسّان بن الفضل قال: قال عبد الوهاب الثّقفيّ: أتاني ابن جريح بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل أهله إيماناً واحتساباً سلا كما تسلو البهائم.

إبراهيم بن يحيى الأسلمي يعزّي المهدي في ابنته كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميّ إلى المهديّ يعزّيه عن ابنته: أما بعد، فإن أحقّ من عرف حقّ اللّه فيما أخذ منه من عظّم حقّ اللّه عليه فيما أبقى له. وأعلم أنّ الماضي قبلك هو الباقي بعدك وأنّ أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافونة منه مثله لسهل بن هارون ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التّعزية على عاجل المصيبة.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

كم من يدٍ لا يستقلّ بشكرها ... للّه في ظلّ المكاره كامنه

يزيد بن معمر السلمي لمعاوية وقد سقطت مقاديم فمه وسقطت مقاديم فم معاوية فشقّ ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السّلميّ: واللّه يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحدٌ سنّك إلا أبغض بعضاً، ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك.

لصالح المرّي يعزّي رجلاً وقال صالح المرّيّ لرجل يعزّيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظةً فمصيبتك بنفسك أعظم.

ونحوه شرٌّ من المرزئة سوء الخلف عنها.

ومثله قول الشاعر:

إن يكن ما به أصبت جليلاً ... فلفقد العزاء فيه أجلّ

لشبيب بن شيبة يعزي المهدي عن ابنته عزّى شبيب بن شيبة المهديّ عن بانوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند اللّه خير لها مما عندك، وثواب اللّه خيرٌ لك منها.

لرجل يعزي عبد اللّه بن طاهر عن ابنته عزّى رجلٌ عبد اللّه بن طاهر عن ابنته فقال: أيها الأمير، مم تجزع؟ الموت أكرم نزّال على الحرم شعر لجرير وقال جرير:

وأهون مفقودٍ إذا الموت ناله ... على المرء من أصحابه من تقنّعا

وقال آخر:

ولم أر نعمة شملت كريماً ... كنعمة عورةٍ سترت بقبر

وعزّى رجل رجلاً فقال: لا أراك اللّه بعد هذه المصيبة ما ينسيكها.

شعر لرجل يعزي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز:

تعزّ أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد

هل ابنك إلاّ من سلالة آدمٍ ... لكلّ على حوض المنيةّ مورد

لأبي بكر رضي اللّه عنه يعزي عمر عزّى أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوّضك اللّه منه ما عوّضه منك.

شعر لمحمود الورّاق وقال محمودٌ الورّاق:

 

يمثّل ذا اللبّ في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا

فإن نزلت بغتةً لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلاً

رأى الهمّ يفضي إلى آخر ... فصيّر آخره أولا

وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا

فإن بدهته صروف الزمان ... ببعض مصائبه أعولا

ولو قدّم الحزم في أمره ... لعلمه الصبر عند البلا

موسى بن المهدي يعزي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له عزّى موسى بن المهديّ سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال: أيسرّك وهو بليّة وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة! مثله لرجل يعزي موسى بن المهدي عن ابن له وعزّى رجل موسى بن المهديّ عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات رد عمر بن عبد العزيز على بعض عماله عزّاه عن ابنه سهيلاً توفّي سهيل بن عبد العزيز بن مروان فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر:

حسبي حياة اللّه من كل ميتٍ ... وحسبي بقاء اللّه من كل هالك

إذا ما لقيت اللّه عنّي راضياً ... فإنّ شفاء النفس فيما هنالك

لابن السماك يعزّي الرشيد كتب ابن السماك إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلّقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عليه كتب ابن السّماك إلى الرشيد يعزّيه بابن له: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك.

كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عيه كتب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف: المصائب حاّلة لا بدّ منها، فمنها ما يكون رحمةً من اللّه ولطفاً بعبده، وآية ذلك أن يوفقّه للصبر ويلهمه الرضا ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطاً وانتقاماً، أوّله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقّاً الجامعة لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة اللّه عندك الإخلاف والإتلاف. وإن يك ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، فالأجر المأمول على قدر ذلك.

وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلّت، فإن فيما أكرمني اللّه به من جميل رأي الأمير. وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إيّاي بكتبه، ما عجّل العوض من المفقود.

وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلّت، إن فيما أبقى اللّه ببقاء الأمير عوضاً وافياً وخلفاً كافياً. وحقيقٌ بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى اللّه أن يحسن عزاؤه عما أخذ منه. وأحق ما صبر علبه ما لا يستطاع دفعه.

لبعض الكتاب في تعزية وقرأت في كتاب لبعض الكتّاب في تعزيةٍ: أسأل اللّه أن يسد بك ما ثملت الأيام من مكانه، ويعمّر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن منكم، فيجعلكم الخلف الذي لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليّه.

في التّعازي وقرأت في كتاب تعزيةٍ: لا لوم على دمعةٍ لا تملك أن تسفحها، ولا على ألمٍ في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت عدوك وضعّف رأيك، ولم يرجع إليك فائتاً ولا إلى شقيقك بمكانه روحاً ولا إلى من خلّف حفظاً. واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتهما تعجّل العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل.

 

وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحدٍ بكثرة من يقيه ذلك من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزّته والأنفس من ماله، سلمت من ملمّها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظّي بالتقدّم فيه أوفر حظّ.

وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبةٌ، وما نالك من ألمها لي موجع. ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها حملت مثله إلى نفسي، فإني أحبّ أن أكون أسوتك في كل سارّ وغامٍّ، وألاّ أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك.

وقرأت في كتاب: نسأل اللّه حسن الاستعداد لما نتوكّفه ونتوقّع حلوله، وألاّ يشغلنا بما يقلّ الانتفاع به وتعظم التّبعة فيه عمّا نحتاج إليه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خيرٍ محضراً، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها أمداً بعيداً، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيماناً وإيقاناً، ولا يجعله ذهولاً ونسياناً.

لأسماء بن خارجة قال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.

لأعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: أن فقدي إياه أمّنني من المصيبة بعده. ونحوه قول الشاعر:

وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر

ومثله:

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر

شعرلابن العتاهية وقال أبو العتاهية:

وكما تبلى وجوهٌ في الثّرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن

في الأثر وفي الحديث: " من يرد اللّه به خيراً يصب منه " .

ويقال: المصيبة الموجعة تدرّ ذكر اللّه في قلب المؤمن.

بين الأصمعي وأعرابية مات ابنها قال الأصمعي: مررت بأعرابيّة وبين يديها فتىً في السّياق، ثم رجعت ورأيت في يدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشابّ؟ فقلت: واريناه؛ فقلت: فما هذا السّويق؟ فقلت:

على كلّ حالٍ يأكل القوم زادهم ... على البؤس والبلوى وفي الحدثان

لأعرابي قيل لأعرابيّ: كيف حزنك اليوم على ولدك؟ فقال: ماترك حبّ الغداء والعشاء لي حزناً.

لعمر بن عبد العزيز وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عمّا أصابك.

لمحمد بن علي بن الحسين في موت بعض أهله اشتكى بعض أهل محمد بن عليّ الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسرّي عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعوا اللّه فيما نحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحبّ.

لعبد اللّه في موت عتبة بن مسعود لما مات عتبة بن مسعود قال عبد اللّه: إذا ما قضى اللّه فيه ما قضى فما أحبّ أنّي دعوته فأجابني.

شعر لرجل من طيّيء قال رجل من طيّي:

فلولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ما شئت أسعدني مثلي

وقال آخر:

إذا أنت لم تسا اصطباراً وحسبةً ... سلوت على الأيام مثل البهائم

بين محمد بن الوليد بن عتبة والوليد بن عبد الملك عزّي محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليه، وأعدد لنزوله عدّة تكون لك حجاباً من الجزع وستراً من النار.

فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعاً يستتر منه، وما توفيقي إلا باللّه.

فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحدٌ عن موعظةٍ بفضلٍ لكنته، ولكنّ اللّه يقول: " وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين " .

شعر للطائي وقال الطائيّ:

ويفرح بالشيء المعار بقاؤه ... ويحزن لمّا صار وهو له ذخرٌ

عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبسٌ ... فإنّ ابنك المحمود بعد ابنك الصّبر

وقال أيضاً:

أمالك إنّ الحزن أحلام نائم ... ومهما يدم فالوجد ليس بدائم

تأمّل رويداً هل تعدّنّ سالماً ... إلى آدم أم هل تعدّ ابن سالم

وقال آخر:

اصبر لكلّ مصيبةٍ وتجلّد ... واعلم بأن الدهر غير مخلّد

أو ما ترى أنّ الحوادث جمّةٌ ... وترى المنية للعباد بمرصد

وإذا أتتك مصيبةٌ تشجي بها ... فاذكر مصابك بالنبيّ محمد

لرجل يعزّي الرشيد

 

عزّي رجلالرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء منك لا عنك.

ما يعزي به أهل نجران بعضهم بعضاً يعزّي أهل نجران بعضهم بعضاً بهذا الكلام: لا يحزنكم اللّه ولا يفتنكم، أثابكم اللّه ثواب المتّقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة.

لبعض الزبيريين يعزّي رجلاً عزّى بعض الزّبيرّيين رجلاً فقال: ريصفر ربعك، ولا يوحش بيتك، ولا يضع أجرك، رحم اللّه متوفّاك، وأحسن عليك.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

أسكّان بطن الأرض لو يقبل الفدى ... فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهر

فيا ليت من فيها عليك وليت من ... عليها ثوى فيها مقيماً إلى الحشر

وقاسمني دهري بنيّ بشطره ... فلما توفّى شطره مال في شطري

فصاروا ديوناً للمنايا ومن يكن ... عليه لها دين قضاه على عسر

كأنّهم لم يعرف الموت غيرهم ... فثكلٌ على ثكلً وقبرٌ على قبر

وقد كنت حيّ الخوف قبل وفاتهم ... فلما توفّوا مات خوفي من الدهر

فللّه ما أعطى وللّه ما جزى ... وليس لأيام الرّزيّة كالصبر

فحسبك منهم موحشاً فقد برّهم ... وحسبك منهم مسلياً طلب الأجر

لشبيب بن شيبة يعزّي يهودياً عزّى شبيب بن شيبة رجلاً من اليهود فقال: أعطاك اللّه على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل ملّتك.

للعتبي وقال العتبي:

ما عالج الحزن والحرارة في ال ... أحشاء من لم يمت له ولد

فجعت بأبنيّ ليس بينهما ... إلا ليال ليست لها عدد

وكلّ حزنٍ يبلى على قدم ال ... دّهر وحزني يجدّه الأبد

وقال أيضاً:

ألا يزجر الدهر عنا المنونا ... يبقّي البنات ويفني البنينا

وأنحى عليّ بلا رحمةٍ ... فلم يبق لي في جفوني جفونا

وكنت أبا سبعةٍ كالبدور ... أفقّي بهم أعين الحاسدينا

فمرّوا على حادثات الزمان ... كمرّ الدراهم بالناقدينا

فأفنتهم واحداً واحداً ... إلى أن أبادتهم أجمعينا

وألقين ذاك إلى ضارحٍ ... وألقين هذا إلى دافينا

وما زال ذلك دأب الزما ... ن يفني الأوائل فالأوّلينا

وحتّى بكى لي حسادهم ... فقد أقرحوا بالدموع الجفونا

وحسبك من حادثٍ بامرىء ... ترى حاسديه له راحمينا

وكانوا على ظهرها أنجماً ... فأضحوا إلى بطنها ينقلونا

فمن كان يسليه مرّ السنين ... فحزني يجدّده لي السنونا

ومما يسكّن وجدي بهم ... بأن المنون ستلقى المنونا

تعزية لأبي بكر رضي اللّه عنه كان أبو بكر رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبةٌ ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعده؛ اذكروا فقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظّم اللّه أجركم.

تعزية لعليّ رضي اللّه عنه وكان عليّ رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً يقول: إن تجزع فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه عوضٌ من كل فائتٍ؛ وصلى اللّه على محمد، وعظّم اللّه أجركم.

شعر لأعرابي ولغيره وقال أعرابيّ:

أيغسا رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفورٌ وأنت سليب

نسيبك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب

وإني لأستحي أخي وهو ميتٌ ... كما كنت أستحييه وهو قريبٌ

وقال أعرابيّ:

وما نحن ألا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلاً بعدهم وتقدّموا

وقال آخر:

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر

وأجزع أن ينأى به بين ليلةٍ ... فكيف ببين صار ميعاده الحشر

وقال آخر:

وإنّا وإخواناً لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجّر

لسليمان الأعجمي وقال سليمان الأعجميّ:

ربّ مغروسٍ يعاش به ... عدمته كفّ مغترسه

 

وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه

شعر تمثّل به معاوية بن أبي سفيان وتمثّل معاوية بن أبي سفيان يوماً فقال:

إذا سار من خلف امرىٍ وأمامه ... وأوحش من جيرانه فهو سائر

وقال آخر:

وإذا قيل مات يوماً فلانٌ ... راعنا ذاك ساعةً ما نحير

نذكر الموت عند ذاك وننسا ... ه إذا غيّبته عنا القبور

وقال آخر:

نراع من الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تخفي ذاهبات

كروعة ثلّةٍ لمغار سبع ... فلما غاب ظلّت راتعات

وقال أبو نواس:

سبقونا إلى الرّحي ... ل وإنا لبالأثر

تعزية رجل إلى بعض الأمراء وكتب رجل ألى بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر اللّه من أن يذكّر به، وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدلّ عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم لأمره والصبر على قدره والتنجّز لوعده، من أن ينبّه من ذلك على حظّه، أو أن يحتاج معزّيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقّه. فزاده اللّه توفيقاً إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدّد للصواب غرضه، وتولاّه بالحسنى في جميع أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء اللّه في المتوفّى ما أنقض وأرمض، وفجع وأوجع، علماً بما دخل على الأمير من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصّني منه بماسّ الرّحم وأوشج القرابة. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له الذّخر، وعصمه باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفّى ولقّاه الأمن والرّوح، وفسح له في المضجع، وجمعه وإيّاه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون.

تعزية إلى أمير وفي كتاب: نحن نحمد اللّه أيّها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكلّ مصيبة، والمؤنس من وحشة كلّ فقد؛ وحقّ لمن كنت له وليّاً وعضداً أن يشغله حمد اللّه على النعمة بك عن الجزع على غيرك.

كتاب من سعيد بن حميد لمحمد بن عبد اللّه يعزيه عن أمه وكتب سعيد بن حميد ألى محمد بن عبد اللّه: ليس المعزّي على سلوك السبيل التي سلكها الناس قبله والمضيّ على السنّة التي سّنها صالحو السلف له؛ وقد بلغني ما حدث من قضاء اللّه في أم الأمير، فنالني من ألم الرّزية وفاجع المصيبة ما ينال خدمة الذين يخصهم ما خصّه من النعم، ويتصرفون معه فيما تناوله اللّه به من المحن. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمةٍ عنده نقصاً، ووفّقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوّهاب. ورحم اللّه الماضية رحمة من رضي سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص إلى باب الأمير سهلة، لكان اللّه قد أجلّ الأمير عن أن يعزّيه مثلي بالرسول دون اللقاء، وبالكتاب دون الشّفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر عمنّ حيل بينه وبين الواجب.

مثله لابن مكرم ولابن مكرم: وممّا حرّكني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان اللّه جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر على مكروه جفائك، مع ما كان اللّه أعاره من قوّة العقل وأصالة الرأي، ومدّ له من عنانه إلى قصوى الغايات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه حين تمّ واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند اللّه يحتسب المصاب به؛ وعظّم اللّه لك فيه الأجر، ومهّل لك في العمر، وأجزل لك العوض والذّخر. فكلّ ماضٍ من أهلك فأنت سداد ملته وجابر رزيّته. وقد خلف من أنت أحقّ الناس به من عجوزٍ وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنّك، وولدٍ ربوا في حجرك ونبتوا بين يديك، ليس لهم بعد اللّه مرجع سواك، ولا مقيل إلا في ذراك؛ فأنشدك اللّه فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، واللّه يجزيه بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله.

تعزية من كتاب وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء اللّه في هذه النازلة ما نطق عما نالك وأبقىعندك، وهو حقّ مثلها وقدر ملمّها.

 

وفي فصل آخر: لو كان ما يمسّك من أذى يشتري أو يفتدي، رجوت أن أكون غير باخلٍ بما تضنّ به النفوس، وأن أكون ستراً بينك وبين كل ملمٍّ ومحذورٍ. فأعظم اللّه أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظاً فيك ولا سبيلاً عليك.

بين الوليد وعبسيّ المدائني قال: قدم رجل من عبسٍ، ضريرٌ محطوم الوجه، على الوليد؛ فسأله عن سبب ضرّه، فقال: بتّ ليلةً في بطن وادٍ ولا أعلم على الأرض عبسيّاً يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فأذهب ما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولد إلا صبيّاً رضيعاً وبعيراً صعباً، فندّ البعير والصبيّ معي فوضعته واتّبعت البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت البعير، فرمحني رمحةً حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مالٍ ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاءً منه. وكان عروة بن الزّبير أصيب بابنٍ له وأصابه الداء الخبيث في إحدى رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة - يعني بنيه - فأبقيت ثلاثة وأخذت واحداً، وكنّ أربعاً - يعني يديه ورجليه - فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً. أحمدك، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت. وشخص إلى إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجّعون؛ فقال: إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد أودى، وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى اللّه خيراً كثيراً.

شعر لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:

من سبق السّلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد والأجر

يا عجباً من هلعٍ جازعٍ ... يصبح بين الذّم والوزر

مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

ليت شعري ضلةً ... أيُّ شيءٍ فتلك

والمنايا رصدٌ ... للفتى حيث سلك

كلّ شيء قاتل ... حين تلقى أجلك

ليت نفسي قدّمت ... للمنايا بدلك

أيُّ شيءٍ حسنٍ ... للفتى لم يك لك

وقال آخر:

غرّ امرؤ منته نف ... سٌ أن تدوم له السلامة

هيهات! أعيا الأولي ... ن دواء دائك يا دعامه

شعر لصفة الباهلية ترثي أختها وقالت صفيّة الباهليّة في أختها:

كنا كغصنين في جرثومةٍ سموا ... حيناً بأحسن ما تسموا له الشجر

حتى إذا قيل قد طالت فروعهما ... وطاب قنواهما واستنظر الثمر

أخنى على واحدي ريب الزمان ولا ... يبقي الزمان على شيءٍ ولا يذر

كنّا كأنجم ليلٍ وسطنا قمرٌ ... يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر

للطائي وغيره ومن هذا أخذ الطائي قوله:

كأنّ بني تبهان يوم وفاته ... نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر

وقال آخر:

لكلّ أناسٍ مقبرٌ بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد

وما إن يزال رسم دارٍ قد اخلقت ... وبيتٌ لميتٍ بالفناء جديد

هم جيرة الأحياء أمّا جوارهم ... فدانٍ وأمّا الملتقى فبعيد

وقال آخر:

لا يبعد اللّه أقواماً لنا ذهبوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد

نمدّهم كلّ يومٍ من بيّتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد

وقال النابغة:

حسب الخليلين أنّ الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي

وقال آخر:

وقد كنت أرجو أن أملاّك حقبةً ... فحال قضاء اللّه دون رجائيا

ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا

وقال آخر:

لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنه وارى ثياباً وأعظما

لفضالة بن شريك فضالة بن شريك:

رمى الحدثان نسوة آل حربٍ ... بفادحةٍ سمدن لها سمودا

فردّ شعورهنّ السود بيضاً ... وردّ وجوههن البيض سودا

وقال آخر:

أمّا القبور فإنّهنّ أوانسٌ ... بجوار قبرك والديار قبور

عمّت مصيبته فعمّ هلاكه ... فالناس فيه كلّهم مأجور

ردّت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور

 

لمنصور النّمري منصور النّمريّ:

فإن يك أفنته الليالي فأوشكت ... فإنّ له ذكراً سيفني اللياليا

شعر لطفيل يذكر الموت وقال طفيلٌ يذكر الموت:

مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال تقلّب

وقال هشام أخو ذي الرّمّة:

تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاءً وجفن العين ملآن مترع

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع

لبعض الكتّاب وفي فصل من كتاب لبعض الكتّاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من الدعاء في قضاء الحقّين. ولا إلى إخبارك عمّا أنا عليه من الارتماض لضرّائك والجذل بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بي في الأمرين.

التهانيبين الحسن ورجل يهنّئه حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا أبو قتيبة قال: حدّثنا ميمون " قال " حدّثنا أبو عبد اللّه النّاجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل: ليهنئك الفارس. فقال: لعله يكون بغّالا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال مجاهد: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا لمتزوّج قال: " على اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودّة عند الرحمن " أبو الأسود يهنىء رجلاً تزوّج قال أبو الأسود لرجل يهنّئه بتزويج: باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر في المعركة.

نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول: بالرفاء والبنين وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينهى أن يقال: " بالرّفاء والبنين " لعطاء بن أبي صيفي الثقفي يعزّي يزيد بن معاوية ويهنئه في مقام واحد وكان يقال: إن أوّل من هنّأ وعزّى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفيّ الثّقفيّ. عزّى يزيد بن معاوية بأبيه وهنّأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال: أصبحت رزئت خليفةً وأعطيت خلافة اللّه. قضى معاوية نحبه، فغفر اللّه ذنبه؛ ووليت الرياسة، وكنت أحقّ بالسياسة؛ فاحتسب عند اللّه أعظم الرزّية واشكر اللّه على أعظم العطّية. وعظّم اللّه في أمير المؤمنين أجرك،وأحسن على الخلافة عونك.

مثله لأعرابية والمنصور العباسي وقلت أعرابيّة للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العبّاس: أعظم اللّه أجرك في أخيك؛ لامصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم خلافتك.

بين الحجاج وأيوب بن القرّيّة قال الحجّاج لأيوب بن القرّيّة: اخطب عليّ هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون أفتنكحون أم تردّون؟ قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. فرجع ابن القرّية إلى الحجّاج فقال: أقرّ اللّه عينك، وجمعٍ شملك، وأنبت ريعك؛ على الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها اللّه ودوداً ولوداً، وجمع بينكما على البركة والخير.

لبعض الكتّاب يهنّىء رجلاً بدار انتقل إليها كتب بعض الكتّاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقلٍ، وعلى أيمن طائر، ولأحسن إبّان، أنزلك اللّه عاجلاً وآجلاً خير منازل المفلحين.

تهنئة ابن الرقاع لمتزوّج وقال ابن لمتزوّج:

قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسّعد ما غابا وما طلعا

ما وارت الأستار مثلهما ... فيمن رأيناه ومن سمعا

دام السّرور له بها ولها ... وتهنّأ طول الحياة معاً

تهنئة رجل لصديق بالدخول على أهله وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد بلغني ما هيّأ اللّه لك من اجتماع الشّمل، بضمّ الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محلّ المعاين للحال وزينتها، فهنيئاً هنأك اللّه ما قسم لك، وبالرّفاء والبنين، وعلى طول التعمير والسنين.

من بعض الكتّاب إلى عامل

 

وكتب آخر من الكتّاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك فيماتلي من أعمالك وخطمك وزمّك إيّاها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول أيّامك والكون في ظلّ جناحك، في غاية من تخّصه وتعمّه نعمك، وتجول به الحال حيث جالت بك، فالحمد للّه الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا منكوسةً فيك، كما ردّها على غيرنا في غيرك وهنيئأ هنأك اللّه نعمه خاصّها وعامّها، وأوزعك شكرها وأوجب لك بالشكر أحسن المزيدر فيها.

تهنئة كلتب لنصراني أسلم وكتب رجلٌ من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد للّه الذي أرشد أمرك، وخصّ بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أويتها؛ لتدوم بك على غوايةٍ وديانةٍ شائنةٍ لا تليق بلبك ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقّك ينكرون إبطاءك وتركك البدار إلى الدّين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره ولا يثيب إلا به، فقال: " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " ، وقال: " إنّ الدّين عند اللّه الإسلام " . والحمد للّه الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرّفه بولاء خليفته. وهنأك اللّه نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودّته وموالاتهبعد التأثّم من خلطتك ومخالفة الحقّ بمشايعتك؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: " لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانواآباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " .

تهنئة بحجّ وكتب رجلٌ من الكتّاب تهنئةً بحجٍّ: الحمد للّه على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك ورجعتك، وإعظامه المنّة بأوبتك؛ وشكر اللّه سعيك، وبرّ حجّك، وتقبّل نسكك؛ وجعلك ممنٍ قلبه مفلحاً منجحاً، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك نيّةً تفضل عملك، وتوفيقاً يحوط دينك، وشكراً يرتبط نعمتك؛ فهنأكم اللّه النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمّة والمتقدّمين عند الإمام - أيّده اللّه بالطاعة والنصيحة - فإنّكم زين السلطان، وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان.

تهنئة بفطام مولود وكتب إلى رجل عن صديق له يهنّئه بفطام مولود: أنا - أعزّك اللّه - لما حمّلني اللّه من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة أمورك، وتفقّد أحوالك، وتعرّف كلّ ما يحدثه اللّه عندك، لأقابله بما يلزمني، وأقضي الحقّ فيه عنّي بميلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك، ولا يستقلاّن بثقل عارفتك. وكلّ ما نقّل اللّه الفتى " و " بلّغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النموّ، فنعمةٌ من اللّه حادثةٌ تلزم الشكر، وحقّ يجب قضاؤه بالتهنئة. وكتب أليّ وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه اللّه من سلامته عند الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أوّل الغذاء، وسرورك ومن يليك بما وهب اللّه في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت للّه الحمد، وأسهبت في الدعاء والرغبة، وتصدّقت عنه بما أرجو أن يتقبّله؛ وكتبت مهنئاً بتجدّد النعمة عندكم فيه. فالحمد للّه المتطوّل علينا قبله بما هو أهله، والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته. وهنأك اللّه النعم، وصانها عندك من الغير، وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين، بمنّه فضله.

تهنئة بحجّ إلى صاحبه: الحقّ للسادة عندما يجدّده اللّه لهم من نعمه في الدعاء من جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خصّ اللّه حقّك بما لا يسعني معه ادّخارٍ مجهودٍ في تعظيمه وشكره. ولولا أنّ الطاعة من حدوده، لم أنتظر إذنك لي في تلقّيك راجلاً بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السّعي بأبلغ نصيبٍ من التقصير. وأنا أسأل اللّه الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك مشاهدة العظام؛ وأوردك حرمه سالماً، وأصدرك عنه غانماً؛ ومنّ بك على أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقّبل السّعي ونجح الطّلبة وتعريف الإجابة.

تهنئة بولاية

 

وكتب بعض الكتّاب تهنئةً بولاية: فإنه ليس من نعمةٍ يجدّدها اللّه عندك، والصنع الجميل تحدثه لك الأيّام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي بما يهب اللّه لك من ذلك، حسب حقّك الذي توجبه، وبرّك الذي أشكره، وإخائك الذي يعزّ ويحلّ عندي موقعه؛ فجعل اللّه ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك في الإرتياح، فسألت اللّه أن يعرّفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك على صالح نيّتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم ويرزقك محبتهم وطاعتهم، ويجعلهم خير رعيّة.

كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول اللّه عزّ وجلّ. " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وه شرٌ لكم " وقال أيضاً: " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً " وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والإستدلال بما كان منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب شكرها. فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحاً مجدّداً، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجّع لغيرك.

أيضاً تهنئة بحج وكتب رجلٌ من الكتّاب في تهنئة بحجّ: لولا أنّ عوائق أشغالٍ يوجب العذر بها تفضّلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنّئاً لك بالأوبة، ومجدّداً بك عهداً، ومحيياً نفسي بالنظر إلك. وانا أسأل اللّه أن يشكر سعيك، ويتقبّل حجّك، ويثبت في علّييّن أثرك، ولا يجعله من الوفادة إليه آخر عهدك.

تهنئة لبعض الكتاب وكتب بعض الكتّاب: لا مهنّئ أولى ما يكون مهنئاً، تعظيماً لنعمه فيما جدّد اللّه لك يا مولاي بالولاية، منّي؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي اللّه بعنايتك المتشتّت من أمري. فهنأك اللّه تجدّد النعم، وبارك لك في الولاية، وافتتحها لك بالصّنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع قريب.

باب شرار الإخوان لشيب بن شيبة في خالد بن صفوانذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال: ذاك رجلٌ ليس له صديقٌ في السرّ ولا عدوٌّ في العلانية.

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

وإنّ من الخلاّن من تشحط النّوى ... به وهو داعٍ للوصال أمين

ومنهم صديق العين أمّا لقاؤه ... فحلوّ وأمّا غيبه فظنون

لعيينة بن حصن قبل إسلامه أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركبٌ خارجون منها؛ فقال: أخبروني عن هذا الرجل " يعني النبيّ صلى اللّه عليه وسلم " ، فقالوا: الناس فيه ثلاثة رجال: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشاً وأفناء العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقى أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم؛ فقال: ما يسمّى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون. قال: فأشهدوا أنّي منهم، فما فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء.

دعاء لرجل وكان يدعو فيقول: اللّهم اكفني بوائق الثّقات، واحفظني من الصّديق. وكتب رجلٌ على باب داره: جزى اللّه من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً، فأمّا أصدقاؤنا فلا جزوا ذلك، فأنّا لم نؤت قطّ إلا منهم.

شعر إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك الزيات وكتب إبراهيم بن العبّاس إلى محمد بن عبد الملك الزيّات:

وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا

وقد كنت أشكو إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذمّ الزمانا

وكنت أعدّك للنائبات ... فهأنا أطلب منك الأمانا

شعر لمحمد بن مهدي وقال محمد بن مهديّ:

كان صديقي وكان خالصتي ... أيّام نجري مجاري السّلق

حتى إذا راح والملوك معاً ... عدّ اطّراحي من صالح الخلق

خلّيت ثوب الفراق في يده ... وقلت هذا الوداع فانطلق

 

لبسته لبسة الجديد على ال ... قرّ وفارقت فرقة الخلق

وقال آخر:

ذا رأيت أمراً في حال عسرته ... مواصلاً لك ما في ودّه خلل

فلا تمنّ له أن يستفيد غنىً ... فإنه بانتقال الحال ينتقل

كتاب رجل لصديق له أعرض عنه وكتب رجلٌ إلى صديق أعرض عنه: لولا أنّي أشفقت من أشتات ظني " في " إجابتك إلى ما يعلم اللّه براءتي منه فيك ولك لمعجبك ولكفيتك مؤونتي، ثقةً بأنّ ازديادك من معرفة الناس ستردّك إلّي؛ فإن رجعت قبلت وتمسّكت واغتبطت وإن أصررت لم أتبع مولّيا، ولم آس على مدبر ولم أسامح نفسي على تعلّقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك. فكم من زمان تركتك فيه وسومك ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسىً على أيّامي معك وما تؤكّد بيني وبينك. وما من كرةٍ لي إليك إلا وهي داعيةٍ إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك ولو فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه الخفّ محمل ما يكون منك عليّ ولا جست في عتباك ورضاك وفي جواب كتاب: وقد وزعني ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن استبطائك على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في يقيّته؛ وقد قيل:

يأبين إلا جفوةً وظلما ... من كثرة الوصل تجنّى الجرما

وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي جوابك بإيحاشي وفي اعتدادك عليّ بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه، وما أنكر الخلاف بين الأب وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك قطّ، فإني لم أخالفك ولم أشاححك ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك بنهي.

شعر للحسن بن وهب وقال الحسن بن وهب:

سأكرم نفسي عنك حسب إهانتي ... لها فيك إذ قرّت وكفّ نزاعها

هي النّفس ما كلفتها قطّ خطةً ... من الأمر إلا قلّ منه امتناعها

صدقت لعمري أنت أكبر ههّمها ... فأجهدها إذ قلّ منك انتفاعها

هب أنّي أعمى فاتت الشمس طرفه ... وغيّب عنه نورها وشعاعها

ولعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

رأيت فضيلاً كان شيئاً ملفّقاً ... فكشّفه التحميص حتى بدا ليا

فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا

فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا

فلست براءٍ عيب ذي الودّ كلهّ ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

فعين الرضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

كلانا غنيٌّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا

أيضاً من عبد اللّه بن معاوية إلى بعض إخوانه وكتب ايضاً إلى بعض إخوانه: أما بعد، فقد عاقني الشكّ فيك عن عزيمة الرأي في أمرك؛ ابتدأني بلطف عن غيره خبرة، ثم أعقبتني جفاءً من غير ذنب؛ فأطعمني أوّلك في إخائك، وآيسني آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك اطّراحاً، ولا أنا في غدٍ وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك بجفائك، ونرى الزيادة في الغمّ أدوم لجميل رأيك.

شعر لكثير، ولغيره ومثله قول كثير:

وإن شحطت يوماً بكيت وإن دنت ... تدلّلت واستكثرتها باعتزالها

ونحوه قول الكميت:

وقد يخذل المولى دعائي ويجتدي ... أذاتي وإن يعدل به الضيم أغضب

فأونس من بعض الصديق ملالة الدّنوّ فأستبقيهم بالتجنّب

وقال آخر:

إنك ما أعلم ذو ملةٍ ... يذهلك الأدنى عن الأقدم

وقال عبد الحمن بن حسان:

لا خير في الودّ ممن لا تزال له ... مستشعراً أبداً من خيفةٍ وجلا

إذا تغيّب لم تبرح تسيء به ... ظناً وتسأل عمّا قال أو فعلا

ولمرّة بن محكان وقال مرّة بن محكان:

ترى بيننا خلقاً ظاهراً ... وصدراً عدواً ووجهاً طليقا

ونحوه قول المرّار:

 

كذبٌ تخرّصه عليّ لقومه ... سلم اللسان محارب الإسرار

نصيحة أعرابية لابنها وحدثني أبو حمزة الأنصاريّ قال: حدثنا العتّبي قال: قالت أعرابية لابنها: يا بنيّ، إياك وصحبة من مودّته بشره فإنه بمنزلة الريح.

أصناف الإخوان وكان يقال: الإخوان ثلاثة: أخٌ يخلص لك ودّه، ويبلغ في محبتك جهده. وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته، دون رفده ومعونته. وأخٌ يلهوق لك لسانه، ويتشاغل عنك بشانه، ويوسعك من كذبه وأيمانه.

شعر للمثقّب العبدي، ولأوس بن حجر وقال المثقب العبدي:

فإما أن تكون أخي بصدقٍ ... فأعرف منك غثّي من ثميني

وإلا فاجتنبني واتخذني ... عدوّاً أتقيك وتتّقيني

وقال أوس بن حجر:

وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يسوءك إن ولّى ويرضيك مقبلاً

ولكن أخوك النائي ما دمت آمناً ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا

وقال آخر:

لعمرك ما ودّ اللسان بنافعٍ ... إذا لم يكن أصل المودّة في القلب

لأبي حارثة المدني وقال أبو حارثة المدنيّ: ليس لمملولٍ صديقٌ، ولا لحسودٍ غنىً، والنظر في العواقب تلقيح العقول.

شعر للعباس بن الأحنف، ولآخرين قال العباس بن الأحنف:

أشكو الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا

واستنهضوني فلمّا قمت منتهضاً ... بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا

ونحوه قول المجنون:

وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح

تجافيت عنّي حين لا لي حيلةً ... وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح

وقال آخر:

ولا خير في ودّ إذا لم يكن له ... على طول مرّ الحادثات بقاء

وأنشد ابن الأعرابي:

لحا اللّه من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين

ومن هو إن يحدث له الغير نظرةً ... يقطع بها أسباب كلّ قرين

ويقال: صاحب السوء جذوةٌ من النار.

لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقال عليّ عليه السلام: " لا تؤاخ الفاجر فإنه يزيّن لك فعله ويحبّ لو أنك مثله ويزيّن لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين وعار. ولا الأحمق فإنه يجتهد بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضّرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. ولا الكذّاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ليحدّث بالصدق فما يصدّق " شعر رآه أبو قبيل في بلاد الروم قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فأصبت على ركن من أركانها:

ولا تصحب أخا الجهل ... وإيّاك وإيّاه

فكم من جاهل أردى ... حليماً حين آخاه

يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه

وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه

وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه

شعر لعدي بن يزيد وقال عديّ بن يزيد:

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإنّ القرين بالمقارن نقتدي

وللرياشي وأنشد الرياشي:

إن كنت لا تصحب إلا فتىً ... مثلك لم تؤت بأمثالكا

إنّ لك الفضل على صحبتي ... والمسك قد يستصحب الرّامكا

هبني أمراً جئت أريد الهدى ... فجد على ضعفي بإسلامكا

ليحيى بن خالد وكتب يحيى بن خالد: أحبّ أن تكون على يقين أنّي بك ضنين، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عنّي ما كان ذلك بي وبك جميلاً يحسن عند إخواننا، وإن وقعت القادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب. والذي هاجني على الكتاب أنّ أبا نوح معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، واللّه يعلم أنّي ما تبدلت وما حلت عن عهد، فجمعنا اللّه وإياك على طاعته ومحبّة خليفته.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل العاقل ؤغير ذي الكرم، واحترس من سيّء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ وأهرب من الئيم الأحمق.

شعر لحماد عجرد وقال حمّاد عجرد:

كم من أخٍ لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر

 

متصنّع لك في مودّته ... يلقاك بالتّرحيب والبشر

يطري الوفاء وذا الوفاء ويل ... حي الغدر مجتهداً وذا الغدر

فإذا عدا، والدهر ذو غير، ... دهرٌ عليك عدا مع الدهر

فارفض بإجمالٍ أخوة من ... يقلي المقلّ ويعشق المثري

وعليك من حالاه واحدةٌ ... في العسر إمّا كنت واليسر

لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر!

لسويد بن الصامت وقال سويد بن الصامت:

ألا ربّ من تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري

مقالته كالشّحم ما كان شاهداً ... وبالغيب مأثورٌ على ثغرة النّحر

تبين لك العينان ما هو كاتمٌ ... من الضّغن والشّحناء بالنّظر الشّزر

فرشني بخيرٍ طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يرش ولا يبري

وقال آخر:

وصاحبٍ كان لي وكنت له ... أشفق من والدٍ على ولد

كنّا كساقٍ تسعى بها قدمٌ ... أو كذراعٍ نيطت إلى عضد

حتى إذا دانت الحوادث من ... خطوي وحلّ الزمان من عقدي

احولّ عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي

وكان لي مؤنساً وكنت له ... ليست بنا وحشة إلى أحد

حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفدٍ يد الأسد

لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:

إخوان هذا الزمان كلّهم ... إخوان غدرٍ عليه قد جبلوا

طووا ثياب الوفاء بينهم ... وصارثوب الرّياء يبتذل

أخوهم المستحقّ وصلهم ... من شربوا عنده ومن أكلوا

وليس فيما علمت بينهم ... وبين من كان معدماً عمل

بين رجل وصاحبه وقال دعبل:

أبا مسلم كنّا حليفي مودّة ... هوانا وقلبانا جميعاً معاً معا

أحوطك بالودّ الذي لا تحوطني ... وأرأب منك الشّعب أن يتصدّعا

فلا تلحينّي لم أجد فيك حيلةً ... تخرّقت حتى لم أجد فيك مرقعا

فهبك يميني استأكلت فاحتسبتها ... وجشّمت قلبي قطعها فتخشّعا

وقال يزيد بن الحكم الثّقفي:

تكاشرني كرهاً كأنك ناصحٌ ... وعينك تبدي أنّ قلبك لي دوي

لسانك ماذيّ وقلبك علقمٌ ... وشرّك مبسوطٌ وخيرك منطوي

عدوّك يخشي صولتي إن لقيته ... وأنت عدوّي ليس ذاك بمستوي

أراك إذا لم أهوا لأمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوي

أراك اجتويت الخير منّي وأجتوي ... أذاك فكل يجتوي قرب مجتوي

وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي

ويقال: إيّاك ومن مودّته على قدر حاجته فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودّة لأحد الحكماء في ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن وقال الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه.

شعر لجرير قال جرير:

فأنت أخي ما لم تكن لي حاجةٌ ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا

تعرّضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمرٌ لحاليا

وإنّي لمغرورٌ أعلّل بالمنى ... ليالي أرجو أنّ مالك ماليا

بأيّ نجادٍ تحمل السيف بعدما ... نزعت سناناً بعد قناتك ماضيّا

ألا لا تخافا نبوتي في ملمّةٍ ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا

لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:

أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدّهر أخوه

فإذا احتجت إليه ... ساعةً مجّك فوه

وقال آخر:

موالينا إذا افتقروا إلينا ... وإن أثروا فليس لنا موالي

والعرب تقول فيمن شركك في النّعمة وخذلك عند الئبة: يربض لاحجرة ويرتع وسطاً.

للحجاج يتمثل بشعر قعنب ابن أم صاحب

 

قال المدائنيّ: لحن الحجاج يوماً، فقال الناس: لحن الأمير. فأخبره بعض من حضر، فتمثّل بشعر قعنب بن أمّ صاحب:

صمّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا

فطانةٌ فطنوعها لو تكون لهم ... مروءة أو تقىً للّه ما فطنوا

إن يسمعوا سيّئاً طاروا به فرحاً ... منّي وما سمعوا من صالح دفنوا

باب القرابات والوادللنبي صلى اللّه عليه وسلم في صلة الرحم حدّثني زيد بن أخزم قال:حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا إسحاق بن سعيد القرشي من ولد سعيد بن العاص قال: أخبرني أبي قال: كنت عند ابن عبّاس، فأتاه رجل فمتّ إليه برحم بعيدةٍ، فلان له وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرّحم إذا قطعت وإن كانت قريبةً ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدةً " .

لعبد اللّه بن دينار في النعمة والأمانة والرحم حدّثني شبابة قال: حدّثني القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد اللّه بن دينار قال: إحذروا ثلاثاً، فإنهنّ معلّقات بالعرش: النعمة تقول يا ربّ كفرت، والأمانة تقول يا ربّ أكلت، والرّحم تقول يا ربّ قطعت.

لمحارب بن دثار في صلة الرحم حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا عيسى بن يونس قال: قال محارب بن دثار: إنما سمّوا أبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء، وكما أنّ لوالدك عليك حقاً، فكذلك لولدك عليك حقّ.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أبو سفيان الغنويّ عن عبد اللّه بن يزيد عن حيوة بن شريح عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه " .حدّثني القومسيّ قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثنا كثير بن زيد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " ابن أخت القوم من أنفسهم ومولى القوم من أنفسهم وحليف القوم من انفسهم " . وحدّثني أيضاً عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عبد اللّه بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم: " الرّحم شجنةٌ من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " .

لعثمان رضي اللّه عنه حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن حبيب عن ابن سيرين قال: قال عثمان: كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، وأنا أعطي قرابتي لوجه اللّه، ولن يرى مثل عمر.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: حدّثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه فليصل رحمه " .

حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا سفيان عن عبد اللّه بن عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا يزيد في العمر إلا البرّ ولا يردّ القدر إلاّ الدعاء وإنّ الرجل ليحرم الرزق بالذّنب يصيبه " .

حدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيدٌ عن مطر عن الحكم بن عتيبة عن النّخعيّ عن ابن عمر قال: أتى رجا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنّ والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: " أو ما علمت أنك ومالك لأبيك " .

في العقوق حدّثن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: أخبرني بعض العرب: أن رجلاً كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشابّ عاقّاً بأبيه، وكان يقال للشابّ " منازل " فقال الشيخ:

جزت رحمٍ بيني وبين منازلٍ ... جزاءً كما يستنجز الدّين طالبه

تربّت حتى صار جعداً شمردلاً ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه

تظلّمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده اللّه الذي لا يغالبه

وإنّي لداعٍ دعوةً لو دعوتها ... على جبل الرّيّان لانقضّ جانبه

فبلغ ذلك أميراً كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له الشيخ: أخرج من خلف البيت. فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقّه في آخر عمره فقال:

تظلّمني مالي خليجٌ وعقّني ... على حين كانت كالحنيّ عظامي

 

تخيّرته وازددته ليزيدني ... وما بعض ما يزداد غير عرام

شعر يحيى بن سعيد لابنه وقال يحيى بن سعيد مولى تيم كوفيّ لابنه:

غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً ... تعلّ بما أجني عليك وتنهل

إذا ليلةٌ نالتك بالشكو لم أبت ... لشكواك ألاّ ساهراً أتململ

كأنّي أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني وعيني تهمل

فلمّا بلغت الوقت في العدّة التي ... إليها جرى ما أبتغته وآمل

جعلت جزائي منك جبهاً وغلظةً ... كأنك أنت المنعم المتفضّل

فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي ... كما يفعل الجار المجاور تفعل

للقاسم بن محمد قال القاسم بن محمد: قد جعل اللّه في الصديق البارّ عوضاً من الرّحم المدبرة.

لعمر بن الخطاب إلى أبي موسى: مر ذوي القرابات أنّ يتزاوروا ولا يتجاوروا.

مثله لأكثم بن صيفي وقال أكثم بن صيفيّ: تباعدوا في الدّيار تقاربوا في المودّة.

لأعرابي في ابن عمه قيل لأعرابيّ: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوّك وعدوّ عدوّك.

شعر لقيس بن زهير وقال قيس بن زهير:

شفيت النفس من حمل بن بدرٍ ... وسيفي من حذيفة قد شفاني

قتلت بإخوتي سادات قومي ... وقد كانوا لنا حلي الزمان

فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلاّ بناني

لعلي بن أبي طالب عند قتلى معركة الجمل قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، حين تصفّح القتلى يوم الجمل: شفيت نفسي وجدعت أنفي. وفي مثل قول القائل:

قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي

ولئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن قرعت لأوهنن عظمي

بين رجل من العرب قتل ابن أخيه، ووالد القتيل قتل رجلٌ من العرب ابن أخيه فدفع إلى أخيه ليقيده، فلمّا أهوى بالسيف أرعدت يداه فألقى السيف من يده وعفا عنه وقال:

أقول للنفس تأساءً وتعزيةً ... إحدى يديّ أصابتني ولم ترد

كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

لبعض الشعراء وقال بعضهم:

بكره سراتنا يا آل عمرو ... نفاديكم بمرهفة النّضال

فنبكي حين نذكركم عليكم ... ونقتلكم كأنّا لا نبالي

وقال عديّ بن زيد:

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً ... على المرء من وقع الحسام المهنّد

وقال غيره:

سآخذ منكم آل حزنٍ لحوشبٍ ... وإن كان مولاي وكنتم بني أبي

إذا كنت لا أرمي وترمي عشيرتي ... تصب جائحات النّبل كشحي ومنكبي

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدّثنا أبو الخطاب قال: حدّثنا الوليد بن سلم عن محمد بن السائب البكريّ عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " حقٌّ كبير الإخوة على صغيرهم كحقّ الوالد على ولده " .

للعرب في العطف مع القرابة والعرب تقول في العطف على القرابة وإن لم يكن وادّاً: " أنفك منك وإن ذنّ " . ومثله: " عيصك منك وإن كان أشباً " .

شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولب:

إذا كنت من سعدٍ وأمّك فيهم ... غريباً فلا يغررك خالك من سعد

فإن ابن أخت القوم مصغىً إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأبٍ جلد

شعر أمية بن أبي عائذ لإياس بن سهم وقال أميّة بن أبي عائذ لإياس بن سهم:

أبلغ إياساً أنّ عرض ابن أختكم ... رداؤك فاصطن حسنه أو تبذّل

فإن تك ذا طولٍ فإنّي ابن أختكم ... وكلّ ابن أخت من مدى الخال معتلي

فكن أسداً أو ثعلباً أو شبيهه ... فمهما تكن أنسب إليك وأشكل

وما ثعلبٌ إلا ابن أخت ثعالبٍ ... وإن ابن أخت اللّيث رئبال أشبل

شعر بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمله وكتب بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمّه بهذه الأبيات:

جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه

وكلّهم قد نال شبعاً لبطنه ... وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه

 

فيا عمّ مهلاً واتّخذني لنوبةٍ ... تنوب، فإن الدّهر جمّ عجائبه

أنا السيف إلا أن للسيف نبوةً ... ومثلي لا تنبو عليك مضاربه

لرجل من الأشراف يعيب أخاه عند بعض الملوك دخل رجل من أشراف العرب على بعض الملوك، فسأله عن أخيه، فأوقع به يعيبه ويشتمه، وفي المجلس رجل يشنؤه فشرع معه في القول؛ فقال له: مهلاً! إنّي لآكل لحمي ولا أدعه لآكل.

ويقال: القرابة محتاجة إلى المودّة، والمودّة أقرب الأنساب. والبيت المشهور في هذا:

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاً ... وإذا المودّة أقرب الأنساب

لبزر جمهر في الأخ الصديق وقيل لبزر جمهر: أخك أحبّ إليك أم صديقك؟ فقال: إنما أحبّ أخي إذا كان صديقاً.

شعر لخداش بن زهير، ولآخرين وقال خداش بن زهير:

رأيت ابن عمي بادياً لي ضغنه ... وواغره في الصدر ليس بذاهب

وأنشدنا الرّياشي:

حياة أبي السّيار خيرٌ لقومه ... لمن كان قد ساس الأمور وجرّبا

ونعتب أحياناً عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعتبا

وقال الشاعر:

ولم أر عزّاً لامرىءٍ كعشيره ... ولم أر ذلاًّ مثل نأي عن الأهل

ولم أر مثل لفقر أوضع للفتى ... ولم أر مثل المال أرفع للرّذل

ولم أر من عدمٍ أضرّ على الفتى ... إذا عاش وسط الناس من عدم العقل

للمهلهل وقد زوّج ابنته في اليمن كان مهلهلٌ صار إلى القبيلة من اليمن يقال لهم جنبٌ، فخطبوا إليه فزوّجهم وهو كارهٌ لاغترابه عن قومه، ومهروا ابنته أدماً؛ فقال:

أنكحها فقدها الأراقم في ... جنبٍ وكان الحباء من أدم

لو بأبانين جاء يخطبها ... رمّل ما أنف خاطبٍ بدم

شعر للأعشى وقال الأعشى:

ومن يغترب عن قومه لا يزال يرى ... مصارع مظلومٍ مجرّاً ومسحبا

وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكا

وربّ بقيع لو هتفت بجوّه ... أتاني كريمٌ ينغض الرأس مغضبا

لرجل من غطفان وقال رجل من غطفان:

إذا أنت لم تستبق ودّ صحابةٍ ... على دخنٍ أكثرت بثّ المعاتب

وإنّي لأستبقي أمرأ السّوء عدّةً ... لعدوة عرّيضٍ من الناس عائب

أخاف كلاب الأبعدين ونبحها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب

بين عبيد اللّه بن أبي بكرة ورجل قال رجل لعبيد اللّه بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد؟ قال: ملك حادث. قال: فموت زوج؟ قال: عرس جديد. قال: فموت الأخ؟ قال: قصّ الجناح. قال: فموت الولد؟ قال: صدعٌ في الفؤاد لا يجبر.

وكان يقال: العقوق ثكل من لم يثكل.

لعثمان يشكو علياً إلى العباس رضي اللّه عنهم شكا عثمان عليّاً إلى العباس رضي اللّه عنهم؛ فقال: أنا منه كأبي العاقّ، إن عاش عقّه وإن مات فجعه.

بين رجل وأبيه وقال رجل لأبيه: يا أبت، إن عظيم حقّك عليّ لا يذهب صغير حقّي عليك، والذي تمتّ به إليّ أمتّ بمثله إليك، ولست أزعم أنّا على سواء.

بين زيد علي بن لحسين وابنه يحيى وقال زيد بن علي بن الحسين لابنه يحيى: إن اللّه لم يضرك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك.

بين لأحنف ومعاوية لما غضب على ابنه يزيد غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره؛ فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً فيملّوا حياتك ويتمنّوا موتك.

لأعرابي عقّه ابنه قيل لأعرابيّ: كيف ابنك؟ - وكان عاقّاً - فقال: عذابّ رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدةٌ لا يجب فيها الشكر.

لبعضهم في أحب أولاده إليه قيل لبعضهم: أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم.

بين عمر بن الخطاب ورجل ناول عمر بن الخطاب رجلاً شيئاً؛ فقال له: خدمك بنوك. فقال عمر: بل أغنانا اللّه عنهم.

للحسن وقد ولد له غلام

 

وولد للحسن غلام، فقال له بعض جلسائه: بارك اللّه لك في هبته، وزادك من أحسن نعمته. فقال الحسن: الحمد للّه على كلّ حسنة، ونسأل اللّه الزيادة في كل نعمة، ولا مرحباً بمن إن كنت عائلاً أنصبي، وإن كنت غنياً أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعياً، ولا بكدّي له في الحياة كدّاً، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حالٍ لا يصل إليّ من غمّه حزن ولا من فرحة سرور.

شعر لابن الأعرابي عاتبه أبوه على شرب النبيذ قال الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه في شرب النبيذ، فلم يعتب وقال:

أمن شربةٍ من ماء كرم شربتها ... غضبت عليّ! الآن طاب لي الخمر

سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما ... إليّ لذيذٌ: أن أعقك والسكر

شعر الطرماح لابنه صمصامة وقال الطرماح لابنه صمصامة:

أصمصام إن تشفع لأمك تلقها ... لها شافع في الصدر لم يتبرح

هل الحبّ إلاّ أنّها لو تعرضت ... لذبحك يا صمصام قلت لها أذبحي

أحاذر يا صمصام إن متّ أن يلي ... تراثي وإيّاك امرؤ غير مصلح

إذا صكّ وسط القوم رأسك صكّةً ... يقول له الناهي ملكت فاسجح

لابن الأعرابي، وغيره وأنشد ابن الأعرابي:

أحبّ بنيتي ووددت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد

وما بي أن تهون عليّ لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي

ونحوه قول آخر:

لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظّلم

وزادني رغبةً في العيش معرفتي ... ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرّحم

أحاذر الفقر يوماً أن يلمّ بها ... فيهتك السّتر من لحمٍ على وضم

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً ... والموت أكرم نزّالٍ على الحرم

وقال أعرابيّ في ابنته:

يا شقّة النفس إن النفس والهةٌ ... حرّى عليك ودمع العين منسجم

قد كنت أخشى عليها أن تقدّمني ... إلى الحمام فيبدي وجهها العدم

فالآن نمت فلا همّ يؤرقني ... تهدا العيون إذا ما أودت الحرم

وقال أعشى سليم:

نفسي فداؤك من وافدٍ ... إذا ما البيوت لبسن الجليدا

كفيت الذي كنت أرجى له ... فصرت أباً لي وصرت الوليدا

لأعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء

وقال أعشى همدان في خالد " بن عتّاب " بن ورقاء:

فإن يك عتابٌ مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد

في الأثر وفي الحديث المرفوع: " ريح الولد من ريح الجنة " .

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأحد ابني بنته: إنّكم لتجبّنون وإنكم لمن ريحان اللّه " .

لأعرابية وقالت أعرابية:

يا حبّذا ريح الولد ... ريح الخزامى بالبلد

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: هذا يدلّك على تفضيلهم الخزامى.

وكان يقال: إبنك ريحانك سبعاً، وخادمك سبعاً، ثم عدوٌّ أو صديق.

بين أعرابي يبحث عن ابنه وقوم مرّ أعرابيٌّ ينشد ابناً له بقوم، فقالوا: صفه. فقال: دنينيرٌ. قالوا: لم نره. فلم يلبث القوم أن جاء على عنقه بجعلٍ؛ فقالوا: ما وجدت ابنك يا أعرابيّ؟ قال: نعم هو هذا. قالوا: لو سألت عن هذا لأخبرناك، ما زال منذ اليوم بين أيدينا.

لشاعر في امرأة قال الشاعر في امرأة:

نعم ضجيج الفتى إذا برد ال ... ليل سحيراً وقرقف الصّرد

زيّنها اللّه في العيون كما ... زيّن في عين والدً ولد

في الأثر وفي الحديث: " من كان له صبيٌّ فليستصب له " للزبير يرقّص وقال الزبير وهو يرقّص ابناً له:

أبيض من آل أبي عتيق ... مباركٌ من ولد الصّديق

ألذّه كما ألذّ ريقي لأعرابي يذكر أولاده وقال أعرابيّ:

لولا بنيّاتٌ كزغب القطا ... حططن من بعضٍ إلى بعض

لكان لي مضطربٌ واسعٌ ... في الأرض ذات الطّول والعرض

وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبّت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض

أنزلني الدهر على حكمه ... من مرقبٍ عالٍ إلى خفض

 

وابتزّني الدهر ثياب الغنى ... فليس لي مالٌ سوى عرضي

لبعض النسّابة في سعد العشيرة قال بعض النّسّابين: إنما قيل: سعد العشيرة، لأنه كان يركب في عشرة من ولده، فكأنهم عشيرة.

لضرار بن عمرو الضبي وقال ضرار بن عمرو الضّبيّ، وقد رئي له ثلاثة عشر ذكراً قد بلغوا: من سرّه بنوه ساءته نفسه.

شعر لبشر بن أبي خازم قال بشر بن أبي خازم:

إذا ما علوا قالوا أبونا وأمّنا ... وليس لهم عالين أمّ ولا أب

وقال آخر:

أنا ابن عمّك إن نابتك نائبةٌ ... وليس منك إذا ما كعبك اعتدلا

للرياشي، وغيره وأنشدنا الرّياشي:

الرّحم بلّها بخير البلاّن ... فإنّ فيها للدّيار العمران

وآمر المال وبنت الصّغران ... وإنما اشتقّت من اسم الرحمن

وقال المعلوط:

ومن يلق ما ألقى وإن كان سيّدا ... ويخش الذي أخشى يس سير هارب

مخافة سلطانٍ عليّ أظنّه ... ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب

بين عثمان بن عفان وابنته اوزوجها دخل عثمان بن عفّان على ابنته وهي عند عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فقال: يا بنيّة: ما لي أراك مهزولةً؟ لعلّ بعلك يغيرك؟ فقالت: لا، ما يغيرني. فقال لزوجها: لعلّك تغيرها! قال: فأفعل، فلغلامٌ يزيد اللّه في بني أميّة أحبّ إليّ منها.

شعر للنعمان بن بشير في القريب قال النعمان بن بشير:

وإني لأعطي المال من ليس سائلاً ... وأدرك للمولى المعاند بالظلم

وإني متى ما يلقني صارماً له ... فما بيننا عند الشدائد من صرم

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك في العدم

إذا متّ ذو القربى إليك برحمه ... وغشّك واستغنى فليس بذي رحم

ولكنّ ذا القربى الذي يستخفّه ... أذاك ومن يرمي العدوّ الذي ترمي

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي أنّهن من الضّعاف

مخافة أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن رنقاً بعد صافي

وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبوا العين عن كرمٍ عجاف

لعلي بن الحسين وقد سئل عن عدم مؤاكلته أمّه قيل لعلّي بن الحسين: أنت من أبرّ الناس ولا نراك تؤاكل أمّك. قال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها.

لعمر بن ذر في برّ ابنه به قيل لعمر ذرّ: كيف كان برّ ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهاراً قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحاً وأنا تحته.

بين عمر ورجل كبير يذكر ابنه حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عطاء بن السائب عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند عمر فأتاه رجل فأنشده:

تركت أباك مرعشةً يداه ... وأمّك ما تسيغ لها شرابا

إذا غنّت حمامة بطن وجٍّ ... على بيضاتها ذكرت كلابا

فقال عمر: ممّ ذاك؟ قال: هاجر إلى الشأم وترك أبوين له كبيرين. فبكى عمر وكتب إلى يزيد بن أبي سفيان في أن يرحّله، فقدم عليه، فقال: برّ أبويك وكن معهما حتى يموتا. قال أبو اليقظان: مربّعة كلاب بالبصرة إليه تنسب والعوامّ تقول مربّعة الكلاب.

شعر لأبي علي الضرير قال أبو علي الضرير:

أتيتك جذلان مستبشراً ... لبشراك لما أتاني الخبر

أتاني البشير بأن قد رزقت ... غلاماً فأبهجني ما ذكر

وأنّك، والرشد فيما فعل ... ت، أسميته باسم خير البشر

وطهّرته يوم أسبوعه ... ومن قبل في الذّكر ما قد طهر

فعمّرك اللّه حتى ترا ... ه قد قارب الخطو منه الكبر

وحتى ترى حوله من بنيه ... وإخوته وبنيهم زمر

وحتى يروم الأمور الجسام ... ويرجى لنفع ويخشى لضرّ

وأوزعك اللّه شكر العطاء ... فإن المزيد لعبدٍ شكر

وصلّى على السّلف الصالحي ... ن منكم وبارك فيمن غبر

وهذا قد وقع في باب التهانىء أيضاً.

للمأمون في برّ الفضل بن يحيى بأبيه

 

قال المأمون: لم أر أحداً أبرّ من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من برّه به أن يحيى كان لا يتؤضّأ إلا بماء مسخّن وهما في السجن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم كان يسخّن فيه الماء، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح.

لأعرابي يرّقص ابنه رقّص أعرابيٌّ ابنه وقال:

أحبّه حبّ الشّحيح ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله

إذا يريد بذله بدا له بين عمرو بن العاص ومعاوية في البنات دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه تفّاحة القلب. فقال: انبذها عنك. قال: ولم؟ قال: لأنهن يلدن الأعداء ويقرّبن البعداء، وورثن الضغائن. فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فو اللّه ما مرّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، وإنك لواجدٌ خالاً قد نفعه بنو أخته فقال له عمرو: ما أعلمك إلا حّببتهنّ إليّ

الاعتذاركان يقال: الأعتراف يهدم الأقتراف كتاب اعتذار لبعض الكتّاب كتب بعض الكتّاب إلى بعض العمال: لو قابلت حقّك عليّ بمتقدّم ومؤكّد الحرمة إلى ما جدّده اللّه لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب دون تجشّم الرّحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن الشغل بما ألفيت عليه أموري من الأنتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا خيار معه؛ أحلّني في الظاهر محلّ المقصّرين؛ وإن وهب اللّه فرجةً من الشغل وسهّل سبيلاً إليك، لم أتخلّف عمّا لي فيه الحظّ من مجاورتك والتنسّم بريحك والتيمّن بالنظر إليك، غادياً ورائحاً عليك، إن شاء اللّه تعالى كتاب ابن الجهم وهو في الحبس إلى نجاح كتب ابن الهجم إلى نجاح من الحبس:

إن تعف عن عبدك المسىء ففي ... فضلك مأوىً للصّفح والمنن

أتيت ما استحقّ من خطا ... فعدّ لما تستحق من حسن

للحسن بن وهب يعتذر وكتب الحسن بن وهب:

ما أحسن العفو من القادر ... لا سيّما عن غير ذي ناصر

إن كان لي ذنبٌ ولا ذنب لي ... فما له غيرك من غافر

أعوذ بالودّ الذي بيننا ... أن يفسد الأول بالآخر

اعتذار جعفر بن يحيى لرجل استبطأه العطاء كتب رجلٌ إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقّع في ظهر كتابه: أحتجّ عليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصادق النيّة لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

وتعذر نفسك إمّا أسات ... وغيرك بالعذر لا تعذر

وتبصر في العين منه القذى ... وفي عينك الجذع لا تبصر

وقال بعض الشعراء:

ياذا المميّز للأخاء ولل ... إخوان في التفضيل والقدر

لا يقبضنك عن معاشرتي ... بالأنس أن قصّرت في برّي

إني إذا ضاق امرؤ بجداً ... عنّي استعنت عليه بالعذر

في الأثر وفي الحديث المرفوع: " من لم يقبل من معتذرٍ صادقاً كان أو كاذباً لم يرد عليّ الحوض " وفيه: " أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم " بين أبي عبيد اللّه الكاتب ورجل اعتذر إليه إعتذر رجل إلى أبي عبيد اللّه الكاتب فقال: ما رأيت عذراً أشبه باستئناف ذنبٍ من عذرك.

ما قيل في أعجل الذنوب وكان يقال: أعجل الذنوب عقوبةً العذر، واليمين الفاجرة، وردّ التائب وهو يسأل العفو خائباً.

وقال مطّرف: المعاذر مكاذب إبراهيم النخعي يرد على رجل اعتذر إليه اعتذر رجل إلى إبراهيم فقال له: قد عذرتك غير معتذرٍ، إن المعاذير يشوبها الكذب.

ويقال. ما اعتذر مذنبٌ إلا ازداد ذنباً وقال الشاعر:

لا ترج رجعة مذنب ... خلط احتجاجاً باعتذار

اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة، فقبل منه وقال: لا يدعونّك أمر تخلصت منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه.

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

فلا تعذراني في الإساءة إنه ... شرار الرجال من يسيء فيعتذر

وقال ابن الطّثريّة:

هبيني امرأً إما بريئاً ظلمته ... وإما مسيئاً تاب بعد وأعتبا

وكنت كذي داءٍ تبغّي لدائه ... طبيباً فلما لم يجده تطبّبا

اعتذار لبعض الكتّاب

 

كتب بعض الكتّاب معتذراً: توهّمت، أعزك اللّه، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان كتابي هذا بإسمي، لما تضمنتّه من السّخيمة عليّ، فأخليته منه؛ وانتظرت باستعطافك من طويّتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدّين الحقد، واختصرت من الإحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والإعتذار المتعاود بين النّظراء، والإقرار المثّبت للأقدام، الإستسلام لك. على أنك إن حرمتني رضاك اتّسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغّر صدرك لم تضق من الرّقة عليّ من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك عندي نازعةٌ بك إلى استتمامها لديّ. ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من خوّلوا بالإحسان. ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم؛ وقد ظفرت وندمت. كتبت وإنا على ما تحبّ بشراً إن تغمدت زّلتي، وكما تحب ضراً إن تركت إقالتي، وبخيرٍ في كلتا الحالتين ما بقيت.

وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف: كم عسى أن يكون انتظاري لعطفك! وكم عسى أن يكون تماديك في عتبك؛ لولا أني مضطرٌ إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري. لقد استحييت واستحييت من ذلّي وعزّك، وخفضي جناحي ونأيٍ بجانبك.

وفي كتاب آخر: قد أودعني اللّه من نعمك ما بسطني في القول مدلاًّ به عليك، ووكّد من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك مالا أخاف معه نبوات الزمان عليّ فيك، وأمّنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛ فأقدمت ثقةً بإقالتك إن عثرت، وبتقويمك إن زغت، وبأخذك بالفضل إن زللت.

من كتاب اعتذار وفي كتاب اعتذار: أنا عليلٌ منذ فارقتك، فإن تجمع عليّ العلّة وعتبك أفدح. على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجالٍ فوصلت به قولي:

لك الحق إن تعتب عليّ لأنني ... جفوت وإمّا تغتفر فلك الفضل

أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضّلك بقبوله وإن أبلك يمح إفراطي في البرّ بك تفريطي فيه وإلى ذلك ما أسالك تعريفي خيرك لأراح إليه، وأستزيد اللّه في أسره لك.

وفي فصل آخر: أنا المقرّ بقصوري عن حقكّ واستحقاقي جفاءك، وبفضلك من عذلك أعوذ، فو اللّه لئن تأخرّ كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودّتك، ولطيف عنايتك.كيف يسلاك أو ينساك أخٌ مغرمٌ بك يراك زينة مشهدة ومغيبة!

وكيف أنساك لا أيديك واحدةٌ ... عندي ولا بالذي أوليت من نعم

وفي آخر الكتاب:

إذا اعتذر الصديق إليك يوماً ... من التقصير عذر أخٍ مقرّ

فصنه عن عتابك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كلّ حرّ

شعر للخليل بن أحمد في الإعتذار وقال الخليل بن أحمد:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكا

لبزر جمهر وقد سئل عن عدم معاتبة الجهلة قيل لبزر جمهر: ما بالكم لا تعاتبون الجهلة؟ قال: لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا.

شعر لابن الدمينة وقال ابن الدّمينة:

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل ... به ضعفةٌ حتى يقال مريب

لرجل يعتذر إلى صديقه وكتب رجل إلى صديق له يعتذر: أنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلاّ من جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلاّ بالإعتراف بالزّلة.

وقرأت في كتاب: لست أدري بأيّ شيء استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت عليّ به حكم قطيعتك، فواللّه ما صدق عليّ ولا كاد، ولا استجزت ما توهّمته فيمن لا يلزمني حقّه.

وأعيذك باللّه من بدارٍ إلى حكم يوجب الإعتذار، فإن الأناة سبيل أهل التّقى والنّهى؛ والظنّ والإسراع إلى ذوي الإخاء ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى اللّقاء.

لإسماعيل بن عبد اللّه يعتذر في آخر يوم من شعبان قال إسماعيل بن عبد اللّه وهو يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان: واللّه فإني في غبّر يومٍ عظيم، وتلقاء ليلة تفتّر عن أيامٍ عظامٍ، ما كان ما بلغك.

كتاب اعتذار

 

وقرأت في كتاب معتذرٍ: إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة اللّه عندك؛ ستقبل العذر على معرفةٍ منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة وإن لم تكن على يقينٍ من صدق النيّة، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن.

بين جعفر البرمكي ورجل اعتذر إليه اعتذر رجلٌ إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك اللّه بالعذر منّا عن الإعتذار، وأعنانا بالمودّة لك عن سوء الظن بك.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائباً ... إليك فلم تغفر له فلك الذنب

بين الحسن وورد بن عاصم المبرسم وقد هجاه ثم اعتذر له كان الحسن بن زيد بن الحسن والياً للمنصور على المدينة، فهجاه ورد بن عاصم المبرسم فقال:

له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل

وقدكان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لأهلها وهو الرسول

فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثلٌ بين يديه يقول:

سيأتي عذري الحسن بن زيدٍ ... وتشهد لي بصفّين القبور

قبورٌ لو بأحمد أو عليًّ ... يلوذ مجيرها حفظ المجير

هما أبواك من وضعا تضعه ... وأنت برفع ما رفعا جدير

فاستخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له رداءه وأجلسه عليه.

في كتاب لمعتذر وفي كتاب لمعتذرٍ: علوّ الرّتبة واتّساع القدرة وانبساط اليد بالسّطوة، ربما أنست ذا الحنق المحفظ من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصّفح وما في إقالة المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء غيظه، وحرّكته على تبريد غلّته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من عادته. وهمّتك تجلّ عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظّفر. فصل في الإعتذار وفي فصل: نبت بي عنك غرّة الحداثة فردّتني إليك الحنكة، وباعدتني عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة، ثقةً بإسراعك إليّ وإن كنت أبطأت منك، وقبولك العذر وإن كنت ذنوبي قد سدت عليك مسالك الصّفح؛ فأيّ موقفٍ هو أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك! وأيّ خطّةٍ هي أودى بصاحبها من خطّةٍ أنا راكبها لولا أنها في رضاك!.

بين الحجاج وعمرو بن عتبة أوقع الحجاج يوماً بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده عمرو بن عتبة: فقال عمرو: إن خالداً أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديمٍ غلب عليه وحديث لم يسبق إليه. فقال الحجّاج معتذراً: يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا، فتعرّضنا للذي تحبون.

بين أبي مسلم وقائدٍ له تطاول عليه وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى عليه القائد إلى أن قال له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، واللّه ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى أنطقتني فاغفر لي. قال: قد فعلت. فقال: إني أحبّ أن أستوثق لنفسي. فال أبو مسلم: سبحان اللّه! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسيء!.

شعر للطائي:

وكم ناكثٍ للعهد قد نكثت به ... أمانيه واستخذي بحقّك باطله

فحاط له الإقرار بالذنب روحه ... وجثمانه إذ لم تحطه قبائله

وقال آخر:

حتى متى لا تزال معتذراً ... من زلّة منك ما تجانبها

لا تتّقي عيبها عليك ولا ... ينهاك عن مثلها عواقبها

لتركك الذنب لا تقارفه ... أيسر من توبةٍ تقاربها

أعرابي يخاطب ابن عم له قال أعرابيّ لابن عمٍّ له: سأتخطّى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقينٍ ومن الآخر على شكّ؛ ليتمّ المعروف منّي إليك، ولتقوم الحجّة مني عليك.

عتب الإخوان والتباغض والعداوةللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني الزّيّادي قال: حدّثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم عن معاذة أنها سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول " لا يحلّ لمسلم أن يصارم مسلماً فوق ثلاثٍ، وأيّهما فعل فإنهما ناكثان عن الحقّ ما داما على صرمهما وإن ماتا لا يدخلان الجنة " .

 

لبعض الشعراء في توارث العداوة، ومثله لأبي بكر رضي اللّه عنه قال بعض الشعراء:

سنّ الضغائن آباءٌ لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء

هذا مثل قول أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه: العداوة تتوارث.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب الهند: إذا كانت الموجدة عن علّة كان الرضا مرجوّاً، وإذا كانت غير علة كان الرضا معدوماً. ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا يرضى، وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه.

قال بعض لمحدثين:

فلا تله عن كسب ودّ العدوّ ... ولا تجعلنّ صديقاً عدوّاً

ولا تغتر بهدوّ امرىءٍ ... إذا هيج فارق ذلك الهدوّا

وقال آخر:

إحذر مودّة ماذقٍ ... شاب المرارة بالحلاوة

يحصي العيوب عليك أيام الصداقة والعداوة

شعر لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدّؤليّ:

إذا المرء ذو القربى الضّغن أجحفت ... به سنةٌ حلّت مصيبته حقدي

شعر محمد بن أبان اللاحقي يخاطب أخاه إسماعيل وقال محمد بن أبان اللاّحقي لأخيه إسماعيل:

تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها في الناس قبلي

وقال آخر:

وروّعت حتى ما أراع من النّوى ... وإن بان جيران عليّ كرام

فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي ... وعيني على هجر الصديق تنام

ولأحمد بن يوسف قال أحمد بن يوسف الكاتب:

ما على ذا كنّا افترقنا بسندا ... ولا بيننا عقدنا الإخاء

نطعن الناس بالمثقّفة السّم ... ر على غدرهم وننسى الوفاء

لأفلاطون قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم الإنسان عدوّه؟ قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه.

وكان يقال: إحذر معاداة الذليل، فربما شرق بالذّباب العزيز.

كتاب رجل إلى صديق له تجنّي عليه كتب رجل من الكتاب إلى صديقٍ تجنّى عليه:

عتبت عليّ ولا ذنب لي ... بما الذنب فيه ولا شكّ لك

وحاذرت لومي فبادرتني ... إلى اللوم من قبل أن أبدرك

فكنّا كما قيل فيما مضى ... خذ اللّصّ من قبل أن يأخذك

وقال آخر:

رأيتك لما نلت مالاً، ومسّنا ... زمانٌ ترى في حدّ أنيابه شغبا

جعلت لنا ذنباً لتمنع نائلاً ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا

وقال آخر:

تريدين أن أرضى وأنت بخيلةٌ ... ومن ذا الذي يرضي الأخلاّء بالبخل

وجدّك لا يرضى إذا كان عاتباً ... خليلك إلا بالمودّة والبذل

متى تجمعني منّاً كثيراً ونائلاً ... قليلاً يقطّع ذاك باقية الوصل

من رجل لصديق له كتب رجل إلى صديق له:

لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ ... لقد سرّني أنّي خطرت ببالك

وقال آخر:

إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقةٍ ... ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني

فإن صددت بوجهي كي أكافئه ... فالعين غضبي وقلبي غير غضبان

لإبراهيم بن العباس، وآخرون وقال إبراهيم بن العباس:

وقد غضبت فما غضبي ... حتى انصرفت بقلبٍ ساخطٍ راضي

وقال زهير:

وما يك في عدوّ أو صديقٍ ... تخبّرك العيون عن القلوب

وقال دريد:

وما تخفى الضغينة حيث كانت ... ولا النظر الصحيح من السقيم

وقال ابن أبي خازم:

خذ من الدهر ما كفى ... ومن العيش ما صفا

لا تلحّن بالبكا ... ء على منزلٍ عفا

خلّ عنك العتاب إن ... خان ذو الودّ أو هفا

عين من لا يحبّ وص ... لك تي لك الجفا

لأعرابي يذكر أعداءً وقال أعرابيّ يذكر أعداءً:

يزمّلون جنين الضّغن بينهم ... والضغنّ أشوة أو في وجهه كلف

إن كاتمونا القلى نمّت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف

لأبن أبي أمية وقال ابن أبي أمية:

كم فرحةٍ كانت وكم ترحةٍ ... تخرّصتها لي فيك الظنون

إذا قلوبٌ أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون

وقال آخر:

 

أما تبصر في عين ... يّ عنوان الذي أبدي

وقال آخر:

ومولىً كأنّ الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممنّ أعاتبه

يقول: لا أقدر " أن " أنظر إليه، فكأن الشمس بيني وبينه.

ومثله:

إذا أبصرتني أعرضت عنّي ... كأنّ الشمس من قبلي تدور

شعر للنمر بن تولب في الإعراض وقال النّمر بن تولب في الإعراض:

فصدّت كأن الشمس تحت قناعها ... بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجب

مثله لأبي نواس أخذه أبو نواس، فقال:

يا قمراً للنّصف من شهره ... أبدى ضياءً لثمانٍ بقين

يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه.

شعر في الضغينة وقال آخر في الضغينة:

وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغنٌ ... كما طرّ أوبار الجراب على النّشر

وقال آخر في نحوه:

وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وقال الأخطل:

إنّ الضغينة تلقاها وإن قدمت ... كالعرّ يكمن حيناً ثم ينتشر

شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا

من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند: ليس بين عداوة الجوهريّة صلحٌ إلا ريثما ينتكث، كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صبّ عليها.

بين سعد بن أبي وقّاص وعمّار بن ياسر قال سعد بن أبي وقّاص لعمّار بن ياسر: إن كنا لنعدّك من أكابر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظمء الحمار فعلت وفعلت. قال: أيّما أحبّ إليك: مودّة على دخلٍ أو مصارمةٌ جميلة؟ قال: مصارمةٌ جميلة. قال: للّه عليّ ألاّ أكلمت أبداً.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في صديقٍ له تغيّر:

احول عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي

وقال المثقّب العبديّ:

ولا تعدي مواعد كاذباتٍ ... تمرّ بها رياح الصيف دوني

فإني لو تعاندني شمالي ... عنادك ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني

وقال الكميت:

ولكنّ صبراً عن أخٍ عنك صابرٍ ... عزاءً إذا ما النفس حنّ طروبها

رأيت عذاب الماء إن حيل دونها ... كفاك لما لا بدّ منه شروبها

وإن لم يكن إلا الأسنة مركبٌ ... فلا رأي للمجهود إلا ركوبها

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: العدوّ إذا أحدث صداقة لعلةٍ ألجأته إليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد بارداً.

لمحمد بن يزداد الكاتب قال محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوّك فقبّلها قال الشاعر:

لقد زادني حبّاً لنفسي أنني ... بغيضٌ إلى كل امرىءٍ غير طائل

إذا ما رآني قطّع الطرف دونه ... ودوني فعل العارف المتجاهل

ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضّيق في عينيه كفّة حابل

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إعتزل عدوّك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي اللّه.

بين أزدي وتميمي الهيثم عن ابن عيّاش قال: أخبرني رجل من الأزد قال: كنا مع أسد بن عبد اللّه بخراسان، فبينا نحن نسير معه مقد مدّ نهرٌ فجاء بأمرٍ عظيم لا يوصف، وإذا رجل يضربه الموج وهو ينادي: الغريق الغريق! فوقف أسد وقال: هل من سابح؟ فقلت: نعم. فقال: ويحك! إلحق الرجل! فوثبت عن فرسي وألقيت عنّي ثيابي ثم رميت بنفسي في الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريباً منه قلت: ممن الرجل؟ قال: من بني تميم. قلت: إمض راشداً. فواللّه ما تأخرت عنه ذراعاً حتى غرق؛ فقال ابن عياش: فقلت له: ويحك! أما اتقيت اللّه! غرّقت رجلاً مسلماً! فقال: واللّه لو كنت معي لبنةٌ لضربت بها رأسه.

طاف رجل من الأزد بالبيت وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له: ألا تدعو لأمك؟ فقال: إنها تميميةٌ.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك، فإنّ السلامة بين الأعداء توحّش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم.

لبزر جمهر وقد أراد الملك أن يقتله ويتزوج ابنته

 

أراد الملك قتل بزر جمهر وأن يتزوّج ابنته بعد قتله؛ فقال: لو كان ملككم حازماً ما جعل بينه وبين شعاره موتورة.

لأبي حازم قال أبو حازم: لا تناصبنّ رجلاً حتى تنظر إللى سريرته؛ فإن تكن له سريرةٌ حسنةٌ فإن اللّه لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئةً فقد كفاك مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي اللّه لم تقدر.

قال رجل: إني لأغتنم في عدوّي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.

شعر للأفوه الأودي وقال الأفوه الأودي:

بلوت الناس قرناً بعد قرنٍ ... فلم أر غير خلاّبٍ وقالي

وذقت مرارة الأشياء جمعاً ... فما طعمٌ أمرّ من السؤال

ولم أر في الخطوب أشدّ هولاً ... وأصعب من معاداة الرجال

وقال آخر:

بلاءٌ ليس يشبهه بلاءٌ ... عداوة غير ذي حسبٍ ودين

يبيحك منه عرضاً لم يصنه ... ويرتع منك في عرضٍ مصون

شماتة الأعداءلعمرو بن عتبة وقد بلغه شماتة قوم به بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب؛ فقال: واللّه لئت عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى اللّه لنا: شبّاناً يشّبون الحروب، وسادةً يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.

لأيوب النبي في شماتة الأعداء قيل لأيوب النبيّ عليه السلام: أيّ شىء كان أشدّ عليك في بلائك؟ قال: شماتة الأعداء ليزيد بن عبد الملك يعاتب هشاماً إشتكى يزيد بن عبد الملك شكاةً شديدةً وبلغه أنّ هشاماً سرّ بذلك، فكتب إلى هشام يعاتبه، وكتب في آخر الكتاب:

تمنّى رجالٌ أن أموت، وإن أمت ... فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد

وقد عملوا، لو ينفع العلم عندهم ... متى متّ ما الداعي عليّ بمخلد

منيّته تجري لوقتٍ وحتفه ... يصادفه يوماً على غير موعد

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيّأ لأخرى مثلها فكأن قد

للفرزدق وقال الفرزدق:

إذا ما الدّهر جرّ على أناسٍ ... حوادثه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

لأعرابي ذهبت إبله أغير على رجلٍ من الأعراب فذهب بإبله فقال:

لا والذي أنا عبدٌ في عبادته ... لولا شماته أعداءٍ ذوي إحن

ما سرّني أن إبلي في مباركها ... وأنّ شيئاً قضاه اللّه لم يكن

لعدي بن زيد العبادي وقال عدّي بن زيد العباديّ:

أرواحٌ مودعٌ أم بكور ... لك فانظر لأيّ حالٍ تصير

وابيضاض السواد من نذر المو ... ت فهل بعده لإنس نذير

أيّها الشامت المعيّر بالدّه ... ر أأنت المبرّأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأيام أم أنت جاهلٌ مغرور

من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام مجير

أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وإن أم أين قبله سابور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجل ... ة تجبى إليه والخابور

شاده مرمراً وجلّله كل ... ساً فللطيّر في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور

وتبيّن ربّ الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير

سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسّدير

فارعوى قلبه فقال وما غب ... طة حيٍّ إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح والملك والنّع ... مة وارتهم هناك القبور

ثم أضحوا كأنهم ورقٌ جفّ ... فألوت به الصّبا والدّبور

شماتة نساء كندة بموت النبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر لرجل منهم قال ابن الكلبي: لما قبض النبي صلى اللّه عليه وسلم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت فخضبن أيديهنّ وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:

أبلغ أبا بكرٍ إذا ما جئته ... أنّ البغايا رمن أيّ مرام

أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهنّ بالعلاّم

 

فأقطع، هديت، أكفّهنّ بصارمٍ ... كالبرق أومض من متون غمام

فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهنّ وقطعّ أيديهنّ.

في ذكر عدو وقرأت في كتاب ذكر فيه عدوّ: فإنه يتربّص بك الدوائر، ويتمنّى لك الغوائل، ولا يؤمّل صلاحاً إلا في فسادك، ولا رفعةٍ إلا في سقوط حالك والسلام.

وجد بالأصل في آخر هذا الكتاب ما نصّه: آخر كتاب الإخوان، وهو كتاب السابع من عيون الأخبار، تأليف أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين خمسمائة. وصلى اللّه على سيدنا محمد النبيّ وآله الطاهرين.

وفي هذه الصفحة عينها وجد ما يأتي - وهو من زيادة الناسخ - : قيل قدم المهدي أمير المؤمنين، وقيل الرشيد، فتلقّاه الناس، وتلقّاه أبو دلامة في جملة الناس، فأنشده:

إني نذرت لئن رأيتك سالماً ... بقرى العراق وأنت ذو وفر

لتصلّين على النبيّ محمد ... ولتملأن دراهماً حجري

فقال له أمير المؤمنين: أما الأولى فنعم. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وأما الأخرى فلست أفعل، فقال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين ما نذرت إلا الثنين، فضحك وأمر حتى ملأوا حجره دراهم.

شاعر:

ولقد تنسمت الرياح لحاجتي ... فإذا لها من راحتيك نسيم

ولربّما استيأست ثم أقول لا ... إن الذي ضمن النجاح كريم

كتاب الحوائج

استنجاح الحوائجللنبي صلى اللّه عليه وسلم في كتمان الحوائج حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الخصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل بن عبد اللّه بن بريدة عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه: " إستعينوا على الحوائج بالكتمن فإنّ كلّ ذي نعمةٍ محسودٌ " .

لخالد بن صفوان في طلب الحاجة ومفتاح نجاحها قال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهلٍ فتكونوا للمنع خلقاء.

لشبيب بن شيبة في نجح السؤال مع العقل قال شبيب بن شيبة: إنّي لأعرف أمراً لا يتلاقى به اثنان إلاّ وجب النّجح بينهما. فقال له خالد بن صفوان: ما هو؟ قال: " العقل، فإنّ " العاقل لا يسأل ما لا يجوز ولا يردّ عما يمكن. فقال له خالد: نعيت إليّ نفسي؟ إنّا أهل بيتٍ لا يموت منا أحدّ حتى يرى خلفه.

وصية بني ربيعة لأولادهم أبو اليقظان قال: كان بنو ربيعة - وهم من بني عسل بن عمرو بن يربوع - يوصون أولادهم فيقولون: إستعينوا على الناس في حوائجكم بالتثقيل عليهم، فذاك أنجح لكم قال الشاعر:

هيبة الإخوان مقطعةٌ ... لأخي الحاجات عن طلبه

فإذا ما هبت ذا أملٍ ... مات ما أمّلت من سببه

لأبي نواس، وغيره، في طلب الحاجات وقال أبو نواس:

وما طالب الحاجات ممّن يرومها ... من الناس إلا المصبحون على رجل

تأنّ مواعيد الكرام فربّما ... أصبت من الإلحاح سمحاً على بخل

والبيت المشهور في هذا:

إنّ الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

لا تيأسنّ وإن طالت مطالبةٌ ... إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجا

وقال آخر:

إنّي رأيت، وللأيّام تجربةٌ ... للصبر عاقبةً محمودة الأثر

وقلّ من جدّ في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظّفر

من أمثال العرب في الصبر في طلب الحاجة والعرب تقول: " ربّ عجلة تهب ريثاً " . يريدون أن الرجل قد يخرق ويعجل في حاجته فتتأخّر أو تبطل بذلك.

وتقولك " الرّشف أنقع " . يريدون أن الشراب الذي يترّشف رويداً رويداً أقطع للعطش وإن طال على صاحبه.

شعر لعامر بن خالد بن جعفر يخاطب يزيد بن الصقّ وقال عامر بن خالد بن جعفر ليزيد بن الصّق:

إنك إن كلّفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرّك منّي من خلق

دعاء في استنجاح الحوائج

 

وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللّهم إنّي بك أستفتح، وبك أستنجح، وبمحمّد نبيك إليك أتوجّه، اللّهم ذلّل لي صعوبته، وسهّل لي خزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عنّي من الشرّ أكثر مما أخاف.

شعر للقطامي في التأني بطلب الحاجة وقال القطاميّ:

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل

بين إبراهيم بن السندي ورجل من أهل الكوفة عرف بالمرؤة عمرو بن بحرٍ عن إبراهيم بن السّنديّ قال: قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجلٍ من وجوهها، كان لا يجفّ لبده ولا يستريح قلمه ولا تسكن حركته في طلب حوائج الرجال، وإدخال المرافق على الضغفاء وكان رجلاً مفوّهاً: خبّرني عن الشيء الذي هوّن عليك النّصب وقوّاك على التعب ما هو؟ قال: قد واللّه سمعت تغريد الطير بالأسحار، في أفنان الأشجار؛ وسمعت خفق أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان الحسان؛ ما طربت من صوتٍ قطّ طربي من ثناء حسنٍ بلسانٍ حسنٍ على رجلٍ قد أحسن، ومن شكر حرّ لمنعمٍ حرّ، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت: للّه أبوك لقد حشيت كرماً فزادك اللّه كرماً، فبأيّ شيء سهلت عليك المعاودة والطلب؟ قال: لأني لا أبلغ المجهود ولا أسأل ما لا يجوز، وليس صدق العذر أكره إليّ من إنجاز الوعد، ولست لإكداء السائل أكره منّي للإجحاف بالمسؤول، ولا أرى الراغب أوجب عليّ حقّاً للذي قدّم من حسن ظنه من المرغوب إليه الذي احتمل من كلّه. قال إبراهيم: ما سمعت كلاماً قطّ أشدّ موافقة لموضعه ولا أليق بمكانه من هذا الكلام. شعر لمصعب في طلب الحوائج وقال مصعبٌ:

في القوم معتصمٌ بقوّة أمره ... ومقصّر أودى به التقصير

لا ترض منزلة الذليل ولا تقم ... في دار معجزةٍ وأنت خبير

وإذا هممت فأمض همّك إنما ... طلب الحوائج كلّه تغرير

وكان يقال: إذا أحببت أن تطاع، فلا تسأل ما لا يستطاع.

ويقال: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.

الاستنجاح بالرّشوة والهديّة

لسفيان الثوري في الاستنجاح بالهدية حدّثني زيد بن أخزم عن عبد اللّه بن داود قال: سمعت سفيان الثوريّ يقول: إذا أردت أن تتزّوج فأهد للأمّ.

والعرب تقول: " من صانع لم يحتشم من طلب الحاجة " .

لميمون بن ميمون قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك إلى كاتبٍ فليكن رسولك الطمع.

لعلي بن أبي طالب في الهدية لنيل الحاجة وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: نعم الشيء الهديّة أمام الحاجة.

لرؤبة،ولغيره، في الرشوة وقال رؤبة:

لما رأيت الشّفعاء بلّدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا

نامستهم برشوةٍ فأقردوا ... وسهّل اللّه بها ما شدّدوا

وقال آخر:

وكنت إذا خاصمت خصماً كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم

فلما تنازعنا الخصومة غلّبت ... عليّ وقالوا قم فإنك ظالم

للعرب في البذل لطلب الحاجة والعرب تقول في مثل هذا المعنى: " من يخطب الحسناء يعط مهراً " يريدون من طلب حاجةً مهمّةً بذل فيها وقال بعض المحدثين:

ما من صديقٍ وإن تمت صداقته ... يوماً بأنجح في الحاجات من طبق

إذا تلّثم بالمنديل منطلقاً ... لم يخش نبوة بوّابٍ ولا غلق

لا تكذبنّ فإنّ الناس مذ خلقوا ... لرغبةٍ يكرمون الناس أو فرق

وقال آخر:

ما أرسل الأقوام في حاجةٍ ... أمضى ولا أنجح من درهم

يأتيك عفواً بالذي تشهتي ... نعم رسول الرجل المسلم

الاستنجاح بلطيف الكلامبين أبي بكر الهجريّ والمنصور حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قالك دخل أبو بكر الهجريّ على المنصور فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي وأنتم أهل بيت بركة، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل اللّه يشدّد لي منهم؟ فقال أبو جعفر: اختر منها ومن الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألاّ تبقى في فمي حاكّة.

لخلف في رقية الخبز قال أبو حاتم: وحدّثنا الأصمعيّ عن خلف قال: كنت أرى أنّه ليس في لدنيا رقية إلا رقية الحيّات، فإذا رقية الخبز أسهل. يعني ما تكلّفه الناس من الكلام لطلب الحيلة.

 

بين الفضل بن سهل ورجل يسأله قال رجلٌ للفضل بن سهل يسأله: الأجل آفة الأمل، والمعروف ذخيرة الأبد، والبرّ غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة أخي القدرة؛ فأمر وهباً كاتبه أن يكتب الكلمات.

من رقعة رفعت إلى الفضل بن سهل ورفع إليه رقعةً فيها: يا حافظ من يضيّع نفسه عنده، ويا ذاكر من ينسى نصيبه منه، ليس كتابي إذا كتبت استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكت استغناءً؛ لكنّ كتابي إذا كتبت تذكرةٌ لك، وإمساكي إذا أمسكت ثقةً بك.

وقال رجل لآخر: ما قصّرت بي همّةٌ صيّرتني إليك، ولا أخّرني ارتيادٌ دلّني عليك، ولا قعد بي رجاءٌ حداني إلى بابك. وبحسب معتصمٍ بك ظفرٌ بفائدةٍ وغنيمةٍ، ولجءٌ إلى موئل ٍوسندٍ.

للهذيل بن زفر يستعين بيزيد بن المهلّب دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلّب في حملاتٍ لزمته، فقال له: قد عظم شأنك عن أن يستعان بك أو يستعان عليك، ولست تصنع شيءاً من المعروف إلاّ وأنت أكثر منه وليس العجب أن تفعل، وإنما العجب من ألاّ تفعل.

شعر للحمدويّ في الحسين بن أيوب قال الحمدونيّ في الحسين بن أيوب والي البصرة:

قل لابن أيّوب قد أصبحت مأمولا ... لا زال بابك مغشيّاً ومأهولا

إن كنت في عطلةٍ فالعذر متّصلٌ ... وصل إذا كنت بالسلطان موصولا

شرّ الأخلاّء من وليّ قفاه إذا ... كان المولّي وأعطى البشر معزولا

من لم يسمّن جواداً كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا

افرغ لحاجتنا ما دمت مشغولاً ... لو قد فرغت لقد ألفيت مبذولا

وقال آخر:

ولا تعتذر بالشّغل عنّا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتّصل الشّغل

بين رجل وبعض الولاة وأتى رجلٌ إلى صديقٍ له: قد عرضت قبلك حاجةٌ، فإن نجحت بك فألفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعتذر فالخير مظنون بك والعذر مقدّم لك.

وفي فصلٍ آخر: قد عذرك الشّغل في إغفال الحاجة وعذرني في إنكارك.

وفي فصل آخر: قد كان يجب ألاّ أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها بأكثر من قدرتك عليها؛ فلربّما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من حرمتي. وما استصغر ما كان منك إلا عنك، ولا أستقلّه إلا لك.

وقال آخر: إن رأيت أن تصفّد يداً بصنيعةٍ باقٍ ذكرها جميلٍ في الدهر أثرها، تغتنم غرّة الزمان فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل.

بين زياد وأعرابي يسأله العطاء قدم على زيادٍ نفرٌ من الأعراب فقام خطيبهم فقال: أصلح الله الأمير؟ نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا ركائبنا نحوك التماساً لفضل عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما أيها الأمير خازنٌ ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك. ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه: تالله ما رأيت كلاماً أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه. ثم أمر لهم بما يصلحهم.

بين العتابي والمأمون دخل العتابي على المأمون، فقال له المأمون: خبّرت بوفاتك فغمتني، ثم جاءتني وفادتك فسرتني. فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك. قال: سلني. قال: يداك بالعطية أطلق من لساني.

بين نصيب وعمر بن عبد العزيز قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ورقّ عظمي، وبليت ببنّياتٍ نفضت عليهن من لوني فكسدن عليّ. فرقّ له عمر ووصله.

مسألة رجل لأسد بن عبد الله واعتلال أسد عليه سأل رجل أسد بن عبد الله فاعتل عليه؛ فقال: إني سألت الأمير من غير حاجةٍ. قال: وما حملك على ذلك؟ قال: رأيتك تحبّ من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن أتعلق منك بحبل مودة.

مسألة بعض الحكماء لبعض ملوك العجم لزم بعض الحكماء باب بعض ملوك العجم دهراً فلم يصل إليه، فتلطف للحاجب في إيصال رقعةٍ ففعل. وكان فيها أربعة أسطرٍ: السطر الأول " الأمل والضرورة أقدماني عليك " .

والسطر الثاني " والعدم لا يكون معه صبرٌ على المطالبة " .

والسطر الثالث " الانصراف بلا فائدةٍ شماتةٌ للأعداء " .

والسطر الرابع " فإما نعم مثمرةٌ، وإما لا مريحةٌ " . فلما قرأها وقع في كل سطرٍ: زه؛ فأُعطي ستة عشر ألف مثقال فضة.

مسألة محمد بن واسع لقتيبة بن مسلم

 

دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم، فقال له: أتيتك في حاجةٍ رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك. فأمر له بحاجته.

وقال له أيضاً في حاجةٍ أخرى: إني أتيتك في حاجة، فإن شئت قضيتها وكنا جميعاً كريمين، وإن شئت منعتها وكنا جميعاً لئيمين.

بين خالد بن عبد الله ورجل جاء يسأله أتى رجل خالد بن عبد الله في حاجةٍ، فقال له، أتكلّم بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل؟ قال: بل بهيبة الأمل. فسأله حاجته فقضاها.

لأبي سماك يسأل رجلاً وقال أبو سمّاكٍ لرجل: لم أصن وجهي عن الطلب إليك، فصن وجهك عن ردّي، وضعني من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.

بين المنصور ورجل تلطف للسؤال قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكفّ وجهي ويعجز عن برّ الصديق. فقال: لقد تلطّفت للسؤال. ووصله.

وقال لمنصور لرجلٍ أحمد منه أمراً: سل حاجتك. فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين. قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقتٍ. فقال: ولم يا أمير المؤمنينن ؟؟؟فوالله لا أستقصر عمرك ولا أرهب بخلك ولا أغنم مالك وإن سؤالك لزينٌ، وإن عطاءك لشرف، وما على أحدٍ بذل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ. فأمر حتى ملىء فوه درّاً.

بين أبي العباس وأبي دلامة قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلبٌ؛ قال: لك كلب. قال: ودابة أتصيد عليها؛ قال: ودابة. قال: وغلام يركب الدابة ويصيد؛ قال: وغلام. قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال: وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال ولابدّ من دارٍ؛ قال: ودار. قال: لابدّ من ضيعةٍ لهؤلاء؛ قال: قد أقطعتك مائة جريبٍ عامرةٍ ومائة جريب غامرة. قال: وأي شيءٍ الغامرة؟ قال: ليس فيها نباتٌ. قال: فأنا أقطعك ألفاً وخمسمائة جريبٍ من فيا في أسدٍ؛ قال: قد جعلتها " كلها لك " عامرةً. قال: أقبل يدك؛ قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئاً أهون عليهم فقداً منها.

بين عبد الملك بن مروان ورجل قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجماً لا تنطق؟ قال: أشكو إليك ثقل الشرف؛ قال: أعينوه على حمله.

بين زياد ورجل تلطف في السؤال منه رأى زياد على مائدته رجلاً قبيح الوجه كثير الأكل، فقال له: كم عيالك؟ قال: تسع بنات. قال: أبن هنّ منك؟ قال: أنا أجمل منهم وهنّ آكل مني. قال: ما أحسن ما تلطفت في السؤال. وفرض له وأعطاه.

مسألة عجوز لقيس بن سعد وقفت عجوز على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان. قال: ما أحسن هذه الكناية؟ إملأوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً.

لبعض القصاص وقال بعض القصاص في قصصه: اللهم أقلّ صبياننا وأكثر جرذاننا.

كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الولي بالولي والجار بالجار؛ فدخل عليه رجلٌ وعلى رأسه وصيفةٌ روقةٌ فنظر إليها؛ فقال سليمان: أأعجبتك؟ قال: بارك الله لأمير المؤمنين فيها ! قال: هات سبعة أمثالٍ في الاست وخذها؛ فقال: " صر عليه الغزو استه " . قال: واحد. قال: " است البائن أعلم " ؛ قال: اثنان. قال: " است لم تعود المجمر تحترق " ؛ قال: ثلاثة. قال: " الحرّ يعطي والعبد يبجع باسته " ؛ قال: أربعة. قال: " استي أخبثي " ! قال: خمسة. قال: " عاد سلاها في استها " ؛ قال: " لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت " ؛ قال: ليس هذا من ذاك؛ قال: أخذت الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين! قال: خذها.

بين يزيد بن المهلب وسليمان قال يزيد بن المهلّب لسليمان في حمالةٍ كلمة فيها: يا أمير المؤمنين، والله لحمدها خيرٌ منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي مبسوطةٌ بيدك فابسطها لسؤالها.

بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن عتبة وقد سأله أن لا يقطع عطاءه

 

قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم، لتباعدٍ كان بينه وبين خالد بن يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقّك متعبٌ وتقصيه فادحٌ، ولنا مع حقك علينا حقٌ عليك، لقرابتنا منك وإكرام سلفنا لك؛ فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك، وزدنا بقدر ما زادك الله؛ فقال: أفعل، وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن يستغني بنفسه فسنكله إليها. يعرّض بخالد؛ فبلغ ذلك خالداً، فقال: أما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ، أو بالحرمان يتهددني! يد الله فوق يده مانعةٌ، وعطاؤه دونه مبذول.

مسألة رجل للحجاج برقعة سلمها ليزيد بن أبي مسلم أتى رجل يزيد بن أبي مسلم برقعةٍ يسأله أن يرفعها إلى الحجاج؛ فنظر فيها يزيد فقال: ليست هذه من الحوائج التي ترفع إلى الأمير. فقال له الرجل: فإني أسألك أن ترفعها، فلعلها توافق قدراً فيقضيها وهو كاره. فأدخلها وأخبره بمقالة الرجل؛ فنظر الحجاج في الرقعة، وقال ليزيد: قل للرجل: إنها وافقت قدراً وقد قضيناها ونحن كارهون.

لبعض الشعراء يخاطب بشر بن مروان دخل بعض الشعراء على بشر بن مروان فأنشده:

أغفيت عند الصبح نوم مسهدٍ ... في ساعة ما كنت قبل أنامها

فرأيت أنك رعتني بوليدةٍ ... مغنوجةٍ حسن عليّ قيامها

وببذرةٍ حملت إليّ وبغلةٍ ... دهماء مشرفةٍ يصل لجامها

فدعوت ربي أن يثيبك جنةً ... عوضاً يصيبك بردها وسلامها

فقال له بشر: في كل شيء أصبت إلا في البغلة فإني لا أملك إلا شهباء. فقال: إني الله ما رأيت إلا شهباء.

مسألة رجل لمعاوية قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين. قال: إني لا أصل إلى ذلك. قال: فاستعملني على البصرة. قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي بألفين. قال: ذاك لك. فقيل له: ويحك أرضيت بعد الأوليين بهذا قال: اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه.

مسألة أعرابي لبعض الكتاب جاء أعرابي إلى بعض الكتاب فسأله، فأمر الكاتب غلامه بيمينه أن يعطيه عشرة دراهم وقميصاً من قمصه؛ فقال الأعرابي:

حوّل العقد بالشمال أبا الأص ... بغ واضمم إلى القميص قميصا

إن عقد اليمين يقصر عني ... وأرى في قميصكم تقليصا

يقول: حوّل عقد اليمين وهو عشرة إلى عقد الشمال وهو مائة: مسألة أعرابي: سألني أعرابي فقال في مسألته: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق ولقد مشيت حتى انتعلت الدم وحتى سقط من رجلي بخص لحمٍ وحتى أن وجهي حذاءٌ لقدامي، فهل من أخٍ يرحمنا؟ وسأل آخر قوماً فقال: رحم الله امرأً لم تمجج أذناه كلامي، وقدم لنفسه معاذاً من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مصعبة، والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والعدم عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين فرحم الله امرأً أمر بمير، ودعا بخير. فقال له رجل من القوم: ممن الرجل؟ فقال: اللهم غفراً ممن لا تضرك جهالته، ولا تنفعك معرفته؛ ذلّ الاكتساب، يمنع من عز الانتساب.

بين أعرابي ورجل حرمه العطاء سأل أعرابي رجلاً فحرمه؛ فقال: غلام تحرمني فوالله ببييييسسش ما زلت قبلةً لأملي لا تلفتني عنك المطامع، فإن قلت: قد أحسنت بدءاً، فما ينكر لمثلك أن يحسن عوداً.

بين ابن أبي عتيق وأشعب قال ابن أبي عتيق: دخلت على أشعب وعنده متاع حسن وأثاثٌ، فقلت له: ويح أما تستحي أن تسأل وعندك ما أرى فقال: يا فديتك معي والله من لطيف السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه.

شعر للصلتان العبدي قال الصّلتان العبديّ:

نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجةٌ ما بقي

إذا ليلةٌ هرّمت يومها ... أتى بعد ذلك يومٌ فتي

وقال آخر:

وحاجةٍ دون أخرى قد سنحت بها ... جعلتها للتي أخفيت عنوانا

لدعبل الخزاعي في طلب حاجة له كتب دعبلٌ إلى بعض الأمراء:

جئتك مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب

فاقض ذمامي فإنّني رجلٌ ... غير ملحٍّ عليك في الطلب

من يعتمد في لحاجة ويستسعى فيهاللنبي صلى الّه عليه وسلم فيمن يعتمد في الحاجة

 

روى هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مصعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه " .

وفي حديث آخر: " إعتمد لحوائجك الصّباح الوجوه، فإنّ حسن الوجوه الصورة أوّل نعمةٍ تتلقّاك من الرجل " .

شعر لامرأة من ولد حسّان بن ثابت قالت امرأةٌ من ولد حسّان بن ثابت:

سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم العيش منذ قريب

ومن المشهور قول بعض المحدثين:

حسن ظنّ إليك أكرمك اللّ ... ه دعاني فلا عدمت الصّلاحا

ودعاني إليك قول رسول ... اللّه إذ قال مفصحاً إفصاحا

إن أردتم حوائجاً عند قومٍ ... فتنقّوا لها الوجوه الصّباحا

وقال آخر:

إنا سألنا قومنا فخيارهم ... من كان أفضلهم أبوه الأوّل

أعطى الذي أعطى أبوه قبله ... وتبخّلت أبناء من يتبخّل

لخالد بن صفوان في طلب الحاجة إلى غير أهلها وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خيرٌ من طلبها إلى غير أهلها، وأشدّ رمن المصيبة سوء الخلف منها.

لمسلم بن قتيبة فيمن لا تطلب الحاجة إليه حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إلى كذّابٍ فإنه يقرّبها وهي بعيدٌ ويبعّدها وهي قريب، ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك، ولا إلى رجل عند من تسأله الحاجة مأكلةٌ، فإنه لا يؤثرك على نفسه.

شعر لأبي عون في عدم مساءلة الأعراب أنشدنا الرّياشيّ لأبي عونٍ:

ولست بسائل الأعراب شيءً ... حمدت اللّه إذ لم يأكلوني

لميمون بن ميمون في النهي عن طلب الحاجة من لئيم وقال ميمون بن ميمون: لا تطلبنّ إلى لئيم حاجةً، فإن طلبت فأجّله حتى يروض نفسه.

لعطاء هارون بن معروفٍ عن ضمرة عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب أسهل منها عند الشيوخ ثم قرأ قول يوسف: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم " وقول يعقوب " سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الّرحيم " .

شعر لبشار وقال بشارٌ:

إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبّه لها عمراً ثم نم

فتىً لا يبيت على دمنةٍ ... ولا يشرب الماء إلا بدم

يلذّ العطاء وسفك الدماء ... فيغدو على نعم أو نقم

لأبي عبّاد الكاتب وقال أبو عبّاد الكاتب: لا تنزل مهمّ حوائجك بالجيّد اللسان، ولا المتسرّع إلى الضّمان، فإنّ العجز مقصورٌ على المتسرّع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة لسانه ظنّ أنّ في فصل بيانه ما ينوب عن عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه.

وقال أيضاً: عليك بذي الحصر البكيّ، وبذي الخيم الرضيّ، فإن مثقالاً من شدّة الحياء والعيّ، أنفع في الحاجة من قنطارٍ من لسانٍ سليطٍ وعقلٍ ذكيّ؛ وعليك بالشّهم النّدب الذي إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

لا تطلبنّ إلى لئيم حاجة ... واقعد فإنك قائماً كالقاعد

يا خادع البخلاء عن أمولهم ... هيهات !تضرب في حديدٍ بارد

وقال آخر:

إذا الشافع استصقى لك الجهد كلّه ... وإن لم تنل نجحاً فقد وجب الشّكر

وقال آخر:

وإذا امرؤٌ أسدى إليك صنيعةً ... من جاهه فكأنّها من ماله

أعرابي يذكر رجلاً بعلو الهمّة ذكر أعرابيّ رجلاً، فقال: كان واللّه إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثم قام بها، ولم تقعد به علاّت النفوس.

قال الشاعر:

ماإن مدحتك إلا قلت تخدعني ... ولا استعنتك إلا قلت مشغول

في شهامة شبيب بن شيبة ابن عائشة قال: كان شبيب بن شيبة رجلاً شريفاً يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم فكان إذا أراد الركوب تناول من الطعام شيءاً ثم ركب؛ فقيل له: إنك تكابر الغذاء فقال: أجل أطفىء بهفورة جوعي، وأقطع به خلوف فمي، وأبلغ في قضاء حوائجي، فخذ من الطعام ما يذهب عنك النّهم؛ ويداوي من الخوى.

قال بعض المحدثين:

لعمرك ما أخلفت وجهاً بذلته ... إليك ولا عرّضته للمعاير

فتىً وفرت أيدي المحامد عرضه ... وخلّت لديه ماله غير وافر

وقال آخر:

 

أتيتك لا أدلي بقربي ولا يدٍ ... إليك سوى أنّي بجودك واثق

فإن تولني عرفاً أكن لك شاكراً ... وإن قلت لي عذراً أقل أنت صادق

وقال رجلٌ لآخر في كلامه: أيدينا ممدودةٌ إليك بالرغبة، وأعناقنا خاضعةٌ لك بالذّلّة، وأبصارنا شاخصةٌ إليك بالشكر؛ فافعل في أمورنا حسب أملنا فيك، والسلام.

الإجابة إلى الحاجة والردّ عنها

للعباس بن محمد وعلي بن عبد اللّه بن العباس في معنى هذا العنوان قال رجل للعّباس بن محمد: إنّي أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ؛ قال: اطلب لها رجلاً صغيراً. وهذا خلاف قول عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس لرجل قال له: إني أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ فقال له عليّ بن عبد اللّه: هاتها، إنّ الرجل لا يصغر عن كبير أخيه ولا يكبر عن صغيره.

بين الأحنف ورجل قال رجل للأحنف: أتيتك في حاجةٍ لا تنكيك ولا ترزؤك. قال: إذاً لا تقضى! أمثلي يؤتى في حاجةٍ لا تنكي ولا تزر! بين رجل ورقبة جاءه مع قوم يسألونه حاجة جاء قومٌ يكلمونه في حاجةٍ لهم ومعهم رقبو، فقال لرقبة: تضمنونها؟ فقال له رقبة: جئناك نطلب منك فضل التوسّع فأدخلت علينا همّ الضمّان بين عمر وبن عبيد وحقص بن سالم أتى عمرو بن عبيد حفص بن سالم، فلم يسأله أحدٌ من حشمه شيئاً إلا قال: لا فقال عمرو: أقلّ من قول: " لا " فإنّ " لا " ليست في الجنّة.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سئل ما يجد أعطى، وإذا سئل ما لا يجد قال: " يصنع اللّه " .

شعر لعمر بن أبي ربيعة قال عمر بن أبي ربيعة:

إنّ لي حاجةً إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد

أي قد تضمّنته لك فهو في عنقي في إجابة حاجة رجل سأل رجلٌ قوماً؛ فقال له رجل منهم: اللّهم هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت بالمغفرة أجود منّا بالعطاء، ثم أعطاه.

وفي ردّ الإجابة سأل رجلٌ رجلاً حاجةً؛ فقال: اذهب بسلام. قال السائل: أنصفنا من ردّنا في حوائجنا إلى اللّه عزّ وجلّ.

بين ثمامة ورجل قال رجل لثمامة: إنّ لي إليك حاجةً؛ قال ثمامة: ولي إليك حاجةٌ؛ قال: ما هي؟ قال: لا ؟أذكرها حتى تتضمّن قضاءها؛ قال: قد فعلت؛ قال: حاجتي ألا تسألني هذه الحاجة؛ قال: رجعت عما أعطيتك؛ قال ثمامة: لكنّي لا أردّ ما أخذت.

بين الأصمعي ورجل اشترى منه ثمرة نخلة قال الحافظ: تمشّي قومٌ إلى الأصمعيّ مع رجل اشترى منه ثمرة نخله، فناله فيها خسرانٌ وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعيّ: أسمعتم بالقسمة الضّيزى! هي ما تريدون شيخكم عليه، إشترى منّي على أن يكون الخسران عليّ والربح له! إذهبوا فاشتروا لي طعام السّو على هذا الوجه والشرط. ثم قال: ها هنا واحدةٌ هي لكم دوني، ولا بدّ من الإحتمال لكم إذ لم تحتملوا لي، هذا ما مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقّه وتحبّون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي توجبون لقد كنت أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرّنني بحقّ؛ فهلمّ فلنتوزع هذا الخسران بيننا بالسواء. فقاموا ولم يعودوا، وأيس التاجر فخرج له من حقّه.

يزيد بن عمير الأسيدي ينصح بنيه بردّ السؤال قال يزيد بن عمير الأسيدي لبنيه: يا بنيّ، تعلمّوا الردّ فإنه أشدّ من الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيلٌ وهو غنيٌ، خيرٌ له من أن يقال: سخيٌ وهو فقير.

شعر لإسحاق بن إبراهيم وقال إسحاق بن إبراهيم:

النصر يقرئك السلام وإنما ... أهدي السلام تعرضّاً للمطمع

فاقطع لبانته بيأسٍ عاجلٍ ... وأرح فؤادك من تقاضي الأضلع

ثمامة يعرّض بمحمد بن الجهم ذكر ثمامة محمد بن الجهم فقال: لم يطمع أحداً قطّ في ماله إلا ليشغله بالطمع فيه عن غيره، ولا شفع لصديقٍ ولا تكلّم في حاجة متحرّمٍ به، إلا ليلقن المسؤول حجّة منع، وليفتح على السائل باب حرمانٍ.

شعر سهل بن هارون إلى موسى بن عمران كتب سهل بن هارون إلى موسى بن عمران:

إنّ الضمير إذا سألتك حاجةً ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي

فأمنعه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء لمخلف الوعد

وألن له كنفاً ليحسن ظنّه ... في غير منفعةٍ ولا رفد

 

حتى إذا طالت شقاوة جدّه ... وعناؤه فأجبهه بالردّ

لحبّى المدينية في الجرح الذي لا يندمل والذل والشرف قيل لحبى المدينيّة: ما الجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللئيم ثم يردّه. قيل لها: فما الذل؟ قالت: وقّوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يؤذن له. قيل: فما الشرف؟ قالت: اعتقاد المنن في رقاب الرجال.

لمعن بن زائدة قال معن بن زائدة: ما سألني قطّ أحدٌ فرددته إلا رأيت الغنى في قفاه.

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه روى عليّ بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أعلمتم أن الطمع فقرٌ، وأن اليأس غنىً، وأن المرء إذا يئس استغنى عنه.

وقال آخر في كلامٍ له: كلّ ممنوعٍ مستغنىً عنه بغيره، وكلّ مانع ما عنده ففي الأرض غنىً عنه.

وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.

وقال بشار: " والدر يترك من غلائه " لشريح في سؤال الحاجة ومنعها قال شريح: من سأل حاجةً فقد عرض نفسه على الرّق، فإن قضاها المسؤول استبعده بها، وإن ردّه عنها رجع حرّاً وهما ذليلان: هذا بذّل البخل، وهذا بذّل الردّ.

وقال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن ردّه.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يردّ ذا حاجةٍ إلا بها أو بميسور من القول.

لأسماء بن خارجة في تمنعه عن رد ذي حاجة وقال أسماء بن خارجة: ما أحبّ أن أردّ أحداً عن حاجةٍ؛ فإنه لا يخلو من أن يكون كريماً فأصونه، أو لئيماً فأصون منه نفسي.

شعر لأعرابي وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها: وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها:

ما يمنع الناس شيئاً كنت أطلبه ... إلا أرى اللّه يكفي فقد ما منعوا

بين الحسن بن علي ورجل جاء يسأله حاجة، ومثله مع أخيه الحسين وعبد اللّه بن عمر أتى رجلٌ الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما يسأله؛ فقال الحسن: إن المسألة لا تصلح إلا في غرمٍ فادحٍ أو فقر مدقع أو حمالة مفظعةٍ؛ فقال الرجل: ما جئت إلا في إحداهنّ. فأمر له بمائة دينار.

ثم أتى الرجل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فردّ عليه كما ردّ على الحسن، فقال: كم أعطاك؟ قال: مائة دينار، فنقصه ديناراً. كره أن يساوي أخاه.

ثم أتى الرجل عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما فسأله فأعطاه سبعة دنانير ولم يسأله عن شيء فقال الرجل له: إني أتيت الحسن والحسين، واقتصّ كلامهما عليه وفعلهما به؛ فقال عبد اللّه ويحك! وأنّى تجعلني مثلهما! إنهما غرّاً العلم غرّا المال.

بين شيخ من بني عقيل وعمر بن هبيرة حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: جاء شيخٌ من بني عقيلٍ إلى عمر بن هبيرة، فمتّ بقرابةٍ وسأله فلم يعطه شيئاً؛ فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيليّ الذي سألك منذ أيام؛ فقال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام؛ فقال: معذرةً إلى اللّه! إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربيّ؛ فقال: ذاك الأم لك، وأهون بك عليّ، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به! يا حرسيّ اسفع بيده.

بين عبد اللّه بن الزبير وأعرابي أتى عبد اللّه بن الزبير أعرابيٌ يسأله، فشكا إليه نقب ناقته واستحمله؛ فقال له ابن الزبير: ارقعها بسبتٍ واخصفها بلهب وافعل....؛فقال الأعرابيّ: إني أتيتك مستوصلاً ولم آتك مستوصفاً، فلا حملت ناقةٌ حملتني إليك! فقال: إن وصاحبها.

من أمثال العرب فيمن رجع خائباً والعرب تقول لمن جاء خائباً ولم يظفر بحاجته: " جاء على غبيراء الظهر " وتقول هي والعوامّ: " جاء بخفّي حنين " ؛ و " جاء على حاجبه صوفةٌ " .

شعر أبو عطاء السندي في عمر بن هبيرة وقال أبو عطاء السّندي في عمر بن هبيرة:

ثلاثٌ حكتهنّ لقرم قيسٍ ... طلبت بها الأخوة والثناء

رجعن على حواجبهن صوفٌ ... فعند اللّه أحتسب الجزاء

الأصل في قول العرب " جاء بخفي حنين "

 

والأصل في قولهم: " جاء بخفي حنين " أن إسكافاً من أهل الحيرة ساومه أعرابيٌ بخفّين، فاختلفا حتى أغضبه، فازداد غيظ الأعرابيّ؛ فلما ارتحل أخذ حنينٌ أحد خفّيه فألقاه على طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر؛ فلما مرّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخفّ حنين! ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى؛ فلما انتهى إلى الأخر ندم على تركه الأوّل، وأناخ راحلت فأخذه ورجع إلى الأوّل، وقد كمن له فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب به؛ وأقبل الأعرابيّ ليس معه غير الخفّين؛ فقال له قومه: ما الذي أتيت به؟ قال: بخّفي حنين.

قالوا: فإن جاء وقد قضيت حاجته قيل: " جاء ثانياً من عنانه " فإن جاء ولمّا تقض حاجته وقد أصيب ببعض ما معه، قالوا: " ذهب يبتغي قرناً فلم يرجع بأذنين " . يقول بشار:

فكنت كالعير غدا يبتغي ... قرناً فلم يرجع بأذنين

لأعرابي وقد سأل قوماً سأل أعرابيّ قوماً، فقيل له: بورك فيك! فقال: وكلكم اللّه إلى دعوةٍ لا تحضرها نيّة.

بين الوليد وأعرابي أرسل الوليد خيلاً في حلبةٍ، فأرسل أعرابيٌ فرساً له فسبقت الخيل؛ فقال له الوليد: احملني عليهما؛ فقال: إن لها حرمةً، ولكني أحملك على مهر لها سبق الخيل عام أوّل وهو ريضّ.

من أقوال العرب وتقول العرب فيمن يشغله شأنه عن الحاجة يسألها: " شغل الحلي أهله أن يعار " بنصب الحلي، ويعار: من العارية. فأمّا قولهم: " أحقّ الخيل بالركض المعار " فأنّ المعار: المنتوق الذّنب وهو المهلوب؛ يريدون أنه أخفّ من الذيّال الذنب، يقال: أعرت الفرس إذا نتفته.

وتقول العرب لمن سئل وهو لا يقدر فردّ: " بيتي يبخل لا أنا " ؛ يريدون أنه ليس عنده ما يعطي.

ووعد رجلٌ رجلاً فلم يقدر على الوفاء بما وعده؛ فقال له: كذبتني. قال: لا، ولكن كذبك مالي.

وتقول العرب فيمن اعتذر بالمنع بالعدم وعنده ما سئل: " أبى الحقين العذرة " . قال أبو زيد: وأصله أن رجلاً ضاف قوماً فاستسقاهم لبناً، وعندهم لبنٌ قد حقنوه في وطبٍ، فاعتذروا أنه لا لبن عندهم؛ فقال: " أبى الحقين العذرة " . ويقال: " العذرة طرف البخل " .

شعر للطائي يذكر المطل وقال الطائي يذكر المطل:

وكان المطل في بدءٍ وعودٍ ... دخاناً للصنيعة وهي نار

نسيب البخل مذ كانا وإن لم ... يكن نسبٌ فبينهما جوار

لذلك قيل بعض المنع أدنى ... إلى جودٍ وبعض الجود عار

لإسماعيل القراطيسي في الفضل بن الربيع قال إسماعيل القراطيسيّ في الفضل بن الربيع:

لئن أخطأت في مدح ... ك ما أخطأت في منعي

لقد أحللت حاجاتي ... بوادٍ غير ذي زرع

بين المنذر بن الزبير وحكيم بن حزام غزا المنذر بن الزبير " في " البحر ومعه ثلاثون رجلاً من بني أسد بن عبد العزّى؛ فقال له حكيم بن حزام: يا بن أخي، إني قد جعلت طائفةً من مالي للّه عزّ وجلّ، وإني قد صنعت أمراً ودعوتكم له، فأقسمت عليك لا يردّه عليّ أحدٌ منكم. فقال المنذر: لاها اللّه إذاً، بل نأخذ ما تعطي، فإن نحتج إليه نستعن به ولا نكره أن يأجرك اللّه، وإن نستعن عنه نعطه من يأجرنا اللّه فيه كما أجرك.

شعر لأعرابي وقد سأل رجلاً فأعطاه درهمين سأل أعرابيٌّ رجلاً يقال له: الغمر فأعطاه درهمين، فردّهما وقال:

جعلت لغمرٍ درهميه ولم يكن ... ليغني عني فاقتي درهما غمر

وقلت لغمر خذهما فاصطرفهما ... سريعين في نقض المروءة والأجر

أتمنع سؤّال العشيرة بعد ما ... تسمّيت غمراً واكتنيت أبا بحر

شعر لأبي العتاهية في الفضل بن الربيع وقد سأله حاجة فلم يقضها له اختلف أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع في حاجةٍ له زماناً فلم يقضها له، فكتب:

أكلّ طول الزمان أنت إذا ... جئتك في حاجةٍ تقول غدا!

لا جعل اللّه لي إليك ولا ... عندك ما عشت حاجةٍ أبدا!

وقال آخر:

إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلةً ... فما انتفاعك من حبسي وترديدي

فالمنع أجمله ما كان أعجله ... والمطل من غير عسرٍ آفة الجود

وقال آخر:

بسطت لساني ثم أوثقت نصفه ... فنصف لساني في امتداحك مطلق

 

فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني ... وباقي لسان الشكر باليأس موثق

وقال آخر:

يا جواد اللسان من غير فعلٍ ... ليت جود اللسان في راحتيكا

المواعيد وتنجّزها

لجبار بن سلمى في عامر بن الطفيل ذكر جبّار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان واللّه وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشرّ أخلف وعفا.

شعر لأبي عمرو بن العلاء وأنشد أبو عمرو بن العلاء في نثل هذا المعنى:

ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتي ... ويأمن منّي صولة المتهدّد

وإنّي إن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي

وكان يقال: وعد الكريم نقدٌ، ووعد اللئيم تسويف.

شعر عبد الصمد بن الفضل لخالد بن ديسم وقال عبد الصّمد بن الفضل الرّقاشيّ " أبو الفضل والعباس الرّقاشيّين البغداديّين " لخالد بن ديسم عامل الرّيّ:

أخالد إنّ الرّيّ قد أجحفت بنا ... وضاق علينا رحبها ومعاشها

وقد أطمعتنا منك يوماً سحابةٌ ... أضاء لنا برقٌ وكفّ رشاشها

فلا غيمها يصحو فيؤيس طامعٌ ... ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها

شعر لأبي الحجاج وقال رجل في الحجّاج:

كأنّ فؤادي بين أظفار طائر ... من الخوف في جوّ السماء محلّق

حذار امرىء قد كنت أعلم أنه ... متى ما يعد من نفسه الشرّ يصدق

لعمرو بن الحارث في الخلف بالوعد قال عمرو بن الحارث: كنت متى شئت أجد من يعد وينجز، فقد أعياني من يعد ولا ينجز.

قال: وكانوا يفعلون ولا يقولون، فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون.

شعر لبشار، ولغيره، في ذلك المعنى قال بشار:

وعدتني ثم لم توفي بموعدتي ... فكنت كالمزن لم يمطر وقد رعدا

هذا مثل قول العرب لمن يعد ولا يفي: " برقٌ خلّب " وقال آخر:

قد بلوناك بحمد اللّه إن أغنى البلاء

فإذا جلّ مواعي ... دك والجحد سواء

وقال آخر:

لها كلّ عامٍ موعدٌ غير ناجزٍ ... ووقت إذا ما رأس حولٍ تجرّما

فإن أوعدت شرّاً أتى دون وقته ... وإن وعدت خيراً أراث وأعتما

لعبد اللّه بن عمر وقد زوّج ابنته لرجل من قريش وعد عبد اللّه بن عمر رجلاً من قريش أن يزوّجه ابنته! فلما كان عند موته أرسل إليه فزوّجه إياها، وقال: كرهت أن ألقى اللّه عزّ وجلّ بثلث اتّفاق شعر للطائي وقال الطائي:

تقول قول الذي ليس الوفاء له ... خلقاً وتنجز إنجاز الذي حلفا

وأثنى اللّه تبارك وتعالى على نبيّه إسماعيل صلى اللّه عليه وسلم فقال: " إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً " شعر لبشار، ولغيره، في المدح وقال بشار يمدح:

إذا قال تمّ على قوله ... ومات العناء بلا أو نعم

وبعض الرجال بموعده ... قريبٌ وبالفعل تحت الرّجم

كجاري السّراب ترى لمعه ... ولست بواجده عندكم

وقال العبّاس بن الأحنف:

ما ضرّ من قطع الرجاء ببخله ... لو كان علّلني بوعدٍ كاذب

وقال آخر:

عسى منك خيرٌ من نعم ألف مرّةٍ ... من آخر غال الصّدق منه غوائله

وقال نصيب:

يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول

وقال زيادٌ الأعجم:

للّه درّك من فتىً ... لو كنت تفعل ما تقول

لا خير في كذب الجوا ... د وحبّذا صدق البخيل

من أمثال العرب في الخلف بالوعد والعرب تضرب المثل في الخلف بعرقوب. قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان عرقوب رجلاً من العماليق؛ فأتاه أخٌ له فسأله شيئاً؛ فقال له عرقوب: إذا أطلع نخلي. فلما أطلع أتاه، قال: إذا أبلح. فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى. فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب أتاه، قال: إذا صار تمراً جدّه من الليل ولم يعط أخاه شيئاً.

شعر لكعب بن زهير، ولغيره، في هذا المعنى قال كعب بن زهير:

كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً ... وما مواعيدها إلاّ الأباطيل

وقال الأشجعيّ:

وعدت وكان الخلف منك سجيّةً ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب

 

هكذا قرأته على البصريين في كتاب سيبويه بالتاء وفتح الراء.

وقال الشاعر:

متى ما أقل يوماً لطالب حاجةٍ ... نعم، أقضها قدما وذلك من شكلي

وإن قلت لا، بيّنتها من مكانها ... ولم أوذه منها بجرٍّ ولا مطل

وللبخلة الأولى أقلّ ملامةً ... من الجود بداءاً ثم يتبع بالبخل

لأبي نواس في امرأة وقال أبو نواس لامرأة:

أنضيت أحرف لا مما لهجت بها ... فحوّلي رحلها عنها إلى نعم

أو حوّليها إلى " لا " فهي تعدلها ... إن كنت حاولت في ذا قلّة الكلم

قستم علينا فعارضنا قياسكم ... يا من تناهى إليه غاية الكرم

وفي هذا معنىً لطيفٌ.

من رجل إلى صديق له كتب رجلٌ إلى صديق له: قد أفردتك برجائي بعد اللّه، وتعجّلت راحة اليأس ممن يجود بالوعد ويضنّ بالإنجاز، ويحسد أن يفضل، ويزهد أن يفضل، ويعيب الكذب ولا يصدق وقال آخر:

وذي ثقةٍ تبدّل حين أثرى ... ومن شيمي مراقبة الثّقات

فقلت له عتبت عليّ إثماً ... فراراً من مؤونات العدات

فعد لمودّتي وعليّ نذرٌ ... سألتك حاجةً حتى الممات

شعر في أصحاب النبيذ وقال آخر في أصحاب النبيذ:

مواعيدهم ربحٌ لمن يعدونه ... بها قطعوا برد الشتاء وقاظوا

وقال مسلم:

لسانك أحلى من جنى النحل موعداً ... وكفّك بالمعروف أضيق من قفل

تمنّي الذي يأتيك حتّى إذا انتهى ... إلى أجلٍ ناولته طرف الحبل

شعر خلف بن خليفة لأبان بن الوليد وقد وعده وأبطأ عليه وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد أن يهب له جاريةً، فوعده وأبطأ عليه؛ فكتب إليه:

أرى حاجتي عند الأمير كأنّما ... تهمّ زماناً عنده بمقام

وأحصر من إذكاره إن لقيته ... وصدق الحياء ملجمٌ بلجام

أراها إذا كان النهار نسيئةً ... وبالليل تقضي عند كلّ منام

فيا ربّ أخرجها فإنك مخرجٌ ... من الميت حيّاً مفصحاً بكلام

فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها ... وكيف صلاتي عندها وصيامي

وإن حاجتي من بعد هذا تأخّرت ... خشيت لما بي أن أزور غلامي

والعرب تقول: " أنجز حرٌّ ما وعد " شعر أمية بن أبي الصلت لعبد اللّه بن جدعان وقال أميّة بن أبي الصّلت لعبد اللّه بن جدعان:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء

للطائي وقال الطائي:

وإذا المجد كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التّقاضي

كلمات في استنجاز المواعيد وقال الزّهريّ: حقيقٌ على من أورق بوعدٍ، أن يثمر بفعل.

وقال المغيرة: من أخرّ حاجة رجلٍ فقد تضمنّ قضاءها.

وقال الشاعر:

كفاك مدكراً وجهي بأمري ... وحسبي أن أراك وأن تراني

وكيف أحثّ من يعني بشأني ... ويعرف حاجتي ويرى مكاني

وقال الشاعر:

يا صاح قل في حاجتي ... أذكرتها فيما ذكرتا

إنّ السّراح من النجا ... ح إذا شقيت بما طلبتا

وقال آخر:

في تصديك للمطالب إذكا ... رٌ بوعدٍ جرى به المقدار

كتاب لصديق وكتب بعض الكتاب إلى صديقٍ له: إن من العجب إذكار معنيٍّ، وحث متيقظٍ واستبطاء ذاكرٍ؛ إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته، حلّ بذلك منها أو عقل. وكتابي تذكرةٌ والسلام.

شعر للطرماح وقال الطرماح:

ألحسن منزلتي تؤخر حاجتي ... أم ليس عندك لي بخيرٍ مطمع

شعر حمزة بن بيض لمخلد بن يزيد بن المهلب وقال حمزة بن بيضٍ لمخلد بن يزيد بن المهلّب:

أتيناك في حاجةٍ فاقضها ... وقا مرحباً يجب المرحب

ولا تكلّنا إلى معشرٍ ... متى يعدوا عدةً يكذبوا

وقال بعض المحدثين:

حوائج الناس كلّها قضيت ... وحاجتي لا أراك تقضيها

أناقة اللّه حاجتي عقرت ... أم نبت الحرف في نواحيها

شعر جرير لعمر بن عبد العزيز

 

وقال جريرٌ لعمر بن عبد العزيز:

أأذكر الضّرّ والبلوى التبي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري

وقال آخر:

أرواح لتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا

كفى بطلاب المرء ما لا يناله ... عناءً وباليأس المصرّح ناهيا

وقال آخر:

ما أنت بالسّبب الضّعيف وإنما ... نحج الأمور بقوّة الأسباب

فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب

كتاب إلى سلطان كتب بعض الكتّاب إلى بعض السلطان: أنا أنزّهك عن التجمّل لي بوعدٍ يطول به المدى ويعتزله الوفاء، وأحبّ أن يتقرر عندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلس الأمور منك اختلاس من يرى في عاجلك عوضاً من آجلك، وفي الراهن من يومك بدلاً من المأمول في غدك، وألا تكون منزلتي في نفسك منزلة من يصرف الطرف عنه وتستكره النفس عليه ويتكلّف ما فوق العفو له، وأن يختار بين العذر والشكر؛ فاللّه يعلم أنّ أثر الحظّين عندي أحقّهما عليك، وأصوبهما لحالي عندك.

وفي كتاب: ذو الحرمة ملومٌ على فرط الدّالة، كما أنّ المتحرّم به مذمومٌ على التناسي والإزالة. ومن مذهبي الوقوف بنفسي دون الغاية التي يقدّمني إليها حقّي، لأمرين: أحدّهما ألاّ أرضى بدون الحقّ أزيد في الحقّ. والثاني أن أرى النفيس من الحظّ زهيداً إذا أتىمن جهة الإ رهاق ولي ذمام الموّدة الصادقة التي كلّ حرمةٍ تبعٌ لها، وحق الشكر الذي جعله اللّه وفاءً بالنعم وإن جلّ قدرها؛ وأنت مراعي المعالي وحافظ بقيّة الكرم؛ فأيّ سبيل للعذر، بل أي موضع للإكداء بين حرمتي ورعايتك، وذمامي وكرمك! قال أحمد بن يوسف: أوّل المعروف مستخفٌ، وآخره مستثقل؛ يكاد أوّله يكون للهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: ربٌ الصنيعة أشدّ من ابتدائها.

شعر أبو العطاء السندي في يزيد بن عمر بن هبيرة قال أبو عطاء السّندي في يزيد بن عمر " بن هبيرة " :

ثلاثٌ حكتهن لقوم قيسٍ ... رجعن إليّ صفراً خائبات

أقام على الفرات يزيد شهراً ... فقال الناس أيّهما الفرات

فيا عجباً لبحرٍ فاض يسقي ... جميع الناس لم يبلل لهاتي

حال المسؤول عند السؤالشعر في معنى هذا العنوان قال الشاعر:

سألناه الجزيل فما تلكّا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا

مراراً ما أعود إليه إلاّ ... تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا

وقال آخر:

قومٌ إذا نزل الغريب بدارهم ... تركوه ربّ صواهلٍ وقيان

وإذا دعوتهم ليوم كريهةٍ ... سدّوا شعاع الشمس بالفرسان

لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتلمّس العلاّت بالعيدان

بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان

وقال آخر:

يجعل المعروف والبرّ ذخراً ... ويعدّ الحمد خير التّجارة

وإذا ما جئته تجتديه ... خلته بشّرته ببشاره

فترى في الطّرف منه حياءً ... وترى الوجه منه استناره

وقال آخر:

إذا غدا المهديّ في جنده ... أوراح في آل الرسول الغضاب

بدا لك المعروف في وجهه ... كالضوء يجري في ثنايا الكعاب

للعتبي، ولزهير وأنشدني العتبيّ:

له في ذرى المعروف نعمى كأنها ... مواقع ماء المزن في البلد القفر

إذا ما أتاه السائلون توقدت ... عليه مصابيح الطلاقة والبشر

والمشهور في هذا قول زهير:

تراه إذا ما جئته متهلّلاً ... كأنّك تعطيه الذي أنت سائله

لأعرابي وقد سأل رجلاً فردّه وسأل رجل من الأعراب رجلاً " فلم يعطه " شيئاً؛ فقال:

كدحت بأظفاري وأعملت معولي ... فصادفت جلموداً من الصّخر أملسا

تشاغل لما جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى

وأجمعت أن أنعاه حين رأيته ... يفوق فواق " الموت " ثم تنفّسا

فقلت له لا بأس، لست بعائذٍ ... فأفرخ تعلوه الكآبة مبلسا

لمسلم، وغيره وقال مسلم:

 

أطرق لما أتيت ممتدحاً ... فلم يقل " لا " فضلاً على " نعم "

فخفت إن مات أن أقاد به ... فقمت أبغي النّجاء من أمم

لو أنّ كنز البلاد في يده ... لم يدع الإعتلال بالعدم

وقال الحارث الكندي:

فلما أن أتيناه وقلنا ... بحاجتنا تلوّن لون ورس

وأض بكفّه يحتكّ ضرساً ... يرينا أنه وجعٌ بضرس

فقلت لصاحبي أبه كزاز ... وقلت أسرّه أتراه يمسي

وقمنا هاربين معاً جميعاً ... نحاذر أن نزنّ بقتل نفس

لأعرابي دخل على المساور الضبي فردّه خائباً قال الأصمعي: دخل أعرابّي على المساور الضّبي وهو بندار الرّي، فسأله فلم يعطه شيئاً، فأنشأ يقول:

أتيت المساور في حاجةٍ ... فما زال يسعل حتى ضرط

وحكّ قفاه بكر سوعه ... ومسّح عثنونه وامتخط

فأمسكت عن حاجتي خيفةً ... لأخرى تقطّع شرج السفط

فأقسم لو عدت في حاجتي ... للطّخ بالسلح وشي النمّط

وقال غلطنا حساب الخراج ... فقلت من الضّراط جاء الغلط

قال: فكان العامل كّلما ركب صاح به الصّبيان: " من الضرط جاء الغلط " فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان.

لنهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم وقال نهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم:

كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها ... وكلّ باب من الخيرات مفتوح

فبدّلت بعده قرداً نظيف به ... كأنما وجهه بالخلّ منضوح

لجرير في يزيد وقال جرير:

يزيد يغضّ الطّرف دوني كأنّما ... زوى بين عينيه عليّ المحاجم

فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغم

وقال آخر:

لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهدّ من الخبر

لمحمد بن واسع حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي عن الأبحّ عن البتيّ قال: قال محمد بن واسع: إنك لتعرف فجور الفاجر في وجهه.

شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:

ما لي أرى الناس قد أبرقوا ... بلؤم الفعال وقد أرعدوا

إذا جئت أفضلهم للسلا ... م ردّ وأحشاؤه ترعد

كأنك من خشية للسؤا ... ل في عينه الحيّة الأسود

لبعضهم في زياد وقال آخر:

إذا ما الرزّق أحجهم عن كريمٍ ... فألجأه الزمان إلى زياد

تلقّاه بوجهٍ مكفهر ... كأن عليه أرزاق العباد

وقال أخر:

ولي خليلٌ ما مسّني عدمٌ ... مذ نظرت عينه إلى عدمي

بشّرني بالغنى تهللّه ... وقبل هذا تهللّ الخدم

ومحنة الزائرين بينةٌ ... تعرف قبل اللقاء في الحشم

العادة من المعروف تقطعكان يقال: انتزع العادة ذنبّ محسوبّ لأبي الأسود الدؤلي

وقال أبو الأسود " الدؤلي " :

ليت شعري عن أميري ما الذي ... غاله في الودّ حتى ودعه

لا تهنّي بعد إذ أكرمتني ... وشديد عادةٌ منتزعه

أذكر البلوى التي أبليتني ... وكلاماً قلته في المجمعة

لا يكن برقك برقاً خلّباً ... إنّ خير البرق ما الغيث معه

للأعشى والمشهور في هذا قول الأعشي:

عوّدت كندة عادةً فاصبر لها ... واغفر لجاهلها وروّ سجالها

لأعرابي في القطع بعد العطاء سأل أعرابّي قوماً، فرقّ له رجلٌ منهم فضمّه إليه وأجرى له رزقاً أياماً ثم قطع عنه؛ فقال الأعرابي:

تسرّى فلمّا حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السّرو

مثله لأبي زياد الكلابي وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة، فأجرى عليهم رجلٌ رغيفاً لكل رجلٍ ثم قطعه؛ فقال أبو زياد:

إن يقطع العباس عنا رغيفة ... فما يأتني من نعمة اللّه أكثر

والحكماء تقول: " العادة طبيعةٌ ثانيةٌ " في الأثر وفي الحديث: " الخير عادةٌ والشرّ لجاجةٌ " لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف:

 

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحداً سواك إلى المكارم ينسب

فاصبر لعادتك التي عودتنا ... أولاً فأرشدنا إلى من نذهب

من أقوال العرب وتقول العرب فيمن اصطنع معروفاً ثم أفسده بالمنّ أو قطعه حين كاد يتمّ: " شوى أخوك حتى إذا أنضج رمدّ " لأبي كعب القاص قال أبو كعب القاصّ: كان رجل يجري عليّ رغيفاً في كلّ يوم، وكان يقول إذا أتاه الرغيف: لعنك اللّه ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى أصيب خيراً منك.

والعرب تقول في مثل هذا: " خذ من الرّضفة ما علها " وقال الشاعر:

وخذ القليل من اللئيم وذمّه ... إنّ اللئيم بما أتى معذور

ومعذور: موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر

الشكر والثناءللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف قال: قال " النبي " صلى اللّه عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإنّ اللّه عزوجلّ يقسم الثناء كما يقسم الرزق " وحدّثني أيضاً عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد اللّه بن الصّامت قال: قال أبو ذرّ: قلت للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبّه الناس؟ قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن " وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند اللّه فانظروا ماذا يتبعه من الثناء " مضاعفة الثناء كما تضاعف الحسنات حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات؛ يكون الرجل سخيّاً فيزيد اللّه في سخائه، ويكون شجاعاً فيزيد اللّه في شجاعته.

بين عمر بن الخطاب ورجل وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن العمريّ قال: قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: إنّ فلاناً رجل صدقٍ. قال: سافرت معه؟ قال: لا قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد؟؟! لبعض الحكماء في الشعر قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقال آخر: حقّ النّعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليّها، وتذكر ما تناسى عندك منها.

شعر لبعض الحارثيين وقال بعض الحارثّيين:

عثمان يعلم أنّ الحمد ذو ثمن ... لكنّه يشتهي حمداً بمجّان

والناس أكيس من أن يحمدوا أحداً ... حتى يروا قبله آثار إحسان

لحماد عجرد، ثم لابن حطان وقال حمّاد عجرد:

قد ينقضي كلّ ما أوليت من حسنٍ ... إذا أتى دون ما أوليت يومان

تنأى بودّك ما استغنت عن أحدٍ ... وطمعت فأنت الواصل الدّاني

الشّهد أنت إذا ما حاجةٌ عرضت ... وحنظلٌ كلّما استغنيت خطبان

وقال عمران بن حطّان:

وقد عرضت لي حاجةٌ وأظنني ... بأنّي إذا أنزلتها بك منجح

فإن أك في أخذ العطيّة مربحاً ... فإنك في بذل العطيّة أربح

لأنّ لك العقبى من الأجر خالصاً ... وشكري في الدنيا، فحظّك أرجح

لمعاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً:

إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر

وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر

وأمنحكم مالي وتكفر نعمتي ... وتشتم عرضي في مجالسها فهر

إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوبٌ منهم حشوها الغمر

فكيف أداوي داءكم ودواؤكم ... يزيدكم غيّاً؟؟ فقد عظم الأمر

سأحرمكم حتى يذلّ صعابكم ... وأبلغ شيءٍ في صلاحكم الفقر

لطريح الثقفي، وللخريمي وقال طريح الثّقفيّ:

سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي ... فقصّرت مغلوباً وإني لشاكر

للخريمي ومثله قول الخريميّ:

لأنك تعطيني الجزيل بداهةً ... وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر

ومثله قوله أيضاً:

زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك محقور صغير

 

تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهورٌ كبير

قول رجل لسلطان قال رجل لبعض السلطان: المواجهة بالشكر ضربٌ من الملق، منسوب من عرف بها إلى التخلق وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحقّ النعمة.

شعر لابن عنقاء الفزاري قال ابن عنقاء الفزاريّ:

رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسرّ كما جهر

دعاني فآساني ولو صدّ لم ألم ... على حين لا بدو يرجّى ولا حضر

فقلت له خيراً وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر

شعر في الشكر وقال آخر:

سأشكر عمراً إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلّت

فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّت

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: أربعةٌ ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصمّ، والباذر في السبخة، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لاشكر له.

لبعض الشعراء في الشكر وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري، فبعثت إليه أسأله عنه فأعلمني أنه ليس له:

فلو كان للشكر شخصٌ يبين ... إذا ما تأمله الناظر

لبينته لك حتى تراه ... فتعلم أنّي امرؤ شاكر

ولكنه ساكنٌ في الضمير ... يسحرّكه الكلم السائر

وقال آخر:

فلو كان يستغني عن الشكر سيدٌ ... لعزة ملكٍ أو علوّ مكان

لما أمر الله الجليل بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان

وقال آخر:

فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد

وقال رجل من غنيٍّ:

فإذا بلغتم أهلكم فتحدثوا ... ومن الثناء مهالك وخلود

لعائشة رضي الله عنها تتمثل بشعر في شكر النعمة وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر:

يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

شعر الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي وقال الحارث بن شداد في عليّ بن الربيع الحارثي:

الناس تحتك أقدام وأنت لهم ... رأسٌ وكيف يسوى الرأس والقدم

فحسبنا من ثناء المادحين إذا ... أثنوا عليك بأن يثنوا بما علموا

وقال آخر:

بأي الخصلتين عليك أثني ... فإني عند منصرفي مسول

أبالحسنى وليس لها ضياءٌ ... عليّ فمن يصدّق ما أقول

أم الأخرى ولست لها بأهلٍ ... وأنت البحر من ذهبٍ يسيل

لبشار وقال بشار:

أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس

قد قلت إن أبا حفصٍ لأكرم من ... يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي

من بعض الكتاب إلى وزير وكتب بعض الكتاب إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في الجاه والقدر، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمةٌ، ولا فوق سببي سبب، ولا بعد حالك حالٌ يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلةٌ تتمنى، ولا تنتظر شيئاً ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقاً أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ويقضون بالعيان.

لبعض الشعراء في قلة الشكر وقال بعض الشعراء:

وزهدني في كل خيرٍ صنعته ... إلى الناس ما جريت من قلة الشكر

شعر لأبي الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم:

إذا فاخرتنا من معدٍّ عصابةٌ ... فحزناً عليها بابن عتبة عاصم

يجرّ رياط الحمد في دار قومه ... ويختال في عرضٍ من الذم سالم

من رجل لبعض السلطان

 

وقال رجل لبعض السلطان: مثلك أوجب حقاً لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، وقيل واضح العذر، واسكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.

وكتب آخر: ما أنتهي إلى غايةٍ من شكرك، إلا وجدت وراءها غايةً من معورفك يحسرني بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودةً بين أمل لك تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات أفضلها.

ونحو هذا قول آخر: كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك، فأمّا الأمل لك فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحقّقه الله ويوشكه.

وفي كتاب آخر: أيام القدرة وإن طالت قصيرةٌ، والمتعة بها وإن كثرت قليلةٌ، والمعروف وإن أسدي إلى من يكفره مشكورٌ بلسان غيره.

لبعض الكتّاب وفي كتاب بعض الكتّاب: وما ذكرت - أعزك الله - من ذلك قديماً ولا جدّدت منه حديثاً، إلا وأصغر أملي فيك فوقه إن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب حقّ الله عليّ في كشر نعمك فبتوفيقه وعونه، وإن أقصّر عن كنهه فعن غير تقصيرٍ في بلوغ الجهد فيه.

وفي هذا الكتاب: أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفةً مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي بعد الله إلا إليه، ولا أفزع لحادثةٍ إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو عجزت عن النهضة لما حاولت الاستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير المذخور عند انقطاع الحيل، ولا معنّفٌ طالبه، ولا مخوّفٌ على الرد عنه واهبه، ولا عائق منعٍ دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفاً على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله.

بين بني تميم وسلامة بن جندل قالت بنو تميم لسلامة بن جندل: مجّدنا بشعرك؛ فقال: افعلوا حتى أثني.

شعر لعمرو بن معد يكرب ونحوه قول عمرو بن معد يكرب:

فلو أن قومي أنطقطتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرّت

بين قرشي وأشعب قال رجل من قريش لأشعب: والله ما شكرت معروفي عندك. فقال: إن معروفك كان من غير محتسبٍ، فوقع عند غير شاكر.

شعر لأبي نواس، وآخرين وقال أبو نواس:

أنت امرؤ أوليتني نعماً ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا

فإليك بعد اليوم تقدمةً ... والتك بالتصريح منكشفا

لا تحدثنّ إليّ عارفةً ... حتى أقوم بشكر ما سلفا

وقال أبو نخيلة:

شكرتك إنّ الشكر حبلٌ من التقى ... وما كلّ من أقرضته نعمةً يقضي

فأحييت من ذكري وما كان ميّتاً ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

آخر:

لأشكرنّك معروفاً هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمضه قدرٌ ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

بين رجل وسعيد بن جبير وقال رجل لسعيد بن جبير: المجوسيّ يوليني خيراً فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه. فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.

شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي:

أهلكتني بفلانٍ ثقتي ... وظنون بفلانٍ حسنه

ليس يستوجب شكراً رجلٌ ... نلت خيراً منه من بعد سنه

لبعضهم وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو لشاكر، والجازع هو الكافر.

لأوس بن حجر وقال أوس بن حجر:

سأجزيك أو يجزيك عني مثوّبٌ ... وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي

من أمثال العرب في الشكور والعرب تقول: فلانٌ " أشكر من البروق " وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ وبأدنى مطر.

وقال الشاعر:

لئن طبت نفساً عن ثنائي فإنني ... لأطيب نفساً عن نداك على عسري

فلست إلى جدواك أعظم حاجةً ... على شدّة الإعسار منك إلى شكري

وقال آخر:

حسب امرئٍ إن فاتني غرضُ ... من برّه أن فاته شكري

إني إذا ضاق امرؤ بجداً ... عني اتسعت عليه بالعذر

شعر الطائي إلى إسحاق بن إبراهيم وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم:

ومحجّب حاولته فوجدته ... نجماً عن الركب العفاة شسوعا

 

أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا

وقال:

فإن يك أربى عفو شكري على ندى ... أناسٍ فقد أربى نداه على جهدي

وقال:

وكيف يجور عن قصدٍ لساني ... وقلبي رائحٌ برضاك غادي

ومما كانت العلماء قالت ... لسان المرء من خدم الفؤاد

وقال:

أبا سعيدٍ وما وصفي بمتّهمٍ ... على الثناء وما شكري بمخترم

لئن جحدتك وما أوليت من نعمٍ ... إني لفي الشكر أحظى منك في النعم

أنسى ابتسامك والألوان كاسفةً ... تبسّم الصبح في داجٍ من الظلم

رددت رونق وجهي في صحيفته ... ردّ الصقال بهاء الصارم الخذم

وما أبالي، وخير القول أصدقه، ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

وقال:

فلا تكدر حياضك لي فإني ... أمتّ إليك آمالاً طوالا

وفر جاهي عليّ فإن جاهي ... إذا ما غبّ يومٌ كان مالا

وقال:

يا منّةً لك لولا ما أخفّفها ... به من الشكر لم تحمل ولم تطق

بالله أدفع عني ثقل فادحها ... فإنني خائفٌ منه على عنقي

شعر لبشار في عمر بن العلاء وقال بشار في عمر بن العلاء:

دعاني إلى عمرٍ جوده ... وقول العشيرة بحرٌ خضم

ولولا الذي زعموا لم أكن ... لأمدح ريحانةً قبل شمّ

مراتب الشكر ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإفضال عليه.

شعر لإبراهيم بن المهدي يشكر المأمون قال إبراهيم بن المهدي يشكر المأمون:

رددت مالي ولم تمنن عليّ به ... وقبل ردّك مالي قد حقنت دمي

فأبت منك وقد جللتني نعماً ... هي الحياتان من موتٍ ومن عدم

فلة بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي

ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم

وقام علمك بي فاحتج عندك لي ... مقام شاهد عدلٍ غير متّهم

للخثعمي وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي:

فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... رٌ إلى جنب قبره فاعقراني

وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان

بين سليمان بن عبد الملك ورجل وفد عليه شاكراً وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك؟ قال: ما أقدمني عليك رغبةٌ ولا رهبةٌ. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.

الفرزدق يمدح عمرو بن عتبة وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة:

لولا ابن عتبة عمروٌ والرجاء له ... ما كانت البصرة الحمقاء وطنا

أعطاني المال حتى قلت يودعني ... أو قلت أودع لي مالاً رآه لنا

فجوده متعبٌ شكري ومنّته ... وكلما زدت شكراً زادني مننا

يرمي بهمته أقصى مسافتها ... ولا يريد على معروفه ثمنا

لأعرابي في كرم أحدهم هذا مثل قول الأعرابيّ: ما زال فلانٌ يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ضاع مالٌ أورث المحامد.

خمسة أشياء ضائعة ويقال: خمسة أشياء ضائعةٌ: سراجٌ يوقد في شمسٍ، ومطرٌ جودٌ في سبخةٍ، وحسناء تزفّ إلى عنّينٍ، وطعامٌ استجيد وقدّم إلى سكران، ومعروفٌ صنيع إلى من لا شكر له.

قول في الشكر وكان يقال: الشكر زيادةٌ ف النّعم وأمانٌ من الغير.

لأسماء بن خارجة وقال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.

لروح بن حاتم وقد أرسل إلى كاتب له بدراهم بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد بعثت بها إليها، ولا أقلّلها تكبّراً، ولا أكثّرها تمنّناً، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء.

من كتاب الهندفي ستة أشياء لا ثبات لها وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر.

 

وفيه: ستّة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب.

من أمثال العرب والعرب تقولك: " لا تهرف قبل أن تعرف " أي تطنبنّ في لثّناء قبل الاختيار.

شعر لأبي نواس وهو في الحبس إلى الفضل بن الربيع وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع:

ما من يدٍ في الناس واحدةٍ ... كيدٍ أبو العباس مولاها

نام الثّقات على مضاجعهم ... وسرى إلى نفسي فأحياها

قد كنت خفتك ثم آمنني ... من أن أخافك خوفك اللّه

فعفوت عنّي عفو مقتدرٍ ... وجبت له نقمٌ فألغاها

والبيت المشهور في هذا قول النّجاشيّ:

لا تحمدنّ امرأً حتى تجرّبه ... ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر

شعر في اختبار الرجال وقال آخر في الاختبار:

إنّ الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتّى على الأخبار

لا تعجلنّ إلى شريعة موردٍ ... حتى تبيّن خطّة الإصدار

لأبي العالية وقال الرّياشيّ: أنشدني أبو العالية:

إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما

ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه ... وشقّ لي اللّه المسامع والفما

لابن التوءم في الجواد قال ابن التّوءم: كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكرٌ. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيءٍ من المنافع على جهةٍ من الجهات، وهو اللّه وحده لا شريك له. فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبّد؛ وقد أمر اللّه تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنُّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصدها إليها. إلا ترى أن عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون للّه أو لغير اللّه؛ فإن كانت للّه فثوابه على اللّه؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلماً إلى حاجته وسبباً إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إيايّ طلباً للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارةٌ؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروفٌ؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه.

وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر:

لعمرك ما الناس أثنوا عليك ... ولا عظّموك ولا عظموا

ولا شايعوك على ما بلغ ... ت من الصالحات ولا قدّموا

ولو وجدوا لهم مطعناً ... إلى أن يعيبوك ما جمجموا

ولكن صبرت لما ألزموك ... وجدت بما لم يكن يلزم

وكان قراك إذا ما لقوك ... لساناً بما سرّهم ينعم

وخفض الجناح ووشك النجاح ... وتصغير ما عظّم المنعم

فأنت بفضلك ألجأتهم ... إلى أن يجلّوا وأن ينعموا

شعر لخلف بن خليفة الأقطع وقال خلف بن خليفة الأقطع:

وفي اليأس من أن تسأل الناس راحةٌ ... تميت بها عسراً وتحيي بها يسراً

وليس يدٌ أوليتها بغنيمة ... إذا كنت تبغي أن يعدّ لها شكرا

غنى النفس يكفي النفس ما سدّ فاقةً ... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا

شعر لعبد الرحمن بن حسان قال ابن عائشة: بلغني أنّ عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجةً فلم يقضها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال:

ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم أجرها واصطناعها

أبى لك كسب الحمد رأيٌ مقصرٌ ... ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها

 

إذا هي حثّته على الخير مرّةً ... عصاها وإن همّت بشرٍّ أطاعها

بين ابن عيينة ورجل سأله عن الثناء على اللّه تعالى وقال ابن عائشة: قال رجلٌ يوماً لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد؟ قال: ماهو؟ قال: يقولون إن اللّه تعالى يقول: أيّما عبدٍ كانت له إليّ حاجةٌ فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته. فقال له: يا بن أخي، وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد اللّه بن جدعان:

أثنى عليه المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء

فكيف بأكرم الأكرمين! وكان يقال: في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنةٌ: إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن هو منعه ذم غير الذي منعه.

شعر لدكين الراجز حدّثنا الرّياشيّ قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداءٍ يرتديه جميل

إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل

أول منازل الحمد وكان يقال: أول منازل الحمد السلامة من الذم.

شعر لعروة بن أذنية قال عروة بن أذينة اللّيثي:

لا تتركن إن صنيعةٌ سلفت ... منك وإن كنت لا تصغّرها

إلى امرىء أن يقول إن ذكرت ... عندك في الجدّ لست أذكرها

فإنّ إحياءها إماتتها ... وإنّ منّا بها يكدّرها

وإن تولّى امرؤٌ بشكر يدٍ ... فاللّه يجزي بها ويشكرها

إحياء المعروف ويقال: أحيوا المعروف بإماتته.

لأبي همرو بن مسعدة في خير مواضع المعروف أبو سفيان الحميريّ قال: كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولىً لخالد القسريّ، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزاً في كتبه، فكتب إلى صديق له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران: أجرٌ من اللّه وشكرٌ منّا. وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام.

كتاب بعض الكتاب لأحد العمال وكتب بعض الكتّاب إلى بعض العمّال: وما أتأملّ في وقت من الأوقات ولا يومٍ من الأيام آثار أياديك لديّ، ومواقع معروفك عندي، إى نبّهني التأمل على ما يحسر الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطه، وتلافيت نعمةً كانت على شفا زوالٍ ودروس، وتلقّيت ما ألقيت عليك من الكلّ بوجهٍ طليق وباع رحيب. والسلام.

الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروفللنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان حدثني محمد بم عبيد قال: حدّثنا داود بن المحبّر عن محمد بن الحسن الهمداني عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من ترك معونة أخيه المسلم والسّعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحجّ لحاجةٍ عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى رؤوس المحلّقين " وله صلى اللّه عليه وسلم في الشفاعة إليه حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد اللّه بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " اشفعوا إليّ ويقضي اللّه على لسان نبيّكم ما شاء " .

بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازنّي عن ابن أبي السّريّ عن إبراهيم بن أدهم عن منصور بن المعتمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إن أحببت أن يحبك اللّه فأزهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من حطامها شيء إلا نبذته إليهم " لابن عيينة عن ابن المنكدر في أفضل الأعمال حدّثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم إلاّ ما سمعت: قيل لابن المنكدر: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أيّ الدنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.

لزرير العطاردي في قضاء أبي رجاء العطاردي حاجات الناس

 

حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا زرير العطارديّ قال: صلّى بنا أبو رجاء العطارديّ العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا رجاءٍ، إنّ لطارق الليل حقّاً، وإنّ بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا كتبهم وشيئاً من متاعهم. فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأدّاها وصلّى بنا الفجر، وهو مسيرة ليلةٍ للإبل، والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ.

للحسن في قضاء الحاجة حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال: حدّثنا ابن المبارك عن حميدٍ عن الحسن قال: لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف سنةً.

دعاء لعمرو بن معاوية العقيلي قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: أنت متلافٌ. فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول اللّه تعالى: " وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " لابن عباس، وللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المعروف وكان ابن عبّاس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأً. هذا نحو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: " المعروف يقي مصارع السّوء " لابن عباس أيضاً في المعروف وكان ابن عبّاس يقول أيضاً: ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً أوليته سوءاً إلاّ أظلم ما بيني وبينه.

لجعفر بن محمد في قضاء الحاجة قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.

شعر في قضاء الحاجة وقال الشاعر:

وبادر بسلطان إذا كنت قادراً ... زوال اقتدارٍ أو غنىً عنك يعقب

وقال آخر في مثله:

بدا حين أثرى بإخوانه ... ففكّك عنهم شباة العدم

وذكّره الحزم غبّ الأمور ... فبادر قيل انتقال النّعم

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحبّ ليصيد به الطير لا لينفعه.

لابن عباس رضي اللّه عنهما قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل قال غبّرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛ فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله جلّ وعزّ. قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته.

أقوال في المعروف وقال سلم بن قتيبة: ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه.

ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة.

قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئاً؟ قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيباً من معروفك.

لجعفر بن محمد قال جعفر بن محمد: ما توسل إليّ أحدٌ بوسيلةٍ هي أقرب به إلى ما يحب من يدٍ سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.

لخالد بن عبد الله القسري في رجل كان يبغض قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب. فقال رجل من القوم: أوله أيها الأمير معروفاً. ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه.

لابن عباس في إتمام المعروف قال ابن عباس: لا يتمّ المعروف إلا بثلاثٍ: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظمه، وإذا ستره تمّمه.

مثله شعر للخريمي وقال الخريمي في نحو هذا:

زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك محقورٌ صغير

تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهورٌ كبير

شعر للطائي وقال الطائي:

جودٌ مشيت به الضراء تواضعاً ... وعظمت عن ذكراه وهو عظيم

أخفيته فخفيته وطويته ... فنشرته والشخص منه عميم

وكان يقال: ستر رجلٌ ما أولى، ونشر رجلٌ ما أولي.

وقالوا: المنّة تهدم الصنيعة.

قال الشاعر:

أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسنٍ ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان

بين ابن شبرمة ورجل قال رجل لابن شبرمة: فعلت بفلانٍ كذا وفعلت به كذا. فقال: لا خير في المعروف إذا أحصي.

في الآثر وفي بعض الحديث: " كلّ معروفٍ صدقةٌ وما لأنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقةٌ وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكلّ نفقةٍ أنفقها فعلى اللّه خلفها مثلها إلا في معصيةٍ أو بنيانٍ " .

 

وفي الحديث المرفوع: " فضل جاهك تعود به على أخيك صدقةٌ منك عليه، ولسانك تعبّر به عن أخيك صدقةٌ منك عليه، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقةٌ منك على أهله " .

وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوحٍ أو لشرب غبوق

ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدوٍّ أو لنفع صديق

لابن عباس قال ابن عباس: لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه إليه.

شعر لحماد عجرد في الجود وقال حمّاد عجرد:

إنّ الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيّاً وهو مجهود

إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود

وللبخيل على أمواله عللٌ ... رزق العيون عليها أوجهٌ سود

أورق بخيرٍ ترجّى للنوال فما ... ترجى الثّمار إذا لم يورق العود

بثّ النوال ولا تمنعك قلّته ... فكلّ ما سدّ فقراً فهو محمود

والعرب تقول: " من حقر حرم " .

لسلم بن قتيبة حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة: أحدهم يحقر الشيء فيأتي ما هو شرّ منه. يعني المنع.

وقال الشاعر:

وما أبالي إذا ضيفٌ تضيّفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي

جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبراً ... ومكثرٌ من غنىً سيّان في الجود

في الأثر وفي الحديث المرفوع " أفضل الصّدقة جهد المقلّ " .

للبريق الهذلي وقال البريق الهذليّ:

أبو مالكس قاصرٌ فقره ... على نفسه ومشيعٌ غناه

لخالد بن عبد اللّه في إتيان المعروف، وشعر للحطيئة وكان خالد بن عبد اللّه يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإنّ فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، وما ضعف الناس عن أدائه قوي اللّه على جوازيه. والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين اللّه والناس

ويقال: إنه في بعض كتب اللّه عزّ وجل.

لوهب بن منبه في الإفضال على الإخوان قال وهب بن منبّه: إن أحسن الناس عيشاً من حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من أللّذّة الإفضال على الإخوان.

في الأثر وفي الحديث المرفوع " إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ملك الوارث " .

شعر لبشار في إنفاق المال وقال بشار:

أنفق المال ولا تشق به ... خير ديناريك دينارٌ نفق

لبزر جمهر في الإنفاق وشعر في الجود قال بزر جمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقة.

أخذه بعض المحدثين فقال:

فانفق إذا أنفقت إن كنت موسراً ... وأنفق على ما خيّلت حين تعسر

فلا الجود يفني المال والجدّ مقبلٌ ... ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر

من كتاب كليلة ودمنة وفي " كتاب كليلة " لا يعدّ عائشاً من لا يشارك في غناه.

مرّ الحسن برجلٍ يقلّب درهماً؛ فقال له: أتحبّ درهمك هذا؟ قال: نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك.

بين الربيع بن خيثم وأخ له قال الربيع بن خيثم لأخٍ له: كن وصيّ نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

سأحبس مالي علي حاجتي ... وأوثر نفسي على الوارث

أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحبّ من المبطىء الرّائث

لعبيد اللّه بن عكراش قال عبيد بن عكراشً: زمنٌ خؤون، ووارثٌ شفون؛ فلا تأمن الخؤون وكن وارث الشّفون.

لأبي ذرّ وقال أبو ذرّ: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك: الحدثان والقدر، كلاهما يمرّ على الغثّ والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدّم لنفسك؛ فإن استطعت ألاّ تكون أخسّ الثلاثة نصيباً فافعل.

لسعيد بن العاص في الحث على الإنفاق وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه اللّه رزقاً حسناً فليكن أسعد الناس به فإنه إنما يترك لأحد رجلين. إمّا مصلحٍ فلا يقلّ عليه شيءٌ، وإمّا مفسدٍ فلا يبقى له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام.

 

شعر لحطائط بن يعفر في الجود وقال حطائط بن يعفر:

ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن ... لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا

أريني جواداً مات هزلاً لعلّني ... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا

وقلت ولم أعي الجواب تبيّني ... أكان الهزال حتف زيدٍ وأربد

لأعرابي قال أعرابّي: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.

وقال بعض المحدثين:

أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنزل المعونة على قدر المؤونة " .

بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال أعرابيّ: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّاً؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً أعطي حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.

وقال بعض المحدثين:

أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنزل المعونة على قدر المؤونة " .

بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذّه؟قال: العريض الطويل. قال: وما هو؟ قال: الجديث الحسن أو ألقى أخاً قد نكبه الدهر فأجبره. قال: نحن أحقّ بهما منك. قال: إن أحقّ بهما منك من سبقك إليهما.

لأعرابي في التزود بالمعروف وقال أعرابي:

وما هذه الأيام إلا معارةٌ ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد

فإنك لا تدري بأيّة بلدةٍ ... تموت ولا ما يحدث اللّه في غد

يقولون لا تبعد، ومن يك بعده ... ذراعين من قرب الأحبّة يبعد

وقال آخر:

إن كنت لا تبذل أو تسأل ... أفسدت ما تعطي بما تفعل

قال بعضهم: مضى لنا سلفٌ أهل تواصلٍ، اعتقدوا منناً، واتخذوا أيادي ذخيرةً لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً، وإظهار البر حقاً واجباً، في حال الزمان بنشءٍ اتخذوا مننهم صناعةً، وبرّهم مرابحةً، وأياديهم تجارةً واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات.

بين عمرو بن عتبة وولده قال العتبي: وقع ميراثٌ بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش درجاً تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكلّ معها الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو اختلف ما نزينت إلا بهم. ثم إن أناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها؛ إن خالفوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أؤلئك أنضاء فكر الفقر وعجزة حملة الشكر.

لبعض الحجازيين قال بعض الحجازيين:

فلو كنت تطلب شأو الكرام ... فعلت كفعل أبي البختري

تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقلّ عن المكثر

القناعة والاستعفافللنبي ( في النهي عن سؤال الناس حدّثني شيخٌ لنا عن وكيع عن ابن ذئبٍ عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان قال: قال رسول الله (: " من يتقبل لي بواحدةٍ وأتقبل له بالجنة؟ " . فقال ثوبان: أنا يا رسول الله. قال: " لا تسأل الناس شيئاً " . فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحداً أن يناوله إياه.

لعمر بن الخطاب في القناعة والاقتصاد وحدّثني أيضاً عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبدٍ إلا وبينه وبين رزقه حجابٌ، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.

للنبي (: " إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع " .

 

وقال عليه السلام: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " .

شعر لابن حازم قال ابن حازم:

للناس مالٌ ولي مالان ما لهما ... إذا تحارس أهل المال أحراس

مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه ... ومالي اليأس مما يملك الناس

أخذ هذا من قول أبي حازم المدنيّ، وقال له بعض الملوك: مامالك؟ قال: الرضا عن اللّه، والغنى عن الناس.

لبشار بن بشر في الإستعفاف وقال بشار بن بشر:

وإني لعفٌ عن فكاهة جارتي ... وإنيّ لمشنوء إليّ اغتيابها

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زءوراً ولم تأنس إليّ كلابها

ولم أك طلاباً أحاديث سرّها ... ولا عالماً من أيّ حوكٍ ثيابها

وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها

إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ ... فذرها لأخرى ليّنٍ لك بابها

لابن أبي حاوم وقال ابن أبي حازم:

أوجع من وخزة السّنان ... لذي الحجا وخزة اللّسان

فاسترزق اللّه واستعنه ... فإنه خير مستعان

وإن نبا منزلٌ بحرٍ ... فمن مكانٍ إلى مكان

لا يثبت الحرّ في مكانٍ ... ينسب فيه إلى هوان

الحرّ حرٌّ وإن تعدّت ... عليه يوماً يد الزمان

لعامر بن عبد قيس العنبري في أربع آيات من كتاب اللّه تعالى حدّثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفيّ عن يوسف بن عطيّة قال: حدّثني المعلّى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع آياتٍ من كتاب اللّه إذا قرأتهنّ مساءً لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحاً لم أبال على ما أصبح: " ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " . " وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده " . " وما من دابةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها " . " سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً " لإبراهيم بن أدهم في القناعة حدّثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال: قال إبراهيم بن أدهم: لا تجعل بينك وبين اللّه منعماً عليك، وعدّ النعم منه عليك مغرما.

في أبرع بيت قالته العرب حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيبٍ الهذليّ:

والنّفس راغبةٌ إذا رغبّتها ... وإذا تردّ إلى قليلٍ تقنع

للحجاج بن الأسود قال أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار عن الحجاج بن الأسود قال: احتاجت عجوزٌ من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة ، ولو صبرت لكان خيراً لها ولقد بلغني أن الأنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذٌ ناحيةً يقول: لو صرت إليّ لكفيتك.

وكان يقال: أنت أخو العزّ ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حرّ والرّجاء عبدٌ.

وقال بعض المفسّرين في قول اللّه عزوجلّ: " فلنحيينهّ حياةً طيبةً " قال: بالقناعة وصية سعد بن أبي وقاص لابنه وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر: يا بنّي إذا طلبت الغنى فأطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يغنيك مالٌ.

شعر لعروة بن أذينة ولأبي العتاهية في القناعة بالرزق وقال عروة بن أذينة:

لقد علمت وما الإسراف في طمع ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنّيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني

وقال أبو العتاهية:

إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... فكلّ ما في الأرض لا يغنيكا

في القناعة وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها حجّت أعرابيةٌ على ناقةٍ لها، فقيل لها: أين زادك؟ قالت: ما معي إلا ما في ضرعها. وقال الشاعر:

يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع من غدٍ وغد

من لم يكن للّه متّهماً ... لم يمس محتاجاً إلى أحد

لأردشير في القناعة والتعلّم وقال أردشير: خير الشّيم القناعة، ونماء العقل بالتعلّم شعر للنمر بن تولب، ولآخرين وقال النّمر بن تولب:

ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يهب الرغائب فارغب

 

لا تغضبنّ على امرىء في ماله ... وعلى كرائم صلب مالك فاغضب

وقال أبو الأسود:

ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه ... فكلّ قريبٍ لا ينال بعيد

وقال كعب بن زهير:

قد يعوز الحازم المحمود نيتّه ... بعد الثّراء ويثري العاجز الحمق

فلا تخافي علينا الفقر وانتظري ... فضل الذي بالغنى من فضله نثق

وشكا رجلٌ إلى قوم ضيقاً فقال له بعضهم: شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك بين هشام بن عبد الملك وسالم بن عبد اللّه وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد اللّه ودخلا الكعبة: سلني حاجتك. قال: أكره أن أسأل في بيت اللّه غير اللّه.

لسالم بن عبد اللّه وقد رأى رجلاً يسأل في الموقف ورأى رجلاً يسأل في الموقف فقال: أفي مثل هذا الموضع تسأل غير اللّه عزوجل! شعر لابن المعذّل في التعفف عن سؤال البشر وقال ابن المعذّل:

تكلفني إذلال نفسي لعزّها ... وهان عليها أن أهان لتكرما

تقول سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه ربّ يحيى بن أكثما

لابن عباس في سؤال الناس وقال ابن عباس: المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازةً وإذا سأل الناس اللّه سألوا الناس.

وكان الحسن يطرد السؤّال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

حبٌ الرياسة داءٌ لا دواء له ... وقلّ ما تجد الراضين بالقسم

شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الملوك وقال محمودٌ الورّاق:

شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا ... عن كلّ طالب حاجةً أو راغب

غالوا بأبواب الحديد لعزّها ... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب

وإذا تلّطف للدّخول إليهم ... راجٍ تلقّوه بوعدٍ كاذب

فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... ياذا الضّراعة طالباً من طالب

وجد على ميلٍ في طريق مكة:

ألا يا طالب الدّنيا ... دع الدنيا لشانيكا

إلى كم تطلب الدنيا ... وظلّ الميل يكفيكا

بين مطرّف بن عبد اللّه وابن أخيه قال مطرّف بن عبد اللّه لابن أخيه: إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعةً فإني أضنّ بوجهك عن ذلّ السؤال.

لأبي الأسود وقال أبو الأسود:

وإن أحق الناس إن كنت مادحاً ... بمدحك من أعطاك والوجه وافر

شعر كان معاوية يتمثل به وكان معاوية يتمثّل بهذين البيتين:

وفتىً خلا من ماله ... ومن المروءة غير خالي

أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال

وقال آخر:

أبا مالكٍ لا تسأل الناس والتمس ... بكفّيك سيب اللّه فاللّه أوسع

فلو تسأل الناس التراب لأوشكو ... إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا

والمشهور في هذا قول عبيد:

من يسأل الناس يحرموه ... وسائل اللّه لا يخيب

بين سليمان وأبي حازم قال سليمان لأبي حازمٍ: سل حوائجك. فقال: قد رفعتها إلى من لا تخذل الحوائج دونه.

قال بعض المفسّرين في قول اللّه عزّ وجلّ: " وهو خير الرازقين " : أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، واللّه عزّ وجل يسخط ولا يقطع.

شعر في كراهة الطلب إلا من اللّه عز وجل وقال الشاعر:

لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإنّ ذلك وهنٌ منك بالدّين

واسترزق اللّه رزقاً من خزائنه ... فإنما هو بين الكاف والنون

شعر للخليل بن أحمد في الإستعفاف وقال الخليل بن أحمد:

أبلغ سليمان أنّي عنه في سعةٍ ... وفي غنىً غير أني لست ذا مال

شحاً بنفسي، إني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال

فالرزق عن قدرٍ لا الضعف يمنعه ... ولا يزيدك فيه حول محتال

للمعلوط، وغيره وقال المعلوط:

متى ما ير الناس الغنيّ وجاره ... فقيرٌ يقولوا عاجزٌ وجليد

وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن حظوظٌ قسّمت وجدود

وقال آخر:

يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه

وقال أبو الأسود:

 

ليتك آذنتني بواحدةٍ ... تجعلها منك سائر الأبد

تحلف ألاّ تبرّني أبداً ... فإنّ فيها برداً على كبدي

إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حيّةٍ على رصد

لعمر بن الخطاب في تفضيل العمل على مسألة الناس وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: حرفةٌ يقال فيها خيرٌ من مسألة الناس.

لسعيد بن العاص وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العيّ فيهما: عند مخاطبتي جاهلاً، وعن مسألتي حاجةً لنفسي.

لشريح وقد جاءه رجل يستقرض منه حدّثن محمد بن عبيد عن أبي عبد اللّه عن محمد بن عبد اللّه بن واصل قال: جاء رجلٌ إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريحٌ: حاجتك عندنا فأت منزلك فإنّها ستأتيك، إنّي لأكره أن يلحقك ذّلها.

وصية أبي عاصم لبنيه حدّثني الرّيلشيّ عن الأصمعيّ عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه عند موته فقال: إيّاكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل.

شعر في القناعة والتعففّ وقال بعض المحدثين:

عوّدت نفسي الضّيق حتى ألفته ... وأخرجني حسن العزاء إلى الصّبر

ووسّع قلبي للأذى الأنس بالأذى ... وقد كنت أحياناً يضيق به صدري

وصيّرني يأسي من الناس راجياً ... لسرعة لطف اللّه من حيث لا أدري

وقال آخر:

حسبي بعلمي لو نفع ... ما الذّلّ إلا في الطّمع

من راقب اللّه نزع ... عن قبح ما كان صنع

ما طار شيء فارتفع ... إلا كما طار وقع

الحرص والإلحاحمن كتاب لبزر جمهر في الحرص والقدر لما قتل بزر جمهر وجد في منطقته كتاباً: إذا كان القدر حقّاً فالحرص باطلٌ وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثّقة بكلّ أحدٍ عجزّ وإذا كان الموت لكل أحدٍ راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمقٌ.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

من عفّ خفّ على الصّديق لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهه مملول

من كتاب الهند في الإلحاح وفي كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته.

شعر لعدّي بن زيد وقال عديّ بن زيد:

قد يدرك المبطىء من حظّه ... والرزق قد يسبق جهد الحريص

لابن المقفع في الحرص والجبن وقال ابن المقفع: الحرص محرمةٌ، والجبن مقتلةٌ، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً، وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطّية أم من يطلب ذلك بالشّره والحرص.

وقال الشاعر:

كم من حريص على شىء ليدركه ... وعلّ إدراكه يدني إلى عطبة

وقال آخر:

وربّ ملحّ على بغيةٍ ... وفيها منيّته لو شعر

قول العرب في الرجل الملحّ والعرب تقول في الرجل الملحّ في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجةٌ إلا سأل أخرى:

لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً

وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حرّ الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقىّ في أغصانها فلا يرسل غصناً حتىّ يقبض على آخر.

وقال الشاعر:

أنّى أتيح له حرباء تنضبةٍ ... لا يرسل السّاق إلاّ ممسكاً ساقاً

من كتاب كليلة ودمنة في الحرص والشره وفي كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشّره، ولا غنى كالرّضا والقناعة، ولا عقل كالتّدبير، ولا روع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق.

لابن المقفع في الحرص والحسد قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب وأصل المهالك؛ أمّا الحسد فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة.

أيضاً من كتاب كليلة ودمنة في خمسة حرصاء وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحبّ إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة، وحفّار القنيّ والأسراب، والتّاجر يركب البحر، والحاوي يلسع يده الحيّة، والمخاطر على شرب السمّ.

بين مالك بن دينار ورجل محبوس كان حريصاً بخيلاً دخل مالك بن دينار على رجل محبوسٍ قد أخذ بمال عليه وقيّد، فقال له: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود! فرفع مالك رأسه فرأى سلّةً، فقال: لمن هذه؟ قال: لي. قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا دجاجٌ وأخبصةٌ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك.

لأشعب

 

كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمّي تيقن فقلّ ما يفوتنا.

شعر للنابغة وقال النابغة:

واليأس عما فات يعقب راحةً ... ولربّ مطعمةٍ تعود ذباحا

لأبي علي الضرير وقال أبو علي الضرير:

فإنّي قد بلوتكم جميعاً ... فما منكم على شكري حريص

وأرخصت الثناء فعفتموه ... وربّتما غلا الشيء الرّخيص

فعفت نوالكم ورغبت عنه ... وشرّ الزاد ما عاف الخصيص

لأعرابي يهجو الحريص وقل أعرابيّ:

أيّها الدّائب الحريص المعنّى ... لك رزقٌ وسوف تستوفيه

قبّح اللّه نائلاً ترتجيه ... من يدي من تريد أن تقتضيه

إنما الجود والسماح لمن يع ... طيك عفواً وماء وجهك فيه

لا ينال الحريص شيئاً فيكفي ... ه وإن كان فوق ما يكفيه

فسل اللّه وحده ودع النا ... س وأسخطهم بما يرضيه

لا ترى معطياً لما منع ال ... لّه ولا مانعاً لما يعطيه

" وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي " : آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. والحمد للّه ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيّدنا محمد النبيّ وآله أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، واللّه الموفّق للصّواب.

" وفيه كذلك - وهو من زيادات النسّاخ - " : شعر في الاستعفاف وفي الاستعفاف:

عليك باليأس من الناس ... إنّ غنى نفسك في الياس

كم صاحب قد كان لي وامقاً ... إذ كان في حالة إفلاس

أقول لو قد نال هذا الغنىصيّرنيمنه على الرّاس

حتى إذا ما صار فيما اشتهى ... وعدّه النّاس من النّاس

قطّع بالصدّ حبال الصّفا ... منّي ولمّا يرض بالقاسي

آخر وقد أحسن:

إنّ للمعروف أهلاً ... وقليلٌ فاعلوه

أهنأ المعروف مالم ... تبتذل فيه الوجوه

أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدّهر أخوه

فإذا احتجت إليه ... ساعةً مجّك فوه

إنما يعرف الفض ... ل من الناس ذووه

لو رأى الناس نبيّاً ... سائلاً ما وصلوه

من أبي العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان يسأله وكتب أبو العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان رقعة يقول فيها: أنا - أعزّك اللّه - وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسّني منك جفاءٌ بعد برٍّ وإغفالٌ بعد تعهّد، فشمت عدوٌّ، وتكلّم حاسد، ولعبت بي ظنونٌ؛ وانتزاع العادة شديدٌ. ثم كتب في آخرها:

لا تهنّي بعد إكرامك لي ... فشديدٌ عادةٌ منتزعه

آخر:

مالي معاشٌ سوى ضدّ المعاش فلا ... أغدو إلى عملٍ إلاّ بلا أمل

وليس لي شغلٌ يجدي عليّ إذا ... فكّرت فيه وما أنفكّ من شغل

كلّ امرىء رائحٌ غادٍ إلى عمل ... وما أروح ولا أغدو إلى عمل

ولست في الناس موجوداً كبعضهم ... وإنما أنا بعض الناس في المثل

وآخر:

المرء بعد الموت أحدوثةٌ ... يفنى وتبقى منه آثاره

يطويه من أيّامه ما طوى ... لكنّه تنشر أسراره

وأحسن الحالات حال امرىءٍ ... تطيب بعد الموت أخباره

يفنى ويبقى ذكره بعده ... إذا خلت من شخصه داره

شعر لحبيب الطائي وقال حبيب الطائي:

وما ابن آدم إلاّ ذكر صالحةٍ ... أو ذكر سيّئةٍ يسري بها الكلم

أما سمعت بدهرٍ باد أمّته ... جاءت بأخبارها من بعدها أمم

شعر في البخل في البخل:

طرقت أناساً على غرّةٍ ... فذقت من العيش جهد البلاء

فأمّا القديد وأشباهه ... فذاك مفاتيحه في السماء

وأما السّويق ففي عيبةٍ ... يشمّ ويدعي له بالبقاء

 

ومن حاول الخبز قالوا له ... أتذكر شيئاً خبي للدّواء

كتاب الطعام

صنوف الأطعمةبين عمر بن الخطاب والأحنف قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه للأحنف: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: الزّبد والكمأة. فقال عمر: ما هما بأحبّ الأطعمة إليه، ولكنه يحبّ الخصب للمسلمين.

الأحنف والتمر والزبد قال الأصمعيّ: قال رجلٌ في مجلس الأحنف: ليس شيءٌ أبغض إليّ من التمر والزّبد. فقال الأحنف: ربّ ملومٍ لا ذنب له.

الحجاج والزبد والتمر عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الحجّاج لجلسائه: ليكتب كلّ رجلٍ في رقعةٍ أحبّ الطعام إليه ويجعلها تحت مصلاّي. فإذا في الرّقاع كلّها الزّبد والتمر.

لمدني في الكبادات عن الأصمعيّ قال: قال مدنيّ: الكبادات أربع: العصيدة والهريسة والحيسة والسّميذة.

بين مالك بن حقبة وحسان بن الفريعة في الحيس عن الأصمعيّ عن حزم قال: قال مالك بن حقبة لحسّان بن الفريعة: ما تزوّدت إلينا؟ قال: الحيس. قال: ثلاثة أسقية في وعاء.

لبعض الأعراب يشتهي طعاماً قال الأصمعيّ: قال بعض لأعراب: أشتهي ثريدةً دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، ذات جفافين من اللحم، لها جناحان من العراق، أضرب فيها ضرب وليّ السّوء في مال اليتيم.

لابن الأعرابي في اللحم وقال ابن الأعرابيّ: يقال: أطيب اللحم عوّذه. أي أطيبه ما ولي العظم، كأنه عاذ به.

بين الفرزدق ويحيى بن الحصين بن المنذر عن أبي عبيدة قال: مرّ الفرزدق بيحيى بن الحصين بن المنذر الرّقاشيّ، " ف " قال له: هل لك يا أبا فراسٍ في جديٍ سمين ونبيذ زبيبٍ جيّد؟ فقال الفرزدق: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة! يعني جريراً.

بين الأحوص وجرير وقال الأحوص لجرير: ما تحبّ أن يعدّ لك: قال: شواءٌ وطلاءٌ وغناءٌ؛ قال: قد أعدّت لك.

بين المدني اشتهى الكشك وصديق له وقال مدنيّ لصديق له: واللّه أشتهي كشكيّةً، ومدّ بها صوته فخرجت منه ريح؛ فقال له: ما أسرع ما لفحتك يابن عمّ.

لشيخ مدني وعن الأصمعيّ قال: قال شيخ من أهل لمدينة: أتيت فلاناً فأتاني بمرقةٍ كان فيها مسقّى، فلم أر فيها إلا كبداً طافيةً، فغمست يدي فوجدت مضغة، فمددتها فامتدّت حتى كأني أزمر في ناي.

بين كسرى وأعرابي أدخل أعرابيّ على كسرى ليتعجّب من جفائه وجهله؛ فقال له: أيّ شيء أطيب لحماً؟ قال: الجمل. قال: فأيّ شيء أبعد صوتاً؟ قال: الجمل قال: فأيّ شيء أنهض بالحمل الثقيل؟ قال: الجمل. قال كسرى: كيف يكون لحم الجمل أطيب من البطّ والدّجاج والفراخ والدّرّاج والجداء؟ قال: يطبخ لحم الجمل بماءٍ وملح، ويطبخ ما ذكرت بماءٍ وملح حتى يعرف ما بين الطعمين. قال: كيف يكون الجمل أبعد صوتاً ونحن نسمع الصوت من الكركيّ من كذا وكذا ميلاً؟ قال الأعرابيّ: ضع لكركيّ في مكان الجمل في مكان الكركيّ حتى تعرف أيّهما أبعد صوتاً. قال كسرى: كيف تزعم أنّ الجمل أحمل للحمل الثقيل ولفيل يحمل كذا وكذا رطلاً؟ ليبرك الفيل ويبرك الجمل وليحمل على الفيل حمل الجمل، فإن نهض به أحمل للأثقال.: لجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان قال: شيئان لا يزهدهما كثرة النفقة طيباً: الطّيب والقدر، ولكن تطيّبهما إصابة القدر.

أبو عبد الرحمن الثوري والرؤوس وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثوريّ يعجب بالرؤوس ويصفها، ويسميّ الرأس عرساً لما تجمّع فيه من الألوان الطيّبة، وكان يسميّه مرّةً الجامع ومرّةً الكامل، ويقول: الرأس شىء واحد وهو ذو ألوانٍ عجيبةٍ وطعومٍ مختلفةٍ؛ وكلّ قدرٍ وكلّ شواءٍ فإنما هو شىء واحد، والرأس فيه الدماغ وطعمه مفرد، والعنيان وطعمهما مفرد، " وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة " على أن هذه الشّحمة " خاصةً " أطيب من المخّ وأنعم من الزّبد وأدسم من السّلاء، ثم يعدّ أسقاطه كلها.

 

ويقول: الرأس سيدّ البدن وفيه الدّماغ وهو معدن العقل ومنه يتفرّق العصب الذي فيه الحسّ، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أنّ النفس هي المدركة والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن بابان ولولا أنّ العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس الحواسّ الخمس.

وكان ينشد:

همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري

وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ ولا يشتريه إلايوم السبت لأن الرؤوس يوم السبت أكسد للفضلات التي تبقى في منازل التّجار عن يوم الجمعة وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد إلى القحف وإلى اللّحيين فوضعه قرب بيوت النمل والذّر فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه في طستٍ فيه ماء ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى يقلع النمل والذّر من داره، فإذا فرغ من ذلك ألقاه مع الحطب فاستوقده في التّنور.

في الأرز الأبيض بالسمن الأصمعيّ قال: قال أبو صوّارة أو ابن دقّة: الأرز الأبيض بالسّمن المسّلي بالسكر الطّبرزذ، ليس من طعام أهل الدنيا.

أطول الليالي قال:وقال أبو صوّارة أو ابن دقّة: أطول الليالي ثلاث: ليلة العقرب، وليلة الهريسة، وليلة جدّة إلى مكة.

لأبي كامل بن الزبد الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: قال أبو كامل مولى عليّ رضي اللّه عنه: أطعموني حفنة زبدٍ ثم اختموا سراويلي ثلاثاً.

بين الثوري ورجل وقال رجل للثّوريّ: في حديث: " إن اللّه يبغض البيت اللّحم " فقال: ليس هو الذي يؤكل فيه اللحم، وإنما هو الذي يؤكل فيه لحوم الناس.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر عن أبي الصّدّيق الناجي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: " خير تمراتكم البرني يذهب بالداء ولا داء فيه " لعمر في العصيدة وعن ابن عمر عن عمر أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب حرارة الزيت.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر أيضاً وعن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " بيتٌ ليس فيه تمر جياعٌ أهله " أيضاً في التمر شيخٌ من أهل البادية قال: أضافنا فلان فأتانا بحنطة كأنها مناقير الغربان، وتمرٍ كأنه أعناق الوزّ يوحل فيه الضّرس.

الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ: تمرنا جرد فطسٌ يغيب فيه الضّرس، كأن نواه ألسن الطير،تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك.

الأصمعيّ عن أبيه قال: أسر رجلٌ رجلين في الجاهلية فخيّرها بم يعشّيهما، فاختار أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، فعشيّا وألقيا في الفناء وذلك في شتاءٍ شديدٍ، فأصبح صاحب اللحم خامداً، وأصبح صاحب التمر تزرّ عيناه.

وقال غير الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: ما رأيك في أكل الجريّ قال: تمرة نرسيانةٌ غرّاء الطّرف صفراء السائر عليها مثلها زبداً أحبّ إليّ منها. ثم أدركه الورع فقال: وما أحرّمهما.

وقال بعض الأعراب:

ألا ليت لي خبزاً تسربل رائباً ... وخيلاً من البرنيّ فرسانها الزّبد

قال: ورأى أعرابيٌّ دقيقاً وتمراً فاشترى التمر؛ قيل له: كيف وسعر الدقيق والتمر واحد! قال: إنّ في التمر أدمه وزيادة حلاوةٍ.

عن زياد النّميريّ قال: قالت عائشة: من أكل التمر وتراً لم يضرّه.

الأصمعيّ قال: حدّثني شيخٌ عالمٌ قال: أطيب التمر صيحانيّة مصلّبة.

الأصمعيّ قال: حدّثني رجلٌ من آل حزمٍ قال: كان يقال: من خلا على التمر فالعجوة، ومن أكله على ثقلٍ فالصّيحانيّ.

لأعرابي في تفضيل الرطب على العسل الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ يفضّل الرّطب على العسل: أتجعل عسلةً في أخثاء البقر كعسلةٍ في جوّ السماء لها محارس من جريدٍ وذوائب من زمردٍ! في أطيب انواع التمر وقال الأصمعيّ: قيل لابن القدّاح: أيّ التمر أطيب؟ فدعا بأنواع التمر، فلمّا أكلوا قال: انظروا أيّ النوى أكثر؟ قالوا: نوى الصيحانّي. قال: هو أطيب.

للعرب في البخيل الأكول وقال الأصمعيّ: العرب تقول للبخيل الأكول: " أبرماً قروناً " أي لا يخرج مع أصحابه شيئاً ويأكل تمرتين تمرتين.

شعر للنابغة يصف تمراً وقال النابغة يصف تمراً:

صغار النوى مكنوزةٌ ليس قشرها ... إذا طار قشر التمر عنها بطائر

الحسن والفالوذج

 

سمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال: فتات البرّ بلعاب النحل بخالص السّمن! ما عاب هذا مسلمٌ.

الحسن وفرقد السبخي وقال لفرقدٍ السّبخيّ: يا أبا يعقوب، بلغني أنك لا تأكل الفالوذج. فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألاّ أؤدّي شكره. فقال: يا لكع! وهل تؤدّي شكر الماء البارد " في الصّيف والحارّ في الشتاء! أما سمعت قول اللّه تعالى: " يأيّها الّذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " تحكيم شيخ في الطعام الرومي والفارسي الأصمعيّ قال: اختصم روميّ وفارسيّ في الطعام، فحكّما بينهما شيخاً قد أكل طعام الخلفاء، فقال: أمّا الروميّ فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسيّ فذهب بالبارد والحلواء.

جشع مزرّد أخي الشماخ ونهمه وعن الأصمعيّ قال: كنا عند الرشيد فقدّمت إليه فالوذجةٌ، فقال: يا أصمعيّ حدّثنا بحديث مزرّدٍ. فقلت: إن مزرّداً أخا الشمّاخ كان غلاماً جشعاً وكانت أمّه تؤثر عيالها بالطعام عليه وكان ذلك يحفظه، فخرجت أمّه ذات يوم تزور بعض أهلها، فدخل مزرّدٌ الخيمة وعمد إلى صاعي دقيقٍ وصاعٍ من تمر وصاعٍ من سمن ثم جعل يأكله وهو يقول:

ولمّا غدت أمي تمير بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع

لبكت بصاعي حنطةٍ صاع عجوةٍ ... إلى صاع سمنٍ فوقه يتريّع

ودبّلت أمثال الأثافي كأنها ... رؤؤس نقادٍ قطّعت يوم تجمع

وقلت لبطني أبشر اليوم إنه ... حمى أمّنا مما تحوز وترفع

فإن كنت مصفوراً فهذه دواؤه ... وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبع

فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، ثم قال: كلوا باسم اللّه، هذا يوم تشبع " يا أصمعيّ " .

الحجاج يطلب عسلاً قال: وكتب الحجاج إلى عامله بفارس: إبعث إليّ عسلاً من عسل خلاّر، من النحّل الأبكار، من الدّستفشار الذي لم تمسّه النار.

مثله لبعض الخلفاء وقال الأصمعيّ: كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أن أرسل إليّ بعسلٍ أخضر في سقاء، أبيض في الإناء، من عسل الندّغ والسّحاء، من حداب بني شبابة.

والعرب تصف العسل بالبرودة.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر للأعشى وفي حديث ابن عباس أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن أفضل الشراب قال: " الحلواء البارد " يعني العسل.

وقال الأعشى:

كما شيب بماءٍ با ... رد من عسل النحل

في العسل ومنافعه ويقال: أجود العسل الذهبيّ الذي إذا قطرت منه قطرةٌ على وجه " الأرض " استدار كما يستدير الزئبق ولم ينقش ولم يختلط بالأرض والتراب.

والروم تقول: أجوده ما يلطخ على فتيلةٍ ثم تشعل فيه النار فيعلق.

وسئل ديقراطيس العالم عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد اللّه بذلك في عمره.

والعسل إن جعل فيه اللحم الطريّ بقي كهيئته حتى ينتن.

ويقال: من كان به داء قديمٌ فليأخذ درهماً حلالاً وليشتر بع عسلاً ثم يشربه بماءٍ سواءٍ فإنه يبرأ بإذن اللّه تعالى.

وكان الحسن يعجبه إذا استمشى الرجل أن يشرب اللبن والعسل.

ويزعم أصحاب الطبائع أن العسل إذا ديف بالماء وخلط معه زيتٌ أو دهن سمسمٍ نافعٌ لمن شرب السّموم والأدوية القاتلة يتقيأ به.

في إكرام الخبز ميمون بن مهران عن ابن عباس قال - ولا أعلمه إلاّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال: " أكرموا الخبز فإنّ اللّه سخرّ له السموات والأرض " لإمرأة من بكر بن وائل في السويق الأصمعيّ قال: كانت امرأةٌ من بكر بن وائل تنزل الطّفاوة وكانت قد أدركت بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكان العبّاد يغشونها في منزلها؛ فعاب عائبٌ عندها السّويق، فقالت: لا تفعل! إنه طعام المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكّر، وبلغة المريض، ويشدّ فؤاد الحزين، ويردّ من نفسٍ الضّعيف؛ وهو جيدٌ في التّسمين ونقاوة البلغم، ومسمونه يصفّي الدم، إن شئت كان ثريداً، وإن شئت كان خبيصاً، وإن شئت كان خبزاً.

لغسّان بن عبد الحميد في السويق أيضاً وكان غسّان بن عبد الحميد كاتب سليمان بن عليّ يقول لجاريته: خوّضي لنا سويقاً فأخثريه، فإنّ الرجل لا يستحي أن يزداد ماءً فيرقّقه، ويستحي أن يزداد سويقاً فيخثره به.

شعر لعبد اللّه بن معاوية في الطبرزد

 

مرّ عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بعبد الحميد بن عليّ وهو في مزرعته وقد عطش، فاستسقاه فخاض له سويق لوزٍ فسقاه إياه؛ فقال عبد اللّه:

شربت طبرزداً بغريض مزنٍ ... ولكنّ الملاح بكم عذاب

وما " هو " بالطّبرزد طاب لكن ... بمسّك إنه طاب الشراب

وأنت إذا وطئت تراب أرضٍ ... يطيب إذا مشيت به التراب

لأن نداك ينفي المحل عنها ... وتحييها أياديك الرّطاب

للحسن في السويق والنساء وقال الحسن: لا تسقوا نساءكم السّويق، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فاحفظوهنّ.

للرقاشي وقال الرّقاشيّ: السّمنة للنّساء غلمةٌ وهي للرجال غفلةٌ للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا تردّ: اللّبن والسّواك والدّهن " أبو يزيد وشرب اللبن الحار الرّياشيّ قال: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رجلاً كأنّ أسنانه الذّهب لشربه اللّبن حاراً.

لذي الرّمة الأصمعيّ عن ذي الرّمة أنه قال: إذا قلت للرّجل: أيّ اللّبن أطيب؟ فإن قال: قارصٌ فقل: عبد من أنت؟ وإن قال: الحليب. فقل: ابن من أنت؟.

بين قريشي وامرأة من البادية مرّ رجل من قريشٍ بامرأة من العرب في باديةٍ، فقال، هل من لبنٍ يباع؟ فقالت: إنك لئيمٌ أو قريب عهد بقوم لئامٍ.

وكان يقال: اللبن أحد اللّحمين.

لبعض المدنيين وقال بعض المدنيّين: من تصبّح بسبع موزاتٍ وبقدحٍ من لبن إبلٍ أوارك تجشّأ بخور الكعبة.

بين معاوية وامرأة وقف معاوية على امرأةٍ فقال: هل من قرىً؟ فقالت: نعم. قال: وما هو؟ قالت: خبزٌ خمير ولبنٌ فطير وماءٌ نمير.

والعرب تقول: " إنّ الرّثيئة تفتأ الغضب " . والرّثيئة: اللبن الحامض يحلب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.

شعر لبعض الأعراب في اللبن قال بعض الأعراب:

وإذا خشيت على الفؤاد لجاجةً ... فاضرب عليه بجرعةٍ من رائب

في طبخ اللبن باللحم وعن مطر الورّاق: أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى اللّه تعالى الضعف، أوحى اللّه إليه: أن أطبخ اللبن باللحم، فإنّ القوّة فيهما.

أعرابي يصف خصب البادية وصف أعرابيّ البادية فقل: كنت أشرب رثيئةً تجرّها الشّفتان جرّاً، وقارصاً إذا تجشّأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها، وخلاصةً يشمّها الكلب فيعطس.

في ترويب اللبن وتقول الأطبّاء: إنّ اللبن إذ سخّن بالنار وسيط بعودٍمن عيدان شجر التّين راب من ساعته.

وقالوا: وإن أراد صاحبه ألاّ يروب وإن كان فيه روبة جعل فيه شيئاً من الحبق، وهو الفوذنج النهريّ،فإنه يبقى كهيئته.

أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهمللمعلّى الربعي المعلّى الرّبعيّ قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماًوأشرب فيهنّ شراباً، فدعوت اللّه تعالى، وإذا دعا العبد اللّه بقلبٍ صادقٍ كانت معه من اللّه عينٌ بصيرةٌ، فدفعت إلى ذئبين في جفرٍ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفراً فيه ماء فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما علىمهيديتيهما، وإذا لهما نحفةٌ - يعني شبه الزّفير - فاشتويت واحتذيت واذّهنت.

بين ابن قرفة وصياد أعرابي قال ابن قرفة " شيخ من سليم " : أضافني رجل من الأعراب فجاءني بقدرٍ جماعٍ ضخمةٍ ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة تنماتّ في فمي، وبضعة كأنّها بضع ساقٍ، وبضعة كأنها شحمٌ زخمٌ؛ فقلت: ما هذا؟ فقال: إني رجل صيّاد، جمعت بين ذئبٍ وظبيٍ وضبع.

بين مدني وأعرابي قال مدنيّ لأعرابيّ: ما تأكلون وما تدعون؟ قال: نأكل ما دبّ ودرج إلا أمّ حبينٍ. فقال المدنيّ: ليهنيء أمّ حبينٍ العافية.

لرجل من بني هلال على مائدة الفضل بن يحيى قعد على مائدة الفضل بن يحيى رجلٌ من بني هلال بن عامر، فذكروا الضّبّ ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمّه وتابعه القوم، فغاط الهلاليّ ما سمع منهم، ولم يكن على المائدة عربيّ غيره، ثم لم يلبث أن أتي الفضل بصحفةٍ فيها فراخ الزّنانير، فلم يشك الأعرابيّ أنها ذبّان البيوت، فقال حين خرج:

وعلجٍ يعاف الضبّ لؤماً وبطنةً ... وبعض إدام العلج هام ذباب

ولو أنّ ملكاً ناك أمّه ... لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب

شعر لأبي الهندي، ثم لبعض الأعراب وقال أبو الهندي " رجل من العرب " :

 

أكلت الضّباب فما عفتها ... وإنّي لأشهي قديد الغنم

ولحم الخروف حنيذاً وقد ... أتيت به فاتراً في الشّبم

فأمّا البهطّ وحيتانكم ... فما زلت منها كثير السّقم

وقد نلت منها كما نلتم ... فلم أر فيها كضبّ هرم

ولا في البيوض كبيض الدّجاج ... وبيض الدجاج شفاء القرم

ومكن الضّباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم

وقال بعض الأعراب:

وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضّبّ يعدو بالواد

ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جراداً؛ فقال:

لحى اللّه بيتاً ضمّني بعد هجعةٍ ... إليه دجوجيّ من الليل مظلمٌ

فأبصرت شيخاً قاعداً بفنائه ... هو العنز إلا أنه يتكلم

أتانا ببرقان الدّبى في إنائه ... ولم يك برقان الدّبى لي مطعم

فقلت له غيّب إناءك واعتزل ... فهل ذاق هذا، لا أبا لك، مسلم

لبعض لعباسين وقال بعض العباسيين:

ليت شعري متى تخبّ بي ال ... قة نحو العذيب فالصّنّين

محقباص زكرةً وخبز رقاقٍ ... وجبيناً وقطعةً من نون

وقال بعض الأعراب:

أقول له يوماً وقد راح صحبتي ... ترى أبتغي من صيده وأخاتله

فلما التقت كفّي على فضل ذيله ... وشالت شمالي زايل الضّبّ باطله

فأصبح محنوذاً نضيجاً وأصبحت ... تمشّي على القيزان حولاً حلائله

شديد اصفرار الكشيتين كأنما ... تطلّى بورسٍ بطنه وشواكله

فذلك أشهى عندنا من نتاجكم ... لحى اللّه شاريه وقبّح آكله

للفرزدق يعيّر بني أسد بأكل الكلاب وبنو أسدٍ تعيّر بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق:

إذا أسديّ جاع يوماً ببلدةٍ ... وكان سميناً كلبه فهو آكله

لآخر يعير بني أسد بأكل لحوم الناس وتعيّر أيضاً بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر:

إذا ما ضفت ليلاً فقعسيّاً ... فلا تأكل له ابداً طعاما

فإنّ اللحم إنسانٌ فدعه ... وخير الزاد ما منع الحرام

لرجل في قوم يأكلون الحيات قال رجل: كنت بالبادية فرأيت ناساً حول نارٍ، فسألت عنهم فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها ويأكلونها.فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّةً من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدّها كما يمدّ عصيب لم ينضج، فما صرفت بصري عنه حتّى لبج به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي: عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمّها النار.

بين أعرابي وأولاده يصفون لحماً قال رجل من الأعراب لولده: إشتروا لي لحماً.فاشتروه فطبخه حتى تهرّي، وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحداً منكم إلا من أحسن وصف أكله؛ فقال الأكبر منهم: آكله يا آبت حتى لا أدع للذةٍ فيه مقيلا. قالك لست بصاحبه. فال الآخر: آكله حتى لا يدري ألعامه هو أم لعامٍ أوّل. قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقّه يا أبت دقّاً وأجعل إدامه المخّ. قال: أنت صاحبه، هو لك.

شعر لأعرابي سقط بعيره فذبحه وأكله بينا أعرابيّ يسير وهو يوضع بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ يقول:

إن السّعيد من يموت جمله ... يشبع لحماً ويقلّ عمله

شعر لسلولي سكر فذبح بعيره ومرّ رجلٌ من سلول بفتيانٍ يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى بعيره فنحره، وقال:

علّلاني إنما الدّنيا علل ... ودعاني من ملامٍ وعذل

وأنشلا ما أغبرّ من قدريكما ... واسقياني أبعد اللّه الجمل

آداب الأكل والطعاممن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " الأكل في السّوق دناءةٌ " وعن عبد الرحمن بن عراكٍ قال: بلغني أنه من غسل يده قبل الطعام كان في سعة من الرّزق حتى يموت.

للحسن في الوضوء قبل الطعام وبعده عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللّمم سمرة بن جندب

 

وعنه قال: قيل لسمرة بن جندبٍ: إنّ أباك أكل طعاماً كاد يقتله. قال: لو مات ما صلّيت عليه.

لأبي الدرداء وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدّرداء: بئس العون على الدّين قلبٌ نخيب، وبطنٌ رغيب، ونعظٌ شديدٌ.

بين الجارود وعمر أكل الجارود مع عمر طعاماً ثم قال: يا جارية هات الدّستورد. فقال عمر: امسح باستك أوذر.

نصيحة فرقد السبخي لأصحابه قال جعفر: كنا نأتي فرقداً السّبخيّ ونحن شببةٌ فيعلمنا: إن من ورائكم زماناً شديداً، فشدّوا الأزر على أنصاف البطون، وصغّروا اللّقم، وشدّدوا المضغ، ومصوا الماء مصّاً. وإذا أكل أحدكم فلا يحلّنّ إزاره فتتّسع أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخديه، وإذا فرغ فلا يقعد وليجئ وليذهب؛ واحتموا فإن من ورائكم زماناً شديداً.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ساقي القوم آخرهم شرباً " طعام عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا الشيخ؟ - يعني عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر - ؛ فقلت: أيّهاً واللّه؛ فقال: حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكّيتاً، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدّثناه أحسن الإستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبّازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك؟ فيقول: بطّةٌ بكذا، ودجاجةٌ بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك؟ قلت: كي يحبس كلّ إنسانٍ نفسه إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان خوّى تخوية الظليم فما له إلا موضع متّكئه فيجدّ ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلّوا أكل معهم الجائع المقرور حتى ينشّطهم بأكله.

ما يستحب أن يجتمع للطعام وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربعٌ كمل: أن يكون حلالاً، وأن تكثر عليه الأيدي، وإن يفتح باسم اللّه، ويختتم بحمد اللّه.

وكان يقال: سمّوا إذا أكلتم ودنّوا وسمتّوا أبرويز لصحابي طعامه وشرابه قال أبرويز لصحابي طعامه وشرابه: إنّي سلّطتكما على المعيشة، وأشركتكما في الحياة، وجعلتكما أمينين على نفسي، وولّيتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة فيه مروءةٌ والتضييق فيه دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من سواي، وفي كثرته ككثرة من معي على من مع غيري. ولا يشهدنّ طعامي الذي آكل عينٌ تراه ولا نفسٌ تحسّه ولا يدٌ تداوله خلا نفساً واحدةً؛ وإنما أفردته بذلك لتستحكم الحجّة فيه على من أضاع، وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل ولأجعل صاحب ذاك رهناً بدم نفسه إن هو قصّر في صنعه أو أوقع بغائلةٍ.

إبراهيم بن صالح وحب الرمان الأصمعيّ قال: حدذثني إبراهيم بن صالح: أنه كانم له جامٌ من حبّ رمّانٍ مدقوقٍ يسفّ منه بين كل لونين ملعقةً حتى يعرف اختلاف الألوان.

أبو عبد الرحمن الثوري وولده وفيما أجاز لنا عمرو بن بحرٍ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثّوريّ يقعد ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم الصبيان وأخلاق النوائح، و " دع عنك " خبط الملاّحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة، وكل من بين يديك؛ فإنّ حظّك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريفٌ أو لقمةٌ كريمةٌ أو بضعة شهيّةٌ، فإنما ذلك للشيخ المعظّم والصبيّ المدلّل، ولست واحداً منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب الولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريبٌ، وإخوانك أشدّ قوماً إليك منك، وإنما هو رأس واحدٌ، فلا عليك أن تتجافى عن بعضٍ وتصيب بعضاً. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم؛ فإن اللّه يبغض أهل البيت اللّحمين.

وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.

ورأى رجلاً يأكل لحماً، فقال: لحمٌ يأكل لحماً، أفٌ لهذا عملاً؟؟؟؟؟؟؟ وكان عمر يقول: إيّاكم وهذه المجازر، فإنّ لها ضراوةً كضراوة الخمر.

يا بنيّ عودّ نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوى، ولا تنهش نهش السّباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النّعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن اللّه تعالى جعلك إنساناً وفضّلك، فلا تجعل نفسك بهيمةً ولا سبعاً. واحذر سرعة الكظّة وسرف البطنة.

قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعدّ نفسك من الزّمني. وقال الأعشى:

.....................والبط ... نة ممّا تسفّه الأحلاما

 

واعلم أنّ الشّبع داعية البشم، وأن البشم داعية السّقم، وأنّ السقم داعية الموت، فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتةً لئيمةً، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره.

يا بنيّ، واللّه ما أدّى حقّ الركوع والسجود ذو كظمة، ولا خشع للّه ذو بطنة، والصوم مصحّة، والوجبات عيش الصالحين.

أي بنيّ، لأمرٍ مّا طالت أعمار الهند، وصحّت أبدان الأعراب. فللّه در الحارث بن كلدة حيث يزعم أنّ الدواء هو الأزم، وأنّ الداء إدخال الطعام إثر الطعام.

أي بنيّ، لم صفت أذهان الأعراب، وصحّت أبدان الرّهبان، مع طول الإقامة في الصوامع حتى لم تعرف النقّرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلّة الرّزء وخفّة الزاد. وكيف لا ترغب في تدبيرٍ يجمع لك صحّة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعي، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة؟! أي بنيّ، لم صار الضبّ أطول شيء ذماءً إلا أنه يتبلّغ بالنسيم؛ ولم قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم إنّ الصوم وجاء إلاّ ليجعله حجازاً دون الشهوات. إفهم تأديب اللّه، فإنه لم يقصد به إلاّ إلى مثلك.

أي بنيّ، قد بلغت تسعين عاماً ما نغص لي سنّ، ولا انتشر لي عصبٌ، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ ما لذلك علّةٌ إلاّ التخفيف من الزاد. فإن كنت تحبّ الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد الموت فلا يبعد اللّه إلاّ من ظلم نفسه.

أبو نهشل وابنته، ثم ابنه وقال أبو نهشل: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفّاً كأنها طلعة، في ذراع كأنه جمّارة، فلا تقع عينها على أكلة نفسية إلا خصّتني بها، فزوّجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابناً لي فيبرز كفّاً كأنه كرنافة في ذراع كأنه كربة، فواللّه ما تسبق عيني إلى لقمة طيّبة إلاّ سبقت يده إليها.

وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي.سس عمرو بن العاص لمعاوية يوم التحكيم قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكّم الحكمان: أكثروا الطعام، فواللّه ما بطن قومٌ قطّ إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطيناً.

وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.

الأصمعيّ قال: كان يقال: ليس لشعبة خير من جوعة تحفزها.

بين عبد الملك ورجل دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلاً فقال: ما فيّ فضل. فقال عبد الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.

وقال لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.

للحسن وقال الحسن: إنّ ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع.

عبد الملك وأبا الزعيرة وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتّخمت قطّ؟ قال لا؛ قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دقّقنا، ولا نكظّ المعدة ولا نخليها.

للأحنف وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لبطنه وفرجه، وإنّ من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.

للأصمعي الأصمعيّ قال: بلغني أنّ أقواماً لبسوا المطارف العتاق، والعمائم الرّقاق؛ وأوسعوا دورهم،وضيّقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابّهم، وهزّلوا دينهم؛ طعام أحدهما غصب، وخادمه سخرة، يتّكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا أدركته الكظّة قال: يا جارية هاتي حاطوماً؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك! أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما أمرك اللّه به! أين أين!.

لبعض الحكماء في صلاح الأمور قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام لا يؤكل ألاّ على شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل.

من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من أكل من سقط المائدة عاش في سعةٍ وعوفي في ولده وولد ولده من لحمق " .

وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأس؟ قال نعم، أبخص عينيه، وأسحى، خدّيه، وأفكّ لحييه،، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج منّي إليه. وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك يقول قائلهم: أنّا من قبيلة تبقي المخّ في الجماجم.

دعبل لابنه دعبل قال: يا بنيّ لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقبريبٌ من الجواعر.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

 

إذا لم أرى إلاّ لآكل أكلةً ... فلا رفعت يمنى يديّ طعامي

فما أكلةٌ إن نلتها بغنيمةٍ ... ولا جوعةٌ إن جعتها بغرام

للأصمعي عبد الملك بن عمير عن عمه عن الأصمعيّ قال: لا تخرج يا بنيّ من منزلك حتى تأخذ حلمك. يعني حتى تتغذىّ.

وقال هلال بن جشم:

وإنّ قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها

وصية رجل لولده وقرأت في الآيين: أن رجلاً من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال: إذا أكلت فضمّ شفتيك، ولا تتلفّتنّ يميناً وشمالاً. ولا تّتخذنّ خلالك قصبا. ولا تلقمنّ بسكّين أبداً، وإذا كان في يدك سكّين وأوردت التقاماً فضعها على مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسنّ منك وأرفع منزلة. ولا تتخلّل بعود آس. ولا تسمح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم ولا تحفر أرضاً بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على أسكفّة فتجهّل، ولا تستنج بمدر فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع امتخاطك، ولا تبصق في الأماكن المنظّفة.

بين معاوية ورجل يؤاكله وأجلس معاوية على مائدته رجلاً يؤاكله، فأبصر في لقمته شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك. فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر الشعرة في لقمتي! واللّه لا أكلت معك أبداً! ثم خرج الاعرابيّ وهو يقول:

وللموت خيرٌ من زيارة باخلٍ ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد

دعاء لسعيد بن جبير وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قالك اللهمّ أشبعت وأوريت فهنّئنا، وأكثرت وأطبن فزدنا.

الجوع والصومقيل لبعض الحكماء: أيّ الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.

وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله.

نصيحة لقمان لابنه قال لقمان لابنه يا بنيّ، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش. يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام.

شعر لأعرابي إشتاق أعرابيّ بالبصرة إلى البادية فقال:

أقول بالمصر لمّا ساءني شبعي ... ألا سبيل إلى أرضٍ بها جوع

ألا سبيل إلى أرضٍ بها عرسٌ ... جوعٌ يصدّع منه الرأس برقوع

وقال آخر:

وعادة الجوع فاعلم عصمةٌ وغنىً ... وقد يزيدك جوعاً عادة الشّبع

بين العتبي وبدوي العتبيّ قال: قلت لرجلٍ من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من " أن " فقهاءكم أظرف من فقهائنا، وعوامّكم أظرف من عوامّنا، ومجانينكم أظرف من مجانينا، قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت لا قال: " من " الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلوّ جوفه!.

لبعض حكماء الروم وقيل لبعض حكماء الرّوم: أيّ وقت الطعام فيه أطيب وأفضل؟ قال: أمّا لمن قدر فإذا جاع، وأمّا لمن لم يقدر فإذا وجد.

لأعرابي في هلال شهر رمضان ونظر أعرابيّ إلى قومٍ يلتمسون هلال شهر رمضان، فقال: أما اللّه لئن أثرتموه لتمسكنّ منه بذنابي عيشٍ أغبر.

وقيل لآخر: ألا تصوم البيض من شعبان! فقال: بين يديها ثلاثون كأنها القباطيّ.

لمدنيّ في السحور وقيل لمدنيّ: بم تتسحّر الليلة؟ فقال: باليأس من فطور القابلة.

الرّياشيّ قال: قيل لأعرابيّ: إشرب. فقال: إني لا أشرب على ثميلة. وقال:

إذا لم يكن قبل النبيذ ثريدة ... مبقّلةٌ صفراء شحمٌ جميعها

فإنّ النبيذ الصّرف إن كان وحده ... على غير شيءٍ أوجع الكبد جوعها

لأعرابي في شهر رمضان قدم أعرابيّ على ابن عمٍّ له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: أبا عمرٍ ولقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام. قال: أبا لليل أم النهار؟ قالوا: لا بل بالنهار. قال: أفيرضون بدلاً من الشهر؟ قالوا لا قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس. فصام أياماً فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول:

يقول بنو عمّي وقد زرت مصرهم ... تهّيأ أبا عمرٍ ولشهر صيام

فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي ... سلامٌ عليكم فاذهبوا بسلام

فبادرت أرضاً ليس فيها مسيطرٌ ... عليّ ولا منّاع أكل طعام

وأدرك أعرابيّاً شهر رمضان فلم يصم؛ فعذلته امرأته في الصوم، فزجرها وأنشأ يقول:

أتأمرني بالصّوم لا درّ درّها ... وفي القبر صومٌ يا أميم طويل

 

***********************************************

 

 

ج6.. كتاب : عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري

 

 

عبد اللّه بن الزبير والصيام دعا عبد اللّه بن الزبير الحسين فحضر وأصحابه، فأكلوا ولم يأكل؛ فقيل له: ألا تأكل! فقال: إنّي صائمٌ، ولكن تحفة الصائم قيل: وما هي؟ قال: الدّهن والمجمر.

أخبار من أخبار الأكلةالأصمعيّ قال: قال رجلٌ: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، وسرماً نثوراً.

لأنس بن مالك عن إسحاق بن عبد الّه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقي إليه لصلع من التمر فيأكله حتى حشفه.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

همّ الكريم كريم الفعل يفعله ... وهمّ سعدٍ بما يلقي إلى المعدة

لرجل سمين وقيل لرجل رئي سميناً: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحارّ، وشربي القارّ، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي.

وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلّة الفكرة، وطول الدّعة، والنّوم على الكظّة.

الحجاج والغضبان بن القبعثري قال الحجّاج للغضبان بن القبعثري في حبسه ما أسمنك؟ قال: القيد والدّعة، ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن.

وقال آخر لرجل رآه سميناً: أرى عليك قطيفةً من نسج أضراسك.

وقيل لآخر: إنك لحسن الشّحمة ليّن البشرة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بدهن البنفسج، وألبس الكتّان.

طعام ميسرة الأكول قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال غيري؟ قالوا: من مالك قال: دونان. قالوا: فمن مال غيرك؟ قال: اخبز واطرح.

والعرب تقول: " العاشية تهيج الآبية " . يريدون أنّ الذي لا يشتهي أن يأكل إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.

جرير يهجو بني الهجيم قال جرير:

وبنو الهجيم سخيفةٌ أحلامهم ... ثطّ اللّحى متشابهو الألوان

لا يسمعون بأكلةٍ أو شربةٍ ... بعمان أصبح جمعهم بعمان

متأبطين بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كلّ دخان

بين المغيرة ورجل يؤاكله قعد رجلٌ على مائدة المغيرة وكان منهوماً وجعل ينهش ويتعرّق، فقال المغيرة: ناولوه سكّيناً. فقال الرجل: كلّ امرىءٍ سكّينه في رأسه.

لأعرابي في اللحم وقيل لأعرابيّ: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاغن والثريد باقٍ.

وقيل لآخر: ما تسمعون المرق؟ قال: السّخين. قال: فإذ برد؟ قال: لا ندعه يبرد نهم هلال بن أسعر وزوجته قال أبو اليقظان: كان هلال بن أسعر التّميميّ، من بني دارم بن مازن شديداً أكولاً؛ يزعمون أنه أكل جملاً إلا ما حمل على ظهره منه، وأكل مرةً فصيلاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقال: كيف تصل إليّ وبننا بعيران! أيضاً في نهم هلال بن أسعر الأصمعيّ قال: دعا عبّاد بن أخضر هلال بن أسعر إلى وليمةٍ، فأكل مع الناس حتى فرغوا ثم أكل ثلاث جفانٍ تصنع كلّ جفنةٍ لعشرة أنفسٍ؛ فقال له: شبعت؟ قال: لا؛ فأتوه بكل خبزٍ في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى الجيران؛ فلّما اختلفت ألوان الخبز علم أنه قد أضرّ بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في تمر شهريزٍ ولبنٍ؟ فأتوه به فأكل منه قواصر؛ فقالوا له: أشبعت؟ قال: لا؛ قالوا: فهل لك في السّويق؟ قال: نعم؛ فأتوه بجرابٍ ضخم مملوء؛ فقال: هل عندكم نبيذٌ؟ قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تورٌ تغتسلون فيه من الجنابة؟ فأتي به فغسله وصبّ السّويق فيه وصبّ عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني.

نهم سليمان بن عبد الملك

 

الشّمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد عرفت شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز " وأيوب ابنه بستاناً لعمرو؛ قال: فجال في البستان ساعةً ثم قال " : ناهيك بمالكم هذا " مالاً " لاولا جرارٌ فيه! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرارٍ ولكنها جرب الزّبيب. فجاء حتى أقلى صدره على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى واللّه! إن عندي لجدياً تغدو عليه بقرةٌ وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكّةٌ، وتشمّر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذاً. فقال: يا أبا حفصٍ هلمّ؛ قال: إنّي صائمٌ؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى واللّه! دجاجاتٌ ستٌ كأنهن رئلان النّعام. فأتيته بهنّ، فكان يأخذ رجل الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها " بفيه " حتى أتى عليهنّ: ثم قال: ويلك! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى واللّه! إن عندي لحريرةً كقراضة الذّهب. فقال: اعجل بها؛ فأتيته بعسٍّ يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقّمها بيده ويشرب، فلما فرغ تجشّأ كأنه صاح في جبّ؛ ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم. قال: وما هو؟ قال: نيفٌ وثمانون قدراً،؛ قال: فأتني بها قدراً قدراً؛ فأتاه به وبقناع عليه رقاقٌ؛ فأكثر ما أكل من قدرٍ ثلاث لفمٍ وأقلّ ما أكله لقمةٌ، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل يأكل مع الناس.

الخطّابيّ عن الدّيرانيّ أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال: لما استخلف سليمان قال لي: لا تقطع عنّي ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أت أستخلف. فأتيته بزنبيلين أحدهما بيضلإ والآخر تينٌ؛ فقال: لقّمنيه، فجعلت أقشر البيضة وأقرنها بالتينة حتى أكل الزّنبيلين.

طعام عبيد اللّه بن زياد العتبي عن أبيه قال: كان عبيد اللّه بن زياد يأكل كلّ يومٍ أربع جرادق أصبهانية وجبناً قبل غدائه.

طعام الحجاج وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعاً وثمانين لقمةً رغيفٌ من خبز لماء فيه ملء كفّه سمكٌ طريٌ.

معاوية وعبد الرحمن بن أبي بكرة وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكولٌ؛ فقال له " معاوية " : مافعل ابنك التّلقامة؟ قال: اعتلّ. قال: مثله لا يعدم علّةً.

لأبي الأسود أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابياً فرأى له لقماً منكراً؛ فقال له: ما اسمك؟ قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان.

مساور الوراق وابن أبي ليلى ولد لابن أبي ليلى غلامٌ فعمل الأخبصة للجيران، فلما أكلوا قام مساورٌ الورّاق فقال:

من لا يدسّم بالثريد سبالنا ... بعد لثّريد فلا هناه الفارس

وقال العجيف في أمه:

يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... إمّا إلى جنّة إمّا إلى نار

ليست بشعبى وإن أسكنتها هجراً ... ولا بريّاً ولو حلّت بذي قار

تلّهم الوسق مشدوداً أشظّته ... كأنما وجهها قد طلي بالقار

خرقاء في الخير لا تهدي لوجهته ... وهي صناع الأذى في الأهل والجار

لأبي الحارث جميز رأى أبو الحارث جميّزٌ سلّةُ بين يدي رجلٍ من الملوك، فقال له: جعلت فداك، أيّ شيء في تلك السّلّة؟ فقال: بظر أمّك. قال: فأعضّني به.

نهم الحارثيّ قيل للحارثيّ: لم لا تأكل الناس؟ فقال: لو لم تأكل أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي عن الأسواريّ لتركتها، ما ظنّكم برجل نهش بضعة لحم بقرٍ فانقلع ضرسه وهو لا يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت عيناه وسكر وسدر وتربّد وجهه وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر وتناول القطعة منه كجمجمة الثّور كدمها كدماً، ونهشها طولاً وعرضاً، ورفعاً وخفضاً، حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضّه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنواةٍ قطّ، ولا نزع قمعاً ولا نفى عنه قشراً، ولا فتّشه مخافة السوس والدود.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

تبيت تدهده القرّان حولي ... كأنك عند رأسي عقربان

فلو أطعمتني حملاً سميناً ... شكرتك والطعام له مكان

وقال بعض الأعراب:

وإنّ طعاماً ضمّ كفيّ وكفّها ... لعمرك عندي في الحياة مبارك

 

فمن أجلها أستوعب الزاد كلّه ... ومن أجلها أهوي يدي فأدارك

وقال آخر:

عريض البطان جديد الخوان ... قريب المراث من المرتع

فنصف النهار لكرياسه ... ونصفٌ لمأكله أجمع

لأعربي في عسل قصب السكر الأصمعيّ قال: قيل لأعرابيّ: ما يعجبك من هذا القند؟ قال: يعجبني خضده وبرده قال الأصمعيّ: الخضد: المضغ والأكل الشديد خالد بن صفوان وجاريته قال خالد بن صفوان يوماً لجريته: يا جارية، أطعمينا جبنً، فإنه يشهيّ الطعام ويهيج المعدة، وهو يعدّ من حمض العرب، قالت: ما عندنا منه شيء. قال: لأعلمك إنه واللّه ما علمت ليقدح في الأسنن ويستولي على البطن وأنه من طعام أهل الذمّة.

كان يقل: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة.

شعر لبعض الظرفاء وقال بعض الظرفاء:

زرعنا فلما سلّم اللّه زرعنا ... وأوفى عليه منجلٌ بحصاد

بلينا بكوفّي حليف مجاعةٍ ... أضرّ علينا من دبي وجراد

من حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " من دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه ورسوله " عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإنّ ذلك له إذنٌ " ابن عمر وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام وهو صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم اللّه فإني صائم للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأتي بطعام فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه. فقال: " لا تجمعنّ كذباً وجوعاً " لعلي بن أبي طلب رضي اللّه عنه دعا رجل عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى طعام، فقال: نأتيك على ألاّ تتكلّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عن ما عندك.

وكان يقول: شرّ الإخوان من تكلّف له.

من آداب الدعوة دعا رجل رجلاً إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد، فلعل تقصيراً فيم أحبّ بلوغه. فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلّف.

بين إسحاق لموصلي والزبير بن دحمان قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أتني الزبير بن دحمان يوماً فسألته أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إليّ الفضل بن الربيع وليس يمكنني التخلّف عنه. فقلت له:

أقم يا أبا العواّم ويحك نشرب ... ونله مع اللاّهين يوماً ونطرب

إذا ما رأيت اليوم قد خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب

وقال بعض المحدثين:

نحن قوم متى دعينا أجبنا ... ومتى نلس يدعنا التطفيل

ونقل علّنا دعينا فغبنا ... وأتانا فلم يجدنا الرسول

نصيحة طفيل العرائس لأصحابه كان طفيل العرائس الذي ينسب إليه الطّفيليونّ يوصي أصحابه فيقول لأحدهم: إذا دخلت عرساً فلا تتلّفت تلّفت المريب، وتخّير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل على أنها العقدة التي تشغل. وإن " كان " العرس كثير الزحام فمر وأنه ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من هؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان البوّاب غليظاً وقاحاً فأبدأ به ومره وانهه من غير أن تعنّف عليه، وعليك بكلام بين النصيحة والإدلال.

عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت عليّ وإلا فدعني.

شعر لطفيلي ومن أشعار الطّفيلين:

دعوت نفسي حين لم تدعني ... فالحمد لي لا لك في الدعوة

وقلت ذا أحسن من موعدٍ ... إخلافه يدعو إلى جفوه

وقال آخر:

إذا جاء ضيفّ جاء للضيف ضيفن ... فأودي بما تقرى الضيوف الضّيافن

شعر لإسحاق الموصلي وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:

نعم الصديق صديقٌ لا يكلّفني ... ذبح الدّجاج ولا شىءّ الفراريج

يرضي بلونين من كشك ومن عدس ... وإن تشهّى فزيتون بطسّوج

لسعيد بن أسعد الأنصاري كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليّاً؛ فإذا كانت وليمةٌ سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك فقال: إني أبادر برد الماء، وصفو لقدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، وغفلة الذّبّان، وجفاف المنديل.

لطفيلي

 

وقيل لبعض الطفيليّين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفةٍ.

باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعاممن حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم في حق الضيف عن المقدام أبي كريمة أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلميقول: " أيّما مسلم ضافه قومٌ فأصبح الضيف محروماً كان له على كلّ مسلم نصره حتى يأخذ بقربى ليلته من زرعه وماله " .

لأبي هريرة روى ابن العجلان عن أبيه قال: قال أبو هريرة: إذا نزلت برجل ولم يقرك فقاتله.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أنس قال: قال رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم: " الخير أسرع إلى مطعم الطّعام من الشّفرة في سنام البعير " .

الحسن وداود داود قال: قلت للحسنك إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر. قال: ليس في الطعام سرفٌ.

للثوري وقال الثوريّ: ليس في الطعام ولا في النساء سرفٌ.

من حديث النبي صلى الّله عليه وسلم، ثم لابن عباس عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : " إنّ من السّنّة أن يمشي الرجل مع ضيفه إلى باب الدار " .

عن عبد الرحمن بن عباس قال: رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخبّاز درهماً.

في قرى الضيف الأصمعيّ قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟ قال: بأنا لا نتكلّف ما ليس عندنا.

عن بعض النّساك قال: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً.عن عون بن عبد اللّه قال: ضلّ رجلٌ صائمٌ في عام سنةٍ، فابتلي برجل عند فطره وقد أتي بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال: ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان؛ وألقى إليه الآخر. فلما أوى إلى فراشه آتاه آت فقال: سل. فقال: أسأل المغفرة. قال: قد فعل ذلك بك. قال: فإني أسأل أن يغاث الناس.

عن الحسن: أنّ رجلاً جهده الجوع، ففطن له رجلٌ من الأعيان، فلمّا أمسى أتى به رحله، فقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا؟ قالت: نعم. قال: فإذا قدّمت الطعام فادني إلى السراج كأنك تصلحيه فأطفئيه. ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج كأنّها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاريّ يضع يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛ فأطلع على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فلما أصبح الأنصاريّ صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفجر، فلما سلّم أقبل على الأنصاريّ وقال: " أنت صاحب الكلام الليلة؟ " ؛ ففزع الأنصاريّ وقال: أيّ كلامٍ يا رسول اللّه؟ قال: كذا وكذا - قوله لامرأته - قال: كن ذاك يا رسول اللّه. قال: " فواللّه لقد عجب اللّه من صنعكما الليلة " .

لعمر بن عبد العزيز الأصمعيّ قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريدٌ قال: هل رأيت في الناس العرسات؟ يعني الخصب للمسلمين.

وقيل لأعرابيّ كان في مجلس: فيم كنتم؟ قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يخور.

عذري يحدّث بما رأى في حضر المسلمين

 

بلغني أن محمد " بن خالد " بن يزيد بن معاوية كان نازلاً بحلب على الهيثم بن يزيد التّنوخيّ، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال: حدّث أبا عبد اللّه ما رأيت في حاضرة المسلمين من أعاجيب لأعراس. قال: نعم، ؤرأيت أموراً معجبة: منها أني رأيت قرية عاصم بن بكر الهلالّي، فإذا أنا بدورٍ متباينة، وإذا أخصاصٌ منظّمٌ بعضها إلى بعض ، وإذا بها ناس كثيرٌ مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكو بها ألوان الزّهر،فقلت لنفسي: هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ثم رجع إليّ ما عزب عنّي من عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك؛ فبينما أنا واقفٌ ومتعجّب أتاني رجل فأخذ بيدي " فأدخلني داراً قوراء " وأدخلني بيتاً قد نجّد في وجهه فرش قد مهّدت وعليها شابٌ ينال فروع شعره كتفيه، والناس حوله سماطان؛ فقلت في نفسي: هذا الأمير الذي يحكى لنا جلوسه وجلوس الناس حوله؛ فقلت وأنا ماثلٌ بين يديه: السلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه وبركاته؛ فجذب رجلٌ بيدي وقال: اجلس فإن هذا ليس بالأمير؛ فقلت: ومن هو؟ قال عروس؛ قلت: واثكل أمّاه! ربّ عروسٍ رأيت بالبادية أهون على أصحابه من هن أمّه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هناتٌ مدوّراتٌ من خشب وقضبان، أمّا ما خفّ فيحمل حملاً، وأمّا ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا وتحلّق القوم حلقاً حلقاً، ثم أتينا بخرقٍ بيضٍ فألقيت بين أيدينا، فظننتها ثياباً وهممت عندها أن أسأل القوم خرقاً أقطع منها قميصاً، وذلك أني رأيت نسجاً متلاحكاً لا تبين له سدىً ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو يتمزّق سريعاً وإذا هو " فيما زعموا " صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير من حلوٍ وحامضٍ وحارّ وبارد، فأكثرت منه وأنا لاأعرف ما في عقبه من التّخم والبشم. ثم أتينا بشرابٍ أحمر في عساس، فلما نظرت إليه قلت: لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني. وكان في جانبي رجل ناصح لي - أحسن اللّه جزاءه - كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابيّ، إنك قد أكثرت من الطّعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك - فلما ذكر البطن تذكرت شيئاً كان أوصاني به " أبي و " الأشياخ " من أهلي " قالوا: لا تزال حيّاً م دام شديداً " يعني البطن " فإذا اختلف فأوص - فلم أزل أتداوى به ولا أملّ من شربه، فتداخلني - نالك الخير - صلف لا أعرفه " من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، واقتدارٌ على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو شأوت الأسد لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي " بهتم أسنانه وهشم أنفه، وأهم أحياناً بأن أقول له: يابن الزنية؛ فينما نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين ربعةٌ: أحدهم قد علّق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة الوسط قد شبحت بالخيوط شبحاً منكراً، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون علها القرّ. ثم بدر الثاني فاستخرج من كمّه هنة " سوداء " كفيشلة الحمر فوضع طرفها في فيه فضرب فيها فاستتمّ بها أمرهم، ثم حسبعلى جحرة فيها فاستخرج منها صوتاً ملائماً مشاكلاً بعضه بعضاً " كأنه - علم اللّه - ينطق " . ثم بدر الثالث عليه عليه قميص وسخ وقد غرق شعره بالدّهن معه مرآتان فجعل يمري إحداهما على الأخرى مرياً. ثم بدر الرابع عليه قميصٌ قصير وسراويل قصير وخفّان أجذمان لا ساقين لهما، فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت: معتوه وربّ الكعبة! ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي، ورأيت الناس يحذفونه بالدراهم حذفاً منكراً. ثم أرسلت إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن وبقيت الأصوات تدور في آذاننا. وكان معنا في البيت شابٌ لا آبه له، فعلت الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء بخشبة عينها في صدرها فيه خويطاتٌ أربعة، فاستخرج من جنبها عوداً فوضعه على أذنه، ثم زمّ الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها وعرك آذانها حرّكها بمجسةٍ في يده، فنطقت وربّ الكعبة! وإذ هي أحسن قينة رأيتها قطّ، " وغنىً عليه " فاستخفنيّ في مجلسي حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت: بأبي أنت وأميّ! ماهذه الدابّة؟ " فلست أعرفها " للأعراب وما خلقت إلا حديثاً! فقال: يا أعرابيّ، هذا البربط الذي سمعت به فقلت: بأبي أنت وأمي! فما هذا الخيط الأسفل؟ قال: زير؛ قلت: فما الذي يليه؟ قال: مثنى؛ قلت: فالثالث؟ قال: المثلث؛ قلت: فالرابع؟ قال: ألبمّ؛ قلت: آمنت

 

باللّه أوّلاً وبالبم ثانياً.ه أوّلاً وبالبم ثانياً.

شعر للخريمي في إكرامه الضيف وقال الخريمي:

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحلّ جديب

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنّما وجه الكريم خصيب

مثله لأرطأة بن سهية، وغيره وقال أرطأة بن سهيّة:

وإنّي لقوامٌ إلى الضيف موهناً ... إذا أغدف السّتر البخيل المواكل

دعا فأجابته كلابٌ كثيرةٌ ... على ثقةٍ منّي بما أنا فاعل

وما دون ضيفي من تلادٍ تحوزه ... لي النفس إلا تصان الحلائل

آخر:

إذ نزل الأضياف كان عذوّراً ... على الأهل حتى تستقلّ مراجله

يقول: يسوّىء خلقه حتى يطعم أضيافه، لإعجاله إياهم ولخوف تقصيرٍ يكون منهم.

لدعبل وقال دعبل:

وإني لعبد الضيف من غير ذلةٍ ... وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد

وقال آخر:

لحافي لحاف الضّيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه الغزال المقنّع

أحدثه، إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع

وقال الفرزدق في العذافر:

لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها ... بأكثر خيراً من خوان عذافر

ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى ... وحلّ على خبّازه بالعساكر

بعدّة يأجوجٍ ومأجوج كلّهم ... لأشبعهم يوماً عداء العذافر

وقال مسكين الدارميّ:

ناري ونار الجار واحدةٌ ... وإليه قبلي تنزل القدر

ما ضرّ جاراً لي أجاوره ... ألاّ يكون لبابه ستر

بين أبي الرمكاء ورجل ضافه ضاف رجلٌ من كلب أبا الرّمكاء الكلبيّ، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى " أبي " الرّمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال الرجل: ألا تسقون ضيفكم؟ فقال أبو الرّمكاء: ما فيها فضل. فاستخرج الرجل ما عكمه من طعام وقال: هل من رحىً؟ فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته فنفضها، فإذا رسول أبي الرمكاء يقول: يقول لك أبو الرمكاء: لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل: ما فيها فضل. ثم أكل وارتحل ، وقال:

بات أبو الرمكاء لم يسق ضيفه ... من المحض ما يطوي عليه فيرقد

فقمت إلى حنّانةٍ فوق أختها ... ونارٍ وباتت وهي تورى وتوقد

فلما نفضت الخبز بالعود أقبلت ... رسائل تشكو الجوع والحيّ سهّد

وقال أبو الرمكاء بالخبز عهده ... قديمٌ له حولٌ كريب مطّرد

فقلت ألا لا فضل فيها لباخلٍ ... ولا مطمعٌ حتى يلوح لنا الغد

فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها ... يئن كما أنّ السليم المسهّد

أعرابي يصف قوماً بخلاء ذكر أعرابيّ قوماً فقال: ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان، فيهلّ عليهم الضّيفان.

لبعضهم وغيره في البخلاء وقال بعضهم في ذلك:

أقاموا الدّيدبان على يفاعٍ ... وقالوا لا تنم للدّيدبان

فإن أبصر شخصاً من بعيدٍ ... فصفّق بالبنان على البنان

تراهم خشية الأضياف خرساً ... يصلّون الصلاة بلا أذان

وقال زياد الأعجم:

وتكعم كلب الحي من خشية القرى ... وقدرك كالعذراء من دونها ستر

وقال آخر:

وإني لأجفو الضيف من غير عسرة ... مخافة أن يضرى بنا فيعود

وقال آخر:

أعددت للضيفان كلباً ضارياً ... عندي وفضل هراوةٍ من أرزن

ومعاذراً كذباً ووجهاً باسراً ... متشكياً عض الزمان الألزن

رأى رجلٌ الحطيئة وبيده عصا؛ فقال: ما هذه؟ قال: عجراء من سلم، قال: إني ضيف. قال: للضيفان أعددتها.

وقال آخر:

وأبغض الضيف ما بي جلّ مأكله ... إلا تنفخه حولي إذا قعدا

ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا

حميد الأرقط يذكر ضيفاً وقال حميدٌ الأرقط يذكر ضيفاً:

إذا ما أتانا وارد المصر مرملاً ... تأوب ناري أصفر العقل قافل

 

فقلت لعبدي اعجلا بعشائه ... وخير عشاء الضيف ما هو عاجل

فقال وقد ألقى المراسي للقرى ... أبن لي ما الحجاج بالناس فاعل

فقلت ما لهذا طرقتنا ... فكل ودع الأخبار ما أنت آكل

تجهّز كفّاه فيحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمّت عليه الأنامل

أتانا ولم يعدله سحبان وائلٍ ... بياناً وعلماً بالذي هو قائل

فما زل منه اللقم حتى كأنه ... من العيّ لما أن تكلّم باقل

وقال أيضاً في نحو ذلك:

ومرملين على الأقتاب برهم ... حقائب وعباءٌ فيه بعرين

مقدمين أنوفاً في عصائبهم ... هجناً، ألا جدعت تلك العرانين

يسطرون لنا الأخبار إذ نزلوا ... وكلّ ما سطروا للقم تمكين

باتوا وجلتنا الصهباء بينهم ... كأن أظفارهم فيها سكاكسن

فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم ... وليس كلّ النوى تلقي المساكين

وقال أيضاً في نحو ذلك:

وعاوٍ عوى والليل مستحلس الندى ... وقد ضجعت للغور تالية النجم

فسلّم تسليم الصّديق ولم يكن ... صديقاً لنا إلاليأنس باللقم

فقلت له والنار تأخذ صدره ... لقمت لسمتٍ أم سريت على علم

لبعض الرجاز وقال بعض الرجاز:

برّح بالعينين خطّاب الكثب ... يقول إني خاطبٌ وقد كذب

وإنما يطلب عسّاً من حلب

وقال آخر:

إني لمثلكم من سوء فعلكم ... إن زرتكم أبداً إلا معي زادي

حماد عجرد يهجو حريثاً وقال حمّد عجرد:

حريثٌ أبو الصلت ذو خبرةٍ ... بما يصلح المعدة الفاسده

تخوّف تخمة أضيافه ... فعوّدهم أكلةً واحده

زياد وغيلان بن خرشة عن قتادة قال: قال زيادٌ لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها، لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها. فقال غيلان: حدّثني عمّي قال: توالت على العرب سنون تسعٌ في الجاهلية حطمت كل شيء، فخرجت على بكرٍ لي في العرب. فمكثت سبعاً لا أطعم شيئاً إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع إلى حواء عظيم، فإذا بيتٌ جحش عن الحيّ فعملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالةٌ حسّانةٌ، فقالت: من؟ قلت: طارق ليلٍ يلتمس القرى. فقالت: لو كان عندنا شيء لآثرناك به، والدّالّ على الخير كفاعله، حسّ هذه البيوت ثم انظر إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه. ففعلت حتى دفعت إليه، فرحب بي صاحبه وقال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى. فقال: يا فلان؛ فأجابه، فقال: هل عندك طعامٌ؟ فقال لا؛ فوالله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ منه. قال: فهل عندك شراب؟ قال لا؛ ثم تأوه فقال: بلى، قد بقّينا في ضرع الفلانة شيئاً لطارق إن طرقك. قال: فأت به. فأتى العطن فابتعثها. فحدّثي عمّي أنه شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجا وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان وكثرة ماله وولده، قال: فما سمعت شيئاً قطّ كان أشد من شخب تيك الاقة في تلك العلبة؛ حتى إذا ملأها " و " فاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرةٌ كجمة الشيخ، أقبل بها يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدّثني أنه أصيب بأبيه وأمّه وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبةٍ أعظم من ذهاب العلبة. فلما رأى ذلك ربّ البيت خرج شاهراً سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناماً ودفع إليه مدية وقال: يا عبد الله اصطل واحتمل. قال: فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم مسحت ما في يدي من إهالتها على جلدي وقد كا قحل عليّ عظمي حتى كنه شنٌّ، ثم شربت شربة ماءٍ وخررت مغشياً عليّ فما أفقت إلى السحر. وقطع زيادٌ الحديث وقال: لا عليك ألا تخبرنا بأكثر من هذا، فمن المنزول به؟ قلت: أبو علي عامر بن الطّفيل.

لبعض الشعراء يهجو قوماً قال بعض الشعراء يهجو قوماً:

وتراهم قبل الغداء لضيفهم ... يتخللون صبابةً للزاد

لآخر يهجو أبي المقاتل وقال آخر:

إستبق ودّ أبي المقا ... تل حين تأكل من طعامه

سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظمٍ من عظامه

 

فتراه من خوف النز ... يل به يرّوع في منامه

فإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه

وقال آخر:

صدّق أليّته إن قال مجتهداً ... لا والرغيف، فذاك البرّ من قسمه

قد كان يعجبني لو أنّ غيرته ... على جراذقه كانت على حرمه

إن رمت قتلته بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه

طعام أبي دلف قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف: كيف كان طعامه؟ قال: كان على مائدته رغيفا بينهما نقرة جوزةٍ؛ وقال:

أبو دلفٍ يضيّع ألف ألفٍ ... ويضرب بالحسام على الرغيف

أبو دلفٍ لمطبخه قتارٌ ... ولكن دونه ضرب السيوف

لأبي الشمقمق، ثم لدعبل

وقال أبو الشمقمق:

رأيت الخبز عزّ لديك حتى ... حسبت الخبز في جوّ السحاب

وما روحتنا لتذبّ عنا ... ولكن خفت مرزئة الذئاب

وقال دعبل:

إ من ضنّ بالكنيف على الضي ... ف بغير الكنيف كيف يجود!

ما رأينا ولا سمعا بحشٍّ ... قبل هذا لبابه إقليد

إ يكن في الكنيف شيء تخبّا ... ه فعندي إن شئت فيه مزيد

ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب الشعراء: بخل جعفر بن سليمان الهاشمي قال أبو محمد: شوي لجعفر بن سلمان الهاشمي دجاجٌ ففقد فخذٌ من دجاجةٍ فأمر فنودي في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر! والله لا أخبز في هذا التنور شهراً أو يردّ! فقال ابنه الأكبر: أتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!.

قال بعض الشعراء:

يا تارك البيت على الضيف ... وهارباً منه من الخوف

ضيفك قد جاء بخبزٍ له ... فارجع فكن ضيفاً على الضيف

أبو نواس وخبز إسماعيل وقال أبو نواس:

خبز إسماعيل كالوش ... ي إذا ما شقّ يرفا

عجباً من أثر الصن ... عة فيه كيف يخفى

إن رفاءك هذا ... أحذق الأمة كفّا

فإذا قابل بالنصر ... ف من الجردق نصفا

مثل ما جاء من التن ... ور ما غادر حرفا

أحكم الصنعة حتى ... لا يرى موضع إشفى

وله في الماء أيضاً ... عملٌ أبدع ظرفا

مزجه العذب بماء ال ... بئر كي يزداد ضعفا

فهو لا يشرب منه ... مثل ما يشرب صرفا

بين عبد العزيز بن عمران وبنت ابن هرمة عن عبد العزيز بن عمران قال: نزلت ببنت " ابن " هرمة فقلت: انحروا لا جزوراً؛ قالت: والله ما هي عندنا؛ قلت: فبقرة، قالت: لا؛ فشاة؛ قالت: لا، قلت: فدجاجة؛ قالت: لا؛ قلت: فأين قول أبيك:

لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل

قالت: ذاك أفناها. فبلغ ابن هرمة ما قالت، قال: أشهد أنها ابنتي، وأشهد أن داري لها دون الذكور من أولادي.

بخل ابن أبي فنن قال ابن أبي فنن:

لا أشتم الضيف ولكنني ... أدعو له بالقرب من طوق

بقرب من إن زاره زائرٌ ... مات إلى الخبز من الشوق

من أخبار البخلاء دخل على ابنٍ لرجلٍ من الأشراف داخلٌ وبين يديه فراريج، فغطّى الطبق بمنديله وأدخل رأسه في جيبه وقال للداخل عليه: كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من بخوري.

وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجلٍ قد تغدّى مع قومٍ ولم ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى. يريد كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح.

قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أيّ ابن زانيةٍ يأكل من هذا رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغدّيت اليوم؟ فإن قال نعم، قال: لولا أنك تفدّيت لغدّيتك بطعامٍ طّيب. وإن قال لا، قال: لو كنت تغدّيت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليلٌ ولا كثير.

بين أبي نواس وخراساني وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجلٍ من أهل خراسان: لم تأكل وحدك؟ قال: ليس عليّ في هذا الموضع سؤال، إنما السؤال على من آكل مع الجماعة، لأن ذاك تكلّف وأكلي وحدي هو الأكل الأصليّ.

بخل الحزاميّ

 

وكنّا عند داود بن أبي بواسط أيام ولايته كسكر، فأتته من البصرة هدايا، وكان فيها زقاق دوشابٍ فقسمها بيننا، فكلّنا أخذ ما أعطي، غير الحزاميّ، فأنكرنا ذلك وقلنا: إنما يجزع الحزاميّ من الإعطاءوهو عدوّه، فأما الآخذ فهو ضالّته وأمنيّته؛ فإته لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرّارات الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعاً عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، فتعسّر قليلاً ثم باح بسرّه وقال: وضيعته أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار؛ قلت: أوّل وضائعه احتمال ثقل السّكر؛ قال: هذا لم يخطر ببالي قطّ،، ولكن أوّل ذاك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سبباً لطلب العصيدة والارزّة والستندفود، فإن بعته فراراً من هذا البلاء صيّرتموني شهرة، وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء السّمن، ثم جذب السمن غيره، وصار هذا الدّوشاب علينا أضرّ من العيال؛ وإن أنا جعلته نبيذاً احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحبّ وإلى شراء الماء، وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن ولّيت ذلك الخادم اسودّ ثوبها وغّرمتنا ثمن الأشنان ولصابون، وازدادت في لطّعم على قدر الزيادة في العمل؛ فإن فسد ذهبت النفقة باطلاً ولم نستخلف منها عوضاً بوجه من الوجوه، لأن خلّ الدّاذيّ يخصب اللّحم ويغيّر الطّعم ويسوّد المرقة ولا يصلح " إلا " للاصطباغ. وإن سلم - وأعوذ باللّه - وجاد وصفا فلم نجد بدّا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ المعسّل، والدّجاج المسمّن، وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والرّيحان الغضّ، عند من لا يغيض ماله، ولا تنقطع مادّته، وعند من لا يبالي على أي قطريه سقط، مع فوت الحديث المؤنس والسّماع الحسن؛ وعلى أني إن جلست في البيت أشربه لم يكن بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحمٍ بدرهم، ونقلٍ بطسّوج، وريحانٍ بقيراط، ومن أبرارٍ للقدر وحطبٍ للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة وخروجٍ من العادة الحسنة. فإن كان النديم غير موافقٍ فأهل السجن أحسن حالاً مني، وإن كان موافقاً فقد فتح اللّه على مالي به باباً من التلّف، لأنه حينئذ يسير في مالي كسيري في مال غيري ممّن هو فوقي. فإذا علم الصديق أن عندي داذياً أو نبيذاً دقّ على الباب دقّ المدلّ، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء. وإن بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه " مني " من أكون عنده، فقد شاركت المسرفين، وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ واللّه تقدّست أسماؤه يقول: " إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين " ؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكتسب منّي؛ وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن أوكل ولا آكل! أعوذ باللّه من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور؛ ولو كان هذا في الحداثة أهون. هذا الدّوشاب دسيسٌ من الحرفة، وكيدٌ من الشيطان، وخدعةٌ من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة. ما أخوفني أن يكون أبو سليمان قد ملّني فهو يحتال لي الحيل!.

الحارثي

 

وحكي عن الحارثي أنه قال: الوحدة خيرٌ من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء؛ لأن كل أكيلٍ جليس وليس كل جليس أكيلاً؛ فإن كان لا بدّ من المؤاكلة ولا بدّ من المشاركة فمع من لايستأثر عليّ بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ السّلاّءة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركيّ، ولا ينتزع شاكلة الحمل، ولا يبتلع سرّة السمك، ولا يعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدّرّاج، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا " ما " بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة، ولا ينتهك استار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجوداً؛ فكيف تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسمنة، وإذا عاين بقريةً استولى على العراق والقطنة، وإن عاين بطن سمكةٍ اخترق كلّ شيء فيه، وإنأتوا بجنب شواءٍ اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سنٍّ لضعفه، ولا يرقّ على حدثٍ لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت الحال. وأشدّ من كل ما وصفناه أن الطبّاخ ربما أتى باللون الظريف الطّريف، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدّمه حارّاً ممتنعاً، وربما كان من جوهرٍ بطيء الفتور، وأصحابنا في سهولة ازدراد الحارّ عليهم في طبائع النّعام، وأنا في شدة الحارّ " عليّ " في طباع السّباع، فإن نظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحارّ ربما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم.

قال: وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالاً وأعدّ عدّةً، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت أن أطعم أبداً وتأكلوا أبداً، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما تحلبون حلباً لكم شطره.

لأبي ثمامة قال: كان أبو ثمامة أفطر ناساً وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال: إن اللّه لا يستحي من الحق، وكلّكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمّكم بالبرّ كنتم فيه سواءً ولم يكن بعضكم أولى به من بعضٍ؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس بعضكم أحقّ بالحرمان والإعتذار إليه من بعض، ومتى قرّبت بعضكم وفتحت بابي لهم وباعدت الآخرين، لم يك في إدخال البعض عذرٌ، ولا في منع الآخرين حجّة. فانصرفوا ولم يعودوا.

بخل محمد بن أبي المؤمل قال: وكان محمد بن أبي المؤمّل يقول: قاتل اللّه رجالاً كنّا نؤاكلهم، ما رأيت قصعةً رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضلٌ، وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين الموائد الرّفيعة، وإنما جعل كالقافية وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به سوءاً لقدّموه لتقع الحدّة به. ولذلك قال أبو الحارث جميّز حين رآه لا يمسّ: هذا المدفوع عنه.

ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويدعها كلّ واحدٍ لصاحبه، وأنت اليوم إذا أردت أن تمتّع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السّلاّءة لم تقدر على ذلك.

وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فولا أن اللّه أعان عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنّسل.

وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماءً أتاه بقلّة على قدر الرّيّ أو أصغر، وإذا قال: أطعمني شيئاً أو هات لفلان طعاماً، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة، والطعام والشّراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا على الخبز وزهدوا في الماء؛ ولناس أشدّ شيءٍ تعظيماً للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلاً في منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي والباقلاء الأخضر أطيب من كمّثرى خراسان والموز البستاني، وهذا الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن.

وكان يقول: لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتّخموا. وذلك أن الرجل لا يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئاً، لأنه ربما كان شبعان وهو لا يدري. وفي قول الناس:

 

ماءٌ دجلة مرأ من ماء الفرات، وماء مهران أمرأ من ماء " نهر " بلخ؛ وفي قول العرب: هذا ماءٌ نميرٌ يصلح عليه " المال " دليلٌ على أن الماء يمرىء؛ حتى قالوا: إن المء الذي يكون عليه النفّاطات أمرأ من الماء الذي تكون عليه القيّارات. فعليكم بشرب الماء على الغداء " فإنّ ذلك أمرأ " .

الثوريّ وعياله قال: وكان الثّوريّ يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرّطب وتعوّدوا ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشّحم؛ واعتبروا ذلك ببطون الصّفايا وجميع ما يعتلف النّوى. واللّه لو حملتم أنفسكم على قضم الشّعير واعتلاف القتّ لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل الناس القتّ قداحاً، والشّعير فريكاً، ونوى البسر الأخضر، ونوى العجوة؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه الشّاء، ولكني أقول هذا بالنظر لكم.

وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول: من كلني بقشوري فقد أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فإن آكله؛ فما حاجتكم " إلى " أن تصيروا طعاماً لطعامكم، وأكلاً لما جعل أكلاً لكم.

قال: وحمّ هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح قواتهم في تلك الأيام؛ ففرح وقال: لو كان في منزلي سوق الأهواز ونطاة خيبر رجوت أن أستفضل في كل سنة مائة دينار.

موسى بن جناح وجيرانه قال: ودعا موسى بن جناح جماعةً من جيرانه ليفطروا عنده " في شهر رمضان " ، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم: لا تعجلوا، فإنّ العجلة من عمل الشيطان. ثم وقف وقفةً ثم قال: وكيف لا تعجلون واللّه تعالى يقول: " وكان الأنسان عجولاً " . اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة والتبعّد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة: إذا مدّ أحدكم يده ليسقي ماءً فأمسكوا أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالاً: منها أنكم تنغّصون عليه في شربه، ومنها أنه إذ أراد اللّحاق بكم فلعلّه يتسرع إلى لقمةٍ حارّة فيموت، وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللّقم. ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لم تبدأ بأكل اللحم؟ قال: لأن اللّحم ظاعنٌ والثريد مقيمٌ. وأنا وإن كان الطعام طعامي فإني كذلك أفعل؛ فإذ رأيتم فعلي يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم. قال بعضهم: فربما نسي بعضنا فمدّ يده وصاحبه يشرب، فيقول له يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك: يا متغافل. قال: فأتانا بأرزّةٍ لو شء أحدنا أن يعدّ حباتها لعدّها، لتفرّقها وقلّتها، وهي مقدار نصف سكرّجة؛ فوقعت في فمي قعطةٌ، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتاً حين مضغتها، فقال: اجرش يا أبا كعب.

اللئيم الراضع قال: وكنّا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في الإناء لئلاّ يسمع صوت الحلب - وقال بعضهم: لئلا يضيع من اللبن شيءٌ - ثم رأيت أبا سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك: ارتضع من دنّ خلاّ حتى فني ولم يخرج منه شيء.

من أخبار الكندي قال: وكان الكنديّ لا يزال يقول للساكن من سكّاننا - " وربما قال " للجار - : إن في داري امراةً بها حبلٌ، والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر الطّيبة، فإذا طبختم فردّو شهوتها بغرفة أو بعلقة فإن النفس يردّها اليسير، وإن لم تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرّةٌ: عبدٌ أو أمة.

وقال بعضهم: نزلنا داراً بالكراء للكنديّ على شروط، فكان في شرطه على السكّان أن يكون له روث الدابّة، وبعر الشاة، ونشوار العلوفة؛ وألا يخرجوا عظماً ولا يخرجوا كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرّمان، والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته؛ وكان في ذلك يتنزّل عليهم، فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك.

من بخل سهل بن هارون

 

وقال دعبل: أقمنا يوماً عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بصحفةٍ عدمليّة فيها مرق لحم ديكٍ عاسٍ هرمٍ ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تخزّ فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، فاطّلع في القصعة وقلّب بصره فيها، فأخذ قطعة خبز يابسٍ فقلب بها جميع ما في الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقاً ساعةً، ثو رفع رأسه إلى الغلام وقال: أين الرأي؟ قال: رميت به؛ قال: ولم؟ قال: ما ظننت أنك تأكله " ولا تسأل عنه " ! قال: ولأيّ شيءٍ ظننت ذلك؟ فواللّه إني لأمقت من يومي برجله فكيف من يرمي برأسه! والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذي يتبرّك به، وفيه عينه التي يضرب بها المثل فيقال: " شراب كعين الديك " ، ودماغه عجبٌ لوجع الكلية، ولن ترى عظماً قطّ أهشّ من عظم رأسه؛ فإن كان من نبلٍ أنك لا تأكله فإنّ عندنا من يأكله. أو ما علمت أنه خيرٍ من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق! أنظر أين هو. قال: لا واللّه لا أدري أين هو، رميت به. قال: لكني أدري أنك رميت به في بطنك، واللّه حسبك.

لبعضهم في بخيلين وحكي عن رجل أنه قال: مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم جاراً له، فقلت: ما بالكما تختصمان؟ فقال " أحدهما " : لا واللّه إلا أنّ صديقاً لي زارني فاشتهى عليّ رأساً، فاشتريته وتغذّينا به وأخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمّل بها عند جيراني فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم أنه اشتراه.

أيضاً في البخل قال: وتناول رجل من بين يدي أميرٍ من الأمرء بيضةً وهو معه، فقال: خذها فإنها بيضة العقر. ولم يأذن له بعد ذلك.

قال: وقدّمت مائدة لرجلٍ عليها أرغفة على عدد الرؤوس ورغيفٌ زائد يوضع على الصّحاف، فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجلٍ إلى جانبه فقال: إكسر هذ الرغيف وفرّقه بينهم. فتغافل، فأعاد عليه، فقال: يبتلي على يد غيري.

من بخل المغيرة الثقفي قال المدائنيّ: كان المغيرة بن عبد اللّه الثقفيّ وهو على الكوفة جديٌ يوضع على مائدته بعد الطعام لا يمسّه هو ولا غيره، فقدم أعرابيٌ يوماً فأكل لحمه وتعرّق عظامه؛ فقال: يا هذا، أتطالب هذا البائس بذهل؟! هل نطحتك أمه! قال: وأبيك إنك لشفيق عليه! هل أرضعتك أمّه!.

بين زياد بن عبد اللّه الحارثي وأشعب قال المدائني: كان لزياد بن عبد اللّه الحارثي جديٌ لا يمسه " أحد " ، فعشّى في شهر رمضان قوماً فيهم أشعب، فعرض أشعب يوماً للجدي من بين القوم، فقال زياد حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمامٌ يصلّي بهم؟ قالوا: لا. قال: فليصلّ بهم أشعب. قال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: لا آكل لحم جدي أبداً.

المغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال: وكان المغيرة بن عبد اللّه الثّقفيّ يأكل وأصحابه تمراً فانطفأ السراج، وكانوا يلقون النّوى في طستٍ، فسمع صوت نواتين؛ فقال: من ذا يلعب بالكعبتين؟ شعر للأعشى، ولآخرين قال الأعشى:

تبيتون في المشتي ملاءً بطونكم ... وجاراتكم سغبٌ يبتن خمائصا

وقال آخر:

وضيف عمروٍ وعمروٌ ساهران معا ... فذاك من كظّةٍ والضيف من جوع

وقال آخر:

وجيرةٍ لا ترى في الناس مثلهم ... إذا يكون لهم عيدٌ وإفطار

إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تنضج النار

وقال سماعة بن أشول:

نزلنا بسهمٍ والسماء تلفّنا ... لحي اللّه سهماً ما أدقّ وألأما

فلما رأينا أنه عاتم القرى ... بخيلٌ ذكرنا ليلة لهضب كردما

فقمنا وحملنا على الأين والوجى ... جلالا بأوصال الرّديفين مرجما

يدقّ خراطيم القنان كأنما ... يدقّ بصوان الجلاميد حتما

فجئنا وقد باض الكرى في عيوننا ... فتىً من عيون النعرقين مسلماً

تناج إليه هجمةٌ واتكيّة ... رعت بالجواء البقل حولاً مجرّما

كأنّ بأحقيها إذا ما تنعّمت ... مزاداً سقا فيه المزوّد معصما

فبات رفيقي بعد ما ساء ظنّه ... بمنزلةٍ من آخر الليل مكرما

ولو أنها لم يدفع العيس زّمها ... رأى بعضها من بعض أنسائها دما

 

وقال حميد الأرقط:

ومستنبحٍ بعد الهدوء وقد جرت ... له حرجفٌ نكباء والليل عاتم

رفعت له مخلوطةً فاهتدى بها ... يشبّ لها ضوء من النار جاحم

فأطعمته حتى غدا وكأنما ... تنازعه في أخدعيه المحاجم

كزمهان يفطو المشي لو جعلت له ... رعايا الحمى لم يلتفت وهو قائم

حريصٌ على التسليم لو يستطيعه ... فلم يستطع لما غدا وهو عاتم

وقال الأعشى:

إذا حلّت معاوية بن عمرو ... على الأطواء خنّقت الكلابا

وقال آخر:

أيا بنة عبد اللّه وابنة مالكٍ ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد

إذا ما عملت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني غير آكله وحدي

بعيداً قصيّاً أو قريباً فإنني ... أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

وكيف يسيغ المرء زاداً وجاره ... خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد

وللموت خيرٌ من زيادة باخلٍ ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد

وقال مرّة بن محكان السّعدي:

فقلت لما غدوا أصي قعيدتنا ... غدّي بينك فلن تلفيهم حقبا

أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم ... وقد هجعت ولم أعرف لهخم نسبا

لحماد عجرد في بخيل وقال حمّاد عجرد:

زرت امرأً في بيته مرّةً ... له حياءٌ وله خير

يكره أن يتخم إخوانه ... إنّ أذى التّخمة محذور

ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصوم والصائم مأجور

مثله لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:

أبو نوحٍ نزلت عليه يوماً ... فغدّاني برائحة الطعام

وجاء بلحمٍ لا شيءٍ سمينٍ ... فقدّمه على طبق الكلام

فلما أن رفعت يدي سقاني ... مدامً بعد ذاك بلا مدام

فكان كمن سقى الظمآن آلا ... وكنت كمن تغدّى في المنام

لعروة بن الورد وقال عروة بن الورد:

إني امرؤٌ عافي إنائي شركةٌ ... وأنت امرؤٌ عافي إنائك واحد

أتهزأ منّي أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مسّ الحقّ والحقّ جاهد

أقسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأحسو قراحالماء والماء بارد

باب القدور والجفانالفرزدق وقدر ابن جبار ذكر الفرزدق عقبةً بن جبّار المنقري وقدره فقال:

لو أن قدراً من طول محبسها ... على الحفوف بكت قدر ابن جبّار

ما مسّها دسمٌ مذ فضّ معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار

وقال:

كأنّ تطلّع التّرعيب فيها ... عذارٍ يطّلعن إلى عذار

الكميت وقال الكميت:

كأنّ الغطامط من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفاراً

وقال آخر:

وقدرٍ كجوف الليل أحمشت غليها ... ترى الفيل فيها طافياً لم يفصّل

ابن الزبير يمدح ابن خارجة وقال ابن الّزبير يمدح أسماء بن خارجة:

ترى البازل البختيّ فوق خوانه ... مقطّعةً أعضاؤه ومفاصله

الرقاشي وابن يسير وقال الرّقاشيّ:

لنا من عطاء اللّه دهماء جونةٌ ... تناول بعد الأقربين الأقصيا

جعلت ألالاً والرّجام وطخفةً ... لها فاستقلّت فوقهنّ الأثافيا

مؤدّيةً عنا حقوق محمدٍ ... إذا ما أتانا يابس الجنب طاويا

أتى بن يسيرٍ كي ينفّس كربه ... إذا لم يرح وافي مع الصبح غاديا

فأجابه ابن يسير:

وثرماء ثلماء النواحي ولا يرى ... بها أحدٌ عيباً سوى ذاك باديا

إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها ... رؤوب لما قد كان منها مدانيا

وإن حاولوا أن يشعبوها فإنها ... على الشّعب لا تزداد إلا تداعيا

معوّذة لإرجال لم توف مرقباً ... ولم تمتط الجون الثلاث الأثافيا

ولا اجتزعت من نحو مكة شقّةً ... إلينا ولا جازت بها العيس واديا

ولكنّها في أصلها موصليّةٌ ... مجاورةٌ فيضاً من البحر جاريا

 

أتتنا تزجّيها المجاذيف نحونا ... وتعقب فيما بين ذاك المزاديا

يقول لمن هذي القدور التي أرى ... تهيل عليها الرّيح ترباً وسافيا

فقالوا ولن يخفي على كل ناظرٍ ... قدور رقاشٍ إن تأمّل دانيا

فقلت متى باللحم عهد قدوركم ... فقالوا إذ ما لم يكنّ عواريا

من اضحى إلى أضحى وإلاّ فإنها ... تكون بنسسج العنكبوت كما هيا

فلما استبان لجهد لي في وجوههم ... وشكواهم أدخلتهم في عياليا

ينادي ببعضٍ بعضهم عند طلعتي ... ألا أبشروا هذا اليسيريّ جائبا

لأبي نواس وقال أبو نواس:

ودهماء تثفيها رقاشٌ إذا شتت ... مركّبة لآذان أمّ عيال

يغصّ بحيزوم لبعوضة صدرها ... وتنزلها عفواً بغير جعال

ولو جئتها ملاي عبيطاً مجزّلاً ... لأخرجت ما فيهاا بعود خلال

هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائلٍ ... ربيع اليتامى عام كلّ هزال

وقال أيضاً:

رأيت قدور الناس سوداً من الصّلى ... وقدرالرّقاشيّين زهراء كالبدر

ولو جئته ملأي عبيطاً مجزّلاً ... لأحرجت ما فيها على طرف الظّفر

يثبّتها للمعتفي بفنائهم ... ثلاثٌ كحظّ الثاء من نقط الحبر

تروح على حيذ الرّباب ودارمٍ ... وسعدٍ وتعروها فراضبة الفزر

وللحيّ عمرٍ ونفحةٌ من سجالها ... وتغلب والبيض االلّهاميم من بكر

إذا ما ينادي بالرحيل سعى بها ... أمامهم الحوليّ من ولد الذّرّ

جفنة ابن جدعان وقال أبو عبيدة: كان لعبد اللّه بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب. وذكر غيره أنه وقع فيها صبيّ فغرق.

للأشعر وقال الأشعر:

وأنت مليخٌ كلحم الحوار ... فلا أنت حلوٌ ولا أنت مرّ

وقد علم الضيف والطارقون ... بأنك للضيف جوعٌ وقرٌ

بين يحيى بن خالد وأبي الحارث سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جمّيزاً عن طعام رجلٍ، فقال: أما مائدته فمقنة وأما صحافه فمنقورةٌ من حبّ الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة، وبين اللون واللون فترة نبيّ.

قال: فمن يحضرها؟ قال: الكرام الكاتبون. قال: فيأكل معه أحدٌ؟ قال: نعم، الذّباب. قال: فلهذا ثوبك مخرّق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه؟! قال أبو الحارث: جعلت فداءك، واللّه لو ملك بيتاً من بغداد إلى الكوفة مملوءاً إبراً، في كل إبرةٍ خيط، ثم جاءه جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان عنه إبرة يخيط بها قميص يوسف لذي قدّ من دبرٍ، ما أعطاهم.

لبعضهم في بخيل وقال بعضهم:

ولو عليك اتكالي في الغذاء إذاً ... لكنت أوّل مدفونٍ من الجوع

سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيرهنصيحة تياذوق طبيب الحجاج قال الحجاج لتياذوق متطبّبه: صف لي صفةً آخذ بها " في نفسي " ولا أعدوها، قال تياذوق: لا تتزوّج من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيّا، ولا تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشر بنّ دواءً إلا من علةً، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعاماً إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام واشؤب عليه، وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئاً، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فتمشّ ولو مائة خطوةٍ.

يهود خيبر روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيّان الأشجعيّ قال: حدّثني أبي عن شيوخ من أشجع قال: سألنا يهود خيبر: بم صححتم بخيبر؟ قالوا: بشرب الخمر، وأكل الفوم، وسكون اليفاع، وتجنّب بطون الأودية، والخروج من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه.

بين الحجاج والحكم بن المنذر بن الجارود قال الحجّاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك، أشرب اللبن فهو منه؟ قال: لا. ولم؟ قال: لأنه منتنةٌ منفخةٌ. قال فما شرابك؟ قال: نبيذ الدّقل في الصيف ونبيذ العسل في الشتاء.

بين عبد الملك وأعرابي قال عبد الملك لأعرابي: إنك حسنٌ الكدنة. قال: إني أدفىء رجليّ في الشتاء، وأغفل غاشية الغمّ، وآكل عند الشهوة.

 

لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن عليّ رضي اللّه عنه أنه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب اللّه عنه سبعين نوعاً من البلاء. ومن أكل كلّ يومٍ سبع تمرات عجوةٍ قتلت كلّ داء في بطنه. ومن أكل كلّ يوم إحدى وعشرين زبيبةٍ حمراء لم ير في بدنه شيئاً يكرهه. واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب. ولحم البقر داء، ولبنها شفاء، وسمنها دواء. والشّحم يخرج مثليه من داءٍ ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرّطب والسّمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم. ومن أراد البقاء - ولا بقاء - فليباكر الغداء وليقلل غشيان النّساء ويخّفف الرداء، وليلبس الحذاء قيل: وما خفّة الرّداء في البقاء؟ قال: قلّة الدّين.

لبعضهم في سياسة البدن قيل لرجل: إنك لحسن السّحّنة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بحام البنفسج، وألبس الكتّان.

في أشياء تورث الهزال ويقال: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء على الرّيق، والنوم على غير وطأةٍ، وكثرة الكلام برفع الصوت.

ويقال: أربع خصالٍ يهدمن العمر وربما قتلن: دخول الحمامّ على بطنةٍ، والمجامعة على الأمتلاء، وأكل القديد الجافّ، وشرب الماء البارد على الرّيق، وقيل: مجامعة العجوز.

من الأثر وفي الحديث: " ثلاثة أشياء تورث النّسيان أكل التّفّاح الحامض وسؤر الفأرة ونبذ القملة " .

وفي حديث آخر: " الحجامة في النّقرة والبول في الماء الراكد " ويقال: أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالأفساد: الإكثار من البصل، والباقلاء، والجماع، والخمار.

لإبراهيم النظام وقال النّظّام: ثلاثة أشياء تخلق العقل وتفسد الذّهن: طول النّظر في المرآة والأستغراب في الضّحك، ودوام النّظر إلى البحر.

وكان يقال: عشاء الليل يورث العشا.

ويروى في الحديث: " ترك العشاء مهرمة " والعرب تقول: ترك العشاء بلحم الأليتين

باب الحميةللحارث بن كلدة قال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الدواء هو الأزم يعني الحمية لجالينوس وقيل لجالينوس: إنك تقلّ من الطّعام؛ قال: غرضي من الطّعام أن آكل لأحيا وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل للعمّي في الحمية وقال العميّ: من احتوى فهو على يقينٍ من المكروه، وفي شكّ مما يأمل من العافية. وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاّه وما يريد وساس بدنه لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

ورّبت حزمٍ للسّقم علّةً ... وعلة برء الداء خبط المغفّل

ويقال: الحمية للصحيح ضارّة كما أنها للعليل نافعة.

الحمية في الحديث الشريف وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى صهيباً يأكل تمراً وبه رمدّ، فقال له: " أتأكل التمر وبك رمد؟ " فقال: يا رسول اللّه إنما أمضغ بهذه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جدّه: قال: قال رسول اللذه صلى اللّه عليه وسلم: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشّراب فإن اللّه يطعمهم ويسقيهم "

باب شرب الدواءللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال عبد اللّه بن بكر السّهميّ: حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " من استقل بدائه فلا يتداوين فإنه ربّ دواء يورث الداء " لبعض الحكماء في شرب الدواء وكانت الحكماء تقول: إياك وشرب الدواء ما حملت صحتّك داءك وقالوا: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه يخلقه ويبليه.

لطبيب كسرىة عن يزيد بن الأصمّ قال: لقيت " طبيب " كسرى شيخاً " كبيراً " قد أوثق حاجبيه بخرقة، وسألته عن دواء المشي؛ قال: سهمٌ يرمي به في جوفك أخطأ أو أصاب.

لأبقراط قال أبقراط: الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت. وفسّره المفسّر فقال: من كان داؤه في بطنه فوق سرّته سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرّته حقن، ومن لم يكن به داءٌ في بطنه فوق سرتّه سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرتّه حقن، ومن لم يكن به داءٌ لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن الدواء إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحّة فعمل فيها.

عبد العزى بن عبد المطلب

 

قال أبو اليقظان: كان عبد العزّى بن عبد المطّلب يشتكي عينه وهو مطرقٌ أبداً؛ وكان يقول: ما بعيني بأس، ولكن أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول: اكحلوا عين عبد العزّى معي؛ فيأمر من يكحّلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني.

لابن الأحمر قال ابت أحمر شفي بطنه:

شربت الشّكاعى والتددت ألدّة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا

شربنا وداوينا وما كان ضارنا ... إذا اللّه حمّ المرء أن لا تداويا

في لأثر وفي الحديث: " داووا مرضاكم بالصّدقة ووحصّنوا أموالكم بالزّكاة واستقبلوا أنواع البلايا بالدعاء " .

الحدث والحقنة والتّخمة

لقمان لابنه عن وهب قال: قال لقمان لابنه: إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى الرأس، ويورث االباسور وتيجع له الكبد؛ فأجلس هوينى وقم هوينى. فكتب حكمته على باب الحشّ.

وكان يقال: إذا خرج االطعام قبل ستّ ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو مرض.

شكاية أبي ذفافة وشعر لأعرابي وكان أبو ذفافة الباهليّ اشتكى، فأشار عليه الأطبّاء بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ أعربيّ يقول:

لقد سرّني واللّه وقّاك شرّها نفارك منها إذ أتاك يقودها

كفى سوءةً لاّ تزل مجبّياً ... على شكوة وفراء في استك عودها

عبيد اللّه بن زياد والحقنة وأشاروا على عبيد بن زياد بالحقنة فتفحّشها؛ فقالوا: إنما يتولاّها منك لطبيب. فقال: أنا بالصاحب آنس.

الحجاج وجلسائه قل المدائنيّ: سأل الحجّاج جلساءه: ما أذهب الأشياء للإعياء؟ فقل بعضهم: أكل التّمر. وقال بعضهم: الحمام. وقال بعضهم: التّمريخ.

لفيروز وقال فيروز: أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة.

وحدثني بعض الأطباء أن رجلاً شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد عليه وجعه؛ فسحقت له قطعةٌ من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع الغائط.

لتياذوق طبيب الحجاج قال: وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج: إن اللحم على اللحم يقتل السباع في البرية.

ثم قال لي جعفر: قالت جارية لنا: كان لي ظبيٌ فمر بعجين قد هييء للخشكنان، فكل منه فحفس - والحفس: الحبط وانتفاخ البطن - فسلخ فوجد قد شرق بالدم.

وقال يونس (طبيب لنا): هكذا يصاب الإنسان إذا بشم.

لبعض الأعراب يدعو الله الأصمعي: قال بعض الأعراب: اللهم إني أسألك ميتةً كميتة أبي خارجة، أكل بذجاً، وشرب معسلاً، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريّان دفآن.

وقال آخر من الأعراب: اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي.

لابن شبابة قل ابن شبابة مولى بني أسد: من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين الغيظ.

باب القيءلجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل. لا تفعل، فإن المعدة تضفز إلى القيء كما تضفز الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام.

لمزبّد وأخذ مزبّد شارباً فاستنكه، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا: نكهته لا تنبيء عنه. قال مزيد: إن لم أقيء نبيذاً فمن لي عشاءً.

رئي الجمّال يأكل فقيل له: ما تأكل؟ قال: قيء كلب في قحف خنزير.

النكهةلتياذوق الطبيب في البخر سئل تياذوق عن البخر فقال: دواؤه الزبيب يعجن بسعتر ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثة فجرّب فذهب.

للروم في البخر وتقول الروم في الكرفس: إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار.

لمنع رائحة البصل والثوم من الفم قالت الأطباء: الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت أو بالسمن إذا مضغ ورمي بثفله قاطعٌ لرائحة البصل من الفم. والفوم إن أكله آكلٌ فأحب أن يقطع رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض بعده بالخل.

والسعد قاطع لرائحة النبيذ من الفم. وحبّ الأترج مطيّب للنّكهة. والبخر لا يكاد يكون في الملاحين لأكلهم الملاح.

ما يورث البخر وقرأت في الآيين: أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم والبصل والكرّاث واللفّاح والحمّص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر.

باب المياه والأشربةللأطباء في المياه قالت الأطباء: معرفة خفّة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع البرد. وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين الأحمر وعلى الرمل.

 

قالوا: ومما يصفّي من الماء الكدر فيصفو سريعاً أن يلقى فيه قطعٌ من خشب الساج أو قطعٌ من آجرٍّ جديدٍ.

قال بعض المحدثين:

يمنع أمه بالشمال ... وماؤها البارد الزلال

يصيح فيها وقايتونا ... يجري به الثلج في مثال

في تحلية الماء المرّ الغليظ وقال صاحب الفلاحة: من أراد أ يعذب له الماء الزّعاق جعله في قدر جديدة من خزف وغطى فاها بأسحال ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف ذلك الماء ثم صفّاه وتركه، فإنه يجده شروباً.

في ماء دجلة وقالوا: ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من المياه وأسرعها برداً.

ماء النيل قال: والنّيل يستقبل الشمال وينصب في وقت زيادة الأدوية ويزيد في وقت نقصانها. وزيادة أوّله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر:

أضمرت للنيل هجراناً ومقليةً ... إذ قيل لي إنما التمساح في النيل

فمن رأى النيل رأى العين من كثبٍ ... فما أرى النيل إلا في البواقيل

والسقنقور أيضاً لا يخرج إلا منه.

لابن مزاحم وروي في الحديث عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: قذف الفرات في المدّ رمّانةً كأنها البعير البارك، وتحدّث أهل الكتاب أنها من الجنّة.

لابن ماسويه وقال ابن ماسويه: ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب منه نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته ويعذبه ويمنع مدره.

منافع الفقع والجلاب والسكنجبين قالت الأطباء: الفقّاع المتخذ من دقيق الشعير نافع من الجذام. الجلاب قاطع لكثرة دم الحيض. السكنجبين نافع من الذّبحة إذا كانت من حرار، يشرب ويتغرغر به.

باب اللحمان وما شاكلهاللأطباء في لحم الماعز والضأن قالت الأطباء: لحم الماعز يورث الهمّ، ويحرك السوداء، ويرث النسيان، ويخبل الأولاد ويفسد الدم؛ وهو ضارٌّ لمن سكن البلاد الباردة. وأحمد اللحمان ما خصي من لمعز. والضأن نافع من المرّة السوداء إلا أن الممروري الذين يصرعون إذا أكلوا لحم الضان اشتد بهم ذلك حتى يصرعوا في غير أوا الصرع. وأوان الصرع الأهلّة وأنصاف الشهور.

في اللحم قال الشاعر:

كأن القوم عشّوا لحم ضأنٍ ... فهم نعجون قد مالت طلاهم

قالوا: واللحم أقلّ الطعام نجواً. ولحم الدجاج الهوم شرّ اللحمان وأغلظها.

في البيض، وحب الرمان والبيض إن سلق بالخلّ ثم أكل بالسماق وحبّ الرمان المفلّق والملح والمرّي عقل الطبيعة.

منافع الزبد والمخ والدماغ والزبد إن طلي على منابت أسنان الطفل كان معيناً على نباتها وطلوعها، والمخ والدماغ يفعلان ذلك.

مضارّ الأطعمة ومنافعها

للنبي ( في الكمأة والعجوة الكمأة والفطر - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري الأرض، فقال: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السقم " للأصمعي في الجراد والفطر ولحوم والإبل الأصمعي عن بعض مشايخه قال: ثلاثة أشياء ربّما صرعت أهل البيت عن آخرهم الجراد، ولحوم الإبل، والفطر.

أردأ الفطر وتقول الأطباء: إن أردأ الفطر ما نبت تحت ظلال الشجر، وأردأه كلّه ما كان في ظلّ شجر الزيتون فإنه قتال.

قالوا: والكمثّرى إذا طبخ مع الفطر أذهب ضرره.

قالوا: والفطر يورث الذبحة.

لأعرابي أكل فطراً فأصيب بذبحة قدم أعرابي المصر فأكل فطراً، فأصابته ذبحة، فقيل له: إن الطبيب بعث أن يحلب في فيك. فقال: مازلت أسمع باللئيم الراضع ولا والله لا أكونه. قالوا: فتموت إذاً. قال: وإن متّ.

ترياق الفطر وتقول الأطباء: إن أكل آكلٌ الفطر فأضرّ به، سقي الكرنب المعصور وسقي من خرء الدجاج وزن درهمين مع خل وعسلٍ مطبوخ وقيء به.

مضار الكمأة قالوا: والكمأة تورث وجع القولنج والسكتة والفالج ووجع المعدة.

قالوا: والذباب لا يقرب قدراً فيه كمأة.

ومن أراد اتخاذ الكمأة اليابسة جعلها في الطين الحرّ يوماً وليلةً ثم غسلها واستعملها.

أعرابي يبيع الكمء

 

بلغني عن فتىً من أهل الكتاب أنه قال: كنا في طريق مكة بالخزيمية، فأتانا أعرابيٌّ بكمأةٍ في كساءٍ قدر ما أطاق، فقلنا: بكم الكمأة؟ قال: بدرهمين. فاشتريناها منه ودفعنا الثمن إليه، فلما نهض قال له بعضنا: " في است المغبو عودٌ " . قال: بل عودان؛ وضرب الأرض برجله، فإذا نحن على الكمأة.

قال بعض الشعراء:

جنيتها تملأ كفّ الجاني ... سوداء مما قد سقى السواني

كأنها مدهونةٌ بالبان

وهذه صفة أجود الكماة وأقلّها أذىً.

البصل والثومنصر بن سيّر والبصل دخل داخلٌ على نصر بن سيّار وحوله بنون له صغارٌ، فقال: هل تدرون ما ولدي هؤلاء؟ هؤلاء بنو البصل؛ وكان يأكله نيئاً ومطبوخاً.

منافع البصل والأطبّاء تقول في البصل: إنه يشهّي إلى الطعام إن أكل مشويّاً أو نيئاً، ويشهّي إلى الجماع. وإن دقّ وشم وعطّس وشهّى الطعام. وإن اكتحل بمائه مع العسل جلا البصر. وإن وضع مع الملح والسّذاب على عضّة الكلب الذي ليس بكلبٍ نفع. والإكثار منه يفسد العقل.

والمسلوق منه يدر البول والدمعة.

العصافير إن أكلت بالزّنجبيل والبصل هيجت شهوة الجماع وأكثرت المنيّ.

بين سليمان النبي ورجل عن طارق بن شهاب قال: بعث سليمان النبيّ عليه السلام بعض عفاريته وبعث معه رجلاً وقال: ردّه إليّ وانظر إلى صنيعه. فمرّ على أهل بيت يبكون فضحك، ودخل إلى السوق ونظر إلى الناس فرفع رأسه إلى السماء وهزّه، ونظر إلى الثّوم وهو يكال " كيلاً " والفلفل " وهو " يوزن وزناً، فضحك. فلما ردّه إلى سليمان عليه السلام وأخبره بما جرى منه، قال: لم ضحكت من أهل البيت؟ ولم هززت رأسك حين نظرت إلى السوق؟ ولم ضحكت من الثّوم والفلفل؟ قال: أمّا أهل البيت فإنّ اللّه أدخل ميّتهم الجنّة وهم يبكون عليه؛ ونظرت إلى الناس في السّوق والملائكة من فوق رؤوسهم والناس يملون والملائكة سراعا يكتبون، فهززت رأسي؛ ونظرت إلى الثوم وهو شفاءٌ يكال كيلاً، وإلى الفلفل وهو داءٌ يوزن وزناً.

وعن وهبٍ: أن سليمان عليه السلام قل: مم كنت تضحك؟ قال: " إني مررت برجلٍ يشتري خفّين ويقول لصاحبها: شرطي عليك أنّ ألبسها عشر سنين لا يتخرّقان؛ فعجبت كيف شرط أمله ونسي أجله. ومررت بعجوز دهرية تتكهّن وتخبر الناس بما لا يعلمون والذيّ سخرّ لك الريح وأذلّ لك الجنّ وعبدّ لك الشياطين إنّي لأعلم في بيتها تحت فراشها مطمورة فيها قناطير من ذهب وفضّةٍ وهي لا تدري ما تحتها، وقد ماتت هزلاً وجوعاً وحاجةً. ومررت بإخرى دهريةٍ تطّبب وكان بها مرّةً داءٌ، فأكلت البصل فصادفت منه برءاً، فظّنت أنه حسم داءها وشفاها، فهي تصفه للناس من كل داء؛ وقد كانت في ظهرها ريحٌ حبست منذ زمانٍ فأكلت الثّوم أحداً وعشرين يوماً فشفيت منه؛ فعجبت لها كيف تدع أن تصفه ومررت برجلٍ على شاطىء نهر يستقي منه في قلةٌ له ومعه بغلة، فلما سقى البغلة ملأ القّلة بأذن القلةّ وذهب لبعض حاجته فنفرت البغلة وكسرت القلة؛ فجعل يلعن الشيطان وبرّأ عقله ونسي فعله. ومررت بقومٍ يذكرون اللّه فاجتهدوا ونصبوا وابتهلوا، فلما أظلّت الرحمة ملّ رجل منهم فقام، وجاء آخر لم ينصب معهم فجلس مجلسه، فنزلت لرحمة فدخل فيها معها وحرمها الأوّل؛ فعجبت من سعادة هذ وشقوة هذ.

منافع الثوم وتقول الأطبّاء: إنّ الثّوم إذا شوي بالنار ووضع على الضّرس المأكول ودلكت به الأسنان لتي يعرض فيه لوجع من الرطوبة ولريح، أذهب ما فيها بإذن اللهّ من الوجع.

قال: وهو ينفع من العطش الحدث من البلغم، ويقوم مقام التّرياق في لسع الهوامّ، والأمراض الباردة.

للروم في الثوم وتقول الروم في الثّوم: إنه دواء لمن صابه وجع السّقي في بطنه. وإن أكله من ظهر " فيه " حرّةٌ من شرىً أو غيره أبرأه. وإن دقّ الثّوم يابساً فأغلي بسمن ولبن ثم جعله من يشتكي ضرسه في فيه سخناً فأمسكه ساعة، ذهب وجع ضرسه؛ وهو نافع لمن اجتوى.

الكراثقالت الأطباء: الكرّاث النّبطيّ إذا أدمن كانت فيه أحلامٌ رديئة، وولّد بخاراً في الرأس رديئاً.

وإن صبّ في مائه خلٌ ودقاق كندر واستعط به سكّن الصّداع. وإن سلق أو طحن وأكل أو ضمّد به البواسير العارضة من الرطوبة نفع فيها.

 

وماء الكراث إذا خلط بمثله من ألبان النساء ودهن الورد والكندر وكحّل به عين من أصابته غشاوة في عينه فلم يبصر ليلاً نفعه. وأكل البصل نافعٌ لذلك أيضاً.

الكرنب والقنّبيط

قالوا: الكرنب معينٌ على الأكثار من النبيذ إذا أكل وهو مدرٌ للبول.

للروم في منافع الكرنب وقالت الروم: بين الكرنب والكرم عداوةٌ؛ ولا يكاد يصلح الكرم والكرنب إذا تجاوزا .

قالت الأطباء: إن احتملت " المرأة " بزر الكرنب بعد الحيض أسهل المنيّ وأفسد ولم يكن معه حمل، وشرب مائه مع الشّيح الأرمنيّ غير المطبوخ أو ماء الترمس المنقع مخرجٌ لحبّ القرع نت البطن والقسط أيضاً خاصةً بزره يفسد المنيّ إذ احتملته المرأة بعد طهرها ومقدار ما يحتمل وزن درهمين.

أيضاً من منافع الكرنب وتقول الروم: الكرنب إن طبخ وخلط ماؤه بالحندقوق وسقي المرأة التي تأخر حيضها حاضت لحينها.

قالوا: وإذا خلط ماء الكرنب بالبنج كان نافعاً للسّعال وصفة حنين الطبيب لعلة في الحلق قال أبو محمد: شكوت إلى حنينٍ الطبيب علةً كنت أجدها في حلقي لا أكاد أبتلع معها ريقي؛ فقال: هي بينةّ في عينك. فتغرغر بعقيد العنب مع خميرٍ ثلاثة أيام في كل يوم ثلاث مرات؛ ففعلت ذلك يوماً واحداً فذهب.

لعلاج البرص والجرب قالوا: وإذا دقّ الكرنب وخلط به شيء من زاج الأساكفة وشيء من خلّ فأوجف ذلك بالخطمي ثم طلي به برص أو جربٌ نفع بإذن اللّه تعالى.

السّلجم والفجل

منافع الفجل تقول الأطباء في الفجل: إنه مهيجّ للجماع زائد في المني، وبزره نافعٌ من السموم قالوا: والفّجل هاضمٌ للطعام فإن أكل بزره بعسل كان دواء من السّعال والفواق وإذا شدخت قطعة فجل فطرحت على عقرب ماتت؛ وماؤه وبزره للسموم بمنزلة التّرياق. وإذا طلى أحدٌ يده بمائه ثم قبض على حيّةٍ و غيرها من الهوام لم يضارّ ذلك الموضع قالوا: وإن دقّ بزره مع الكندر وطلي به البهق الأسود في الحّمام أذهبه، وإن شرب ماء ورقه نفع من الأرقان الحادث من الطحال.

الباذنجانلأبي الحارث في الباذنجان قالوا: والباذنجان مكلف للوجه يورث داء السرطان والأورام الصّلبة وحدّثني إبي عن أبي الحارث جمّيزٍ أنه سمعه يقول في الباذنجان: لا آكله لون العقرب وشبه المحجمة قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلانٍ! قال: كان ميتةً وأنا مضطرّ.

الخيار والقثّاء

قالوا: شمّ الخيار نافع لمن أصابه الغشي من الحرارة. وبزر القثّاء إذا شربه من به حمّى الأسى نفعه. وإن أصابت رضيعاً حمّى فألزقت به خيارتين تمسّان جلده إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله، أقلعت الحمّى عنه.

السّلق

قالوا: والسّلق إن دقّ مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال الشعر

الهليونقالوا: والهليون مدرّ للبول، نافع من القولنج

القرعقالوا: إذا شوي القرع بالنار ثم عصر فجعل من مائه في أذن من اشتكى أذنه نفعه، وإن دهنت منابت شعر اللّحية بدهن القرع المرّ، قثاء الحمار مذاباً فيه شيحٌ أرمنيّ أسرع فيها نبات الشّعر

البقولالجرجير قالوا: والجرجير زائد في الباه والإنعاظ مدرّللبول.

وتذكر الروم أنّ من أكل الجرجير ثم ضرب بالسياط هوّن عليه بعض ذلك الجلد.

قالوا: وهو ينفع من ذفر الإبطين إذا أكل على الريق وطلي الإبطان بمائه. وتزعم الروم أنّ ماءه ينفع من عضّة ابن عرسٍ.

وقال بعض الأطباء: إن ذرّ بزر الجاجير مدقوقاً في البيض وحشي كان ذلك زائداً في الباه والإنعاظ زيادة بيّنة.

قال أبو حاتم عن القحذمي قال: أكله أعرابيّ فأنعظ شهراً، فقال الفرزدق يفخر به:

ومنا التميميّ الذي قام أيره ... ثلاثين يوماً ثم زادهم عشرا

السّذاب قالوا: والسّذاب قاطع لشهوة الجماع.

وقالت الروم: إن أكلت امرأة حاملٌ أربعة مثاقيل كلّ يوم بماء سخنٍ أو نبيذ خمسة عشر يوماً أسقطت ولدها.

وقال بعض الشعرء:

كم نعمةٍ للسّذاب ... جليلةٍ في الرّقاب

الناس عنها غفولٌ ... إلاّ ذوي الألباب

فالحمد للّه شكراً ... لولا مكان السّذاب

لغّيب الأرض نسل ال ... مغنّيات القحاب

البقلة الحمقاء " الرجلة " والهندباء

 

قالوا: والبقلة الحمقاء إذا مضغت أذهبت الطّرش، وإذا أكلت أذهبت شهوة الجماع.

والروم تقول: إن نظر ناظرٌ عند رؤية الهلال إلى الهندباء فحلف بإله القمر ألاّ يأكل هندباء ولا لحم فرسٍ، سلم في كلّ شهر يحلف فيه من وجع الضرس.

الخس قالت الأطباء: الخسّ إذا أكل على الريق نافعٌ لتغيير الماء ومن يتأذّى باحتلام. وإذا شرب بزره بماءٍ باردٍ " قطع شهوة الجماع " .

الخردل قالوا: والخردل إن أكثر من أكله أورث ضعفاً في البصر، وهو مكثّر للّبن مدرّ للبول، وهو نافع من الصّرع. وإن اكتحل بمائه بعد أن يغلى عليه ويصفّى جلا البصر الضعيف من الرطوبة. وتزعم الروم أن ماءه يصلح للأطفال من الحمّى إذا أصابتهم. وهو يفسد الذهن ويورث االنّسيان ويضعف البصر.

النعناع والحبق قالت الأطباء: النّعناع يسكّن القيء، وينفع من الفواق الحادث من البلغم إذا شرب مع النّمّام.

وتقول الروم: الحبق الذي على شطوط الأنهار نافعٌ للرّمد إذا دقّ ونخل واكتحل به، وإن مضغه ماضعٌ ووضعه على عينه نفعه.

الفوذنج والحندقوق والطرخون وأما الفوذنخ النّهري - " فإنه " يدر الطّمث. وإن أخذ من الفوذنخ الجبليّ أوقيّة وطبخ بنصف رطل من ماءٍ حتى يبقى الثلث ويشرب، سهّل السّوداء.

وقالت الأطباء: الحندقوق يورث وجع الحلق، ويذهب بضرره من يأكل بعده الكزبرة الرّطبة والبقلة الحمقاء والهندباء.

والطّرخون يؤكل مع الكرفس.

الراسن والكشوث قالوا: والراسن ينفع من قطار البول إذا كان من بردٍ، ويقوّي المثانة.

قالوا: والكشوث يذهب بالأرقان.

عنب الثعلب والكرفس قالوا: وعنب الثعلب قاطعٌ لدم الحيض إن شرب أو احتمل.

وقالوا: الكرفس إذا طبخ وشرب كان دواءً من وجع الكليتين ومن الأسر.

باب الحبوب والبزورحب الفلفل والحبة الخضراء والحمص تقول الأطبّاء في حبّ الفلفلك إذا خلط بالسّمسم وعجن بعسل الطّبرزذ يزيد في الجماع.

والعرب تزعم أنّ الحبّة الخضراء وشرب ألبان الإيّل عليها تبعث الشّهوة.

قال جرير:

أجعثن قد لاقيت عمران شارباً ... على الحبّة الخضراء ألبان إيّل

والحمّص زائد في الجماع، مكثرٌ للمنيّ، محسّن للّون، زائدٌ في لبن المرضع، يدرّ دم الحيض، وإن خلط بالباقلاء أسمن.

سويق العدس الأصمعيّ قال: قلت لابن أبي عطارد: بلغني أنّ أباك كان ذا منزلةٍ من ابن سيرين، فما حفظت عنه؟ قال: قال أبي: قال لي ابن سيرين: يا أبا عطارد، إن سويق العدس بارد وهو يدفع الدّم.

الخردل، الحرف، والباقلاء قالت الأطبّاء: إنّ الخردل نافعٌ من حمّى الرّبع والحمّيات المتقادمة ووجع الأرحام ويجفّف ... من البلغم، وينزل الرطوبة من الرأس وإن أكل مع السّلق المسلوق نفع من الصّرع، وإن طلي البرص به زال.

وقالت الأطباء: الحرف يخرج حبّ القرع من البطن وينفع من عرق النّسا ووجع الورك. وإن سخّن بالماء الحارّ وشرب منه وزن أربعة دراهم أو خمسة أسهل الطبيعة ونفع من القولنج.

وقال رجل من قدماء الأطّباء في الباقلاء: إنه إذا أدمن أكلّ البصر، وأحال الأحلام أضغاثاً لا ينتفع بها ولا يجد عابر الرؤيا إلى تأويلها سبيلاً.

دهن الشاهدانج " القنبّ " ودهن الشّاهدانج نافعٌ لوجع الأذن العارض من البرد والعلل المتقادمة منها.

باب الفاكهةلعلي بن أبي طالب في الزمان عن معمر بن خثم عن جدّته قالت: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: إذا أكلتم الرمّان فكلوه يشحمه فإنه دباغ للمعدة. وذلك يوم الجمعة على المنبر.

لأعرابي في الرمّان الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: لم تبغض الرمّان؟ قال: لأنه مبخرة مجفرة مجعرة.

ليحيى بن خالد في ما يورث القمل قال: وقال يحيى بن خالد: شيئان يورثان القمل: التينّ اليابس إذا أكل، وبخار اللّبان إذا تبخرّ به.

الخوخ والأتّرج وقالت الأطباء: ورق الخوخ وأقماعه إن دقّ وعصر وشرب أسهل حبّ القرع والدّيدان والحّيات المتولّدة في البطن، وإن صبّ ماء ورقه في الأذن أمات الديدان فيها، وإن تدّلك بورقه بعد النّورة قطع ريحها.

وحمّاض الأترج إن لطخ به الكلف والقوب أذهبه. وحبّ الأترج نافعٌ من السّموم التفاح وورق التفّاح الغضّ إن دقّ بالرّفق خمسةً أو ستةً ثم ضمد به الوشم قلعه من غير أن يقرح موضعه.

الجزر

 

عن الزّهريّ قال: حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " من بات وفي بطنه جزرةٌ أو جزرتان أو ثلاث أمن القولنج والدّبلية " الفستق واللّفاح والفستق: إن دقّ وشرب بالمطبوخ الشديد نفع من لسع الهوامّ.س واللّفاح: سمّ، وربما قتل آكله. وتدفع مضرّته بالقيء بالشّراب والعسل والإسهال وشمّ الفلفل والخردل والجندبادستر والسّذاب والتّعطس.

لبزر جمهر في الأترجّ قال: وحدّثني شيخٌ من الدّهاقين عالمٌ بأيام العجم: أن بزر جمهر قال لأهل الحبس: سلوا الملك أن يرزقكم مكان الأدم الأترجّ، ليكون القشر لطيبكم، ولحمته لفاكهتكم، والحمّاض لصباغكم، والحبّ لدهنكم. فكان ذلك أوّل ما عرفت به حكمته.

باب مصالح الطعامفي ملك العجين قال رئيس من رؤوساء الطبّاخين: االعجين يملك.

وفي الحديث المرفوع: " أملكوا العجين فإنه أحد الرّيعين " .

في ما يصلح الطعام السّويق: يغسل بالماء الحارّ مرّات ثم بالبارد ويشرب.

والملح: يتقبّل به الطبيخ.

والخلّ: ينضج العدس ويصلحه للأكل.

الباقلّى: ينقع ثم يطبخ. ولا يؤكل من الفاكهة إلا ما نضج على شجره، ويلقى ثفله وعجمه، ويؤكل على ريق النّفس.

والعنب: يقطف ويمهل أيّاماً ثم يؤكل. ولا يؤكل من القنّب إلا لبّه. ولا يؤكل من الرأس إلا أسنانه وعيونه.

الباذنجان: يشقّ ويحشى بالملح، ويترك ساعةً في الماء البارد، ثم يصبّ عنه ويعاد إلى الماء مراراً، ثم يسلق بعد ذلك.

الكبر: يؤكل بالخلّ بعد غسله بالماء من الخلّ.

الزيتون: يؤكل وسط الطعام ويصبّ في الخل.

ويؤكل من الأشترغاز خلّه ولا يعرض لجسمه.

والكمأة: تنصّف ويقشر عنها قشرها، وتسلق بالماء والملح ثم تستعمل بالسّعتر والفلفل، وتقلى بالزّيت الرّكابيّ، وكذلك الفطر.

السّلق والكرنب: يسلقان بالماء والملح، ويصبّ ماؤهما ثم يستعملان.

والبقول: تمسح ثم تؤكل ولا تغسل بالماء.

وأحمد التّمور الهيرون. وأحمد البسور الجيسران. وما اصفرّ أحمد مما اسودّ.

السمك: خيره وشرّه وخير السّمك الشّبّوط والبنانيّ والميّاح. ولا يؤكل السمك الطّريّ إلا حارّاً بالخردل في الشتاء، وفي الصيف بالخلّ وبالأباريز. وأقلّ السّمك أذّى الممقور. وشرّ السّمك كباره السماريس. وخير السماريس البيض، " وأكلها " خيرٌ من أكل الحمر،وشرّها السّود.

البيض وخير البيض بيض الشّوابّ من الدجاج، ولا خير في بيض الهرمة، وأخفّ البيض الرقيق، وأثقله البيض الصلب.

ولا يعرض من الرأس للدّماغ ولا للّسان، ولا الغلصمة ولا الخراطيم.

لحم عنق الشاة ولحم العنق خفيفٌ سريع الإنهضام. وفي الحديث المرفوع: " العنق هادية الشاة وهي أبعدها من الأذى " والقفّاع: يشرب قبل الطّعام ولا يشرب بعده.

واللّبن: لا يؤكل ولا يشرب إلا بعد وضع الشاة بشهرٍ ونحوه والباقلّى: يؤكل بعده الفوذنج فإنه يذهب بنفخته اللّوبياء: يؤكل بعده الخردل الرّطب، ويشرب بعده ماء الرّمّان والسّكنجبين المعمول بالسكّر.

الهريسة: تؤكل بالفلفل الكثير والمرّيّ ولا يجعل فيها السّمن.

والمضيرة: تطبخ بالفوذنج والسّذاب والكرفس.

الزيت الزيت الرّكابيّ: إذا خلط بالخلّ أو أغلي على النار ثم رفعت رغوته عاد كالمغسول.

وفي الحديث: أن عمر رضي اللّه عنه قال: عليكم بالزّيت، فإن خفتم ضرره فأثخنوه بالماء فأنه يصير كالسّمن.

من حديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم في زيت الزيتون عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " عليكم بالشّجرة التي نادى اللّه منها موسى عليه السلام زيت الزّيتون ادّهنوا به فإنه شفاءٌ من الباسور " الخردل الخردل: يعجن بالخلّ ويغسل بالماء ورماد البلّوط أو رماد الكرم مراراً بعد أن ينعم دقهّ ونخله، ثم يغسل بالماء القراح ويرشّ بالماء حتى تخرج رغوته ويكثر خلّه، ويخلط معه اللّوز الحلو أو ماء الرّمان الحامض وماء الزّبيب.

جاء بعد خاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي في " أ " ما يأتي " الأصمعي وهارون الرشيد

 

قال الأصمعيّ: دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرةٌ، فقال: يا أصمعيّ، إن حدّثني بحديثٍ في العجز فأضحكتني وهبتك هذه البدرة. فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا في صحارى الأعراب في يومٍ شديد البرد والرّيح وإذا بأعرابيّ قاعدٍ على أجمةٍ وهو عريان، قد احتملت الرّيح كساءه، فألقته على الأجمة؛ فقلت له: يا أعرابيّ؛ ما أجلسك ها هنا على هذه الحالة؟ فقال: جاريةٌ وعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها. فقلت: وما يمنعك من أخذ كسائك؟ فقال: العجز يوقفني عن أخذه. فقلت له: فهل قلت في سلمى شيئاً؟ فقال: نعم. فقلت: أسمعني للّه أبوك! فقال: لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقي عليّ. قال: فأخذته فألقيته عليه؛ فأنشأ يقول:

لعلّ اللّه أن يأتي بسلمى ... فيبطحها ويلقيني عليها

ويأتي بعد ذاك سحاب مزنٍ ... تطهّرنا ولا نسعى إليها

فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، وقال: أعطوه البدرة. فأخذها الأصمعيّ وانصرف.

بين الحسن بن زيد وابن هرمة ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست كمن باعك دينه رجاء مدخك أو خوف ذمّك فقد رزقني اللّه بولادة نبيّه عليه السلام الممادح وجنبني المقابح، وإنّ من حقّه عليّ ألاّ أغضي على تقصير في حقّ ربّه. وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لاضربنّك حدّاً للخمر وحدّاً للسكر، ولأزيدن لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لها للّه تعن عليه ولا تدعها للناس فتوكل إليهم؛ فنهض ابن هرمة وهو يقول:

نهاني ابن الرسول عن المدام ... وأدّبني بآداب الكرام

وقال لي اصطبر عنها ودعها ... لخوف اللّه لا خوف الأنام

وكيف تصبّري عنها وحبّي ... لها حبّ تمكّن في عظامي

أرى طيب الحلال عليّ خبثاً ... وطيب النفس في خبث الحرام

ذكر هذا الخبر أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب النساء

في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن وما يكرهللنبي صلى اللّه عليه وسلم

عن مجاهد عن يحيى بن جعدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنكح المرأة لدينها وحسبها وحسنها فعليك بذات الدّين تربت يداك " . ثم قال: " ما أفاد رجلٌ بعد الإسلام خيراً من امرأةٍ ذات دين تسرّه إذا نظر أليها وتطيعه وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها " .

لعائشة رضي اللّه عنها وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لا تدخل المرأة على زوجها في أقلّ من عشر سنين.

قالت عائشة: وأدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأن بنت تسع سنين.

في أصناف النساء والرجال الأصمعيّ قال: أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاءٌ للولد، وأخرى " غلٌ قملٌ " يضعه اللّه في عنق من يشاء ويفكّه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فهينٌ ليّنٌ عفيفٌ مسلمٌ، يصدر الأمور مصادرها، ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللّبّ والمقدرة فيأخذ بأمره، وينتهي إلى قوله، وآخر حائرٌ بائرٌ، لا يأتمر لرشدٍ، ولا يطيع مرشداً.

لعلي بن أبي طالب في خير النساء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.

لعروة بن الزبير وعن عروة بن الزّبير قال: ما رفع أحدٌ نفسه بعد الإيمان باللّه بمثل منكح صدقٍ، ولا وضع نفسه بعد الكفر باللّه بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن اللّه فلانة، ألقت بني فلان بيضاً طوالاً فقلبتهم سوداً قصاراً.

لبعض الشعراء قال بعض شعراء بني أسد:

وأوّل خبث الماء خبث ترابه ... وأوّل خبث القوم خبث المناكح

لابن زبير، ثم لعمر قال الأصمعيّ: قال ابن زبير: لا يمنعكم من تزوّج امرأةٍ قصيرةٍ قصرها، فإنّ الطويلة تلد القصير والقصيرة تلد الطويل؛ وإياكم والمذكّرة فإنها لا تنجب.

أبو عمرو بن العلاء قال: قال رجل: لا أتزوّج امرأةً حتى أنظر إلى ولدي منها. قيل له: كيف ذاك؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمهّا فإنها تجرّ بأحدهما.

عن ابن ملكية أنّ عمر قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع.

في أنواع النساء

 

الأصمعيّ قال: قال رجل: بنات العمّ أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجميّة.

عن أوفى بن دلهم أنه كان يقول: النساء أربع، فمنهنّ معمع لها شيئها أجمع، ومنهن تبع تضرّ ولا تنفع، ومنهنّ صدع تفرّق ولا تجمع، ومنهن غيث همع إذا وقع ببلد أمرع.

قال الأصمعيّ: فذكرت بعض هذا الحديث لأبي عوانة فقال: كان عبد اللّه بن عمير يزيد فيه: ومنهن القرثع: وهي التي تلبس درعها مقلوباً، وتكحل إحدى عينيها وتدع الأخرى.

لعمر بن الخطاب في ثلاث دواهي عن عليّ بن يزيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ثلاث من الفواقر: جار مقامةٍ، أن رأى حسنةً سترها، وإن رأى سيئةً أذاعها؛ وامرأةٌ إن دخلت لسنتك، وإن غبت عنها لم تأمنها؛ وسلطانٌ إن أحسنت لم يحمدك، وإن أسأت قتلك.

الزبرقان في أحب كنائنه وأبغضهم إليه الأصمعيّ قال: حدّثنا جميع بن أبي غاضرة - وكان شيخاً مسناً من أهل البادية من ولد الزّبرقان بن بدر من قبل النساء - قال: كان الزبرقان يقول: أحبّ كنائني إليّ الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة الحييّة التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إليّ الطّلعة الخبأة، التي تمشي الدّفقّى وتجلس الهبنقعة، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جاريةٌ.

لخالد بن صفوان بلغني عن خالد بن صفوان أنه قال: من تزوجّ امرأةً فليتزوّجها عزيزةً في قومها، ذليلةً في نفسها، أدّبها الغنى وأذّلها الفقر. حصاناً من جارها، ماجنةً على زوجها.

الفرزدق يصف النساء وقال الفرزدق يصف النساء:

يأنسن عند بعولهنّ إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهنّ خفار

لخالد بن صفوان يطلب امرأة، ولآخرين وقال خالد بن صفوان " الدلال " : أطلب لي بكراً كثيّب أو ثيباً كبكر، لا ضرعاً صغيراً ولا عجوزاً كبيرة " لم تقر فتحنن ولم تفت فتمحن " ، قد عاشت في نعمة وأدركتها حاجةٌ، فخلق النعمة معها وذلّ الحاجة فيها، حسبي من جمالها أن تكون ضخمةً من بعيد، مليحةً من قريب، وحسبي من حسبها أن تكون واسطةً في قومها، ترضى مني بالسنّة، إن عشت أكرمتها وإن متّ ورّثتها.

وقال رجل لصاحب له: ابغني امرأةً بيضاء البياض، سوداء السواد، طويلة الطول، قصيرة القصر. يريد: كلّ شيء منها أبيض فهو شديد البياض، وكل شيء منها أسود فهو شديد السواد، وكذلك الطول والقصر.

وقال آخر: ابغني امرأةً لا تؤهل داراً " أي لا تجعل دارها آهلة بدخول الناس عليها " ، ولا نؤنس جاراً " أي لا تؤنس الجيران بدخولها عليهم " ، ولا تنفث ناراً " أي لا تنم وتغري بين الناس " قال الأصمعيّ: قال أعرابيّ لابن عمّه: اطلب لي امرأة بيضاء، مديدةً فرعاء. جعدةً، تقوم فلا تصيب قميصهامنها إلا مشاشة منكبيها، وحلمتي ثديها ورانفتي أليتيها ورضاف ركبتيها، إذا استلقت فرميت تحتها بالأترجّة العظيمة نفذت من الجانب الآخر. فقال له ابن عمه: وأنّى بمثل هذه إلا في الجنان!.

ونحو قوله في الأترجّة قوم أمّ زرعٍ: خرج أبو زرعٍ والأوطاب تمخض، فلقي امرأةً معها ولدان لها كالفهدين يلعبان تحت خصرها برمّانتين فطلّقني ونكحها.

في اختيار الجواري وقال آخر: ابغني امرأةً شقّاء مقّاء، طويلة الإلقاء، منهوسة الفخذين، نافحة الصّقلين.

شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابيّ:

إذا كنت تبغي أيّماً بجهالة ... من الناس فانظر من أبوها وخالها

فإنهما منها كما هي منهما ... كقدّك نعلا إن أريد مثالها

فإن الذي ترجو من المال عندها ... سيأتي عليه شؤمها وخبالها

في البكر والثيب وكان يقال: البكر كالذّرة تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثّيب عجالة راكبٍ تمرٌ وسويقٌ. لابن الأعرابي في تطليق زياد لزوجته وقال ابن الأعرابيّ: طلقّ زيادٌ امرأته حين وجدها لثغاء، وقال: أخاف أن يجيء ولدي ألثغ، وقال:

لثغاء تأتي بحيفسٍ ألثغ ... تميس في الموشيّ والمصبّغ

أقوالهم في المرأة ويقال: المرأة غلٌّ فانظر ماذا تضع في عنقك؛ وهو من قول ابن المقفّع: الدّين رقٌّ فانظر عند من تضع نفسك.

أنشد ابن الأعرابيّ:

أحبّ الخلاويّ النزيه من الهوى ... وأكره أن أسقى على عطشٍ فضلا

 

يقول: أكره المرأة التي أكثرت الأزواج وإن كنت مضطراً إليها.

خالد الحذاء وامرأة خطبها وعن خالد الحذّاء قال: خطبت امرأةً من بني أسد فجئت لأنظر إليها وبيني وبينها رواقٌ يشفّ، فدعت بجفنةٍ مملوءة ثريداً مكلّلة باللحم فأتت على آخرها، وأتت بإناء مملوءٍ لبناً أو نبيذاً فشربته حتى كفأته على وجهها، ثم قالت: يا جارية ارفعي السّجف؛ فإذا هي جالسةٌ على جلد أسدٍ وإذا شابةٌ جميلةٌ، فقالت: يا عبد اللّه: أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي ومشربي، فإن أحببت أن تتقدّم فافعل، فقلت: أستخير اللّه وأنظر. فخرجت ولم أعد.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمّ سليم تنظر إلى امرأة فقال: " شمّي عوارضها وانظري إلى عقبها " .

شعر للنابغة وقال النابغة:

ليست من السّود أعقاباً إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما

وقال الأصمعيّ: إذا اسودّ عقب المرأة اسودّ سائرها.

رد علي بن الحسين على عبد الملك في جارية تزوجها تزوّج عليّ بن الحسين أمّ ولدٍ لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك في ذلك، فكتب إليه: إن اللّه قد رفع باالإسلام الخسيسة وأتمّ النقيصة، وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم، هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد تزوّج أمته وامرأة عبده. فقال عبد الملك:إن عليّ بن الحسين يتشرّف من حيث يتّضع الناس.

للأصمعي في رغبة الناس بالسراري الأصمعيّ قال: كان أهل المدينة يكرهون اتّخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم عليّ بن الحسين والقاسم بن محمد " بن أبي بكر " ، وسالم بن عبد اللّه " بن عمر " ، ففاقوا أهل المدينة فقهاً وورعاً فرغب الناس في السّراري.

لمسلمة بن عبد الملك وقال مسلمة بن عبد الملك: عجبنا من رجل أخفى شعره ثم أعفاه، أو قصّر شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراريّ فاتّخذ المهيرات.

شعر لمديني قال رجلٌ من أهل المدينة:

لا تشتمنّ امرأً في أن تكون له ... أمّ من الروم أو سوداء عجماء

فإنما أمّهات الناس أوعيةٌ ... مستودعات وللأحساب آباء

وربّ واضحةٍ ليست بمنجبةٍ ... وربما أنجبت للفحل سوداء

لرجل شاور حكيماً في التزوّج بلغني أن رجلاً شاور حكيماً في التّزوّج فقال له: افعل، وإيّاك والجمال الفائق، فإنه مرعىً أنيق. فقال: ما نهتني إلا عما أطلب. فقال: أما سمعت قول القائل:

ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبدا ... إلا وجدت به آثار منتجع

عمر بن الوليد والوليد بن يزيد وقال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لمعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهنّ وهنّ يأتين بمثلك.

لأبي الدرداء في خير النساء وشرهنّ ويروى عن أبي الدّرداء أنه قال: خير نسائكم التي تدخل قيساً وتخرج ميساً وتملأ بيتها أقطاً وحيساً، وشرّ نسائكم السّلفعة، التي تسمع لأضراسها قعقعة، ولا تزال جارتها مفزّعة. وقد فسرت هذا في كتاب غريب الحديث.

بين معاوية وعقيل بن أبي طالب في أشهى النساء وأسوأهن وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: أيّ النساء أشهى؟ قال: المؤاتية لما تهوى. قال: فأيّ النساء أسوأ؟ قال: المجانية لما ترضى. قال معاوية: هذا واللّه النّقد العاجل. قال عقيل: بالميزان العادل.

الأكفاء من الرجالللنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " إذا جاءكم من ترضون خلقه وخلقه فزوّجوه إنكم إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض.

وعن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " الحسب المال والكرم التقوى " .

وعن أنسٍ قال: قالت أمّ حبيبة: يا رسول اللّه، المرأة منّا يكون لها الزوجان في الدنيا فتموت فلأيّهما تكون في الآخرة؟ قال: " لأحسنهما " خلقاً " يا أمّ حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " .

عن عطيّة بن قيس قال: خطب معاوية أمّ الدّرداء فقالت: قال أبو الدّرداء: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " المرأة لآخر زوجيها " فلست بمتزوّجة بعد أبي الدرداء حتى أتزوّجه في الجنة إن شاء اللّه تعالى.

ويقال: إنما حرم أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على من بعده لأنّهنّ أزواجه في الجنّة.

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه

 

عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح فإنّهنّ يحببن ما تحبّون.

لابنة الخُسّ ابن الأعرابيّ قال: قيل لابنة الخُسّ: ألا تتزوّجين؟ فقالت: بلى، لا أريده أخا فلان ولا ابن فلان ولا الظريف المتظرّف ولا السمين الألحم، ولكن أريده كسوباً إذا غدا، ضحوكاً إذا أتى.

بينها وبين أبيها وكان أبوها قد كفّ بصره فقال: ما بال ناقتك؟ قالت: عينها هاجّ وملؤها راجّ وتمشي وتفاجّ؛ فقال: يا بنيّة عقليها. فعقلتها؛ فقال: ما صنعت حتى اضطرمت.

لأعرابي في كفاية الزوج قيل لعرابيّ: فلانٌ يخطب فلانة. قال: أموسر من عقلٍ ودينٍ؟ قالوا: نعم. قال: فزوّجوه.

عن عيسى بن عمر قال: قال رجل لأعرابيّ: أمنكحي أنت؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأنك أصبح اللّحية.

عقيل بن علفة وعبد الملك بن مروان وكان عقيل بن عّلفة غيوراً، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على حد بنيه، وكانت لعقيل إليه حوائج، فقال له: إن كنت لا بدّ فاعلاً فجنّبني هجناءك.

وله مع إبراهيم بن هشام وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل - وكان " إبراهيم بن " هشام ولي المدينة وخال هشام بن عبد الملك - فردّه لأنه كان أبيض شديد البياض، فقال:

رددت صحيفة لقرشيّ لمّا ... بت عرقه إلاّ احمرارا

يعني العجم يسمّون الحمراء.

بين عبد الملك بن مروان وقرشية بن الأعرابي قال: قال عبد الملك بن مروان لامرأةٍ من قريشٍ تزّوجت رجلاً مغموصاً عليه: أتنكح الحرّة عبدها؟ فقالت: يا أمير المؤمنين

إنّ المهور تنكح الأيامي ... النّسوة الأرامل اليتامى

المرء لا تبغي له سلاماً

لابن الأعربي وقال ابن الأعرابي: خطب رجلٌ إلى رجلٍ فلم يرضه فأنشأ يقول:

قل للذين سعوا يبغون رخصتها ... ما رخّص الجوع عندي أمّ كلثوم

الموت خير لها من بعل منقصةٍ ... ساقت إليه أباها جلّةٌ كوم

عمر الخير وكان عمر الخير نكّاحاً " فكن " في عام سنةٍ يقول: لعل الضيفة تحملهم على أن ينكحوا غير الاكفاء.

بين المساور والمرّار وقال المساور للمرّار:

ما سرني أن أمي من بني أسدٍ ... وأن ربّي ينجيني من النار

وأنهم زوّجوني من بناتهم ... وأن لي كل يومٍ ألف دينار

فأجابه المرار:

فلست للأم من عبسٍ ومن أسدٍ ... وإنما أنت دينار ابن دينار

وإن تكن أنت من عبس وأمهم ... فإن أمكم من جارة الجار

دينار ابن دينار: عبد ابن عبد. وجارة لجار: الاست. والجار: الفرج.

لأعرابي في امراة دلته على زوجة وقال بعض الاعراب:

أقول لها لما أتتني تدلّني ... على امرأةٍ موصوفةٍ بجمال

أصبت لها ولله بعلاً كما اشتهت ... إن اغتفرت مني ثلاث خصال

فمنهن فسقٌ لا يبارى وليده ... ورقّة إسلامٍ وقلّة مال

بين ابن هبيرة ورجل وقال رجل لابن هبيرة: أنا ابن الذي خطب إلى معاوية؛ فقال ابن هبيرة: أفزوّجه؟ قال: لا؛ فقال ما صنعت شيئاً.

لشيخ في رجل من بني كلاب خطب امرأة أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة، فقالت له أمها: حتى أسأل عنك. فانصرف فسأل عن أكرم الحيّ عليها، فدلّ على شيخ فيهم كان يحسن المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه؛ ثم إن العجوز شمرت فسألته عنه فقال: أنا ربيته، قالت: كيف لسانه؟ قال: مدرة قومه وخطيبهم. قالت: كيف شجاعته؟ قال: حامي قومهم وكهفهم. قالت: فكيف سماحته؟ قال: ثمال قومه وربيعهم. فأقبل الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا انحنى. فدنا الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلّم! ما جار ولا خار. ثم جلس، فقال: ما أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرك فضرط، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنها ولا أطنها. ولا بربرها ولا فرفرها. فنهض الفتى خجلاً فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انخزل. فأسرع الفتى، فقال: ما أحسن والله ما خطا! ما ازور ولا اقطوطى. قالت العجوز: وجّه إليه من يرده لو سلح لزوّجناه.

خالد بن صفوان يخطب امرأة

 

خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحسب على ما قد علمتيه، وكثرة المال على ما قد بلغك، وفيّ خصال سأبينها لك فتقدمين عليّ و تدعين. قالت: وما هي؟ قال: إن الحرة إذا دنت مني أملتني، وإذا تباعدت عني أعلتني، ولا سبيل إلى درهمي وديناري، ويأتي عليّ ساعةٌ من الملال لو أن رأسي في يدي نبذته. فقالت: قد فهمنا مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصالٌ لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك الله.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

ألا يا ليل إن خيّرت فينا ... بعيشك فانظري أين الخيار

فلا تستنكحي قدما غبيا ... له ثارٌ وليس عليه ثار

وقال آخر لامرأته:

فإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشيرة حسّادها

يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه ويبغض من سادها

وقال آخر:

فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا

من القوم ذا لونين وسّع بطنه ... ولكن أذيّا حلمه ما توسّعا

ضروباً بلحييه على عظم زوره ... إذا لقوم هشّوا للفعال تقنعا

لإبراهيم بن النعمان وقد زوّج ابنته لمولى عثمان بن عفان زوّج إبراهيم بن النعمان بن بشير يحيى بن " أبي " حفصة مولى عثمان بن عفان ابنته على عشرين ألف درهم، فعيّر فقال:

فما تركت عشرون ألفاً لقائل ... مقالاً فلا تحفل مقالة لائم

فإن أك قد زوّجت مولى فقد مضت ... به سنةٌ قبلي وحبّ الدراهم

ويحيى هذا جدّ مروان الشاعر، وكان يهودياً فأسلم على يد عثمان. وتزوج أيضاً خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيّد أهل الوبر. فقال القلاخ:

نبئت خولة قالت حين أنكحها ... لظالماً كنت منك العار أنتظر

أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما ... في فيك مما رجوت الترب والحجر

للّه درّ جيادٍ أنت سائسها ... برذنتها وبها التحجيل والغرر

بين ابن عباس ورجل خطب يتيمة له خطب رجلٌ إلى ابن عباس يتيمةً له؛ فقال ابن عباس: لا أرضاها لك. قال: ولم، وفي حجرك نشأت؟ قال: لأنها تتشرف وتنظر. قال: وما هذا! فقال ابن عباس: الآن لا أرضاك لها.

زياد وسعيد بن العاص كتب زيادٌ إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أمّ عثمان بنت سعيد وبعث إليه بمالٍ كثير؛ فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا، فلم قبضه أمره بقسمه بين جلسائه. فقال الحاجب: إنه أكثر من ذلك. فقال: أنا أكثر منها. ففعل؛ ثم كتب إلى زيدٍ: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فإنّ الإنسان ليطغى ن رآه استغنى.

بين لقيط بن زرارة وقيس بن خالد خطب لقيط بن زرارة إلى قيس بن خالد ذي الجدّين الشّيبانيّ؛ فقال له قيس: ومن أنت؟ قال: لقيط بن زرارة. قال: وما حملك أن تخطب إليّ علانيةً؟ فقال: لأنّي عرفت أنّي إن عالنتك لم أفضحك وإن ساررتك لم أخدعك. فقل: كفء كريم، لا تبيت واللّه عندي عزباً ولا غريباً.

فزوّجه ابنته وساق عنه.

للحسن في الزوج قال رجل للحسن: إن لي بنيّة وإنها تخطب، فممّن أزوّجه؟ فقال: زوّجها ممن يتقي اللّه، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

أمّ أبان وخطّابها قال أبو اليقظان: خطب عمر بن الخطّاب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلا عابساً ولا يخرج إلا عابساً، يغلق أبوابه ويقلّ خيره. ثم خطبها الزّبير، فقالت: يدٌ له على قروني ويدٌ له في السّوط. وخطبها عليّ، فقالت: ليس للنساء منه حظّ إلا أن يقعد بين شعبهن الأربع لا يصبن منه غيره. وخطبها طلحة فأجابت فتزوّجها؛ فدخل عليها عليّ بن أبي طالب فقال لها: رددت من رددت منّا وتزوّجت ابن بنت الحضرميّ! فقالت: القضاء والقدر. فقال: أما إنك تزوّجت أجملنا مرآةً وأجودنا كفّاً وأكثرنا خيراً على أهله.

الحضّ على النكاح وذمّ التبتّل

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في الحض على النكاح عن عكّاف بن وداعة الهلاليّ: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال له: " يا عكّاف ألك امرأة؟ " قال: لا. قال: " فأنت إذاً من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم وإن كنت منّا فمن سنّتنا النكاح " .

 

عن طاوس أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " لا زمام ولا خزام ولا رهبانيّة في الإسلام ولا تبّتل ولا سياحة في الإسلام " .

طاوس لإبراهيم بن ميسرة عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحنّ أو لأقولنّ لك ما قال عمر لأبي الزوائد. ما يمنعك من النكاح إلا عجزٌ أو فجور.

علقمة لامرأته عن إبراهيم قال: قال علقمة لامرأته: خذي أحسن زينتك ثم اجلسي عند رأسي، لعلّ اللّه أن يرزقك من بعض عوّادي خيراً.

وفي بعض الأخبار: أربعٌ من سنن المرسلين: التّعطّر، والنّكاح، والسّواك، والختان.

باب الحسن والجمالبين الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعائشة رضي اللّه عنها عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة من كلبٍ، فبعثني أنظر إليها؛ فقال لي: " كيف رأيت " ؟ فقلت: ما رأيت طائلاً؛ فقال: " لقد رأيت خالاً بخدّها اقشعرّ كل شعرةٍ منك على حدةٍ " . فقالت: ما دونك سرّ.

بين أبي الأسود الدؤلي وعبيد اللّه بن زياد القحذميّ:ّ قال: دخل أبو الأسود على عبيد اللّه بن زياد فقال: أصبحت جميلاً، فلو تعلّقت معاذةً فظنّ أنه يهزأ به فقال:

أفني الشباب الذي أبليت جدّته ... مرّ الجديدين من آتٍ ونطلق

لم يبقيا لي في طول اختلافهما ... شيئاً يخاف عليه لذعة الحدق

قتادة بن ملحان وحيان بن عمير عن حيّان بن عمير قال: دخلت على قتادة بن ملحان، فمرّ رجل في أقصى الدار فرأيته في وجه قتادة، فقال: إنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم مسح وجهه.

لعون بن عبد اللّه عن عون بن عبد للّه قال: كان يقال: من كان في صورةٍ حسنةٍ ونصب لا يشينه ووسّع عليه في الرزق، كان من خالصة اللّه.

أبيات في الحسن والجمال وقال الحكم بن قنبر:

ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أنّ ذا كملا

كلّ جزءٍ من ملاحتها ... كائنٌ من حسنها مثلا

لو تمنّت في متاعتها ... لم ترد من نفسها بدلا

وقال بعض المحدثين:

فلما رأوك العاذلون حججتهم ... بحسنك حتّى كلّهم لي غادر

وقال أيضاً:

تحيّر من حسنه فهمه ... وتاه وحقّ له أن يتيها

رأى غيره ورأى نفسه ... فلم ير فيه لشيءٍ شبيها

وقال الأعشي في وصف امرأة:

فأفضيت منها إلى جنّةٍ ... تدلّت عليّ بأثمارها

لعائشة رضي اللّه عنها فيمن يؤم القوم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواءً فأصبحهم وجهاً.

لجميل بن معمر في حسن مصعب وقال جميل بن معمر: ما رأيت مصعباً يختال بالبلاط إلا غرت على بثينة، وبينهما ثلاثة أيّام.

مصعب بن الزبير والشعبي عن الشّعبيّ قال: دخلت المسجد باكراً، وإذا بمصعب بن الزّبير والناس حوله، فلما أردت الإنصراف قال لي: أدن. فدنوت منه حتى وضعت يدي على مرفقته؛ فقال: إذا أنا قمت فاتبعني؛ وجلس قليلاً، ثم نهض فتوجّه نحو دار موسى بن طلحة فتتبّعته؛ فلما أمعن في الدار التفت إليّ وقال: أدخل. فدخلت " معه ومضى نحو حجرته وتبعته، فالتفت إليّ فقال: أدخل، فدخلت معه " فإذا حجلةٌ، فطرحت لي وسادةٌ فجلست عليها، ورفع سجف القبّة، فإذا أجمل وجهٍ رأيته قطّ؛ فقال: يا شعبيّ، هل تعرف هذه؟ قلت: نعم، هذه سيّدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة؛ فقال: هذه ليلى، ثم تمثّل:

وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي ... إلى اليوم أخفي إحنةً وأداجن

وأحمل في ليلى قومٍ ضغينةً ... وتحمل في ليلى عليّ الضغائن

ثم قال: إذا شئت يا شعبيّ " فقم " . فخرجت؛ " فلما كن العشيّ رحت " إلى المسجد فإذا مصعبٌ بمكانه؛ فقال لي: ادن. فدنوت؛ فقال لي: هل رأيت مثل ذلك لإنسانٍ " قطّ " ؟ قلت: لا؛ قال: أتدري دخلناك؟ قلت: لا؛ قال: لتحدّث بما رأيت. ثم التفت إلى " عبد اللّه بن " أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً.فما انصرف " يومئذٍ " أحدٌ بمثل ما انصرفت به: بعشرة آلاف " درهم " ، وبمثل كارة القصّار، ونظري إلى عائشة.

لأبي الغصن الأعرابي

 

أبو الغصن الأعرابيّ قال: خرجت حاجّاً، فلمّا بقباء تداعى أهله وقالوا: الصّقيل الصّقيل! فنظرت وإذا جارية كأنّ وجهها سيفٌ صقيلٌ، فلمّا رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها، فقلنا: إنّا سفرٌ وفينا أجرٌ، فأمتعينا بوجهك؛ فانصاعت وأنا أعرف الضّحك في وجهها وهي تقول:

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كلّه أنت قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

بين فتاة حسناء وعمتها ومرّ رجلٌ بناحية البادية فإذا فتاة كأحسن ما تكون؛ فوقف ينظر إليها، فقالت له عجوز من ناحية: ما يقيمك على الغزال النّجدي ولا حظّ لك فيه؟ فقالت الجارية: يا عمتاه، يظنّ كما قال ذو الرّمّة:

وإن لم يكن إلاّ تعلّل ساعةٍ ... قليلاً فإنّي نافع لي قليلها

وقال بعض المحدثين:

الخال يقبح بالفتى في خدّه ... والخال في خدّ الفتاة مليح

والشّيب يحسن بالفتى في رأسه ... والشيب في رأس الفتاة قبيح

وقال جعفر بن محمد: الجمال مرحومٌ: بين شريح ورجل رأى رجلٌ شريحاً يجول في بعض الطّرق فقال: ما غدا بك؟ فقال: عسيت أن أنظر إلى صورة حسنة.

بين خالد بن صفوان وامرأة قالت امرأة خالد بن صفوان له يوماً: ما أجملك! قال: ما تقولين ذاك وما لي عمود الجمال، ولا عليّ رداؤه ولا برنسه. قالت: ما عمود الجمال وما رداؤه وما برنسه؟ قال: أما عمود الجمال فطول القوام وفي قصرٌ؛ وأمّا رداؤه فالبياض ولست بأبيض؛ وأما برنسه فسواد الشعر وأنا أصلع. ولكن لو قلت: ما أحلاك وما أملحك، كان أولى.

لأبي اليقظان في جيش ابن الأشعب أبو اليقظان قال: كان يسمّي جيش ابن الأشعب جيش الطواويس، لكثرة من كان فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.

عمر بن الخطاب ومعقل بن سنان قال: وقال أبو اليقظان: سمع عمر بن الخطاب قائلاً بالمدينة يقول:

أعوذ بربّ الناس من شرّ معقلٍ ... إذا معقلٌ راح البقيع مرجّلا

يعني معقل بن سنان الأشجعيّ، وكان قدم المدينة؛ فقال له عمر: إلحق بباديتك.

في جمال نصر بن حجاج البهزيّ وسمع امرأةً ذات ليلة تقول:

ألا سبيل إلى خمرٍ فأشربها ... أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجّاج

وهذا نصر بن حجّاج بن علاط البهزيّ، وكان من أجمل الناس، فدعا به عمر فسيره إلى البصرة - فأتى مجاشع بن مسعود السّلميّ فدخل عليه يوماً وعنده امرأته شميلة وكان مجاشع أميّاً، فكتب نصر على الأرض: أحبّك حبّاً لو كان فوقك لأظلك أوتحتك لأقلّك. فكتبت هي وأنا واللّه كذلك. فكبّ مجاشعٌ على الكتابة إناءً ثم أدخل كاتباً فقرأه، فأخرج نصراً وطلّقها - فقال نصر بن حجّاج:

وما لي ذنبٌ غير ظنّ ظننته ... وفي بعض تصديق الظنون أثام

لعمري إن سيّرتني أو حرمتني ... وما نلت ذنباً إنّ ذا لحرام

أأن غنّت الذّلفاء ليلاً بمنيةٍ ... وبعض أمانيّ النساء غرام

ظننت بي الظنّ الذي ليس بعده ... بقاءٌ وما لي في النّديّ كلام

فأصبحت منفيّاً على غير ريبةٍ ... وقد كان لي بالمكّتين مقام

ويمنعني ممّا تمنّت تكرّمي ... وآباء صدقً سالفون كرام

ويمنعها ممّا تمنّت حياؤها ... وحالٌ لها مع عفّةٍ وصيام

وهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... وقد خفّ منّي كاهلٌ وسنام

وأنا أحسب هذا الشعر مصنوعاً: شعر للقيط بن زرارة، ولغيره قال لقيط بن زرارة:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه

قال أبو الطّمحان القيني:

يكاد الغمام الغرّ يرعد أن رأى ... وجوه بني لأمٍ وينهل بارقه

وقال آخر:

وجوهٌ لو أنّ المعتفين اعتشوا بها ... صدعن الدّجى حتى ترى الليل ينجلي

لعمر بن الخطاب، ثم لعلي بن أبي طالب قال عمر بن الخطاب " رضي اللّه عنه " : إنّا سمعنا بكم شعرنا أحسنكم وجوهاً، وإذا اختبرناكم كانت الخبرة أولى بكم.

 

قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه: خصصنا بخمس: بصباحة، وفصاحة، وسماحة، ورجاحة، وحظوة " يعني " عند " النساء " . وسئل عن أميّة فقال: هم أغدر وأفجر وأمكر؛ ونحن أفصح وأصبح وأسمح.

لامرأة في الزبير وعليّ ومصعب رأت امرأة الزبير فقالت: من هذا الذي هو أرقم يتلمّظ؟ ورأت عليّاً فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر؟ ورأت طلحة فقالت: من هذا الذي كأنه دينارٌ هرقلي؟ لسكينة بنت الحسين في ابنتها ألبست سكينة بنت الحسين ابنةً درّاً كثيراً وقالت: واللّه ما ألبستها أيّاه إلاّ لتفضحه.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء يذكر نساءً مع جارية:

أقبلن في رأد الضّحاء بها ... وسترن وجه الشمس بالشمس

ذكر بعض الأعراب امرأةً قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلمّا غاب أرتينه.

وقال بعض الشعراء:

غلامٌ رماه اللّه بالحسن يافعاً ... له سيمياء لا تشقّ على البصر

كأنّ الثّريّا علّقت في جبينه ... وفي أنفه الشّعري وفي وجهه القمر

ولمّا رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى بثوبٍ واسع الذّيل وأتزر

إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلاً ذلّ ولو شاء لانتصر

بين أعرابي وأمه قال غلامٌ من الأعراب لأمّه:

نشدتك باللّه هل تعلمين ... بأنّي طويلٌ وأنّي حسن

قالت: قبحك اللّه!فكان ماذا! قال:

وأنّي أقمّص بالدّار عين ... غداة الصّباح وأحمي الظعّن

قال عمّه: فهلاّ كان ذا قبل! قال الشاعر:

بيضاء تسحب من قيام شعرها ... وتغيب فيه وهو جثل أسحمٌ

فكأنّها فيه نهارٌ ساطع ... وكأنه ليلٌ عليها مظلم

وقال الطائيّ:

بيضاء تبدو في الظلام فيكتسي ... نوراً وتبدو في النهار فيظلم

أعرابي يصف امرأة وصف أعرابيّ امرأة فقال: كاد الغزال يكونها، لولا ما تمّ منها ونقص منه لابن الأعرابي في الحلاوة والجمال والملاحة قال ابن الأعرابيّ: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم.

قال أعرابيّ يصف امرأةً:

خزاعّية الأطراف مرّية الحشا ... فزاريّة العينين طائّية الفم

المقنع الكندي كان المقّنع الكندي من أجمل الناس وكان يتقنع لأنه كان متى سفر لقع " أي أصيب بعينٍ " ، وهو القائل:

وفي الظّعائن والأحداج أملح من ... حلّ العراق وحلّ الشام واليمنا

جنيّةٌ من نساء الإنس أحسن من ... شمس النهار وبدر الليل لو قرنا

الحكم بن صخر وجارية الحكم بن صخر الثّقفيّ قال: خرجت حاجّاً مختفياً، فلمّا كنت ببعض الطريق أتتني جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجوهاً، ولا أظرف ألسنةً ولا أكثر علماً وأدباً، فقصّرت بهما يومي فكسوتهما. ثم حججت من قابلٍ ومعي أهلي، وقد أصابتني علّةٌ فنصل لها خضابي، فلمّا صرت إلى ذلك الموضع فإذا أنا بإحداهما، فدخلت عليّ، فسألت مسألة منكر فقلت: فلانة! قالت: فدىً لك أبي وأمي! تعرفني وأنكرك؟! قلت: أنا الحكم بن صخر. قالت: إني رأيتك عاماً أوّل شابّاً سوقةً وأراك العام ماكاً شيخاً، وفي دون هذا ينكر المرء صاحبه. قلت: ما فعلت أختك؟ قالت: تزوجها ابن عمٍّ لها وخرج بها إلى نجد فذلك حيث يقول:

إذا ما قفلنا نحو نجدً وأهله ... فحسبي من الدّنيا قفولٌ إلى نجد

فقلت: لو أدركتها لتزوّجتها. فقالت: ما يمنعك من شقيقتها في حسبها، ونظيرتها في جمالها؟ - تعني نفسها - قلت: يمنعني من ذلك ما قال كثيّر:

إذا وصلتنا خلّةٌ كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبيّة أوّل

فقالت: فكثيّر بيني وبينك، أليس هو القائل:

هل وصل عزّة إلا وصل غانيةٍ ... في وصل غانيةٍ من وصلها خلف

فسكت عيّاً عن جوابها.

أبو حازم المدني وامرأة حسناء التقاها في موسم الحج قل أبو حازم المدنيّ: بينا أنا أرمي الجمار رأيت امرأة سافرةً من أحسن الناس وجهاً ترمي الجمار، فقلت: يا أمة اللّه، أما تتقين اللّه! تسفرين في هذا الموضع فتفتنين الناس! قالت: أنا واللّه يا شيخ من اللواتي قل فيهنّ الشاعر:

من اللاّء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن لبريء المغفّلا

 

قلت: فإنّي أسأل اللّه ألاّ يعذّب هذا الوجه بالنار.

شعر لأعرابي، ولآخرين قال أعرابيّ:

يا زين من ولدت حوّاء من ولدٍ ... لولاك لم تحسن الدنيا ولم تطب

أنت التي من أراه اللّه صورتها ... نال الخلود فلم يهرم ولم يشب

وقال أعرابيّ:

إذا هنّ أبدين الخدود وحسّرت ... ثغورٌ عن الأفواه كي تتبسّما

أجاد القضاة العادلون قضاءهم ... لهنّ بلا وهمٍ وإن كنّ أظلما

" وقال عروة بن أذينة " :

إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوىً لها

فإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلّها

بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقةٍ فأدقّها وأجلّها

وقال أعرابيّ يرقص ابناً له:

يا ربّ ربّ مالكٍ بارك فيه ... بارك لمن يحبّه ويدينه

ذكرني لمّا نظرت في فيه ... أجزع نورٍ غربت أواخيه

والوجه لما أشرقت نواحيه ... دينار عينٍ بيدٍ تبريه

لابن شبرمة وقال ابن شبرمة: ما رأيت لباساً على رجل أزين من فصاحةٍ، ولا رأيت لباساً على امرأةٍ أزين من شحمٍ.

لأعرابي حسن الكدنة قيل لأعرابيّ: إنك لحسن الكدنة فقال: ذلك عنوان نعمة اللّه عندي.

للحجاج قال الحجّاج: لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها.

شعر للمرار العدوي وقال المرّار العدويّ:

صلته الخدذ طويلٌ جيدها ... ضخمة الثّدي ولمّا ينكسر

لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: لا تحسن المرأة حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضّجيع.

بين أسدي وامرأة عن رجل من بني أسدٍ قال: أضللت إبلاً لي، فخرجت في طلبهنّ، فهبطت وادياً وإذا أنا بفتاةٍ أعشى نور وجهها نور بصري؛ فقالت لي: يا فتى، ما لي أراك مدلّها؟ فقلت: أضللت إبلاً لي فأنا في طلبها. قالت: أفأدلّك على من هي عنده وإن شاء أعطاكها؟ قلت: نعم ولك أفضلهنّ. قالت: الذي أعطاكهنّ أخذهنّ وإن شاء ردهنّ، فسله من طريق اليقين لا من طريق الإختبار. فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن كلامها، فقلت: ألك بعلٌ؟ قالت: قد كان، ودعي فأجاب فأعيد إلى ما خلق منه. قلت: فما قولك في بعل تؤمن بوائقه، ولا تذمّ خلائقه؟ فرفعت رأسها وتنفّست وقالت:

كنّا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما ... ماء الجداول في روضات جنّات

فاجتثّ خيرهما من جنب صاحبه ... دهرٌ يكرّ بترحاتٍ وفرحات

وكان عاهدني إن خانني زمنٌ ... ألاّ يضاجع أنثى بعد مثواتي

وكنت عاهدته إن خانه زمنٌ ... ألاّ أبوء ببعل طول محياتي

فلم نزل هكذا والوصل شيمتنا ... حتى توفّي قريباً مذ سنيّات

فاقبض عنانك عمّن ليس يردعه ... عن الوفاء خلافٌ بالتحيّات

بين متمّم بن نويرة وعمر بن الخطاب قال أبو اليقظان: دخل متمّم بن نويرة على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال له عمر: ما أرى في أصحابك مثلك! قال: يا أمير المؤمنين، أما واللّه إنّي مع ذلك لأركب الجمل الثّفال، وأعتقل الرّمحٍ الشّطون، وألبس الشّملة الفلوت. ولقد أسرني بنو تغلب في حديث، فأطلقوني له بغير فداءٍ.

كان يقال: المنظر محتاجٌ إلى القبول، والحسب محتاجٌ إلى الأدب، والسّرور محتاجٌ إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التّواضع، والنجدة محتاجةٌ إلى الجدّ.

قال الحسن بن وهب:

ما لمن تمّت محاسنه ... أن يعادي طرف من نظرا

لك أن تبدي لنا حسناً ... ولنا أن نعمل البصرا

باب القبح والدّمامة

لأمير من أمراء العراق في امرأة قبيحة أخبرنا بعض أشياخ البصرة أنّ رجلاً وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة حسنة المنتقب قبيحة المسفر، وكان لها لسانٌ، فكأن العامل مال معها، فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجها ثم يسيء إليها. فأهوى الزوج فألقى النّقاب عن وجهها، فقال العامل: عليك اللعنة، كلام مظلوم ووجه ظالم.

لرجل من البصرة تزوج ومنع من الخروج

 

أبو زيد الكلابيّ: قدم رجلٌ منّا البصرة فتزوّج امرأةً، فلمّا دخل بها وأرخيت السّتور وأغلقت الأبواب عليه، ضجر الأعرابيّ وطالت ليلته، حتى إذا أصبح وأراد الخروج منع من ذلك وقيل له: لا ينبغي لك أن تخرج إلا بعد سبعة أيام؛ فقال:

أقول وقد شدّوا عليها حجابها ... ألا حبّذا الأرواح والبلد القفر

ألا حبّذا سيفي ورحلي ونمرقي ... ولا حبّذا منها الوشاحان والشّذر

أتوني بها قبل المحاق بليلةٍ ... فكان محاقاً كلّه ذلك السهر

وما غرّني إلاّ خضابٌ بكفّها ... وكحلٌ بعينيها وأثوابها الصّفر

تسائلني عن نفسها هل أحبّها ... فقلت ألا لا والذي أمره الأمر

تفوح رياح المسك والعطر عندها ... وأشهد عند اللّه ما ينفع العطر

لبعض الشعراء يصف امرأة قبيحة وقال آخر:

أعوذ باللّه من زلاّء فاحشةٍ ... كأنما نيط ثوباها على عود

لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت ... وفي الذّنابي وفي العرقوب تحديد

أعوذ باللّه من ساقٍ لها حنبٌ ... كأنها من حديد القين سفّود

وقال أخر:

موتّرة العلباء القفا ... لها ندبٌ من حكّها غير دارس

إذا ضحكت حالت غضونٌ كأنها ... غباب حرباءٍ تحوّز شامس

كأن وريديها رشاء محالةٍ ... مغاران من جلدٍ من القدّ يابس

وقال آخر:

يا عجبا والدّهر ذو تعاجيب ... هل يصلح الخلخال في رجل الذّيب

اليابس الكعب الحديد العرقوب

لأخر في عجوز تزوّجها وقال آخر:

لها جسم برغوثٍ وساقا بعوضةٍ ... ووجهٌ كوجه القرد بل هو أقبح

وتبرق عيناها إذا ما رأيتها ... وتعبس في وجه الضّجيع وتكلح

وتفتحلا كانت فماً لو رأيتهتوهّمته باباً من النار يفتح

فما ضحكت في الناس إلا ظننتها ... أمامهم كلباً يهرّ وينبح

إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعوّذ منها حين يمسي ويصبح

وقد أعجبتها نفسهافتملّحت ... بأيّ جمال ليت شعري تملحّ

لأعرابي في امرأة كالغول رأى أعرابيّ امرأة في شارةٍ وهيئة، فظّن بها جمالاً، فلما سفرت فإذا هي غولٌ؛ فقال:

فأظهرها ربيّ بمنّ وقدرةٍ ... عليّ ولولا ذاك متّ من الكرب

فلمّا بدت سبّحت من قبح وجهها ... قلت لها السّاجور خيرٌ من الكلب

بين سعيد بن بيان والأخطل كان سعيد بن بيانٍ التغّلبيّ سيدّ بني تغلب، وكانت تحته برّة وكانت من أجمل النساء، فقدم الأخطل الكوفة على بشر بن مروان، فدعاه سعيد بن بيانٍ واحتفل ونجّد بيوته واستجاد طعامه وشرابه، فلما شرب الأخطل جعل ينظر إلى وجه برّة وجمالها، وإلى وجه سعيد وقبحه، فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل تدخل على الخلفاء والملوك فأين ترى هيئتنا من هيئتهم! فقال الأخطل: ما لبيتك عيبٌ غيرك. فقال سعيد: أنا واللّه أحمق منك يا نصرانيّ حين أدخلك منزلي. وطرده فخرج الأخطل وهو يقول:

وكيف يداويني الطبيب من الجوى ... وبرّة عند الأعور ابن بيان

فهلاّ زجرت الطّير إذ جاء خاطباً ... بضيقة بين النّجم والدّبران

عبد بني الحساس يذكر قبحه قال عبد بني الحسحاس يذكر قبحه:

أتيت نساء الحارثيّين غدوةً ... بوجهٍ براه اللّه غير جميل

فشبّهنني كلباً ولست بفوقه ... ولا دونه إن كان غير قليل

بين الأحنف ورجل عابه بقبحه قال رجل للأحنف: " تسمع بالمعتديّ لا أن تراه " ؛ فقال: ما ذممت منّي يابن أخي؟ قال: الدّمامة وقصر القامة. قال: لقد عبت عليّ ما لم أؤامر فيه.

قبح الأحنف قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب بن الزّبير، فما رأيت خصلةً تذمّ إلا وقد رأيتها في الأحنف: كان صعل الرأس، متراكب الأسنان، أشدق، مائل الذّقن، ناتىء الوجه، غائر العين، خفيف العارض، أحنف الرّجل، ولكنه إذا تكلّم جلا عن نفسه.

شعر لهبنّقة في قبح محارش أبو اليقظان قال: كان المحارش قبيحاً فقال فيه هبنّقة:

 

لو كان وجهي مثل وجه محارشٍ ... إذاً ما قربت الدّهر باب أمير

قال:وأخذ محارش قذاةً عن عبيد اللّه بن زياد؛ فقال: صرف عنك السّوء؛ فقال جلساؤه: إذاً يصرف عنه وجهه.

سئل مدنيّ عن حلية رجلٍ، فقال: حليته محجمه.

المأمون ومحمد بن الجهم قال المأمون لمحمد بن الجهم: أنشدني يبتاً حسناً أولّك به كورةً؛ فقال:

قبحت مناظرهم فحين خبرتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر

فاستزاده، فأنشده:

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر

فولاّه الدّينور وهمذان.

لأعرابي في امرأته قال أعرابيّ في امرأته:

ولا تستطيع الكحل من ضيق عينها ... فإن عالجته صار فوق المحاجر

وفي حاجبيها حرّةٌ لغرارةٍ ... فإن حلقا كانا ثلاث غرائر

وثديان أمّا واحدٌ فكموزةٍ ... وآخر فيه قربةٌ لمسافر

بين إسحاق الموصلي وقريبة ابن سيابة وقال إسحاق الموصليّ: رأت قريبة ابن سيلبة مولى ابن أأسد عندي، فقلت لها: يا أمّ البهلول كيف ترين هذا؟ قالت: ما له قبّحه " اللّه " عامّةً؟؟! لو كان داءً ما بريء منه.

شعر فاتك في سعيد بن مسلم وقال فاتكٌ في سعيد بن سلم:

وإنّ من غاية حرص الفتى ... طلابه المعروف في باهله

كبيرهم وغدٌ ومولودهم ... تلعنه من قبحه القابلة

الأسعر الجعفي يذكر قوماً قال الأسعر الجعفيّ يهجو قوماً:

زعانف سودٌ كخبث الحدي ... يد يكفي الثلاثة شقّ الإزار

أبو نواس يذكر امرأة وقال أبو نواس يذكر امرأةً:

وقائلةٍ لها في وجه نصحٍ ... علام قتلت هذا المستهاما

فكان جوابها في حسن سرٍّ ... أأجمع وجه هذا والحراما

من أخبار المغيرة بن شعبة كان المغيرة بن شعبة قبيحاً أعور، فخطب امرأةً، فأبت أن تتزّوجه، فبعث إليها: إن تزوّجتيني ملأت بيتك خيراً، ورحمك أيراً. فتزوّجت به.

وسئلت عنه امرأةٌ طلّقها فقالت: عسلٌ يمانيةُ في ظرف سوء.

شعر لدعبل، ولغيره أنشدنا دعبل:

بليت بزمّردةٍ كالعصا ... ألصّ وأسرق من كندش

لها شعر قردٍ إذا ازّينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش

كأنّ الثاليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش

وقال أعرابيّ:

جزى اللّه البراقع من ثيابٍ ... عن الفتيان شراًّ ما بقينا

يوارين الملاح فلا نراها ... ويزهين القباح فيزّهينا

وقال آخر:

رأوه فازدروه وهو حرّ ... وينفع أهله الرجل القبيح

ذو الرمة وميّة كان ذو الرّمّة يشبّب بميّة، وكانت من أجمل النساء ولم تره قطّ، فجعلت للّه عليها بدنةً حين تراه، فلما رأته رأته رجلاً دميماً أسود، فقالت: واسوءتاه! وابؤساه! فقال ذو الرّمة:

على وجه ميٍّ مسحةٌ من ملاحةٍ ... وتحت الثياب الشّين لو كان باديا

ألم تر الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا

أعرابية تصف حمدونة بنت الرشيد إسحاق الموصليّ قال: دخلت أعرابية على حمدونة بنت الرشيد، فلما خرجت سئلت عنها، فقالت: وما حمدونة! واللّه لقد رأيتها وما رأيت طائلاً، كأنّ بطنها قربة، وكأنّ ثديها دبةّ، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديكٍ قد نفش عفريته يقاتل ديكاً.

أعرابي يصف امرأة ذكر أعرابيّ امرأةً حسناء اللفظ قبيحة الوجه، فقال: ترخي ذيلها على عرقوبي نعامة، وتسدل خمارها على وجه كالجعالة " وهي الخرقة التي تنزل بها القدر عن النار " شعر لدعبل في كاتب وقال دعبل في كاتبٍ:

تمّت مقابح وجهه فكأنه ... طللٌ تحمّل ساكنوه فأوحشا

لو كان لاستك ضيق صدرك أو لصد ... رك رحب دبرك كنت أكمل من مشى

لبعض المعلمين كان بعض المعلّمين يقعد أبناء المياسير والحسان الوجوه في الظلّ، ويقعد الآخرين في الشّمس، ويقول: يا أهل الجنة، ابزقوا في وجوه أهل النار.

لرجل من أبناء المهاجرين وقال رجل من أبناء المهاجرين: أبناء هذه الأعاجم كأنهم نقبوا الجنّة وخرجوا منها، وأولادنا كأنهم مساجر التّنانير.

بين أبي المهلهل وميّ

 

أبو المهلهل الحدائيّ قال: ارتحلت إلى الرمل في طلب ميّ صاحبة ذي الرّمّة، فما زلت أطلب موضعها حتى أرشدت إليه، فإذا خيمةٌ كبيرة على بابها عجوزٌ هتماء، فسلّمت عليها ثم قلت: أين منزل ميّ؟ قالت: أنا ميّ؛ فتعجّبت وقلت: عجباً من ذي الرمّة وكثرة قوله فيك! قالت: لا تعجبنّ فإني سأقوم بعذره عندك، ثم قالت: يا فلانة، فخرجت من الخيمة جاريةٌ ناهدة عليها برقع فقالت: اسفري؛ فلما سفرت تحيّرت لما رأيت من جمالها وبراعتها؛ فقالت: علقني ذو الرمّة وأنا في سنّها. فقلت: عذره اللّه ورحمه، فاستنشدتها فجعلت تنشد وأنا أكتب.

أبو نواس في الرقاشي وقال أبو نواسٍ في الرّقاشيّ:

قل للرّقاشيّ إذا جئته ... لو متّ يا أخرق لم أهجكا

دونك عرضي فاهجه راشداً ... لا تدنس الأعراض من شعركا

واللّه لو كنت جريراً لما ... كنت بأهجى لك من وجهكا

باب السّواد

لمدّني في السواد الأصمعيّ قال: قيل لمدنيّ: ما رغبتكم في السّواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسفدناها.

شعر لأبي حازم المدني يتغزل بالسود وكان أبو حازم المدنيّ ينشد:

ومن يك معجباً ببنات كسرى ... فإنّي معجبٌ ببنات حام

لأبي حنش، وغيره، في وصف السود وقال أبو حنش:

رأيت أبا الحجناء في الناس حائراً ... ولون أبي الحجناء لون البهائم

تراه على ما لاحه من سواده ... وأن كان مظلوماً له وجه ظالم

وقال آخر في وصف أسود:

كأنما وجهك ظلّ من حجر

وقال آخر:

كأنما قمّص من ليط جعل

وقال آخر في وصف سوداء:

كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها

لبعضهم في سوداء نظر رجل إلى سوداء عليها معصفرٌ، فقال: بعرة عليها رعاف.

الأصمعيّ قال: قيل لرجل: أيّ الرجال أخفّ أرواحاً؟ قال: الذين أعرقت فيهم السّودان.

لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: من تزوّج سمراء فطلّقها فعليّ مهرها.

يقال: قالت: الخنفساء لأمّها: يا أمّاه، ما أمرّ بأحدٍ إلابزق عليّ. فقالت: يا بنيّة تعوّذين.

عبد الملك ووفد أهل الكوفة وفد على عبد الملك وفد أهل الكوفة، فلما دخلوا عليه وكلّهم، رأى فيهم أدلم عالي الجسم، فلما كلّمه راقه بيانه، فلما تولّى تمثّل عبد الملك بقول عمرو بن شأسٍ:

فإن عراراً إن يكن غير واضحٍ ... فإنّي أحبّ الجون ذا المنكب العمم

فالتفت الأدلم إلى عبد الملك وضحك؛ فقال: عليّ به. " فلما جيء به قال " : ما الذي أضحكك؟ فقال: أنا واللّه عرارٌ من بني بني أثرى. فقدّمه وسامره حتى خرج.

لبعض الشعراء في جارية سوداء قال رجل من الشعراء في جاريةٍ سوداء:

أشبهك المسك وأشبهته ... قائمةً في لونه قاعده

لا شكّ إذ لونكما واحد ... أنكما من طينةٍ واحدة

وقال جرير:

ترى التّيميّ يزحف كالقرنبي ... إلى تيميّةٍ كعصا المليل

تشين الزعفران عروس تيم ... وتمشي مشية الجعل الدّحول

يقول المجتلون عروس تيم ... شوى أمّ الحبين ورأس فيل

وقال آخر:

أحبّ لحبّها السّودان حتى ... أحبّ لحبّها سود الكلاب

باب العجز والمشايخلرجل خاصم امرأته إلى زياد الأصمعيّ قال: خاصم رجلٌ امرأته إلى زيادٍ، فكأن زياداً شددّ عليه، فقال الرجل: أصلح اللّه الأمير، إنّ خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه ويجتمع رأيه، وإن شرّ نصفي المرأة آخرهما، يسوء خلقها ويحدّ لسانها وتعقم رحمها؛ فقال: اسفع بيدها.

لبعض الأعراب في عجوز وقال بعض الأعراب:

لا تنكحنّ عجوزاً إن دعوك لها ... وإن حبوك على تزويجها الذّهبا

وإن أتوك وقالوا إنها نصفٌ ... فإنّ أطيب نصفيها الذي ذهبا

لأعرابي ضجر من امرأته وقد شاخت الأصمعيّ قال: ضجر أعرابيّ بطول حياة امرأته، فقال:

ثلاثين حولاً لا أرى منك راحةً ... لهنّك في الدنيا لباقية العمر

فإن أنفلت من حبل صعبة مرّةً ... أكن من نساء الناس في بيضة العقر

أبو الأسود في امرأته وقال أبو الأسود في امرأته أمّ عوف:

 

أبي القلب إلا أمّ عوف وحبّها ... عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفنّد

كسحق اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد

لبعضهم يشبب بعجوز وقال آخر يشبب بعجوزٍ:

عجوزٌ عليها كرةٌ وملاحة ... وقاتلتي يا للرّجال عجوز

عجوزٌ لو أن الماء ملك يمينها ... لما تركتنا بالمياه نجور

كانت لرجل من الأعراب امرأة عجوز، وكانت تشتري العطر بالخبز؛ فقال:

عجوزٌ ترجّى أن تكون فتيّةً ... وقد غارت العينان واحدودب الظهر

تدسّ إلى العطّار سلعة أهلها ... ولن يصلح العطّار ما أفسد الدّهر

بين أبي الجندي وامرأته طلّق أبو الجنديّ امرأته؛ فقلت له: بعد صحبة خمسين سنة! فقال: ما لك عندي ذنبٌ غيره لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:

لا بارك اللّه في ليل يقربني ... إلى مضاجعةٍ كالدّلك بالمسد

لقد لمست معرّاها فما وقعت ... فيما لمست يدي إلا على وتد

وكلّ عضو لها قرنٌ تصلّ به ... جسم الضّجيع فيضحي واهي الجسد

للطائي، وغيره، في أحلى الرجال عند النساء وقال الطائي:

أحلى الرجال من النساء مواقعاً ... من كان أشبههم بهنّ خدودا

وقال امرؤ القيس:

أراهنّ لا يحببن من قلّ ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوّسا

وقال علقمة بن عبدة:

فإن تسألوني بالنساء فإننّي ... خبيرٌ بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له في ودّهنّ نصيب

يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهنّ عجيب

وقال آخر:

أرى شيب الرجال من الغواني ... كموضع شيبهنّ من الرجال

وقال آخر:

أيا عجباً للخود يجري وشاحها ... تزفّ إلى شيخ من القوم تنبال

دعاها إليه أنه ذو قرابةٍ ... فويل الغواني من بني العمّ والخال

وقال ذو الرّمة بخلاف قول الأول:

وما الفقر أزرى عندّهن بوصلنا ... ولكن جرت أخلاقهن على البخل

وقال المّرار في مثله:

وليس الغواني للجفاء ولا الذي ... له عن تقاضي دينهنّ هموم

ولكنّما يستنجز الوعد تابعٌ ... مناهنّ حلاّفٌ لهنّ أثيم

وما جعلت ألبابهن لذي لغنى ... فييأس من ألبابهنّ عديم

عثمان بن عفان رضي اللّه عنه وزوجته بنت الفرافصة كن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه تزوّج نائلة بنت الفرافصة الكلبيّ - والفرافصة يومئذٍ نصرانيّ - وكان وليّها مسلماً وهو أخوها، فحملها الفرافصة. فلما قدمت على عثمان وضع لها سريراً وله آخر، فقال لها عثمان: إمّا أن تقومي إليّ وإمّا ان أقوم إليك. فقالت: ما تجشّمت إليك من عرض السّماوة أبعد ممّا بيننا، بل أقوم أنا. فقامت حتى جلست معه على السرير، فوضع قلنسوته فإذا هو أصلع، فقال: يا بنة الفراقصة، لا يهولنّك ما ترين من صلعتي، فإن وراء ذلك ما تحبيّن. قالت: إني لمن نسوة أحبّ بعولتهن إليهنّ الكهول الصّلع. فقال: اطرحي درعك؛ ثم قال: اطرحي إزارك. قالت: ذك إليك. ومسح رأسها ودعا لها بالبركة؛ فكانت أحبّ نسائه إليه، وولدت منه جاريةً يقال لها مريم.

لخنساء بنت عمرو في دريد الصمة وقد خطبها بن الكلبيّ قال: خطب دريد بن الصّمةّ خنساء بنت عمرو، فبعث جاريتها فقالت: أنظري إذا بال أيقعي أم يبعثر؟ فقالت لها الجارية: وهويبعثر. فقالت: لا حاجة لي فيه.

لرجل تزوج عجوزاً الاصمعيّ قال: تزوّج رجل امرأة بالمدينة فقالوا له: إنها شابةٌ طريةٌ من أمرها ومن مرها؛ ويدلسون له عجوزاً، فلما دخل بها زع نعليه، وهم يظنون أنه يضربها، فقلدها إياهما وقال: لبيك اللهم لبيك، هذه بدنةٌ؛ فأسكتوه وافتدوا منه.

أطوار عمر المرأة عن عبد الله بن محمد بن عمران القاضي عن أبيه قال: شباب المرأة من خمس عشرة سنة إلى ثلاثين سنةً، وفيها من الثلاثين إلى الأربعين مستمتعٌ، وإذا اقتحمت العقبة الأخرى حسلت.

شعر لجهم في عجوز تزوجها

 

تزوج جمهمٌ امرأة من بني فقعسٍ وباع إبلاً له ومهرها، فلما دخل بها إذا هي عجوز، فقال:

وما لمت نفسي مذ فطمت بلحيةٍ ... كما لمت نفسي في عجوز بني شمس

وبنت ولم أغبن غداة اشتريتها ... وبعت تلاد المال بالثمن البخس

فإن مات جهمٌ غيلةً فاقتلوا به ... قمامة إن النفس تقتل بالنفس

لبعض الشعرء:

كفاك بالشيب ذنباً عند غانيةٍ ... وبالشباب شفيعاً أيها الرجل

خبر الحارث بن سليل الأسدي وزوجته خطب الحارث بن سليل الأسدي إلى علقمة بن حفصة الطائي وكان شيخاً، فقال لأم الجارية: أريدي ابنتك على نفسها. فقالت: أي بنية. أي الرجال أحب إليك: الكهل الجحجاح، الواصل المنّاح، أم الفتى الوضّاح، الذهول الطماح؟ قالت: يا أمتاه.

إن الفتاة تحب الفتى ... كحبّ الرعاء أنيق الكلا

فقالت: يا بنية، إن الشباب شديد الحجاب، كثير العتاب. قالت: يا أمتاه، أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي، ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي. فلم تزل بها حتى غلبتها على رأيها؛ فتزوج به الحارث ثم رحل بها إلى قومه؛ فإنه لجالس يوماً بفناء لمظلته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفست ثم بكت؛ فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: ما لي وللشيوخ الناهضين كالفروخ!؛ فقال: ثكلتك أمك " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها " - فذهبت مثلاً - . أما وأبيك لرب غارةٍ شهدتها؛ فالحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك.

بين رجل وزوجته أراد أن يغيرها الرياشي قال: خرج رجل إلى الغزو فأصاب جارية وضيئة، وكان يغزو على فرسه ويرجع إليها، فوجد يوماً فضلاً من القول فقال:

ألا لا أبالي اليوم ما فعلت هند ... إذا بقيت عندي الحمامة والورد

شديد مناط المنكبين إذا جرى ... وبيضاء صنهاجيةٌ زانها العقد

فهذا لأيام الحروب وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فنمي الشعر إليها فقالت:

ألا أقره مني السلام وقل له ... غينا وأغنتنا غطارفة المرد

بحمد أمير المؤمنين أقرّهم ... شباباً وأغزاكم حواقلة الجند

إذا شئت غناني رفلٌ مرجّلٌ ... ونازعني في ماء معتصر ورد

وإن شاء منهم ناشئ مد كفه ... على كتدٍ ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهوداً فتقضوها على النأي والبعد

فلما بلغه الشعر أتاها، وقال: أكنت فاعلةً؟ فقالت: الله أجلّ في عيني، وأنت أهون علي.

لأبي عمرو بن العلاء في الشباب قال أبو عمرو بن العلاء: ما بكت العرب شيئاً ما بكت الشباب، وما بلغت ما هو أهله.

لبعض الأعراب وقد أسن كانت لبعض الأعراب امرأة لا تزال تشارّه وقد كان أسن وامتنع من النكاح، فقال له رجل: ما يصلح بينكما أبداً؟ فقال: لا، إنه قد مات الذي كان يصلح بيننا " يعني ذكره " .

شعر رجل لصديق له تزوج عجوزاً قال رجلٌ لصديقٍ له:

أعنّست نفسك حتى إذا ... أتيت على الخمس والأربعينا

تزوّجتها شارفاً فخمةً ... فلا بالرّفاء ولا بالبنينا

فلا ذات مال تزوّجتها ... ولا ولد ترتجي أن يكونا

بها أبداً فالتمس غيرها ... لعلّك تعطى بغثٍّ سمينا

لأنو شروان قال أنوشروان: كنت أخاف إذا أنا شخت لا تريدي النساء، فإذا أنا لا أريدهنّ.

شعر لأعرابي في العجوز قل أعرابيّ:

إنّ العجوز فاركٌ ضجيعها ... تسيل من غير بكىً دموعها

تمدّد الوجه فلا يطيعها ... كأنّ م يضيفها يضيعها

لأبي النجم في أم الخيار وقال أبو النجم:

قد زعمت أمّ الخيار أنّي ... شبت وحنّى ظهري المحنّي

وأعرضت فعل الشّموس عنّي ... فقلت ما داؤك إلا سنّي

" لن تجمعي ودّي وأن تضنّي " في الشيب والخضاب قال يزيد بن الحكم بن " أبي " العاص:

فما منك الشّباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا

وما يرجو الكبير من الغواني ... إذا ذهبت شبيبته وشابا

وقال آخر:

" " فالغواني ... وافر عن ملاحظة القتير

 

فقلت لها المشيب نذير عمري ... ولست مسوّداً وجه النّذير

لسعد بن أبي وقاص، لآخرين في الخضاب كان سعد بن أبي وقاص يخضب بالسّواد، ويقول:

أسوّد أعلاها وتأبى أصولها ... فيا ليت ما يسودّ مها هو الأصل

وقال أسود بن دهيم:

لما رأيت الشّيب عيب بياضه ... تشببت وابتعت الشباب بدرهم

وقال محمود الورّاق:

يا خاضب الشّيب الذي ... في كلّ ثالثةٍ يعود

إنّ النّصول إذا بدا ... فكأنه شيبٌ جديد

وله بديهة روعةٍ ... مكروهها أبداً عتيد

فدع المشيب كما أرا ... د فلن يعود كما تريد

لابن الأعرابي، ولغيره في الشيب أنشد ابن الأعرابيّ:

ولقد أقول لشيبةٍ أبصرتها ... في مفرقي فمنحتها إعراضي

عنّي إليك فلست من خير ولو ... عمّمت منك مفارقي ببياض

ولقلّما أرتاع منك وإنني ... فيما ألذّ وإن فزعت لماضي

فعليك ما اسطعت الظهور بلمّتي ... وعليّ أن ألقاك بالمقراض

وقال الفرزدق:

تفاريق شيبٍ في السّواد لوامعٌ ... وما خير ليل ليس فيه نجوم

وقال غيلان بن سلمة:

الشّيب إن يظهر فإنّ وراءه ... عمراً يكون خلاله متنفّس

لم ينتقص منّي المشيب قلامةً ... ولنحن حين بدا ألبّ وأكيس

وقال الطائي:

ابدت أسىً أن رأتني مخلس القصب ... وآل ما كان من عجبٍ إلى عجب

لا تنكري منه تخديداً تخلّله ... فالسيف لا يزدرى أن كان ذا شطب

ولا يؤرقك إيماض القتير به ... فإنّ ذاك ابتسام الرأي والأدب

وقال آخر:

يقولون هل بعد الثلاثين ملعبٌ ... فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب

لقد جلّ قدر الشّيب إن كان كلّما ... بدت شيبةٌ يعرى من اللّهو مركب

باب الخلق

الطول والقصرللنبي صلى اللّه عليه وسلم عن عمرو بن شعيب: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً قصيراً - و شديد القصر - فسجد. عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من رأى منكم مبتلى فقال الحمد للّه الذي عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثيرٍ ممن خلقه تفضيلاً عافاه اللّه من ذلك البلاء كائناً ما كان " .

لبعض الشعرء وقال بعض الشعراء:

من تعادر من يسامح ... من تطاول بزياد

من تباراني نسيني ... ببعيد من إياد

إسحاق الموصلي في غلامه وقال إسحاق الموصليّ في غلامه:

ذهبت سماجةً وذهبت طولاً ... كأنك من فراسخ دير سعد

ليزيد بن الحكم وقل أبو اليقظان: كان يعلى بن الحكم بن " أبي " العاص يعّير أخاه يزيد بالقصر؛ فقال يزيد:

همّ الرّجال العلا أخذاً بذروتها ... وإنما همّ يعلى الطول والقصر

مما قيل في القصار وقال أبو حاتم:

يكاد خليلي من تقارب شخصه ... يعضّ القراد باسته وهو قائمٌ

وقال آخر وكان قصيراً:

فإلاً يكن عظمي طويلاً فإننيّ ... له بالخصال الصالحات وصول

وقال أوفى بن مولةٍ في مثل ذلك:

فإن أك قصداً في الرجال فإننّي ... إذا حلّ أمرٌ ساحتي لجسيم

وقال آخر:

ولمّا التقى الصّفان واختلف القنا ... نهالاً وأسباب المنايا نهالها

تبينّ لي أنّ القماءة ذلةً ... وأنّ أشداءّ الرّجال طوالها

وقال الغطمّش الضّبيّ:

ولو وجدوا نعل الغطمّش لا حتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل

كان جرير بن عبد اللّه يثفل إلى ذروة البعير من طوله، وكانت نعله ذراعًا الأصمعيّ قال: دخل المغيرة بن شعبة على معاوية، فقال معاوية:

إذا راح في قوهيّةٍ متلبساً ... تقل جعلّ يستنّ في لبنٍ محض

وأقسم لو خرّت من استك بيضةٌ ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض

اللحىلبعض الحكماء فيمن لا لحية له قال بعض الحكماء: لا تصافين من لا شعر على عرضيه وإن كانت الدنيا خراباً إلاّ منه

 

لعائشة رضي اللّه عنها كانت عائشة ربّما قالت: والذّي زيّن الرجال باللحى وقال بعض المحدثين:

يا لحيةً طالت على نوكها ... كأنها لحية جبريل

لو كان ما يقطر من دهنها ... ليلاً لوفّى ألف قنديل

ولو تراها وهي قد سرّحت ... حسبتها بنداً على الفيل

لبعض مجانين الكوفة قال رجل لبعض مجانين الكوفة: ما هذه اللّحية؟ - وكانت كبيرةً - فقال: " والبلد الطّيب يخرج نباته بإذن ربّه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً " .

لابن أبي حفصة في لحية رباح وقال مروان بن أبي حفصة:

لقد كانت مجالسنا فساحاً ... فضيّقتها بلحيته رباح

مبعثرة الأسافل والأعالي ... لها في كلّ زويةٍ جناح

وقال آخر:

أنفّش لحيةً عرضت وطالت ... من الهدبات تملأ عرض صدري

أكاد إذا قعدت أبول فيها ... إذا أنا لم أعقّصها بظفري

وقال أعرابي:

لا تفخرنّ بلحيةٍ ... عظمت جوانبها طويله

تجري بمفرقها الر ... ياح كأنها ذنب الحسيله

العيونبين إبراهيم النخعي والأعمش قال إبراهيم النّخعيّ لسليمان الأعمش وأراد أن يماشيه: إن الناس إذا رأونا معاً قالوا: أعور وأعمش. قال: ما عليك أن يأثموا ونؤجر. قال: ما عليك أن يسلموا ونسلم.

لابن عباس لما كفّ بصره وقال ابن عباس بعد ما كفّ بصره:

إن يأخذ اللّه من عينيّ نورهما ... ففي فؤادي وسمعي منهما نور

قلبي ذكيّ وعرضي غير ذي دخلٍ ... وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثور

للخريميّ فأخذ الخريميّ هذا المعنى فقال:

فإن تك عيني خبا نورها ... فكم قبلها نور عينٍ خبا

فلم يعم قلبي ولكنمّا ... أرى نور عيني إليه سرى

فأسرج فيه إلى ضوئه ... سراجاً من العلم يشفي العمى

وقال الخريميّ أيضاً:

أصغي إلى قائدي ليخبرني ... إذا التقيا عمن يحيّيني

أريد أن أعدل السّلام وأن ... أفصل بين الشّريف والدّون

أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطئ والسّمع غير مأمون

للّه عيني التي فجعت بها ... لو أن دهراً بها يواتيني

لو كنت خيّرت، ما خذت بها ... تعمير نوحٍ في ملك قارون

لأعور وتماشى أعوران، فقال أحدهما:

ألم ترني وعمراً حين نمشي ... نريد السوق ليس لنا نظير

أماشيه على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجلٌ ضرير

شعر في طاهر بن الحسين وقال قائلٌ في طاهر بن الحسين:

يا ذا اليمينين وعينٍ واحده ... نقصان عينٍ ويمينٌ زئده

لأعور أصيبت عينه الصحيحة وقال الأصمعيّ: جاءت رجلاً أعور نشّابةٌ فأصابت عينه الصحيحة، فقال: يا ربّ وأنا يضاً على محمل.

لأبي الأسود في جارية حولاء شترى أبو الأسود جاريةً حولاء فغار امرأته أمّ عوفٍ، وكانت ابنة عمّه، وكانت تشارّه في كلّ يوم وتقول: من يشتري حولاء؛ فلمّا كثرت عليه قال:

يعيبونها عندي ولا عيب عندها ... سوى أنّ في العينين بعض التأخّر

فإن يك في العينين سوءٌ فإنها ... مهفهفة لأعلى رداح المؤخّر

هشام بن عبد الملك وأبي النجم أنشد بو النجم هشام بن عبد الملك ارجوزته التي أوّلها: الحمد للّه الوهوب المجزل فلم يزل هشام يصفّق بيديه استحساناً لها، حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس

فهي في الأفق كعين الأحول ... صغواء قد كادت ولمّا تفعل

أمر بوجء رقبته وإخراجه. وكان هشام أحول.

لبعض الشعراء في زرقة العيون وقال آخر:

يقولون نصرانيّةٌ أمّ خالدٍ ... فقلت دعوها كلّ نفسٍ ودينها

فإن تك نصرانيّةً أمّ خالدٍ ... فقد صوّرت في صورةٍ لا تشينها

أحبك أن قالوا بعينك زرقةٌ ... كذاك عتاق الطير زرقاً عيونها

من كتاب الآيين وقرأت في الآيين أن الرجل إذا اجتمع فيه قصر وسبوطة وحولٌ وعسم وشدقٌ ... كان لا يستعمل في دار الملك، ويحال بينه وبين التصدير للملك، وكذلك المرأة البرشاء والبرصاء.

 

لبعض الشعراء في رجل من المعمرين وقال بعض الشعراء في صحة البصر مع الهرم:

إن معاذ بن مسلمٍ رجلٌ ... ليس يقيناً لعمره أمد

قل لمعاذٍ إذا مررت به ... قد ضجّ من طول عمرك الأبد

قد شاب رأس الزمان واكتهل الدّ ... هر وأثواب عمره جدد

يا نسر لقمان كم تعيش وكمٍ ... تسحب ذيل الحياة يا لبد

قد أصبحت دار آدمٍ طللاً ... وأنت فيها كأنك الوتد

تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد

الأنوفلأعرابي عظيم الأنف عن أبي زيد قال: " رأيت " أعرابياً أنفه كأنه كورٌ من عظمه، فرآنا نضحك فقال: ما يضحككم! والله لقد كنا في قوم ما يسمّوننا إلا الأفيطس.

بين عقيل بن أبي طالب وامرأته عن الوليد بن بشار أن امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت عتبة بن ربيعة، قالت: يا بني هاشم لا يحبّكم قلبي أبداً، إنّ أبي وابن عمي أبو فلان بن فلان كان أعناقهم أباريق فضةٍ، ترد أنوفهم قبل شفاههم. فقال لها عقيلٌ: إذا دخلت النار فخذي على يسارك.

لبعض الشعراء في كبر الأنف قال بعض الشعراء يذكر الكبر:

أرى شعراتٍ على حاجبيّ ... بيضاً نبتن جميعاً تؤاما

ظللت أهاهي بهنّ الكلا ... ب أحسبهنّ صياراً قياما

وأحسب أنفي إذا ما مشي ... ت شخصاً أمامي رآني فقاما

وقال بعض المحدثين:

إذا أنت أقبلت في حاجةٍ ... إليه فكلّمه من خلفه

فإن أنت واجهته في الكلا ... م لم يسمع الصوت من أنفه

وقال آخر:

إن عيسى أنف أنفه ... أنفه ضعفٌ لضعفه

وهو لو يستنشق الثو ... ب بقرنيه وظلفه

لثوى في منخرٍ يس ... تغرق الخلق بنصفه

لو تراه راكباً والت ... يه قد مال بعطفه

لرأيت الأنف في السر ... ج وعيسى ردف أنفه

وقال قنعب في الوليد بن عبد الملك:

فقدت الوليد وأنفاً له ... كمثل المعين أبى أن يبولا

أتيت الوليد فألفيته ... كما يعلم الناس وخماً ثقيلا

البخر والنتنفي شدة بخر عبد الملك بن مروان قال أبو اليقظان: كان يقال لعبد الملك بن مروان: أبو الذّبّان لشدة بخره. يريدون أن الذباب يسقط إذا قارب فاه من شدّة رائحته. قال: ونبذ إلى امراةٍ له تفّاحةً قد عضّها، فأخذت سكّيناً؛ فقال لها: ما تصنعين؟ قالت: أميط عنها الأذى، فطلقها.

وقال مسلمٌ:

أنت تفسو إذا نطقت ومن سبّ ... ح من فسوفاك إثماً وزورا

وقال آخر:

لا تدن فاك من الأمير ونحّه ... حتى يداوي ما بأنفك أهرن

إن كان للظّربان جحرٌ منتنٌ ... فلجحر أنفك يا محمد أنتن

شقيق بن السليك لامرأته وقال شقيق بن السليك العامريّ لامرأته:

إذا ما نكحت فلا بالرّفاء ... وإما أتيت فلا بالبنينا

تزوّجت أصلع في غربةٍ ... تجنّ الحليلة منه جنونا

إذا ما نقلت إلى بيته ... أعدّ لجنبيك سوطاً متينا

كأنّ المساوك في شدقه ... إذا هنّ أكرهن يقلعن طينا

كأن توالي أضراسه ... وبين ثناياه غسلاً لجينا

الحكم بن عبدل يهجو محمد بن حسان وقال الحكم بن عبدل لمحمد بن حسّان بن سعد:

فما يدنو إلى فمه ذبابٌ ... ولو طليت مشافره بقند

يرين حلاوةً ويخفن موتاً ... وشيكاً إذا هممن له بورد

لأعرابي، ثم لعبد الرحمن بن عائشة وقال أعرابي:

كأن إبطيّ وقد طال المدى ... نفحة خرءٍ من كواميخ القرى

وقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة:

من يكن إبطه كآباط ذا الخل ... ق فإبطاي في عدا الفقاح

لي إبطان يرميان جليسي ... بشبيه السلاح أو بالسلاح

فكأني من نتن هذا وهذا ... جالسٌ بين مصعبٍ وصباح

يعني مصعب بن عبد الله بن مصعب، وصباح بن خاقان الأهتمي.

البرص

 

برص بلعاء بن قيس كان بلعاء بن قيس برص؛ فقال له قائل: ما هذا بك يا بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.

شعر لابن حبناء، ثم لأبي مسهر وقال لابن حبناء:

إني امرؤٌ حنظليٌّ حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق

لا تحسبنّ بياضاً فيّ منقصةً ... إن اللهاميم في أقرابها بلق

لأبي مسهر وقال أبو مسهرٍ:

أيشتمني زيدٌ بأن كنت أبرصاً ... فكلّ كريمٍ لا أبا لك أبرص

لبعض النهشليين في البرص وقال بعض النهشليين:

نفرت سودة منّي إذا رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح

قلت يا سودة هذا والذي ... يفرج الكربة عنّا والكلح

هو زينٌ لي في الوجه كما ... زيّن الطّرف تحاسين القزح

وقال آخر:

يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحاً أوفى على خصيلي

فإنّ نعت الفرس الرّحيل ... يكمل بالعزة والتحجيل

وقال آخر:

يا أخت سعدٍ لا تعيبي بالزّرق ... لا يضرر الطّرف تواليع البهق

إذا جرى في حلبة الخيل سبق

لبيد يهجو الربيع بن زياد العبسي ونساء بني عبس لما أنشد لبيدٌ النعمان بن المنذر قوله في الربيع بن زيادٍ العبسي:

مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه ... إن استه من برصٍ ملمّعه

قال الربيع: أبيت اللعن! والله لقد نكت أمّه! فقال لبيدٌ: إن كنت فعلت لقد كانت يتيمةً في حجرك ربّيتها، وإلا تكن فعلت ما قلت فما أولاك بالكذب! وإن كانت هي الفاعلة فإنها من نسوةٍ فعّلٍ لذلك. يعني أنّ نساء بني عبسٍ فواجر.

لزياد الأعجم، ومثله لكثير وقال زيادٌ الأعجم:

ما إن يدبّح منهم خارىءٌ أبداً ... إلا رأيت على باب استه القمرا

يعني أنهم برص الأستاه.

وقال كثيّر في نحو ذلك:

ويحشر نور المسلمين أمامهم ... ويحشر في أستاه ضمرة نورها

بشر بن مروان وأيمن بن خريم الأبرص المدائني قال: كان أيمن بن خريمٍ أبرص وكان أثيراً عند العزيز بن مروان، فعتب عليه أيمن يوماً فقال له: أنت طرفٌ ملولة. فقال له: أنا ملولة وأنا أؤاكلك مذ كذا!. فلحق ببشر بن مروان فأكرمه واختصّه ولم يكن يؤاكله. فدخل عليه يوماً وبين يديه لبن قد وضع؛ فقال له: قد حدّثت نفسي البارحة بالصوم، فلما أصبحت أتوني بهذا وهم لا يعلمون، ولا أرى أحداً أحقّ به منك، فدونكه.

برص أبي عزة الجحمي وشفاءه منه عن أبي جعدة قال: أصاب أبا عزّة الجحميّ وضحٌ، فكان لا يجالس، فأخذ شفرة وطعن في بطنه فمارت الشفرة وخرج ماءٌ أصفر وبرىء، فقال:

لا همّ ربّ وائل ونهد ... وربّ من يرعى بياض لحدي

أصبحت عبداً لك وابن عبد ... أبرأتني من وضحٍ بجلدي

مع ما طعنت اليوم في معدّي

العرجلشاعر أعرج في دولة العرجان كان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أعرج وولي شرطة الكوفة، والقعقاع بن سويد كان أعرج، فقال بعض الشعراء وكان أعرج:

ألق العصا ودع التناوش والتمس ... عملاً فهذي دولة العرجان

لأميرنا وأمير شرطتنا معاً ... يا قومنا لكليهما رجلان

شعر لرجل أعرج، ولغيره وقال رجل من العُرج:

وما بي من عيب الفتى غير أنني ... ألفت قناتي حين أوجعني ظهري

وقال آخر:

وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلاً أقيم بها رجلي

وقال أبو زياد الكلابي:

ألفت عصا الطرفاء حتى كأنما ... أرى بعصا الطرفاء إحدى النجائب

وقال أبو الخطاب النّهدليّ:

قد صرت أمشي بثلااث أرجل

وقال آخر:

قد كنت أمشي على رجلين معتمدا ... فاليوم أمشي على أخرى من الشجر

وقال الأعشى:

إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا

الأدرلأحدب صار آدراً قال أبو الخطاب: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يهنئونه، فقال: الذي جاء شرٌ من الذي ذهب.

شعر لطرفة وقال طرفة:

ما ذنبنا في أن أداءات خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشراً أدرا

 

إذا جلسوا خيّلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضّغيب لها نذرا

الجعدي يصف آدراً وقال الجعدي:

كذي داءٍ بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجّع من سقام

فضمّ ثيابه من غير برءٍ ... على شعراء تنقض بالبهام

الجذامللنبيصلى الله عليه وسلم عن أبي محيريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وفرّوا من المجذوم كالفرار من الأسد " وفي حديث آخر: " لا تديموا النظر إلى المجذومين فإذا كلّمتموهم فليكن بينكم وبيهم حجاب قيد رمح " .

عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبه الأيمن ثم قال: " باسم الله " .

وقال: " نبات الشعر في الأنف أمانٌ من الجذام " عبد اللّه بن الحارث ومجذوم وعن قتادة: أنّ مجذوماً دخل على عبد اللّه بن الحارث فقال: أخرجوه قالوا: ولم؟ قال: بلغني أنه ملعون.

إحراق سليمان بن عبد الملك للمجذومين أبو الحسن قال: مرّ سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة، فأمر بإحراقهم، وقال: لو كان اللّه يريد بهؤلاء خيراً ما ابتلاهم بهذا البلاء.

عن إبراهيم قال: اشمأزّ رجلٌ من رجل به بلاء، فما مات حتى ابتلي بمثل ذلك البلاء.

باب المهورمهر أم سليم ملحان الأنصارية إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة قال: خطب جدّي أبو طلحة أمّ سليم فأبت أن تتزوجّه حتى يسلم وكان مشركاً وقالت: إذا أسلم فهو صداقي فأسلم فكان صداقها إسلامه.

عن المطّلب بن أبي وداعة السّهمي قال: زوّج سعيدٌ ابنته على درهمين.

صداق فاطمة بنت النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبرنا محمد بن عليّ بن أبي طالب أنّ عليّاً أصدق فاطمة بنت النبّي صلى اللّه عليه وسلم بدناً من حديد. قال محمد: وأخبرني ابن أبي نجيح قال: بلغني أنا البدن الذي تزوّج عليه فاطمة كان ثمنه ثلثمائة درهم.

عن ابن أبي عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام قال: أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالدّرع فباعها بأربعمائة وثمانين درهماً وزوّجني عليها.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن مجاهد عن ابن عبّاس أنّ النبّي صلى اللّه عليه وسلم قال: " أعظم النّكاح بركةً أيسره موؤنة " وقال في الحديث الآخر: " اللّهم أذهب ملك غسّان وضع مهور كندة " لجارية من العرب أخبرنا بعض أصحاب الأخبار " قال " : قالت جارية من العرب لبنات عمّ لها: السعيدة التي يتزوجهاّ ابن عمها فيمهرها بتيسين وكلبين وعيرين فينبتّ التيّسان وبنبح الكلبان وينهق العيران، والشقّية التي يتزوّجها الحضرّي فيطعمها الخمير، ويلبسها الحرير، ويحملها ليلة الزّفاف على عودٍ؛ " تعني إكافاً أو سرجاً " ما بذله خاطب كمهر ويقال: جاء خاطبٌ إلى قوم فقال: أنا فلان بن فلان، وأنتم لا تسألون عنّي أعلم بي منكم. قالوا: فما تبذل؟ فأنشأ يقول:

ألا بلغ لديك بني يزيدٍ ... بأنّي لا أريد إلى النساء

سوى ودّي لهنّ وأنّ عندي ... ثريداً بالغداة وبالعشاء

فقال شيخ منهم: أقم كفيلاً بالقصعتين وصل به. فبقي عاراً عليهم إلى اليوم ما أصدق به عمرو بن الخطاب وابنه وابن سيري قال بعض نقلة الأخبار: أصدق عمر بن الخطّاب أمّ كلثوم بنت عليّ أربعين ألفاً، وأصدق عبد اللّه بن عمر ابنة أبي عبيد أخت المختار عشرة آلاف درهم، وأصدق محمد بن سيرين امرأته السّدوسيّة عشرة آلاف درهم.

لأعرابي في المهور قال أعرابيّ:

يقولون تزويجٌ وأشهد أنه ... هو البيع إلا أنّ من شاء يكذب

أوقات عقد النكاحعن ضمرة بن حبيب أنه قال: كان أشياخنا يستحبّو يوم الجمعة سبب اختيار آخر النهار على أوله في النكاح وقال بعض العلماء: سمعت من يخبر عن اختيار الناس آخر النهار على أوّله في النّكاح، قال: ذهبوا إلى تأويل القرآن واتّباع السنّة في الفأل، لأن اللّ سمّى الليل في كتابه سكناً وجعل النهار نشوراً؛ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الطيّرة: " أصدقها الفأل " ؛ فأثر الناس استقبال الليل لعقدة النّكاح تيمّناً بما فيه من الهدوء والإجتماع، على صدر النهار لما فيه من التفرّق والإنتشار.

النكاح في شوال

 

قال: وأما كراهية الناس للنكاح في شوّال، فإن أهل الجاهليّة كانوا يطيّرون منه ويقولون: إنه يشول بالمرأة فعلقه الجهّال منهم، وأبطله اللّه بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، لأنه نكح عائشة رضي اللّه عنها في شوّال.

خطب النكاحمن خطب خالد القسري في النكاح قال: حدّثني محمد بد داود قال: حدّثنا أبو غسّان مالك عبد الواحد عن معتمر عن خالد القسريّ قال - وكان جمع الخطب فكا يستحسن هذه ويذكرها - : ذكرتم أمراً حسناً جميلاً، وعد اللّه فيه الغني والسّعة، فلا خلف لموعود اللّه ولا رادّ لقضاء اللّه، إذا أراد جماع أمرٍ فلا فرقة له، وإذا أراد فرقة أمر فلا جماع له. عرضت كذا، فإذا قال: نعم. قال: قد نكحت.

لعمر بن عبد العزيز وخطب محمد بن الوليد " بن " عتبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته؛ فقال: الحمد للّه العزّة والكبرياء وصلى اللّه على محمد خاتم الأنبياء. أما بعد، فقد حسن ظنّ من أودعك حرمته واختارك ولم يختره عليك؛ وقد زوّجناك على ما في كتاب اللّه: إمساكٌ بعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ.

لبلال الحبشي خطب بلالٌ على أخيه امرأةً من بني حسل من قريش فقال: نحن من قد عرفتم، كنّا عبدين فأعتقنا اللّه، وكنّا ضاليّن فهدانا اللّه، وفقيرين فأغنانا اللّه، وأنا أخطب على أخي خالدٍ فلانة، فإن تنكحوه فالحمد للّه، وإن تردوه فاللّه أكبر، فأقبل بغضهم على بعضٍ فقالوا: هو بلالٌ، وليس مثله يدفع، فزوّجوا أخاه. فلما نصرفا قال خالد لبلالٍ: يغفر اللّه لك! ألا ذكرت سوابقنا ومشاهدنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم! قال بلال: مه! صدقت فأنكحك الصّدق.

خطبة الحسن البصري كان الحسن البصريّ يقول في خطبة النّكاح بعد حمد اللّه والثناء عليه: أما بعد، فإن اللّه جمع بهذا النكاح الأرحام المتقطعة، والأسباب المتفرّقة، وجعل ذلك في سنّةٍ من دينه ومنهاج واضح من أمره؛ وقد خطب إليكم فلان وعليه من اللّه نعمة، وهو يبذل من الصّداق كذا، فاستخيروا اللّه وردّوا خيراً " يرحمكم اللّه " .

للأصمعي في رجالات قريش قال الأصمعيّ: كان رجالات قريشٍ من العرب تستحبّ من الخاطب الإطالة، ومن المخطوب إليه الإيجاز.

لعمر بن عبد العزيز وأتى رجلٌ عمر بن عبد العزيز يخطب أخته، فتكلّم بكلام جاز الحفظ؛ فقال عمر: الحمد للّه ذي الكبرياء وصلى اللّه عللى خاتم الأنبياء؛ أما بعد، فإن الرّغبة منك دعت إلينا، والرغبة فيك أجابت منا؛ وقد زوّجناك على ما في كتاب اللّه: إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ.

لسّوار القاضي العتبيّ قال: لما زوج شيبٌ ابنه سوّارٍ القاضي قلنا: اليوم يعبّ عبابه. فلمّا اجتمعوا فقال: الحمد للّه، وصلى اللّه على رسول اللّه. أما بعد، فإنّ المعرفة منا ومنكم وبنا وبكم تمنعنا من الإكثار، وإنّ فلاناً ذكر فلانة.

لابن الفقير العتبيّ قال: حدّثني رجل قال: حضرت ابن الفقير يخطب على نفسه امرأةً من باهلة فقال:

فما حسنٌ أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقاً تذمّ وتمدح

" وإن فلانة ذكرت لي " لأبي عثمان يذكر إجابة خاطب قال: وحدّثني أبو عثمان قال: مررت بحاضر وقد اجتمع فيه، فسألت بعضهم: ما جمعهم؟ فقالوا: هذا سيّد الحيّ يريد أن يتزوّج منّا فتاةً. فوقفت أنظر، فتكلّم الشيخ فقال: الحمد للّه، وصلى اللّه على رسول اللّه، أما بعد ذلك، ففي غير ملالةٍ من ذكره والصلاة على رسوله؛ فإن اللّه جعل المناكحة التي رضيها فعلاً وأنزلها وحياً سبباً للمناسبة. وإن فلاناً ذكر فلانة وبذل لها من الصذداق كذا، وقد زوّجته إيّاها، وأوصيته اللّه لها. ثم قال للفتيان على رأسه: هاتوا نثاركم. فقلبي على رؤؤسنا غرائر التّمر.

خطبة أعرابي قال: وقال شبّة بن عقّال: ما تمنّيت أن لي بقليلٍ من كلامي كثيراً من كلام غيري إلا يوماً واحداً، فإنّا خرجنا مع صاحب لنا نريد أن زوّجه، فمررنا بأعرابيٍّ فأتبعنا، فتكلّم القوم فجاء بخطبةٍ فيها ذكر السموات والأرض والجبال؛ فلما فرغ قلنا: من يجيبه؟ قال الأعرابيّ: أنا.

 

فجثا لركبته ثم أقبل على القوم فقال: واللّه ما أدري ما تحتاطك وتلصاقك منذ اليوم! ثم قال: الحمد للّه ربّ العالمين وصلى اللّه على مجمدٍ خير المرسلين. أمّا بعد فقد توسّلت بحرمةٍ، وذكرت حقّاً وعظمت عظيماً، فحبلك موصول، وفرضك مقبول؛ وقد زوّجناها إيّاك وسلمّناها لك؛ هاتوا خبيصكم.

لسلم بن قتيبة قال ابن عائشة: زوّج سلم بن قتيبة ابنته من يعقوب بن الفضل فقال: الحمد للّه، قد ملكت باسم اللّه.

للمأمون حضر المأمون إملاكاً وهو أمير، فسأاله بعض من حضر أن يخطب، فقال: المحمود اللّه والمصطفى رسول اللّه، وخير ما عمل به كتاب اللّه؛ قال اللّه تعالى: " وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم " ولم يكن في المناكحة آيةٌ منزلّة ولا سنةٌ متبّعةٌ إلا ما جعل اللّه في ذلك من تألف البعيد وبرّ القريب، وليسلرع إليها الموّفق ويبادر إليها العاقل اللّبيب وفلانٌ من قد عرفتموه في نسب لم تجهلوه خطب إليكم فلانة فتاتكم وقد بذل لها من الصّداق كذا، فشفّعوا شافعنا وأنكحوا خاطبنا، وقولوا خيراً تحمدوا عليه وتؤجروا؛ أقول قولي هذا، وأستغفر اللّه لي ولكم.

وصايا الأولياء للنساء عند الهداءلعامر بن الظرب العتبيّ قال: حدّثنا إبراهيم العامريّ قال: زوّج عامر بن الظّرب ابنته من ابن أخيه، فلما أراد تحويلها قال لأمّها: مري ابنتك ألاّ تنزل مفازةً إلا ومعها ماءٌ فإنه للأعلى جلاءٌ وللأسفل نقاء؛ ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا ملّ البدن ملّ القلب؛ ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة في الموافقة. فلم تلبث إلا شهراً حتى جاءته مشجوجةً؛ فقال لابن أخيه: يا بنيّ ارفع عصاك عن بكرتك، فإن كانت نفرت من غير أن تنفّر فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن بينكما وفاقٌ، ففراق الخلع أحسن من الطلاق؛ ولن تترك مالك وأهلك. فردّ عليه صداقه وخلعها؛ فهو أوّل من خلع من العرب.

وصية الفرافصة الكلبي لابنته، ومثله للزبرقان قال الفرافصة الكلبيّ لابنته حين جهّزها إلى عثمان رضي اللّه عنه: يا بنيّة إنك تقدمين على نساء قريشٍ وهنّ أقدر على الطّيب منك، فلا تغلبي على خصلتين: الكحل والماء، تطهّري حتى يكون ريحك ريح شنّ أصابه المطر.

كان الزّبرقان بن بدر إذا زوّج ابنةً له دنا من خدرها وقال: أتسمعين؟ لا أعرّفنّ ما طلبت، كوني له أمةً يكن لك عبداً.

امرأة لابنتها أبو الحسن: قالت امرأةٌ لابنتها عند هدائها: اقلعي زجّ رمحه فإن أقرّ فاقلعي سنانه، فإن أقرّ فاكسري العظام بسيفه، فإن أقرّ فاقطعي اللّحم على ترسه، فإن أقرّ فضعي الإكاف على ظهره فإنما هو حمار.

وصية أبو الأسود الدؤلي لابنته قال أبو الأسود لابنته: إيّاك والغيرة فإنها مفتاح الطّلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطّيب، وأطيب الطّيب إسباغ الوضوء؛ وكوني كما قلت لأمك في بعض الأحايين:

خذي العفو مني تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سورتي حي أغضب

فإني وجدت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعتا لم يلبث الحبّ يذهب

باب سياسة الّنساء ومعاشرتهنّ

للنبي صلى الله عليه وسلم عيسى بن يونس قال: حدّثنا شيخٌ لنا قال: سمعت سمرة بن جندبٍ يقول على منبرٍ البصرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنما المرأة خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على إقامتها تكسرها فدارها تعش بها " .

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

هي الضّلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها

أتجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى ... ألبس عجيباً ضعفها واقتدارها

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن الحسن قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: النساء عورةٌ فاستروها بالبيوت، وداووا ضعفهنّ بالسكوت.

وفي حديث آخر لعمر: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتاب، واستعينوا عليهنّ بالعري، وأكثروا لهنّ من قول، فإنّ نعم تغريهنّ على المسألة.

من غيرة عقيل بن علفة قال الأصمعيّ: قيل لعقيل بن علّفة وكان غيوراً: من خلّفت في أهلك؟ فقال: الحافظين، العري والجوع. يعني أنه يجيعهنّ فلا يمزحن، ويعريهنّ فلا يمرحن.

شعر لكثير وقال كثيّر:

وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأبدين منّي هيبةً لا تجهّما

 

يحاذرن منّي غيرةً قد علمنها ... قديماً فما يضحكن إلاّ تبسّما

تراهنّ إلاّ أن يؤدّين نظرةً ... بمؤخر عينٍ أو يقلّبن معصما

كواظم لا ينطقن إلاّ محورةً ... رجيعة قول بعد أن تتفهّما

وكنّ إذا ما قلن شيئاً يسرّه ... أسرّ الرّضا في نفسه وتحرّما

لابن المقفع في سياسة النساء وقال ابن المقفّع: إيّاك ومشاورة النساء، فإن رأيهنّ إلى أفنٍ، وعزمهنّ إلى وهنٍ. واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدّة الحجاب، خيرٌ لك من الارتياب. وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا تثق به عليهنّ، فإن استطعت ألاّ يعرفن عليك فافعل. ولا تمّلكنّ امرأةً ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها؛ وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرها. ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملّهنّ؛ واستبق من نفسك بقيّةً، فإنّ إمساكك عنهنّ وهنّ يردنك باقتدار، خير من أن يهجمن عليك على انكسار. وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ يدعو الصحيحة منهنّ إلى السّقم.

المأمون في الغيرة كان المأمون يقول: الغيرة بهيميّة. وقال أيضاً: هي ضرب من البخل.

شعر الخريمي في الغيرة أنشدني محمد بن عمر للخريميّ:

ما أحسن الغيرة في حينها ... وأقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متهماً عرسه ... متّبعاً فيها لقول الظّنون

يوشك أن يغريها بالذي ... يخاف أن يبرزها للعيون

حسبك من تحصينها وضعها ... منك إلى عرضٍ صحيح ودين

لا يطلعن منك على ريبةٍ ... فيتبع المقرون حبل القرين

للشنفرى، ولآخرين وقال الشنفرى:

إذا أصبحت بين جبال قوٍّ ... وبيضا القرى لم تحذريني

وإما أن تؤذيني وترعى ... أمانتكم وإما أن تخوني

إذا ما جئت ما أنهاك عنه ... ولم أنكر عليك فطلّقيني

فأنت البعل يومئذٍ فقومي ... بسوطك لا أبا لك فاضربيني

أنشدني عبد الرحمن عن عمه للرخيم العبدي:

كنا ولا تعصي الحليلة بعلها ... فاليوم تضربه إذا ما هو عصى

ويقلن بعداً للشيوخ سفاهةً ... والشيخ أجدر أن يهاب ويتقى

وقال آخر:

وإني لأخلي للفتاة خباءها ... كثيراً فترعى نفسها أو تضيعها

وإني لعفٌّ عن مطاعم جمةٍ ... إذا زيّن الفحشاء للنفس جوعها

قال جران العود:

ولكن سمعن الشيخ قد قال قولةً ... عليكم إذا ما ربنكم بالضرائر

ولا تأمنوا مكر النساء وأمسكوا ... عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنك لم ينذرك أمراً تخافه ... إذا كنت منه جاهلاً مثل خابر

لجعفر بن سليمان الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: منعني علمي بالنساء كثيراً منهن، فقد غشيت ألف امرأة. وإن الله لو يحلّ لرجل ابنته لم تنفعه أو تعزبه.

الحجاج ونسائه أبو الحسن قال: قيل للحجاج: أيمازح الأمير أهله؟ قال: ما تروي إلا شيطاناً! والله لربّما قبّلت أخمص إحداهنّ.

لرجل من العرب في حسن المعاشرة قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على جمعهنّ؟ قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش.

للنبي صلى الله عليه وسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: : " كلّ شيء يلهو به الرجل باطلٌ إلا تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته أهله " .

في الأولاد والعيال ويقال: العيال سوس المال.

للكسائي في ترك التزوج عوتب الكسائي في ترك التزوج، فقال: وجدت مكابدة العزبة أيسر من مكابدة العيال.

لعمارة بن حمزة عن عمارة بن حمزة قال: يخبز في بيتي كلّ يومٍ ألف رغيفٍ، كلهم يأكله حلالاً غيري. وكان يأكل رغيفاً واحداً. ويقولون: فلانٌ ربّ البيت، وإنما هو كلب البيت.

لعيسى بن عليّ عن عيسى بن علي قال في مرضٍ مرضه بمدينة السلام للناس: إن في قصري الساعة لألف محمومةٍ.

للنبي صلى الله عليه وسلم في الإنفاق على الأهل

 

عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دينار أعطيته مسكيناً ودينار أعطيته في رقبةٍ ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار أنفقته على أهلك هو أعظم أجراً " .

محادثة النساءلبشار في محادثة النساء قال بشار:

وحديثٍ كأنه قطع الرو ... ض وفيه الصفراء والبيضاء

مثله لابن الأعرابي وغيره وأنشد ابن الأعرابي:

وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا

فأصلح مستمعاً لدرّته ... ويقول من فرحٍ هيا ربّا

وقال القطامي:

وهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء م ذي الغلة، الصادي

وقال الأخطل:

قد تكون بها سلمى تحدّثني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري

شبه كلامها بعقدٍ انقطع فتساقط لؤلؤه.

وقال جران العود:

حديث لو أن اللحم يصلى بحره ... غريضاً أتى أصحابه وهو منضج

وقال بشّار وذكر امرأة: " كأن حديثها سكر الشّراب " وقال أعرابيّ:

ونازعتنا ضحياً خفيّاً كأنه ... على المجتنى الريحان أمرغ خاضله

بوحي لو أن العصم تسمع رجعه ... تقضّض من أعلى أبانٍ عواقله

وقال بشار:

وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا

وكأن رجع حديثها ... قطع الرّياض كسين زهرا

لأعرابي أحمق وقال بعض الأعراب الحمقى:

حديثك أشهى حين آتيك طارقاً ... من الماء والدّوشاب يمتزجان

كأنّ على عينيك تسعين جلّةً ... كثيراً من االبرنيّ والصّرفان

آخر:

كأنّ على فيها وما ذقت طعمه ... لبا نعجةٍ سوّطته بدقيق

رمتني بسهمٍ نصله قرويةّ ... وفوقاه سمنٌ والنضيّ سويق

لذي الرّمة والحسن في هذا قول ذي الرّمّة:

ولما تلاقينا جرت من عيوننا ... دموعٌ كففنا ماءها بالأصابع

ونلنا سقاطاً من حديث كأنه ... جنى النحل مموزجاً بماء الوقائع

وقال آخر:

أنخ فاختبر قرصاً إذا اعترك الهوى ... بزيتٍ لكي يكفيك فقد الحبائب

إذا اجتمع الجوع المبّرح والهوى ... نسيت وصال الغانيات الكواعب

فدع عنك تطلاب الغواني وحبّها ... وراجع تمر مع لبأ ورائب

باب النظرللمسيح عليه السلام في النظر قال المسيح عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك في الأحتفاظ من العين وقال رجلٌ لأخيه: احتفظ من العين، فإنها أنمّ عليك من اللسان وقال بشار:

على النفس من عينها شاهدٌ ... فكاتم حديثك أونمّه

وقال الفرزدق:

فلا تدخل بيوت بني كليبٍ ... ولا تقرب لهم أبداً رحالا

فإنّ بها لوامع مبرقاتٍ ... يكدن ينكن بالحدق الرجالا

بين أشعب وابنه نظر أشعب يوماً إلى ابنه وهو يديم النظر إلى امرأة، فقال: يا بنيّ نظرك هذا يحبل.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في هذا المعنى:

ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أثنى لقد حبلت منّي

ذو الرمة وقال ذو الرّمة - وذكر الظبية وخشفها - :

وتهجره إلاّ اختلاساً بطرفها ... وكم من محبٍ رهبة العين هاجر

لأعرابية في بني نمير مرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها، فقالت: يا بني نمير، واللّه ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين: لا بقول اللّه: " قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم " . ولا بقول جرير:

فغضّ الطّرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا

فاستحيا القوم من كلامها وأطرقوا.

للطائي وقال الطائيّ:

مريب الحزن في القلوب ... وناصر العزم في الذنوب

ما شئت من منطق أريبٍ ... فيه ومن منظرٍ عجيب

لمّا رأى رقبة الأعادي ... على مغنّى به كئيب

جرّد لي من هواه طرفاً ... صار رقيباً على الرقيب

فصاحة الطرف ويقال: ربّ طرفٍ أفصح من لسانٍ.

وقال الشاعر:

ومراقبين يكتّمان هواهما ... جعلا الصدور لما تجنّ قبورا

 

يتلاحظان تلاحظاً فكأنما ... يتناسخان من الجفون سطورا

وقال أعرابيّ:

إن كاتمونا القلى نمّت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف

وقال آخر في مثله:

إذا القلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون

وقال آخر:

أما تبصر في عينيّ ... عنوان الذي أبدي

وقالت أعرابيةّ:

ومودّع يوم الفراق بلحظه ... شرقٍ من العبرات ما يتكلّم

وقال أعرابيّ:

وما خاطبتها مقلتاي بنظرةٍ ... فتفهم نجوانا العيون النواظر

ولكن جعلت الوهم بيني وبينها ... رسولاً فأدّى ما تجنّ الضمائر

ونحوه قول أبي العتاهيّة:

أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي

يوهّمنيك الشوق حتّى كأنني ... أناجيك عن قربٍ وما أنت في قربي

وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن:

دعا طرفه فأقبل مسرعاً ... فأثّر في خدّيه فاقتصّ من قلبي

شكوت إليه ما ألاقي من الهوى ... فقال على رغمٍ فتنت فما ذنبي

في أربع لا يشبعن من أربع كان يقال: أربعٌ لا يشبعن من أربع: عينٌ من نظر، واثنى من ذكر، وأرضٌ من مطر، وأذنٌ من خبر.

بين إسحاق بن أحمد ورجل حدّثني إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك قال: رأيت رجلاً في طريق مكة وعديله جاريةٌ في المحمل وقد شدّ عينيها وكشف الغطاء؛ فقلت له في ذلك؛ فقال: إنما أخاف عليها عينيها لا عيون الناس.

وكان عند بعض القرشّيين امرأةٌ عربيّةٌ، ودخل عليها خصيّ لزوجها وهي واضعةٌ خمارها، فحلقت رأسها وقالت: ما كان ليصحبني شعرٌ نظر إليه غير ذي محرمٍ.

باب القيان والعيدان والغناءبين جعفريّ وجارية يهواها قال إسحاق بن إبراهيم: كان رجلٌ من آل جعفر بن أبي طالب، يهوى جاريةً، فطال ذلك به، فقال للزّبيريّ: قد شغلتني هذه عن ضيعتي وعن كل أمري فاذهب بنا حتى نكاشفها، فقد وجدت بعض السّلوّ. فأتيناها؛ فلما أتيناها قال لها الجعفريّ أتغنيّن:

وكنت أحبّكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام

فقالت: لا، ولكني أغنّي:

تحمّل أهلها منها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء

فاستحيا وأطرق ساعةً وازداد كحلفاً، ثم قال: أتغنيّن:

وأخنع للعتبى إذا كنت ظالماً ... وإن ظلمت كنت الذي أتنصّل

قالت: نعم، وأغنيّ:

فإن تقبلوا بالودّ نقبل بمثله ... وإن تدبروا أدبر على حال باليا

فتقاطعا في بيتين، وتواصلا في بيتين، ولم يشعر بهما أحدٌ.

وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن:

أعددت للحرب شرب كأسٍ ... وميل سمعٍ إلى قيان

تظلّ أوتارهنّ تحكي ... فصاحةً منطق اللسان

ما بين يمنى وبين يسرى ... وحي بنانٍ إلى بنان

ضمير قلب بقرع كفٍّ ... أبداه بمّان ناطقان

لبعض الكتاب في العود وقال بعض الكتّاب وذكر العود:

وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذٌ نيطت إلى قدم

يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطقٌ لفم

لشاعر يذكر مغنية وقال آخر يذكر مغنيّة:

ألم ترها لا يبعد اللّه دارها ... إذا رجّعت في صوتها كيف تصنع

تمدّ نظام القول ثم تردّه ... إلى صلصل في حلقها يترجّع

شعر في القيان وقال بعض المحدثين في القيان:

إذا رأين القيان أحمق ذا ... مالٍ يقلّبن نحوه الحدقا

وبالتغنّي وبالتدلّل يس ... لبن فؤاداً بحبّه علقا

حتى إذا ما سلخن جلدته ... سلخاً رفيقاً وبدّد الورقا

قلن ادخلوا، ذا الطّوير قد طرح الرّ ... يش، وشدّوا من دونه الغلقا

فبتن يرعين في دراهمه ... وبات يرعى الهموم والأرقا

للقاسم بن محمد في الغناء

 

ذكر عند القاسم بن محمد الغناء والسّلو عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا ميّز أهل الحقّ وأهل الباطل ففي أيّ الفريقين يكون الغناء؟ قالوا: في فريق الباطل. قال: فلا حاجة لي فيه.

بين سكينة بنت الحسين والغريض ومعبد قدمت سكينة بنت الحسين مكة، فأتاها الغريض ومعبد فغنياها:

عوجي علينا ربّة الهودج ... إنك إن لم تفعلي تحرجي

فقالت: والله ما لكما مثلٌ: إلا الجديين الحار والبارد لا يدرى أيها أطيب.

في إجادة الغناء والإساءة فيه قال بعضهم: ليس يخلو أحدٌ في بيته ولا في سفره إلا وهو يشدو، فإن هو أساء في ذلك ستر الله عليه، وإن هو أحسن فضحه الله.

لشريح قال الهيثم: خرج شريحٌ إلى مكة فشيّعه قوم، فانصرف بعضهم من النجف بعد السفرة، ومضى معه قوم، فلما أرادوا أن يودعوه، قال: أما أصحاب النجف فقد قضينا حقّهم بالطعام، وأما أنتم فأغنّيكم، ورفع عقيرته وغنّى:

إذا زينب زارها أهلها ... حشدت وأكرمت زوّارها

وإن هي زارتهم زرتها ... وإن لم يكن لي هوىً دارها

خبر القاص بمرو عن عليّ بن هشام قال: كان عندنا بمرو قاصٌّ يقصّ فيبكينا، ثم يخرج بعد ذلك طنبوراً صغيراً من كمّه فيضرب ويغني ويقول:

يا إين تيمار بايد أندكي شادي

معناه: ينبغي مع هذا الغم قليل فرحٍ.

ابن عيينة ومجيب له عن ابن جامع قدم ابن جامع مكة بخيرٍ كثير، فقال ابن عيينة: علام تعطيه الملوك هذه الأموال ويحبونه هذا الحباء؟ قالوا: يغنيهم. قال: ما يقول؟ فاندفع رجل يحكيه وقال:

أطوّف بالبيت فيمن يطوف ... وأارفع من مئزري المسبل

قال: أحسنت، هيه! فقال:

وأسجد بالليل حتى الصبا ... ح أتلو من المحكم المنزل

فقال: جزاه الله عن نفسه خيراً! هيه! فقال:

عسى كاشف الكرب عن يوسفٍ ... يسخر لي ربّة المحمل

فقال: آه! أمسك أمسك، قد علمت ما نحا الخبيث، اللهم لا تسخرها له!.

التقبيلمن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أسد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلى مع نسائه أقعى وقبّل.

بين أم البنين وعزّة قالت أمّ البنين لعزّة صاحبة كثير: أخبريني عن قول كثير:

قضى كلّ ذي دينٍ فوفّى غريمه ... وعزّة ممطولٌ مغنّى غريمها

أخبريني ما ذلك الدّين؟ قالت: وعدته قبلةً فحرجت منها. قالت أم البنين: أنجزيها وعليّ إثمها.

بين رجل وأعرابي في معنى الزنا قال رجل لأعرابيّ: ما الزنا عندكم؟ قال: القبلة والضّمة. قال: ليس هذا زنا عندنا. قال فما هو؟ قال: أن يجلس بين شعبها الأربع ثم يجهد نفسه. فقال الأعرابي: ليس هذا زنا، هذا طالب ولد.

لبعض الشعراء في التقبيل وقال " آخر " :

فدخلت مختفياً أصرّ ببيتها ... حتى ولجت على خفيّ المولج

قالت وعيش أخي ونعمة والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج

فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج

فلثمت فاها قابضاً بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

فتناولت رأسي لتعرف مسه ... بمخضّب الأطراف غير مشنج

وقال بعض الشعراء:

وما نلت منها محرماً غير أنني ... أقبّل بساماً من الثغر أبلجا

وألثم فاها تارةً بعد تارةٍ ... وأترك حاجات النفوس تحرّجا

وقال آخر:

لعمري إني ما صبوت وما صبت ... وإنّي إليها من صباً لحليم

سوى قبلةٍ أستغفر الله ذنبها ... وأطعم مسكيناً بها وأصوم

لأبي نواس وقال أبو نواس:

وعاشقين التفّ خدّاهما ... عند التثام الحجر الأسود

فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا على موعد

لولا دفاع الناس إيّاهما ... لما استفاقا آخر المسند

بين المتوكل وبختيشوع قال المتوكل، أو غيره من الخلفاء، لبختيشوع: ما أخفّ النقل على النبيذ؟ فقال له: نقل أبي نواس. فقال: ما هو؟ فأنشده:

ما لي في الناس كلهم مثل ... مائي خمرٌ ونفلي القبل

وقال بعض المحدثين:

غضبت من قبلةٍ بالكره وجدت بها ... فهاك قد جئت فاقتصيه أضعافا

 

لم يأمر الله إلا بالقصاص فلا ... تستجوري ما رآه الله إنصافا

الدخول بالنساء والجماعابن عباس والمتعة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في متعة النساء؟ - قال: قد أكثر الناس فيها حتى الشاعر:

قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسةٍ ... تكون مثواي حتى رجعة الناس

- قال: فنهاني عنها وكرهها.

للأصمعي الأصمعي: أن رجلاً قعد من امرأة مقعد النكاح ثم قال: أبكرٌ أنت أم ثيّبٌ؟ قالت: " وأنت على المجرّب " .

بين الحجاج وابن شماخ قال الحجاج لأكتل بن شمّاخ العكلي: ما عندك للنساء؟ قال: إني لأطيل الظمأ وأورد فلا أشرب.

لمدني في النكاح وقيل لمدني: ما عندك في النكاح؟ قال: إن منعت غضبت، وإن تركت عجزت.

للأحنف قال الأحنف: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح وحسنوا الأخلاق.

لمعاوية قال معاوية: ما رأيت منهوماً بالسناء إلا رأيت ذلك في منّته.

قال آخر: لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها.

لعيسى بن موسى دعا عيسى بن موسى بجاريةٍ له، فلم يقدر على غشيانها، فقال:

القلب يطمع والأسباب عاجزةٌ ... والنفس تهلك بين العجز والطمع

مقاتل بن طلبة قال مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم:

رأيت سحيماً فاقد الله بينها ... تنيك بأيديها وتعيا أيورها

وقال آخر:

ويبعث يوم الحشر أما لسانه ... فعيٌّ وأما أيره فخطيب

وقال آخر:

ويعجبني منك عند الجماع ... حياة اللسان وموت النظر

لامرأة في الحارث بن ظالم المدائني قال: أسرت عنزة الحارث بن ظالم، فمرت به امرأةٌ منهم فرأت كمرةً سوداء، فقالت: احتفظوا بأسيركم فإنه ملكٌ وخدن ملك. قالوا: وكيف عرفت ذلك؟ " قالت: " رأيت حشفةً سوداء من فروم النساء.

والفرم: ما تضيّق المرأة به رحمها م رامكٍ أو عجم زبيب أو غيره.

وكتب عبد الملك ب مروان إلى الحجاج: يابن المستفرمة بعجم الزبيب.

بين امرئ القيس وامرأة قال الهيثم: كان امرؤ القيس مفرّكاً، فبينما هو يوماً مع امرأة قالت له: قم يا خير الفتيان قد أصبحت. فلم يقم، فكررت عليه، فقام فوجد الليل بحاله، فرجع إليها فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: حملني عليه أنّك ثقيل الصدرن خفيف العجز، سريع الإراقة.

بين أبي عبيدة وجارية له قال أبو عبيدة لجاريةٍ له: اصدقيني عمّا تكره النساء مني. قالت: يكرهن منك " أنك " إذا عرقت فحت بريح كلبٍ. قال: أنت صدقتيني، إن أهلي كاوا أرضعوني بلبن كلبةٍ.

بين رجل وامرأته قال الأصمعي: غاضبت امرأة زوجها، فجال عليها يجامعها؛ فقالت: لعنك الله! كلما وقع بيني وبينك شرٌّ جئتني بشفيعٍ لا أقدر على ردّه!.

زواج عبيد الله بن زياد بهند بنت أسماء بن خارجة الهيثم عن ابن عيّاش قال: كتب عبيد الله بن زياد إلى أسماء بن خارجة ووالي البصرة يخطب إليه هند بنت أسماء فزوّجه؛ فلقيه عمرو بن حارثة ومحمد بن الأشعث بن قيس ومحمد بن عمير، فقالوا: خطب إليك وليس له عليك سلطانٌ فزوجته وقد عرفته! فقال: قد كان ما كان. فقال عقيبة الأسديّ:

جزاك الله يا أسماء خيراً ... كما أرضت فيشلة الأمير

بصدرعٍ قد يفوح المسك منه ... عظيم مثل كركرة البعير

لقد زوجتها حسناء بكراً ... تجيد الرهز من فوق السرير

فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فلما استعمل على الكوفة تزوج عاشة بنت محمد بن الأشعث، وزوّج أخاه سلم بن زيادٍ بنت عمرو بن الحارث بن حريثٍ، وزوّج أخاه عبد الله بن زيادٍ ابنة محمد بن عميرٍ. قال ابن عيّاش: فاشتركوا والله في اللوم جميعاً.

لابن المبارك

 

قال ابن المبارك: ألستم تعلمون أنّي قد أرميت على المائة! وينبغي لمن كان كذلك أن يكون في وهن الكرّة وموت الشّهوة وانقطاع ينبوع النّطفة، وأن قد يكون قد مال جبينه إلى النساء وبفكره إلى الغزل. قالوا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون عوّد نفسه تركهن، وهذا والتخلي بهّ دهراً أن تكون العادة وتمرين الطبيعة وتوطين النفس قد حطّ من ثقل منازعة الشهوة ودواعي الباه، وقد علمت أنّ العادة قد تستحكم ببعضٍ عمن ترك ملابسة النساء. قالوا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون لمن لم يذق طعم الخلوة بهنّ ولم يجالسهنّ متبذّلاتٍ ولم يسمع خلابتهن للقلوب واستمالتهن للأهواء، ولم يرهنّ متكشّفاتٍ ولا عارياتٍ أن يكون إذا تقدّم له ذلك مع طول الترك ألاّ يكون بقي معه من دواعيهنّ شيء. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن علم أنّه مجبوبٌ وأن سببه إلى خلاطهن محسوم أن يكون اليأس من أمتن أسبابه إلى الزهد والسّلوة وإلى موت الخاطر. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن دعاه الزّهد في الدنيا إلى أن خصى نفسه ولم يكرهه على ذلك أبٌ ولا عدوٌّ ولا سباه ساب أن يكون مقدار ذلك الزّهد يميت الذكر وينسي العزم. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن سخت نفسه عن الشكر وعن الولد وعن أن يكون مذكوراً بالعاقب الصالح أن يكون قد نسي هذا الباب إن كان مرّةً منه على ذكره، وأنتم تعلمون أني سملت عيني يوم خصيت نفسي " و " قد نسيت كيفية الصّور. قالوا: صدقت. قال: أوليس لو لم أكن هرماً ولم يكن هاهنا اجتناب وكانت الآلة قائمة - إلا أني لم أذق لحماً منذ ثلاثين سنة ولم تمتلىء عروقي من الشّراب مخافة الزيادة في الشّهوة - لكان في ذلك ما يقطع الدواعي ويسكّن حركةً إن هاجت. قالوا: صدقت. قال: فإن بعد ما وصفت لكم لا أسمع نغمةً لامرأة إلا أظن أنّ عقلي قد اختلس، ولربّما تراءى فؤادي عن ضحك إحداهن حتى أظنّ أنه قد خرج من فمي، فكيف ألوم عليهنّ غيري!.

" بين ابن سيرين ورجل " قال رجل لابن سيرين: إذا خلوت بأهلي أتكلّم بكلام أستحي منه. قال: أفحشته اللّذة.

للموصلي في شراعة بن الزندبوذ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال: كان شراعة بن الزّندبوذ لا يأتي النساء، وكان يقال: إنه عنّينٌ؛ فقال:

قالوا شراعة عنّين فقلت لهم ... اللّه يعلم أنّي غير عنّين

فإن ظننتم بي الظنّ الذي زعموا ... فقرّبوني إلى بيت ابن رامين

وكان ابن رامين صاحب قيانٍ، وكانت الزرقاء جاريته.

بين إسحاق وابن كناسة قال إسحاق: أنشدني ابن كناسة:

لقد كان فيها للأمانة موضعٌ ... وللسّرّ كتمانٌ وللعين منظر

قلت: ما بقي شيء. قال: فأين الموافقة!.

بين الهيثم وصالح بن حسان في أفقه الناس الهيثم قال: قال لي صالح بن حسّان: من أفقه الناس؟ قلت: اختلف في ذلك. قال: أفقه الناس وضّاح اليمن حيث يقول:

إذا قلت هاتي نوّليني تبسّمت ... وقالت معاذ اللّه من فعل ما حرم

فما ناولت حتى تضرّعت عندها ... وأنبأتها ما رخّص اللّهفي اللّمم

بين هشام والأبرش في نساء كلب قال هشام بن عبد الملك للأبرش الكلبيّ: زوّجني امرأة من كلب. فزوّجه؛ فقال له ذات يوم يهزل معه: وتزوّجنا إلى كلب فوجدنا في نسائهم سعة. فقال الأبرش: يا أمير المؤمنين، إن نساء كلبٍ خلقن لرجال كلبٍ.

لكندي في نساء كندة قال: وسمع رجلٌ من كندة رجلاً يقول: وجدنا في نساء كندة سعةً؛ قال الكنديّ: إن نساء كندة مكاحل فقدت مراودها.

بين أعرابي وامرأته تزوّج أعرابيّ امرأةً، فلما دخل بها عابثها فضرطت فخرجت غضبي إلى أهلها، وقالت: لا أرجع حتى يفعل مثل ما فعلت؛ فقال لها: عودي لأفعل. فعادت ففعل؛ فبينما هو يداعبها إذ حبقت أخرى؛ فقال الأعرابي:

طالبتني ديناً فلم أقضك ... واللّه حتى زدت في قرضك

فلا تلوميني على مطله ... إن كان ذا دأبك لم أقضك

لأعرابية عجز عنها زوجها تزوّج رجلٌ أعرابيّة فعجز عنها؛ فقيل لها في ذلك، فقالت: نحن لنا صدوع في صفاً، ليس لعاجزٍ فينا حظّ.

أبو سفيان بن حرب يذكر زوجته صعبة بعدما طلقها

 

الهيثم عن ابن عياش قال: كانت صعبة أمّ طلحة بن عبيد اللّه من بنات فارس، تزوّجها أبو سفيان بن حربٍ فلم تزل به هندٌ حتى طلّقها، فتزوّج بها عبيد اللّه؛ وتتبّعتها نفس أبي سفيان فقال:

إنا وصعبة فيما ترى ... بعيدان والودّ قريب

فإلاّ يكن نسبٌ ثاقبٌ ... فعند الفتاة جمالٌ وطيب

لها عند سرّي بها نخرةٌ ... يزول بها يذبلٌ أو عسيب

فيا لقصيٍّ ألا فاعجبوا ... فللوبر صار الغزال الربيب

لأعرابية جلس أعرابيٌ إلى أعرابيّةٍ، وعلمت أنه إنما جلس إليها لينظر ابنتها، فضربت بيدها على جنبها وقالت:

وما لك منها غير أنك ناكحٌ ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع

لأيمن بن خريم وقال أيمن بن خريم:

لقيت من الغانيات العجابا ... لو ادرك منّي العذارى الشّبابا

ولكنّ جمع العذارى الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا

يرضن بكل عصا رائضٍ ... ويصبحن كلّ غداةٍ صعابا

علام يكحلنّ حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا

ويبرزن إلا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضّرايا

إذا لم يخالطن كلّ الخلا ... ط أصبحن مخرنطماتٍ غضابا

يميت العتاب خلاط النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا

العرجيّ في يوم غاب عذّاله واعد العرجيّ امرأة من الطائف فجاء على حمار ومعه غلام، وجاءت المرأة على أتان ومعها جارية؛ فوثب العرجيّ على المرأة، والغلام على الجارية، والحمار على الأتان؛ فقال العرجيّ: هذا يومٌ غاب عذّاله.

باب القيادةلعائشة رضي اللّه عنها عن الواصلة عن ابن الأشوع: أنه سئل عن الواصلة فقال: إنك لمنقّر، قالت عائشة رضي اللّه عنها: ليست الواصلة بالتي تعنون، وما بأسٌ إذا كانت المرأة زعراء أن تصل شعرها، ولكن الواصلة أن تكون بغيّاً في شبيبتها، فإذا أسنت وصلته بالقيادة.

خبر ظلمة القوادة قالوا: كانت ظلمة التي يضرب بها المثل في القيادة صبيةً في الكتّاب، فكانت تضرب دويّ الصبيان وأقلامهم، فلما شبت زنت، فلما أسنت قادت، فلما قعدت اشترت تيساً تنزّيه على العنز.

للمدائني وذكر المدائنيّ: أنّ رجلاً من السلطان كان لا يزال يأخذ قوّادة فيحبسها ثم يأتيه من يشفع فيها فيخرجها؛ فأمر صاحب شرطته فكتب في قصّتها: فلانة القوّادة تجمع بين الرجال والنساء لا يتكلّم فيها إلا زانٍ؛ فكان إذا كلّم فيها قال: أخرجوا قصّتها، فإذا قرئت قام الشفيع مستحيياً.

شعر لجران العود وقال جران العود:

يبلّغهنّ الحاج كلّ مكاتب ... طويل العصا أو مقعدٍ يتزّحف

ومكمونةٍ رمداء لا يحذرونها ... مكاتبةٍ ترمي الكلاب وتحذف

رأت ورقاً بيضاً فشدّت حزيمها ... لها فهي أمضى من سليكٍ وألطف

للفرزدق وقال الفرزدق:

يبلّغهنّ وحي القول منّي ... ويدخل رأسه تحت القرام

لحميد بن ثور وقال حميد بن ثور:

خليليّ إني أشتكي ما أصابني ... لتستيقنا ما قد لقيت وتعلما

فلا تفشيا سرّي ولا تخذلا أخاً ... أبثّكما منه الحديث المكتمّا

وقولا إذا جاوزتما أرض عامرٍ ... وجاوزتما الحيّين نهداً وخثعما

نزيعان من جرم بن ربّان إنهم ... أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما

وخبّا على نضوين مكتفليهما ... ولا تحملا إلا زناداً وأسهما

وزاداً غريضاً خفّفاه عليكما ... ولا تبديان سرّاً ولا تحملا دما

وإن كان ليلٌ فالويا نسبيكما ... وإن خفتما أن تعرفا فتلّثما

وقولا خرجنا تاجرين فأبطأت ... ركابٌ تركناها بثليث قوّما

ولو قد أتانا بزّنا ودقيقنا ... تموّل منكم من رأيناه معدما

ومدّا لهم في السّوم حتى تمكّنا ... ولا تستلجّا صفق بيع فيلزما

فإن أنتما اطمأننتما فأمنتما ... وخلّيتما ما شئتما فتكلّما

 

وقولا لها ما تأمرين بصاحبٍ ... لنا قد تركت القلب منه متيّما

أبيني لنا إنّا رحلنا مطيّنا ... إليك وما نرجوك إلا توهّما

المأمون لرسول بعث به وقال المأمون لرسول بعث به:

بعثتك مرتاداً ففزت بنظرة ... وأخلفتني حتى أسأت بك الظّنا

وناجيت من أهوى وكنت مقرّباً ... فيا ليت شعري عن دنوّك ما أغنى

وردّدت طرفاً في مجالس وجهها ... ومتّعت باستسماع نغمتها أذنا

أرى أثراً منها بعينيك لم يكن ... لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا

وقال بعض المحدثين:

يا سوء منقلب الرّسو ... ل مخبراً بخلاف ظنيّ

إنّي أعيذك أن تكو ... ن شغلتني وشغلت عنّي

شعر زيد بن عمرو في أمته وقال زيد بن عمرو في أمته:

إذا طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فهي أبداً يزني بها وتقود

باب الزنا والفسوقالعتبي، قال: قيل لرجل في امرأته وكانت لا ترّد يد لامسٍ: علام تحسبها مع ما تعرف منها؟ فقال: إنها جميلة فلا تفرك وأمّ عيال فلا تترك.

لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:

ألمّا على دارٍ لواسعة الحبل ... ألوفٍ تسوّي صالح القوم بالرّذل

يبيت بها الحدّاث حتى كأنمّا ... يبيتون فيها من مدافع من نخل

ولو شهدت حجّاج مكة كلّهم ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل

بين الفرزدق وسليمان بن عبد الملك أنشد الفرزدق لسليمان بن عبد الملك القصيدة التي تقول فيها:

ثلاثٌ واثنتان فهنّ خمسٌ ... وسادسة تميل إلى شمام

فبتن بجانبي مصرعات ... وبتّ أفضّ أغلاق الختام

كأن مفالق الرّمان فيها ... وجمر غضّى قعدن عليه حامي

فقال سليمان: أحللت نفسك يا فرزدق: أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ، ولا بدّ لي من إقامة الحدّ عليك فقال: بم أوجبت ذلك عليّ يا أمير المؤمنين، فقال: بكتاب اللّه قال: فإن كتاب اللّه يدرأ عنيّ، قال اللّه جلّ ثناؤه: " والشعراء يتبّعهم الغاوون ألم تر أنهّم في كلّ وادٍ يهيمون. وأنهّم ماالا يفعلون " فإنا قلت ما لم أفعل.

أبو الطمحان القيني وليلة الدير قيل لأبي الطّمحان القينيّ: خبّرنا عن أدنى ذنوبك. قال: ليلة الدير. قالوا: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت على ديرانيةّ فأكلت طفيشلاً لها بلحم الخنزيرٍ، وشربت من خمرها وزينت بها وسرقت كساءها ومضيت شعر لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:

يقصد الناس للطواف احتساباً ... وذنوبي مجموعةٌ في الطواف

لجرير في الفرزدق وقال جريرٌ في الفرزدق:

لقد ولدت أمّ الفرزدق فاجراً ... فجاءت بوزوازٍ قصير القوائم

يوصّل حبليه إذا جنّ ليله ... ليرقى إلى جاراته بالسّلالم

وما كان جارٌ للفرزدق مسلمٌ ... ليأمن قرداً ليله غير نائم

أتيت حدود اللّه إذ كنت يافعاً ... وشبت فما ينهاك شيب اللّهازم

تتبّع في الماخور كلّ مريبةٍ ... ولست بأهل المحصنات الكرائم

هو الرجس يأهل المدينة فاحذروا ... مداخل رجسٍ بالخبيثات عالم

لقد كان إخراج الفرزدق عنكم ... طهوراً لما بين المصلّى وواقم

تدلّيت تزني من ثمانين قامة ... وقصّرت عن باع العلا والمكارم

لإسماعيل بن غزوان في امرأة العزيز وقال عمرو بن بحر: قرأ قارىء " قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ " إلى قوله تعالى: " ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب " ، قال إسماعيل بن غزوان: لا واللّه ما سمعت بأغزل من هذه الفاسقة.

وسمع بكثرة مراودتها يوسف عنها فقال إسماعيل: أما واللّه بي تمرست.

لأعرابيّ بات ضيفاً على حضريّ بات أعرابيّ ضيفاً لبعض الحضر فرأى امرأةً فهمّ أن يخالف إليها في أولّ الليل فمنعه الكلب ثم أراد ذلك نصف الليل فمنعه ضوء القمر ثم أراد ذلك في السّحر فإذا عجوزٌ قائمة تصلّي، فقال:

لم يخلق اللّه شيئاً كنت أكرهه ... غير العجوز وغير الكلب والقمر

 

هذا نبوحٌ وهذا يستضاء به ... وهذه شيخةٌ قوامة السحر

عمر بن أبي ربيعة وامرأة من كلب في موسم الحج المنصور عن أبيه محمد بن عليّ، قال: حججت فرأيت امرأةً من كلبٍ شريفةً قد حجّت فرأها عمر بن أبي ربيعة فجعل يكلّمها ويتبعها كلّ يومٍ، فقالت لزوجها ذات يوم: إني أحبّ أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد. فراحت متوكئة على زوجها فلما أبصرها عمو ولّى فقال: على رسلك يا فتى:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي مربض المستأسدة الحامي

بين أبي ذؤيب وخالد بن زهير الرّياشي قال: كان أبو ذؤيب يهوى امرأة من قومه، وكان رسوله إليها رجلاً يقال له: خالد بن زهير، فخانه فيها، فقال أبو ذؤيب:

تريدين كيما تجمعيني وخالداً ... وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد

أخالد ما راعيت منّي قرابةً ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي

وكان أبو ذؤيب خان فيها ابن عمّ له يقال له: مالك بن عويمر، فأجابه خالدٌ:

ولا تعجبن من سيرةٍ أنت سرتها ... وأوّل راض سنّةً من يسيرها

ألم تتنقّذها من ابن عويمرٍ ... وأنت صفيّ نفسه ووزيرها

سألت امرأةٌ زوجها الحجّ فأذن لها وبعث معها أخاه، فلما انصرفا عنه سأله عنها، فقال:

وما علمت لها عيباً أخبّره ... إلا اتّهامي فيها صاحب الإبل

كنا نهاراً إذا ما السّير جدّ بنا ... يغيّران وما بالرحل من مثل

ويخلفون كثيراً في منازلنا ... فلا نزال نرى آثار مغتسل

فاللّه أعلم ما كانت سرائرهم ... واللّه أعلم بالنيّات والعمل

بين الفرزدق ورجل قال رجلٌ للفرزدق: متى عهدك يا أبا فراسٍ بالزّنا؟ فقال: مذ ماتت العجوز.

لقيط في سوق يحيى ببغداد رمي ببغداد في سوق يحيى قمطرةٌ فيها صبيٌ وتحته مضرّبات حرير، وعند رأسه كيسٌ فيه مائة دينار ورقعةٌ فيها: هذا الشقيّ ابن الشقيّة، ابن السّكباح والقليّة، ابن القدح والرّطلية؛ رحم اللّه من اشترى له بهذا الذهب جاريةً تربيه؛ وفي آخر الرّقعة: هذا جزاء من عضل ابنته.

أعرابي يذكر ماجناً ذكر أعرابيّ رجلاً ماجناً فقال: لو أبصرت فلاناً العيدان لتحّركت أوتارها ولو رأته مومسة لسقط خمارها.

لبعض الأعراب قال بعض الأعراب:

ماذا يظن بليلي إذا ألمّ بها ... مرجّل الرأس ذو بردين مزّاح

حلوٌ فكاهته خزّ عمامته ... في كفهّ من رقى إبليس مفتاح

أيضاً أعرابيّ يذكر ماجناً ذكر أعرابيّ رجلاً ماجناً فقال: هو أكثر ذنوباً من الدّهر، تفد إليه مواكب الضّلالة، ويرجع من عنده مدوّن الأيام.

لآخر يذكر قوماً وذكر آخر قوماً فقال: هم أقلٌ الناس إلى أعدائهم وأكثرهم تجرماً على أصدقائهم يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.

بين الأصمعي وأمة قال الأصمعيّ: قلت لأمةٍ ظريفة: هل في يديك عملٌ؟ قالت: لا! ولكن في رجليّ.

بين أبي نواس وقيان قالت جوارٍ من القيان لأبي نواس بناتك! فقال أبو نواس......................

شعر لأبي المهند في راهب قال أبو المهند:

وأفجر من راهبٍ يدعدّعي ... بأنّ النساء عليه حرام

يحرّم بيضاء ممكورةً ... ويغنيه في البضع عنها الغلام

إذا ما مشى غضّ من طرفه ... وفي اللّيل بالدّير منه عرام

ودير العذارى فضوحٌ له ... وعند اللّصوص حديث الأنام

هؤلاء اللصوص نزلوا العذارى ليلاً، فأخذوا القسّ فشدّوه وثاقاً، ثم أخذ كلّ رجل منهم جاريةً،، فوجدوهنّ مفتضّاتٍ قد افتضهنّ القسّ كلّهنّ.

لسهل بن هارون في مخنّث قال سهل بن هارون:

إذا نزل المخنّث في رباعٍ ... تحرّك كل ذي خنثٍ إليه

وصارت دونهم مأوىالخبايا ... وصار الرّبع مدلولاً عليه

لآخر وقال آخر:

أقول لها لما أتتني تدلّني ... على امرأةٍ موصوفةٍ بجمال

أصبت لها واللّه زوجاً كما اشتهت ... إن اغتفرت فيه ثلاث خصال

فمنهنّ فسقُ لا ينادي وليده ... ورقّة إسلامٍ وقلّة مال

الأصمعي وابن روح المهلبي

 

قال الأصمعيّ: دخلت على ابن روح بن حاتم المهلّبيّ وحضر الإذن وهو عاكفّ على غلام، فقلت له: عمدت إلى الموضع الذي كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي فيه اللّهى، وتركب فيه ما تركب! فقال:

ورثنا المجد عن آباء صدقٍ ... أسأنا في ديارهم الصّنيعا

إذا الحسب الرفيع تواكلته ... بنات السّوء يوشك أن يضيعا

باب مساوئ النساءلوهب بن منبه عن وهب بن منبّه قال: عاقب اللّه المرأة بعشر خصال: شدّة النّفاس، وبالحيض، وبالنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدّين لا تصلي أيام حيضها، ولا يسلّم على النساء، وليس عليهنّ جمعة ولا جماعةٌ، ولا يكون منهنّ نبيّ، ولا تسافر إلا بوليّ.

وكان يقال: ما نهيت امرأة قطّ عن شيء إلا أتته.

وقال طفيل في هذا المعنى:

إن النساء كأشجارٍ نبتن معاً ... منها المرار وبعض المرّ مأكول

إنّ النساء متى ينهين عن خلقٍ ... فإنّه واقعٌ لا بدّ مفعول

لمعاذ في النساء عن رجاء بن حيوة قال: قال معاذ: إنكم ابتليتم بفتنة الضّرّاء فصبرتم، وإني أخاف عليكم فتنة السّرّاء، وإن من أشدّ من ذلكم عندي النساء، إذا تحلّين الذّهب ولبسن ريط الشأم وعصب اليمن، فأتبعن الغنيّ، وكلّفن الفقير ما لا يجد.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

تمتّع بها ما ساعفتك ولا تكن ... عليك شجاً يؤذيك حين تبين

وإن هي أعطتك اللّيان فإنّها ... لغيرك من خلاّنها ستلين

وإن حلفت لا ينقصن النأى عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين

خبر عاتكة بنت زيد أبو عليّ الأمويّ قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، عند عبد اللّه بن أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، وكانت قد غلبته في كثيرٍ من أمره؛ فقال له أبوه: طلّقها. فطلّقها وأنشأ يقول:

لها خلقٌ سهلٌ وحسنٌ ومنصبٌ ... وخلقٌ سويٌ ما يعاب ومنطق

فرمي يوم الطائف بسهم؛ فلما مات قال ترثيه:

وآليت لا تنفكّ عيني سخينةً ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا

فللّه عينٌ ما رأت مثله فتىً ... أعزّ وأحمى في الهياج وأصبرا

إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرّمح أحمرا

ثم خطبها عمر بن الخطّاب، فلما أولم قال عبد الرحمن بن أبي بكر: ياأمير المؤمنين اتأذن لي أن أدخل رأسي على عاتكة؟ قال: نعم، يا عاتكة استتري. فأدخل رأسه فقال:

وآليت لا تنفكّ عيني قريرةً ... عليك ولا ينفكذ جلدي أصفرا

فنشجت نشجاً عالياً؛ فقال عمر: ما أردت إلى هذا! كلّ النساء يفعلن هذا! غفر اللّه لك. ثم تزوّجها الزّبير بعد عمر وقد خلا من سنّها، فكانت تخرج باللّيل إلى المسجد ولها عجيزةٌ ضخممة؛ فقال لها الزّبير: لا تخرجي؛ فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني. وكان يكره أن يمنعها، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه " ، فقعد لها الزّبير متنكراً في ظلمة اللّيل، فلما مرّت به قرص عجيزتها؛ فكانت لا تخرج بعد ذلك؛ فقال لها: ما لك لا تخرجين؟ فقالت: كنت أخرج والناس ناسٌ، وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي.

لرجل من العرب يخاطب امرأته قال المدائنيّ: احتضر رجلٌ من العرب وله ابن يدبّ بين يديه؛ وأم الصّبيّ جالسةٌ عند رأسه؛ واسم الصبيّ معمر فقال:

وإنّي لأخشى أن أموت فتنكحي ... ويقذف في أيدي المراضع معمر

وترخى ستورٌ دونه وقلائدٌ ... ويشغلكم عنه خلوقٌ ومجمر

فما لبث أن مات، ثم تزوّجت، ثم صار معمرٌ إلى ما ذكر.

عمر بن الخطاب وشاب قتل يهودياً كان عند امرأة أخيه عن الحسن: أنّ شابّين كانا متآخيين على عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فأغزى أحدهما، فأوصى أخاه بأهله؛ فانطلق في ليلةٍ ذات ريح وظلمةٍ إلى أهل أخيه يتعهّدهم، فإذا سراجٌ في البيت يزهر، وإذا يهوديٌّ في البيت مع أهله وهو يقول:

وأشعث غرّه الإسلام منّي ... خلوت بعرسه ليل التّمام

أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لاحقة الحزام

 

كأنّ مجامع الرّبلات منها ... فئامٌ ينهضون إلى فئام

فرجع الشابّ إلى أهله، فاشتمل السيف حتى دخل على أهل أخيه فقتله ثم جرّه وألقاه في الطريق؛ فأصبح اليهود وصاحبهم قتيلٌ لا يدرون من قتله، فأتوا عمر بن الخطاب فدخلوا عليه وذكروا ذلك له، فنادى عمر في الناسّ: الصلاة جامعةً، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أنشد اللّه رجلاً علم من هذا القتيل علماً إلا أخبرني به. فقامالشابّ فأنشده الشعر وأخبره خبره؛ فقال عمر: لا يقطع اللّه يدك، وهدر دمه لابن عباس في مثل المرأة السوء كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السّوء: كان قبلكم رجلٌ صالح له امرأة سوءٍ فعرض له رجل فقال: إني رسول اللّه إليك بأنهّ قد جعل لك ثلاث دعوات فسل ما شئت من دنيا أو آخره ثم نهض. فرجع الرجل إلى منزله؛ فقلت له امرأته: ما لي أراك مفكراً محزوناً؟ فأخبرها؛ فقلت: ألست امرأتك وفي صحبتك وبناتك منيّ! فاجعل لي دعوة. فأبى فأقبل عليه ولده وقلن: أمنّا، فلم يزلن به حتى قال: لك دعوةٌ؛ فقلت: اللهم اجعلني أحسن الناس وجهاً. فصارت كذلك، وجعلت توطىء فراشها وهو يعظها فلا تتّعظ، فغضب يوماً فقال: اللهمّ اجعلها خنزيرةً فتحوّلت كذلك؛ فلما رأين بناته م نزل بأمهنّ بكين وضربن وجوههن ونتفن شعورهن، فرّق لهن قلبه فقال: اللّهم أعدها كما كانت أولاً؛ فذهبت دعواته الثلاث فيها.

بين عبد اللّه بن عكرمة وامرأة عبد الرحمن بن الحارث قال عبد اللّه بن عكرمة: دخلت على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني واللّه بالموت، وما موتي بأشدّ عليّ من تمتّع " أمّ " هشام، أخاف أن تتزوّج - يعني امرأته - . فحلفت له وآلت ألا تتزوّج بعده، فغشي وجه نورٌ، ثم قال: شأن الموت أن ينزل متى شاء. ثم مات. فتزوّجت بعمر بن عبد العزيز؛ فقلت:

فإن لقيت خيراً فلا يهنئنّها ... وإن تعست فلليدين وللفم

فبلغها، فكتبت إليّ: قد بلغني بيتك الذي تمثلّت به، وما مثلي ومثل أخيك إلاّ كما قال الشاعر:

وهل كنت إلا والهاً ذات ترحةٍ ... قضت نحبها بعد الحنين المرجّع

متى تسل عنه تدّكر بعد طيّةٍ ... من الأرض أو تقنع بألفٍ فتربع

فدع عنك من قد وارت الأرض شخصه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع

فبلغ ذلك منّي كلّ غيظٍ، واحتسبت حسابها، وإذا هي قد أعجلت عدّتها، وقد بقي عليها أربعة أيّام، فدخلت على عمر فأخبرته بذلك، فنقض النّكاح وعزل عن المدينة.

صخر بن الشريد وزوجته وأمه كان صخر بن الشّريد أخو الخنساء خرج في غزوةٍ فقاتل فيها قتالاً شديداً فأصابه جرحٌ رغيبٌ ،فمرض فطال مرضه وعاده قومه، فقال عائدٌ من عوّاده يوماً لامرأته سلمى: كيف أصبح صخرٌ اليوم؟ قالت: لا حيّا فيرجى ولا ميتاً فينسى. فسمع صخرٌ كلامها فشقّ عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: نعم غير معتذرةٍ إليك. ثم قال عائدٌ آخر لأمّه: كيف أصبح صخرٌ اليوم؟ فقالت: أصبح بحمد اللّه صالحاً ولا يزال بحمد اللّه بخيرٍ ما رأينا سواده بيننا. فقال صخر:

أرى أمّ صخرٍ ما تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني

وما كنت أخشى أن أكون جنازةً ... عليك ومن يغترّ بالحدثان

فأيّ امرئٍ ساوى بأمٍّ حليلةً ... فلا عاش إلاّ في أذى وهوان

أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان

لعمري لقد أنبهت من كان نائماً ... وأسمعت من كانت له أذنان

فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلّقها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها، ثم نكس من طعنته فمات.

أردشير وابنة ملك لسواد وقرأت في سير العجم أنّ أردشير سار إلى الخضر، وكان ملك السّواد متحصناً فيها، وكان من أعظم ملوك الطوائف، فحاصره فيها زماناً لا يجد إليه سبيلاً، حتى رقيت ابنة ملك السّواد يوماً، فرأت أردشير فعشقته فنزلت وأخذت نشابةً وكتبت عليها: إن أنت شرطت لي أن تتزوّجني دللتك على موضع تفتتح منه هذه المدينة بأيسر حيلةٍ وأخفّ مؤونةٍ. ثم رمت بالنشّابة

 

نحو أردشير؛ فكتب الجواب في نشّابةٍ: لك الوفاء بما سألت. ثم ألقاه إليها؛ فكتبت إليه تدلّه على الموضع؛ فأرسل إليه أردشير فافتتحه ودخل هو وجنوده، وأهل المدينة غارّون، فقتلوا ملكها وأكثر مقاتلتها وتزوّجها؛ فبينما هي ذات ليلةٍ على فراشه أنكرت مكانها حتى سهرت لذلك عامّة ليلتها، فنظروا في الفراش فوجدوا تحت المحبس ورقةً من ورق الآس قد أثّرت في جلدها، فسألها أردشير عند ذلك عما كان أبوها يغذوها به؛ فقالت: كان أكثر غذائي الشهد والزّبد والمخّ. فقال أردشير: ما أحدٌ ببالغٍ لك في الحباء والإكرام مبلغ أبيك، ولئن كان جزاؤه عدك على جهد إحسانه مع لطف قرابته وعظم حقّه جهد إساءتك، ما أنا بأمنٍ لمثله منك. ثم أمر بأن تعقد قرونها بذنب فرسٍ شديد المراح جموحٍ ثم يجرى؛ ففعل ذلك حتى تساقطت عضواً عضواً.

بين أخوين وزوجة أحدهما العتبي: سمعت أبي يحدّث ع ناسٍ من أهل الشأم: أن أخوين كان لأحدهما زوجة وكان يغيب ويخلفه " الآخر " في أهله، فهويته امرأة الغائب، فأرادته على نفسها فامتع؛ فلما قدم أاخوه سألها عن حالها، فقالت: ما حال امرأة تراود في كلّ حينٍ! فقال: أخي وابن أميّ!وإني لا أفضحه! ولكن للّه عليّ ألاّ أكلمهّ أبداً. ثم حجّ وحجّ أخوه والمرأة فلما كانوا بوادي الدّوم هلك الأخ ودفوه وقضوا حجّهم ورجعوا؛ فمرّوا بذلك الوادي ليلاً فسمعوا هاتفاً يقول:

أجدّك تمضي الدّوم ليلاً ولا ترى ... عليك لاأهل الدّوم أن تتكلما

وبالدّوم ثاوٍ لو ثويت مكانه ... ومرّ بوادي الدّوم حيّاً لسّلما

فظنتّ المرأة أنّ النداء من السماء، فقلت لزوجها: هذا مقام العائذ كان من أخيك ومنيّ كيت وكيت. فقال: واللّه لو حلّ قتلك لوجدتني سريعاً. ففارقها وضرب خيمةً على قبر أخيه وقال:

هجرتك في طول الحياة وأبتغي ... كلامك لما صرت رمساًوأعظما

ذكرت ذنوباً فيك كنت اجترمتها ... أنا منك فيها كنت أسوا وأظلما

ولم يزل مقيماً حتى مات ودفن بجنب أخيه، فالقبران معروفان.

شعر للأخطل وقال الأخطل:

المهديات لمن هوين مسبةً ... والمحسنات لمن قلين مقالا

يرعين عهدك ما رأيناك شاهداً ... وإذا مذلت يكنّ عنك مذالا

وإذا وعدنك نائلاً أخلفنه ... ووجدت دون عداتهن مطالاً

وإذا دعونك عمهّن فإنه ... نسبٌ يزيدك عندهن خبالاً

قرشيّ وامرأته عن يحيى بن طفيلٍ الجشميّ قال: كان عند رجلٍ من قريش امرأة يحبّها، فسافر عنها، فقالت له: أشيعكّ، فشيعتهّ ثلاث مراحل؛ فلما مضى قالت لخادمها: ناولني بعرةً وروثةً وحصاةً. فناولها، فألقت الروثة وقالت: راث خبرك؛ وألقت البعرة وقالت: وعر سفرك؛ وألقت الحصاة وقالت: حصّ أثرك. فسمعها رجل على الماء فلحقه، فقال له: ما هذه منك؟ قال: امرأتي وأعزّ الناس إليّ. فأخبره بالخبر، فقام على الماء، فلما أمسى أقبل نحو منزله فوجد معها رجلاً، فقتلهما جميعاً.

باب الولادة والولدبين أبي الأسود وزوجته عند زياد في ولدهما خاصمت أمّ عوفٍ - امرأة أبي الأسود الدؤلي - أبا الأسود قبل أن تضعه. فقالت أمّ عوفٍ وضعته شهوةً ووضعته كرهاً، وحملته خفاً وحملته ثقلاً. فقال زياد: صدقت أنت أحقّ به فدفعه إليها.

للرياشي أنشدنا الرّياشي:

غلبت أمّه أباه عليه ... فهو كالكابليّ أشبه خاله

وقال آخر:

واللّه ما أشبهني عصام ... لالاخلق منه ولا قوام

نمت وعرق الخال لا ينام

لبعض بني أسد وقال بعض بني أسدٍ - والقيافة فيهم: لا يخطىء الرجل من أبيه خلةً من ثلاثٍ: رأسه أو صوته أو مشيته.

قيل لرجل: ما أشبه ولدك بك! قال: من ترك وأهله أشبهه ولده قال رجل للجمان: ولدت امرأتي لستة أشهر؛ فقال الجمان: كان أبوها ضارباً للفرزدق وقد عيّرته زوجته بعدم الإنجاب عيّرت نوار - امرأة الفرزدق - الفرزدق بأنه لا ولدّ له؛ فقال الفرزدق:

وقالت أراه واحداً لا أخا له ... يورّثه في الورثين الأباعدا

لعلّك يوماً أن تريني كأنما ... بنيّ حواليّ الأسود الحوارد

فإنّ تميماً قبل أن يلد الحصى ... أقام زماناً وهو في الناس واحد

 

فولد بعد ذلك ولده: سبطة ولبطة وحبطة وغيرهم.

للزيادي بلغني عن الزّيادي قال: كنت مئناثاً فقيل لي: استغفر إذا جامعت؛ فولد لي بضعة عشر ذكراً.

لابن عباس فيما يكتب للمرأة إذا عسرت ولادتها عن ابن عبّاس قال: مرّ عيسى عليه السلام على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها؛ فقالت: يا كلمة اللّه، أدع اللّه أن يخلصني. فقال: يا خالق النّفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلّصها؛ فألقت ما في بطنها. فإذا عسر على المرأة ولادتها فليكتب لها: باسم اللّه، لا إله إلاّ هو الكريم، سبحان اللّه ربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين، " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّةً أو ضحاها " ، " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ " الآية.

باب الطلاقللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنّ أبغض الحلال إلى اللّه الطّلاق " بين رجل وامرأته عند القاضي ابن حنطب الأصمعيّ قال: كان بالمدينة قاضٍ، يقال له: فلان بن المطّلب بن حنطب المخزوميّ قد أدركته " وأم المطّلب: أخت مروان بن الحكم " ، خاصمت إليه امرأةٌ زوجها، وكانت قالت: أجعلتني وأسأت إليّ، واللّه ما تستطيع فئران بيتك أن يمشين من الجهد وما يقمن إلا على الوطن! فقال: أنت طالقٌ إن كنّ " ما " يقمن إلاّ على الوطن. فخبّرته بما قالت وقال؛ فقال ابن المطّلب يطلب له المعاذير: وربّك إن الإبل لتكون بالمكان الجديب الخسيس المرعى فتقيم به لحبّ الوطن. فقال الزوج حين رآه يحتال لئلا يفرّق بينهما: كأنما أشكلت عليه، هي طالقٌ عشرين.

لابن عباس في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء طلّق رجل امرأته عدد نجوم السماء؛ فقال ابن عبّاس: يكفيه من ذلك هقعة الجوزاء.

لأعرابي طلق امرأته ثم ندم وطلّق رجلٌ من الأعراب امرأةً، وكان له منها ابنٌ يقال له حمّادٌ، وندم فقال:

فديت بالأمّ حمّاداً وقلت له ... أنت ابن ذلفاء مني فادن يا ولدي

لا يقربنّ ثلاثاً منكم أحدٌ ... إني وجدت ثلاثاً أشأم العدد

لعلي بن منظور في الطلاق وقال عليّ بن منظور:

ما للطلاق فقدته ... وفقدت عاقبة الطّلاق

طلّقت خير حليلةٍ ... تحت السموات الطّباق

للأصمعي كان الأصمعيّ طلق امرأةً ثم تبعتها نفسه؛ فكتب إليها:

" و " هل رأيتم بعدنا مثلنا ... فما رأينا بعدكم مثلكم

نصيب من يعجبنا خلوةٌ ... منه ولا نجمع من عندكم

قد اتخذنا بعدكم مبدعاً ... لصونكم وليس من شكلكم

إن شئتم لم نتخذه وكا ... ن الصون والبذل جميعاً لكم

أعرابي لامرأته وقال أعرابيّ لامرأته:

تمنّين الطلاق وأنت منّي ... بعيشٍ مثل مشرقة الشّمال

لأعرابي طلق امرأته أميمة وطلّق أعرابيُّ امرأته وقال:

رحلت أميمة بالطّلاق ... وعتقت من رقّ الوثاق

بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي

لو لم أرح بطلاقها ... لأرحت نفسي بالإباق

ودواء ما لاتشتهي ... ه النفس تعجيل الفراق

والعيش ليس يطيب بي ... ن اثنين في غير اتفاق

لابن كناسة، وغيره كانت لمحمد بن كناسة امرأة يبغضها، فمرّ بمصلوب فقال:

أيا جذع مصلوبٍ أتى دون صلبه ... ثلاثون حولاً كاملاً هل تبادل

وما أنت بالحمل الذي قد حملته ... بأضجر منّي بالذي أنا حامل

وقال آخر:

بتّ بخسفٍ في شرّ منزلةٍ ... لا أنا في لذّةٍ ولا فرسي

هذا على الخسف لا قضيم له ... وأنا ذا لا يسوغ لي نفسي

تجهّزي للطّلاق وارتحلي ... ذاك دواء الجوامح الشّمس

ليلتي حين بت طالقةً ... ألذّ عندي من ليلة العرس

الفرزدق وشيخ من بني مضر عن عيسى بن عمر قال: شكا الفرزدق امرأته، فقال له شيخ من بي مضر كان أسنّ منه: أفلا تكسعها بالمحرجات! " يعني الطلاق " ؛ فقال: قاتلك اللّه! ما أعلمك من شيخ!.

لخالد بن صفوان

 

قال خالد بن صفوان: ما بتّ ليلةً أحبّ إليّ من ليلةٍ طلّقت فيها نسائي، فأرجع والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، فتبعث إليّ إحداهن بسليلةٍ مع بنتي فيها طعامي، وتبعث لي الأخرى بفراشٍ أنام عليه.

لامرأة كانت تطلّق كثيراً قيل لامرأة كانت تطلّق كثيراً: ما بالك تطلّقين؟ قالت: يريدون التّضييق علينا، ضيق اللّه عليهم!.

لرجل طلق امرأته طلّق رجل امرأته؛ فقيل له: ما صنعت؟ قال: طلّقتها والأرض من ورائها. أي لا أقرب ناحيةً هي بها.

قول أعرابي لامرأتهد وقال أعرابيّ لامرأته:

أنوّهت باسمي في العالمين ... وأفنيت عمري عاماً فعاما

فأنت الطلاق وأنت الطلاق ... وأنت الطلاق ثلاثاً تماما

بين رجل وأبي حازم الأصمعيّ قال: أتى رجلٌ أبا حازم فقال: إنّ الشيطان قد أولع بي يوسوس لي ويحدّثني أني طلّقت امرأتي. فقال له: وأنا أحدّثك أنك قد طلقتها، أو مافعلت؟ فقال: سبحان اللّه يا أبا حازم! أفتكذّبني وتصدّق الشيطان! شعر لأعرابي طلق امرأته وقال أعرابيّ وقد طلق امرأته:

وما أنا إذ فارقت أسماء طائعاً ... بخيرٍ من السّكران رأيا ولا عقلا

وما زال صرف الدهر حتى رأيتني ... أبيت بها ضيفاً كأن لم أكن بعلا

وقال آخر:

لئن كان يهدي برد أنيابها العلا ... لأفقر منّي إنني لفقير

لقد كثر الأخبار أن قد تزوّجت ... فهل يأتينّي بالطلاق بشير

باب العشّاق سوى عشّاق الشعراء

بين محمد بن قيس ويزيد بن عبد الملك في عاشقين محمد بن قيس الأسديّ قال: وجّهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا بامرأةٍ قاعدةٍ على قارعة الطريق، وإذا رجلٌ رأسه في حجرها كلّما سقط رأسه أسندته، فسلّمت فردّت ولم يردّ الشاب؛ ثم تأمّلتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجرٍ لا مرزئة فيه؟ قلت: سبحان اللّه! وما أحبّ الأجر أليّ وإن رزئت فيه! فقالت: هذا ابني، وكان إلفاً لابنة عمّ له تربيّا جميعاً، ثم حجبت عنه، فكان يأتي الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أن يزوّجها؛ ونحن نرى عيباً أن تزوّج المرأة من رجل كان بها مغرماً، وقد خطبها ابن عمّ لها وقد زوّجت منذ ثلاثٍ، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته! فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل عليّ وقال:

ألا ما للحبيبة لا تعود ... أبخلٌ بالحبيبة أم صدود

مرضت فعادني قومي جميعاً ... فما لك لم تري فيمن يعود

فقدت حبيبتي فبليت وجداً ... وفقد الإلف يا سكنى شديد

وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من بني عمّي عديد

فلو كنت السّقيمة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد

قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت واللّه نفسه ثلاثاً! فدخلني أمرٌ لا يعلمه إلاّ اللّه، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي قالت: هوّن عليك! مات بأجله واستراح ممّا كان فيه، وقدم على ربّ كريم؛ فهل لك في استكمال الأجر؟ هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنعاه إليهم وتسألهم حضورهم. فركبت فأتيت أبياتاً منها على قدر ميلٍ، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع. فبينما أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجرّ رداءه ناشرةً شعرها، فقالت: أيها النّاعي، بفيك الكثكث، بفيك الحجر! م تنعى؟ قلت: فلان بن فلان. فقالت: بالذي أرسل محمداً واصطفاه، هل مات؟ قلت: نعم. قالت: فماذا الذي قال قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فو اللّه ما تنهنهت أن قالت:

عداي أن أزورك يا حبيبي ... معاشر كلّهم واشٍ حسود

أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد

وأمّا إذ ثويت اليوم لحداً ... فدور الناس كلّهم لحود

فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى العبيد

 

ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسّلناه وكفّنّاه وصلّينا عليه، فأكبّت على قبره؛ وخرجت لطيّتي حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت إليه الكتاب؛ فسألني عن أمورالناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئاً؟ قلت:نعم، رأيت واللّه عجباً.وحدّثته الحديث؛ فاستوى جالساً، ثم قال: للّه أنت يا محمد بن قيس! امض الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتى تمرّ بأهل الفتى وبني عمّه، وتمرّ بهم إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان أصابها ما أصابه، فافعل ببني عمّها ما فعلت ببني عمه ثم ارجع إليّ حتى تخبرني بالخبر، وتأخذ جواب ما قدمت له. فمررت بموضع القبر، فرأيت إلى جانبه قبراً آخر، فسألت عنه فقيل: قبر المرأة، أكبّت على قبره، ولم تذق طعاماً ولا شراباً، ولم ترفع عنه إلى ثلاثة أيام " إلا " ميتةً. فجمعت بني عمّها وبني عمّه، وأثبتّهم في شرف العطاء جميعاً.

لرجل من بني تميم في عاشقين ماتا عشقاً عن هشام بن حسّان عن رجل من بني تميم قال: خرجت في طلب ناقةٍ لي، حتى وردت على ماءٍ من مياه طيءٍ، فإذا أنا بعسكرين بينهما دعوة فإذا أنا بفتى شابٍّ وجاريةٍ في العسكر، وإذا هو قد سمع نبرةً من كلامها وهو مريض، فرفع عقيرته وقال:

ألا ما للمليحة لا تعود ... أبخلٌ بالمليحة أم صدود

فلو كنت المريضة كنت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد

فسمعتصوته فخرجت تعدو، فأمسكها النساء، وأبصرها فأقبل ينشد، فأمسكه الرجال فأفلت وأفلتت، فاعتنقا وخرّا ميتين؛ فخرج شيخ من تلك الأخبية حتى وقف عليهما، فاسترجع لهما، ثم قال: أما واللّه لئن كنتما لم تجتمعا حييّن لأجمعنّ بينكما ميّتين. قال: فقلت: من هذا؟ قال: هذا ابن أخي، وهذه ابنتي. فدفنهما في قبر ولحد.

عبد اللّه بن عجلان عن ابن سيرين قال: قال عبد اللّه بن عجلان صاحب هند التي عشقها وكانت تحبّه فطلّقها:

ألا إنّ هنداً أصبحت لك محرماً ... وأصبحت من أدنى حموتّها حما

وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلّب بالكفّين قوساً وأسهما

ومدّ بها صوته ثم مات. قال الأصمعيّ: فيه قال الشاعر:

إن متّ من الحبّ ... فقد مات ابن عجلان

لأعرابي من العذريين قيل لأعرابيّ من العذريينّ: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طيرٍ تنماث كما ينماث الملح في الماء! أما تجلدونّ؟ فقال: إننا ننظر إلى محاجر أعينٍ لا تنظرون إليها.

وقيل لأعرابيّ: ممنّ أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبواّ ماتوا. فقالت جارية سمعته: عذّريّ وربّ الكعبة!.

لعبد الملك بن عمير في أخوين من بني كنّة عن عبد الملك بن عمير قال: كان أخوان من بني كنّة من ثقيف، أحدهما ذو أهل، والآخر عزبٌ، وكان ذو الأهل إذا غاب خلفه العزب في أهله؛ فغاب غيبةً له؛ فجاء العزب يوماً فطلعت عليه امرأة الأخ، وهي لا تعلم بمكانه، وعليها درع يشفّ، فسترت وجهها بذراعيها، فوقعت في قلبه، وجعل يذوب حتى صار كأنه خيطٌ، فقدم أخوه فقال: يا أخي، ما لك؟ قال: لا أدري. واستحيا أن يذكر ما به؛ فانطلق أخوه إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب، فوصفه له؛ فقال: احمله إليّ. فلما نظر إليه قال: أمّا العينان فصحيحتان وأما الجسم فذائب ولا أظن أخاك إلا عاشقاً قال: ترى أخي بالموت وتزعم أنه عاشق! قال: هو ما أقول لك فاسقه الشراب فسقاه الخمر، فقال الشعر ولم يكن الشعر من شأنه فقال:

ألمّا بي إلى الأبيا ... ت بالخيف أزر هنّه

غزال ما رأيت اليو ... م في دور بني كنّه

غزال أكحل العين ... وفي منطقه غنّه

فقال أخوه: واللّه ما أراه إلا كما قال ولكن لا أدري من عني فسقاه شربةً أخرى فقال:

أيها الحيّ اسلموا ... اسلموا ثمت اسلموا

لا تولوا وتعرضوا ... واربعوا كي تكلموا

خرجت مزنة من ال ... بحر ريا تححم

هي ما كنّتي وتز ... عم أني لها حم

قال: يا أخي هي طالقٌ ثلاثاً، فإن شئت فتزوجها. قال: وهي طالقٌ إن تزوجتها. قال غيره. فلما أفاق ذهب على وجهه حياءً ولم يرجع، فهو فقيد ثقيف.

خبر عباس والجارية التي هويها

 

عن أبي مسكين قال: خرج أناس من بني حنيفة يتنزهون إلى جبل لهم، فبصر فتى منهم يقال له عباس بجاريةٍ فهويها، وقال لأصحابه: والله لا أنصرف حتى أرسل إليها. فطلبوا إليه أن يكفّ وأن ينصرف معهم فأبى، وأقبل يراسل الجارية حتى وقع في نفسها، فأقبل في ليلةٍ إضحيانةٍ متنكباً قوسه وهي بين إخوتها نائمةٌ، فأيقظها؛ فقالت: انصرف وإلا أيقظت إخوتي فقتلوك! فقال: والله للموت أيسر مما أنا فيه، ولكن الله عليّ إن أعطيتني يدك حتى أضعها على فؤادي أن أنصرف. فأمكنته من يدها، فوضعها على فؤاده ثم انصرف؛ فلما كان من القابلة أتاها وهي في مثل حالها، فقالت له مثل مقالتها، وردّ عليها وقال: إن أمكنتيني من شفتيك أرشفهما انصرفت ثم لا أعود إليك. فأمكنته من شفتيها فرشفهما ثم انصرف؛ فوقع في قلبها منه مثل النار؛ ونذر به الحي، فقالوا: ما لهذا الفاسق في هذا الجبل! انهضوا بنا إليه حتى نخرجه منه. فأرسلت إليه: إن القوم يأتونك الله فاحذر، فلما أمسى قعد على مرقب ومعه قوسع وأسهمه، وأصاب الحي من آخر النهار مطرٌ وندىً فلهوا عنه؛ فلما كان في آخر الليل وذهب السحاب وطلع القمر، خرجت وهي تريده وقد أصابها الطل، فنشرت شعرها وأعجبتها نفسها ومعها جاريةٌ من الحي، فقالت: هل لك في عباسٍ؟ فخرجتا تمشيان، ونظر إليهما وهو على المرقب، فظن أنهما ممن يطلبه، فرمى بسهم أخطأ فما قلب الجارية ففلقه! وصاحت الأخرى، فانحدر من الجبل وإذا هو بالجارية في دمها؛ فقال:

نعب الغراب بما كره ... ت ولا إزالة للقدر

تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر

ثم وجأ في أوداجه بمشاقصه، وجاء الحي فوجدوهما مقتولين فدفنوهما!.

خبر القس وسلامة المغنية قال خلاد الأرقط: سمعت مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن القس، وهو مولى لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح، وأنه مرّ يوماً بسلامة وهي تغني، فوقف يسمع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك " في " أن تدخل وتستمع؟ فأبى، ولم يزل به فقال: أقعدك في موضع لا تراها ولا تراك. ففعل، ثم غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك " في " أن أحوّلهاإليك؟ فتأبّي. ثم أجاب، فلم يزل " به " حتى شغف بها وشغفت به. وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوماً وقد خلوا: أنا والله أحبك؛ فقال: وأنا والله أحبك. قالت: فأنا أحب أن أضع فمي على فمك؛ قال: وأنا والله. قالت: وأنا والله أحب أن أضع صدري على صدرك؛ قال: وأنا والله. قالت فما يمنعك؟ والله إن الموضع لخال! فأطرق ساعةً، ثم قال: إني سمعت الله يقول: " الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدواً إلا المتقين " ، وأنا والله أكره أن تكون خلّة ما بيني وبينك عداوةً يوم القيامة. ونهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها. وفيه قيل:

لقد فتنت ريا وسلا القسا ... ولم تتركا للقس عقلاً ولا نفسا

ومن شعره فيها:

أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أني أطيع القلب قالا

حياءً منك حتى شفّ جسمي ... وشق عليّ كتماني وطالا

وهو القائل:

قد كنت أعذل في السفاهة أهلها ... فأعجب لما تأتي به الأيام

فاليوم أرحمهم وأعلم أنما ... سبل الغواية والهدى أقسام

وهو القائل:

ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا مرحت في صوتها كيف تصنع

تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في حلقها فترجع

كتاب منية إلى قابوس ورده عليها كتبت منية إلى قابوس: من سن سنة فليرض بأن يحكم عليه بها. ومن سأل مسألة فليرض من العطية بقدر بذله. لكل عملٍ ثوابٌ، ولكل فعل جزاء. ومن بدأ بالظلم كان أظلم. ومن انتصر فقد أنصف. والعفو أقرب إلى العقل. وغير مسيءٍ من أعتب. وغير مذنبٍ من طوّل. " مع " المخض تبدو الزبدة. عند تناهي البلاء يكون الفرج. كل ذي قرحٍ يشتهي دواء قرحه. كل مطمع منتظر. كل آتٍ قريب. مع كل فرحةٍ ترحةٌ. من خبث سنخه غلظ كبده ونام حقده. الموت أروح من الهوى. اليأس أول سبب الراحة. السحر أنفذ من الشعر. دواء كل محب حبيبه. مع اليوم غدٌ. وكما تدين تدان. استشف الله لما بك، واسأله المدافعة عنك. فأجابها:

 

من الكرام تكون الرحمة، ومن اللئام تكون القسوة. من كرم أصله لان قلبه ورق وجهه. ومن عاقب بالذنوب ترك الفضل. ومن ترك الفضل أخطأ الحظ. وم لم يغفر لم يغفر له. ومن حقد واضطغن اكتسب الأعداء. أولى الناس بالرحمة من احتاج إليها فحرمها. لكل كربٍ فرجٌ، ولكل عمل ثوابٌ. من أحب رقّ لكل محب. لا داء أدوى من الهوى، ولا أوهن منه لذي القوى. لا ملكة أكرم من ملكة كريم، ولا قدرة ألأم من قدرة لئيم. ملكت فأسجحي: قدرت فاعفي. ويلٌ للشجي من الخلي. من كان في نعمةٍ لم يدر قدر البلية. من سها عقله فسد عيشه، ومن فسد عيشه كان الموت راحته. الآمال مبسوطة، والآجال معدودة. والمتوقع الموت. وحسرة الموت من مات بغصةٍ. خير الخير أعجله. من أراد معروفاً فلا يتطول. الحب أثقل محمول.

وكتب إليها أيضاً: قلّ من حبيبٍ كتاب، وعظم من محب مصاب. لكل آخر أوّل، مرقاةٌ إلى مرقاة. قد ينمو القليل فيكثر، ويضمحل الكثير فيذهب. من طلب وجد. ومن أدمن الاستفتاح فتحت له الأغلاق. أولى الأمور بالنجاح المواظبة. قد يتبع الظفر البصر، ويتبع البصر التغير والاستثقال، ويتبع الاستثقال الاستبدال؛ ولن يدوم شيء على حال. ولكل همّ فرجٌ. والعناء مقرونٌ بالرجاء. قد يستخرج بالكلمة الحية، وتنشأ من الحبة الشجرة. وفي اللقاء شفاء الغليل، وتنفس الهموم. ارتاد امرءٌ قبل حلوله، وتثبت قبل إقدامه. مع العجلة تكون الندامة، وفي التثبت تكون السلامة. العاقل من ابتدأ عملاً في غير حينه فبلغ في حين وقته. لا ينال بغير دواء شفاء. الصعب يمكن بعد منع. الرفق سبب القدرة. الخرق مفتاح الحرمان. من أسر أسراره دامت له لذاته. ربّ أكلةٍ تمنع أكلات، ولقيه تصدّ عن لقيات.

أبياتٌ في الغزل حسانٌ

يقر بعيني أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود

وأن أراد الماء الذي شربت به ... سليمى فقد ملّ السرى كل واخد

وألصق أحشائي برد ترابه ... وإن كان مخلوطاً بسم الأساود

لأبي صخر الهذلي قال أبو صخر الهذلي:

أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر

لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليقين منها لا يروعهما الذعر

فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وذرت على ما لم يكن بلغ الهجر

ويا حبّها زدني جوىً كل ليلةٍ ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

وصلتك حتى قيل لا يعرف القلى ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر

جبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض العصفور بلّله القطر

هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر

وقال آخر:

أيا خلّة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل

ويا من كتمنا حبّه لم يطع به ... عدوٌّ ولم يؤمن عليه دخيل

أما من مقامٍ أشتكي غربة النوى ... وجور العدا فيه إليك سبيل

وكنت إذا ما جئت جئت بعلةٍ ... فأفنيت علاتي فأيش أقول

وما كلّ يومٍ لي بأرضك حاجةٌ ... وما كل يوم لي إليك رسول

المجنون وقال المجنون:

وإني لأستغشي وما بي نعسةٌ ... لعل خيلاً منك يلقى خياليا

وأخرج من بين الجلوس لعلني ... أحدّث عنك النفس في السر خاليا

وقال أيضاً:

فأدنيتني حتى إذا ما ملكتني ... بقول يحلّ العصم سهل الأباطح

تجافيت عني حين لا لي حيلةٌ ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح

للعباس بن الأحنف ونحوه قول العباس بن الأحنف:

أشكو الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا

واستنهضوني فلما قمت منتهضاً ... من ثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا

لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:

من كان يبكي لما بي ... من طول وجدٍ رسيس

فالآن قبل وفاتي ... " لا عطر بعد عروس "

للعباس بن جرير، ولآخرين

 

وقال العباس بن جرير من ولد خالد بن عبد الله:

ظلّت الأحزان تكحلني ... مضضاً طالت له سنتي

من هوى ظبيٍ كأن له ... أرباً بالصد في ترتي

قد حمى عيني محاسنه ... وحمى تقبيله شفتي

شركت عيناه ظالمة ... في دمي قد عظم ما جنت

لابن الطثرية وقال ابن الطثرية:

وإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ... يقيناً ونروى بالشراب فننقعا

فردّوا هبوب الريح أو غيّروا الجوى ... إذا حلّ ألواذ الحشا فتمنعا

تلفتّ نحو الحيّ حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا

وقال ابن ميادة:

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

ولم يعتذر عذر البريء ولم يزل ... له سكتةٌ حتى يقال مريب

وقال عليّ بن الجهم في رقعة أتته بخطّ جاريةٍ:

ما رقعةٌ جاءتك مثنية ... كأنها خدٌّ على خدّ

نبذ سوادٍ في بياضٍ كما ... ذرّ فتيت المسك في الورد

ساهمة الأسطر مصروفةٌ ... عن ملح الهزل إلى الجدّ

يا كاتباً أسلمني عتبه ... إليه حسبي منك ما عندي

وقال جريرٌ:

أتجمع قلباً بالعراق فريقه ... ومنه بأظلال الأراك فريق

أوانس أما من أردن عناءه ... فعانٍ ومن أطلقن فهو طليق

دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأسهم أعداءٍ وهنّ صديق

وقال آخر:

لذان تضنيهما للبين فرقته ... ولا يملان طول الدهر ما اجتمعا

مستقبلان بساهٍ من شبابهما ... إذا دعا دعوة الداعي الهوى شمعا

لا يعجبان لقول الناس عن عرضٍ ... بل يعجبان لما قالا وما سمعا

لأعرابي وقال أعرابيّ:

وقلن لها سرّاً وقيناك لا يقم ... صحيحاً فإن لم تقتليه فألممي

فأذرت قناعاً دونه الشمس واتّقت ... بأحسن موصولين كفّ ومعصم

فراح وما أدري أفي طلعة الضّحى ... يروّخ أم داجٍ من الليل مظلم

وقال آخر:

يا أحسن الناس من قرن إلى قدم ... لم ألق مثلك في حلّ ولا حرم

يا من تلبّس حسن الغانيات به ... قد خطّ قبلك فيما خطّ بالقلم

لذي الرمة وقال ذو الرمةّ:

وقد كنت أبكي والنّوى مطمئنةٌ ... بنا وبكم من علم ما البين صانع

وأشفق من هجرانكم ويشفّني ... مخافة وشك البين والشمل جامع

وأهجركم هجر البغيض وحبّكم ... على كبدي منه شؤونٌ صوادع

وقال أيضاً:

وقد كنت أخفي حبّ ميّ وذكرها ... رسيس الهوى حتى كأنّ لا أريدها

ما زال يغلو حبّ ميّة عندنا ... ويزداد حتى لم نجد ما يزيدها

وقال:

وما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرّمث لم تخطر على بال ذاكر

حياءٌ وإشفاقاً من الركب أن يروا ... دليلاً على مستودعات الضمائر

وقال آخر:

قل لحادي المطيّ روّح قليلاً ... نجعل العيس سيرهنّ ذميلاً

لا تفقها على السبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السّبيلا

وقال آخر:

فإن يرتحل صحبي بجثمان أعظمي ... يقم قلبي المحزون في منزل الرّكب

ونحوه:

جسدٌ مقيمٌ في الدّيا ... ر وروحه في الطاعنين

وقال آخر:

لعمر أبي المحضير أيّام نلتقي ... بما لا نلاقيها من الدّهر أكثر

يعدّون يوماً واحداً إن أتيتها ... وينسون ما كانت من الدهر تهجر

لحميد بن ثور وقال حميد بن ثور:

وقلن لها قومي فدنياك فاركبي ... فأومت بلا لا غير ما أن تكلّما

يهادينها حتى لوت بزمامه ... بناناً كهدّاب الدّمقس ومعصما

من البيض عاشت بين أمّ عزيزةٍ ... وبين أبٍ برّ أطاع وأكرما

منعّمةٌ لو يصبح الذّر سارياً ... على جلدها نضت مدارجه دما

 

فما ركبت حتى تطاول يومها ... وكانت لها الأيدي إلى الحدب سلّما

فجرجر لما كان في الخدر نصفها ... ونصفٌ على دأياته ما تحرّما

وما كاد لمّا أن علته يقلّها ... بنهضته حتى اطمأنّ وأعصما

وحتى تداعت بالنّقيص حباله ... وهمّت بواني زوره أن تحطما

وأثّر في صمّ الصّفا نفثاته ... ورّمت سليمى أمره ثم صمّما

فسبّحن واستهللن لما رأينه ... بها ربذاً سهل الأراجيح مرجما

من البيض مكسالٌ إذا ما تلبّست ... بحبل امرىء لم ينج منها مسلّما

رقودٌ الضّحى لا تقرب الجيرة القصى ... ولا الجيرة الأذنين إلا تجشّما

وليست من اللاّتي يكون حديثها ... أمام بيوت الحيّ إنّ وإنّما

لقيس بن ذريح وقال قيس بن ذريح:

تعلّق روحي قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنّا نطافاً وفي المهد

فزاد كما زدنا فأصبح نامياً ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد

ولكنّه باقٍ كلّ حادثٍ ... وزائرنا في ظلمة القب واللّحد

يكاد حباب الماء يخدش جلدها ... إذا اغتسلت بالماء من رقّة الجلد

ولو لبست ثوباً من الورد خالصاً ... لخدّش منها جلدها ورق الورد

يثقّلها لبس الحرير للينها ... وتشكو إلى جارتها ثقل العقد

وأرحم خدّيها إذا ما لحظتها ... حذاراً للحظي أن يؤثر في الخد

تم كتاب النساء،وهو الكتاب العاشر من عيون الأخبار، لابن قتيبة رحمة اللّه عليه، وتمّ بتمامه كتاب عيون الأخبار. وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر ابن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

والحمد للّه رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه ومظهر حقّه محمد وآله أجمعين " جاء في أوّل الجزء العاشر على ظهر الصفحة الأولى من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي " أ. " ما يأتي "

قال لي قائل وقد لاح في فو ... ديّ مستشرقاً بياض القتير

لم يعرف البياض بيض الغواني ... قلت علمي وأنت عين الخبير

ليس كره النساء للشّيب إلا ... أنه منذرٌ بنوم الأيور

لعلي عليه السلام في صفة الجماع روي عن عليّ عليه السلام أنه سئل عن صفة الجماع فقال: عوراتٌ تجتمع وحياءٌ يرتفع، إذا ظهر للعيون كان أشبه بالجنون. الإقامة عليه هرم، والإفاقة منه ندم؛ ثمرة حلاله الولد، إن عاش أفتن، وإن مات أحزن:

إذا لم يكن في منزل المرء حرّةٌ ... مدبرةٌ ضاعت مروءة داره

بين عبد الملك بن مروان وجماعة من الشعراء وقيل: اجتمع جماعةٌ من الشعراء عند عبد الملك بن مروان فتذاكروا بيت نصيب وهو قوله:

أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعدٍ من يهيم بها بعدي

فما في القوم إلا من عابه وأزرى على نصيب فيه، فقال عبد الملك: فما كنتم تقولون أنتم؟ فقال واحد منهم: كنت أقول يا أمير المؤمنين:

أهيم بدعدٍ ما حييت وإن مت ... فيا ليت شعري من يهيم بها بعدي

فقال له عبد الملك: أنت أسوأ رأياً من نصيب. فقالوا: فماذا كنت تقول أنت يا أمير االمؤمنين؟ قال: كنت أقول:

أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعدٌ لذي خلّةٍ بعدي

فقالوا: أنت واللّه أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين.